بات اليوم عدد كبير من المواطنين عاجزين عن الوصول إلى تحاليل كوفيد-19، ليس لغلائها وإنما لغيابها، ما يجعلهم يعيشون معاناة مع الشك والتخوفات. غياب التحاليل، وعدم الحصول على العلاج في الوقت المناسب يعرض حياة عشرات المواطنين للخطر، ويزيد من احتمال تدهور حالتهم الصحية، ووصولهم إلى المستشفى في حالة خطيرة أو حرجة، ما يعقد علاجهم، خاصة مع امتلاء أسرة الإنعاش بعدد من المدن، سواء بالقطاع العام أو الخاص. انخفاض التحاليل بعد أن كان المغرب يجري أزيد من 20 ألف تحليل مخبري يوميا بالمختبرات العمومية، في وقت لم يكن يسمح فيه بعد للقطاع الخاص بإجراء هذه التحاليل، يلاحظ اليوم التراجع الكبير في عدد التحاليل، التي بلغ متوسطها اليومي في الأسبوع الماضي حوالي 17 ألف تحليلة، رغم توسع دائرة انتشار الفيروس، التي تفرض زيادة التحاليل لا تقليصها. ويأتي تراجع عدد التحاليل المخبرية مع إعلان وزارة الصحة التوقف عن إجراء التحاليل الاستباقية، وعدم الكشف على المخالطين، والاكتفاء بالمخالطين كبار السن أو الذين يعانون من أمراض مزمنة، ما يجعل فئة كبيرة من المخالطين والحاملين للأعراض مقصيين من إجراء التحاليل، فضلا عن صعوبة إجراء التحاليل حتى بالنسبة لكبار السن في بعض المدن. وفي هذا السياق، انتقد علي لطفي رئيس الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة والحق في الحياة تغيير وزارة الصحة لاستراتيجيتها في إجراء التحاليل من شهر لآخر، دون أن يكون التغيير مبنيا على معطيات علمية دقيقة، وتشخيص انطلاقا مما يقع بالجهات، فحتى اللجنة العلمية التي تقف وراء هذه التغييرات تتواجد في مكاتب مغلقة، ولا يعرف لحد الآن من هم الأعضاء الذين تتشكل منهم، ولا كيف يبنون استراتيجيات زيادة أو تقليص التحاليل. وتساءل لطفي في حديثه لموقع "لكم" عن الفائدة من استراتيجية التشخيص المبكر التي اعتمدها المغرب، والتي أدت إلى ارتفاع عدد الكشوفات اليومية، وما إذا كانت قد أعطت أكلها، وقلصت من عدد الحالات، رغم أن الواقع يؤكد العكس تماما، فحالات الإصابة في ارتفاع مستمر، متسائلا عما إذا كان التقليص من التحاليل مبني بدوره على معطيات علمية. تلاعب بالأرقام في الوقت الذي كان ينتظر أن يؤدي التوقف عن إجراء التحاليل الاستباقية إلى تخفيف الضغط على بنية التحاليل، إلا أن شهادات المواطنين تؤكد عجز العديد منهم عن إجراء الاختبار، وباتت بعض المستشفيات العمومية تحصر إجراء التحاليل على الحالات الخطيرة، في حين أن قلة أو انعدام المختبرات الخاصة، يجعل علاج عدد من حاملي الأعراض معلقا. وإلى جانب برلمانيين وأخصائيين أكدوا تلاعب وزارة الصحة بالأرقام، انطلاقا من التلاعب بعدد التحاليل، أشار رئيس الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة والحق في الحياة، إلى أن هناك بعض الجهات لا تتعدى 150 تحليلة في اليوم، ما يجعل حقيقة نسبة انتشار الفيروس في الجهات غير دقيقة، بل مبنية فقط على عدد التحاليل، وهو تغليط كبير للرأي العام. واعتبر لطفي أن الواقع الحقيقي لتفشي الوباء، يؤكد أن المغرب في وضع لا يحسد عليه، وأن الفيروس ينتشر بسرعة في عدد من