دعم دولي متصاعد لمغربية الصحراء ومبادرة الحكم الذاتي: توافق عالمي لإنهاء النزاع الإقليمي    بفضل رؤية الملك محمد السادس.. المغرب يرسخ موقعه كفاعل رئيسي في استقرار إفريقيا والمتوسط والمنطقة العربية    مقدونيا الشمالية تشيد بالإصلاحات المغربية والمبادرات الأطلسية الملكية لتعزيز التنمية والاستقرار في إفريقيا    بنسعيد يرفض اقتراع اللائحة في "مجلس الصحافة"... وشهيد يحذر من "وأد" الوزير للنقابة الوطنية للصحافة    نائب برلماني يسخر من وزير الصحة: "ChatGPT أجابني أفضل منك"    البنك الإفريقي يدعم الفلاحة التضامنية    "اللبؤات" يختمن الإعداد لمواجهة غانا    التهراوي: الوزارة تروم ضمان العدالة في الولوج إلى الدواء عبر مراجعة التسعيرة    إسرائيل ترفض دعوة 25 دولة لإنهاء حرب غزة.. وغوتيريش "مستاء"    الريسوني: نجاح ورش العقوبات البديلة رهين بتوفير بنية تحتية ولوجيستية ويجب رفع الوعي القضائي والمجتمعي بأهميته    كرة القدم.. طارق السكتيوي يكشف يوم الأربعاء المقبل عن لائحة المنتخب المغربي المشاركة في بطولة إفريقيا للاعبين المحليين    طاطا.. إحباط محاولة للتهريب الدولي للمخدرات وحجز 598 كيلوغراما و 500 غراما من مخدر الشيرا    غوتيريش: "آخر شرايين الحياة" لسكان قطاع غزة على شفا الانهيار    وفاة وعدة جرحى في حادث مأساوي خلال موكب زفاف بإقليم الدريوش    وزير الصحة: التوصل إلى صيغة توافقية لمرسوم جديد سيسمح بخفض ملموس لأسعار الأدوية    أوضاع غزة تقلق مثقفين في المغرب    درك الحسيمة يفك لغز العثور على جثة قرب شاطئ السواني    والي بنك المغرب: المنصات التكنولوجية العالمية تهدد أنظمة الدفع الوطنية    الأرجنتين تؤكد أن المغرب يتموقع ك»سوق استراتيجية» لتدويل منتجاتها    المنظمة المغربية لحقوق الإنسان تدين الاعتداءات العنصرية على المغاربة في إسبانيا    المنتخب المغربي يتوج ببطولة إفريقيا ويتأهل إلى بطولة العالم للتنس    المملكة المغربية وجمهورية مقدونيا الشمالية تجددان التأكيد على رغبتهما المشتركة في تقوية شراكتهما    ميناء آسفي : ارتفاع مفرغات الصيد البحري    تنفيذ المرحلة الثالثة من حملات الإغاثة المغربية لغزة    احتضن فعاليته المخيم الحضري الأميرة لالة مريم بعين الذياب .. أطفال جمعية «أمل لذوي الاحتياجات الخاصة الذهنية» يودعون منتداهم الصيفي المنظم في الدارالبيضاء    ليلة العيطة تجمع نجوم التراث الشعبي على منصة واحدة بالعاصمة    الطالب الباحث سمير عثمان يناقش أطروحة الدكتوراه حول أثر اعتماد معايير IFRS في السياق المغربي    في بيان الدار البيضاء للمسرح الجامعي .. «قصص رائعة لبقية الحياة» لأكاديمية الفنون المسرحية من إيطاليا تفوز بالجائزة الكبرى    جددت التزام الاتحاد الاشتراكي بمواصلة النضال إلى جانب الشعب الفلسطيني .. خولة لشكر تستقبل وكيل دائرة حقوق الإنسان والمجتمع المدني بمنظمة التحرير الفلسطينية    بورصة البيضاء تنهي تداولاتها على وقع ارتفاع طفيف    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    "سوبر مان" يواصل تصدر شباك التذاكر في أمريكا الشمالية    روما الإيطالي يعلن تعاقده مع المغربي نائل العيناوي    المصلحة البيطرية بتازة تكشف حقيقة "هياكل الحمير" بواد أمليل    البيضاء.. الأمن يُطيح بمشتبه به في قضية ضرب وجرح خطيرة بسلاح أبيض    العرائش تخرج عن بكرة أبيها… وتصرخ: "أعيدوا لنا شرفتنا!"    مجموعات تراثية في فن لوناسة تضيء سماء تارودانت    ما حقيقة إصابة الفنانة أنغام بسرطان الثدي؟..بيان رسمي يوضّح        "يوم الصفر".. الولايات المتحدة الأمريكية تتعرض لهجوم سيبراني غير مسبوق    هل تخلص مولودية وجدة من إرثه الثقيل؟    "المهرجان السوسيو ثقافي لمقريصات في دورته التاسعة..منصة لإبراز تنوع وغنى الموروث الثقافي للمنطقة "    نبيل الأيوبي يتوَّج بلقب "نجم العيطة" في أولى محطات مهرجان العيطة المرساوية بالجديدة    مارسيليا يرفض عرض جيرونا لضم أوناحي ويصفه ب"السخيف"    تير شتيغن يخضع لجراحة في الظهر تُثير الشكوك حول استمراره مع برشلونة        مصرع 18 شخصا بسبب الأمطار الغزيرة والانهيارات الأرضية    مكتب نتنياهو يٌعلن إصابته بتسمم غذائي.. والصحافة العبرية تتهمه بافتعال المرض للتهرب من محاكمته    أولمبيك آسفي يتعاقد مع عماد عسكر        دراسة تكشف العلاقة بين سمات الشخصية والرياضة المناسبة    لماذا تختلف القدرة على تحمل الألم من شخص لآخر؟    ترامب يغيّر وصفة "مشروب القمامة" وسط تحذيرات من مخاطر "كوكاكولا"    زمن النص القرآني والخطاب النبوي    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إعادة البناء