الجهات، وفي ظل شح التحاليل التي يتم إجراؤها فإن الأرقام التي تعلن عنها وزارة الصحة يوميا مضللة للواقع، والوضع يزداد تأزما مع تزايد عدد المصابين كل يوم، ليبقى الأمل في اللقاح كوسيلة للحد من انتشار الوباء. استخفاف بحياة المواطنين من الأسباب التي تفسر وصول المواطنين في حالة خطيرة أو حرجة للمستشفيات، العجز عن إجراء التحاليل والتشخيص المبكر للمرض، سواء لقلة ذات اليد أو لغياب التحاليل، أو لإعمال منطق الزبونية والمحسوبية في إجرائها، كما أكد على ذلك عدد من البرلمانيين أمام وزير الصحة، ما يجعل المواطنين أمام مسار طويل من المحاولات، قد لا تتحقق النتيجة المرجوة منه إلا بعد فوات الأوان. كما أن تقليص نسبة المستفيدين من التحاليل، وحرمان عدد كبير من الشباب منها، حتى وإن لم يشكل مصدر تهديد لحياتهم، فإنه يشكل مصدر تهديد لعائلاتهم والناس الذين يخالطونهم، خاصة من كبار السن وذوي الأمراض المزمنة، وما لم يتم إجراء التحاليل بالشكل المطلوب، وإخضاع المرضى للبروتوكول الصحي وتفادي التواصل المباشر والقرب من المسنين، حسب لطفي، فإن ذلك سيجعل حياة ذوي الهشاشة الصحية في خطر دائم. وإلى جانب ذلك، سلط المتحدث الضوء على بعض السلوكات التي تعد استخفافا كبيرا بحياة المواطنين، إذ تلجأ بعض مديريات الصحة، إلى تقليص عدد التحاليل المخبرية للظهور وكأن ليس لديها مصابون وأن العمل الذي تقوم به إيجابي، ولو على حساب صحة وحياة المواطنين. وأشار لطفي في هذا الصدد، إلى المديرية الجهوية للصحة بفاس، التي توجه العاملين والمسؤولين إلى عدم القيام بإجراء التحاليل "PCR" إلا للأشخاص الذين يتواجدون في حالة خطيرة، أو الذين يأتون في سيارات الإسعاف وهم مهددون بالموت، في حين منعت مختبرات القطاع الخاص من إجراء التحاليل. علاج وقائي مع صعوبة الولوج إلى التحاليل، وامتلاء الطاقة الاستيعابية لبعض المستشفيات والمصحات، وغيرها من العقبات التي يصدم بها المواطنون في رحلة معانتهم مع كوفيد-19، بدأ المواطن المغربي يلجأ لعلاج نفسه بنفسه عن طريق اقتناء الأدوية اللازمة، ومباشرة العلاج في منزله، حتى دون التأكد من إصابته. ويؤكد لطفي أن المواطن المغربي تجاوز استراتيجية الوزارة بخصوص التحاليل، وبات كلما شعر بالأعراض المشابهة لكورونا، يسلك مسلك العلاج الوقائي بأخذ الأدوية التي توصف لمرضى كورونا والتي باتت معروفة، حتى إن أغلبية المغاربة باتوا يتوفرون على هذا الدواء بمنازلهم، ما أدى إلى قلته بالصيدليات. لكن هذا المسلك، يضيف لطفي، ليس في متناول الجميع، لأن الفقراء والمعوزين، غير قادرين على اقتناء الأدوية اللازمة، والمستشفيات العمومية لم تعد تعطي الأدوية، اللهم بعض المسكنات. كما أن العلاج الاستباقي، بات اليوم يصطدم بفقدان الأدوية الموصوفة لمرضى كورونا من الصيدليات، وهو ما سبق للشبكة أن نبهت الوزير إليه، كما نبه إليه الصيادلة. وفي هذا الصدد، أبرز رئيس الشبكة أن المفروض على مختبرات الأدوية أن تتوفر على المخزون الاحتياطي من الدواء، كي لا يتم فقدان الدواء، وهنا تُساءل وزارة الصحة عن عدم قيامها بدورها، فالدواء حق للمواطن والمفروض أن يجده بالصيدليات.