نشر في لكم يوم 07 - 01 - 2013

اليسار "التقليدي" المغربي، اليوم، مريض ومعتل ومسلول وواهن. مرض اليسار له وجهان : فقدان القوة، وفقدان المصداقية. ليس الحل في مباشرة نوع من التجميع العددي والتكتيل البشري ومواجهة ظاهرة البلقنة فقط. لن يصبح اليسار المغربي يسارًا حقيقيًا ولن يسترجع بعضًا من أمجاده وإشعاعه بمجرد لم الصفوف واستيعاب أكثر مكوناته وهيئاته ورموزه في بنية تنظيمية واحدة. لن يكون ذلك كافيًا لكي تستعيد الجماهير ثقتها في اليسار، ولكي ترتبط به من جديد وتمنحه أصواتها وتُحَمِّلَهُ مسؤولية تمثيلها، ولكي تُصَدِّقَ خطابه وتأتمنه على مستقبلها وتعتبر أنه عاد إلى تمثل قيم الصدق والوفاء وإلى ممارسة السياسة باعتبارها خدمة عمومية واختيارًا نضاليًا وتعاقدًا جديًا. لم يعد اليسار قادرًا على تصدر النتائج الانتخابية، ولم يعد قادرًا على تحقيق نوع من التوازن مع الحركة الإسلامية.
ومشكلة اليسار "التقليدي" لا يمكن أن تُختزل في وجه تقني، فهي ليست مشكلة محاربة التشتت وتحسين تسويق البضاعة، بل هي أكبر من ذلك، إنها تتجلى، بكل بساطة، في كونه خيَّب آمال الناس فيه، وانخرط في سياسات أبعدته عن جوهر مشروعه، وأخلف وعوده، وتبنى برامج الآخرين عمليًا، وقبل بأنصاف حلول غير ضرورية، وانتهج خيار المشاركة الحكومية من أجل المشاركة، وتنازل عن مطالب ديمقراطية أساسية، وتماهى مع كائنات حزبية ذيلية واستعار وسائلها.
ومشكلة "اليسار غير التقليدي"، هي أنه فشل في خلق البديل، فقد انعكست عليه آثار خطايا "اليسار التقليدي" وفشل تجربة التناوب، حتى وإن لم يُشارك فيها؛ ومع ذلك، فهو لم يبدد رأسماله الرمزي. وطبعا، يتحمل اليسار غير المشارك في الحكومة جزءًا من مسؤولية فشله، لأنه أحيانًا ركَّز على نقد تجربة اليسار المشارك أكثر من تركيزه على مهمة إعادة البناء، ولأنه غَلَّب الانشغالات "النظرية"، أحيانًا، على الانشغالات "العملية"، ولأنه لم يحسن استغلال جهود مناضليه المشتتة في مواقع متعددة ولم يصهرها في بوتقة مشروع واحد.
وبالنظر إلى الدور المركزي الذي لعبه الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في تاريخ اليسار المغربي، فلقد ظل اليساريون، باختلاف مدارسهم وإطاراتهم، ينتظرون ما سيصنعه هذا الحزب، وما إن كان سيفتح مؤتمره الوطني التاسع إمكان حل مشكلة اليسار المغربي وإعادة البناء من داخل الاتحاد الاشتراكي نفسه، وليس من خارجه.
لكن بعد انعقاد الشوط الأول من المؤتمر، يظهر من خلال ردود الفعل التي أعقبته أن الأمل في "حل مشكلة اليسار المغربي" من داخل الاتحاد الاشتراكي تضاءل بشكل ملموس.
مشهد افتتاح المؤتمر تميز بحضور أغلب الرموز التي ارتبطت بالتجربة الاتحادية، وكان العناق بينها حارًا والحنين إلى الماضي باديًا على الوجوه، مع إحساس بأن الأشياء ليست على ما يرام، وبأن هناك حاجة إلى تغيير عميق، ولكن مع اقتناع أيضًا بأن مسلسل تحضير المؤتمر لن يسمح، ربما، بحصول هذا التغيير؛ ومع ذلك، كان هناك من ينتظر حصول المعجزة.
المعجزة هي أن ينجح الاتحاد في استرجاع عافيته ووظائفه وأخلاقه وارتباطه بمشروعه الأصلي، وأن يقود في ذات الوقت حركة إعادة بناء اليسار المغربي. وبعبارة أخرى، كان هناك من ينتظر أن يتحول الاتحاد رمزيًا إلى "حزب حركة 20 فبراير"، أي أن ينزل إلى الشارع من أجل إنجاز الانتقال الديمقراطي ومحاربة الفساد.
انتُخب الأستاذ ادريس لشكر على رأس الحزب، وتوصل الكثيرون إلى أن المعجزة لم تحصل.
أن تحصل المعجزة معناه :
أن يتبنى الحزب خطا سياسيًا يحترم الوجه التعاقدي للسياسة، ويوضح طبيعة برنامجه وطبيعة حلفائه، بدون لعب على الحبال أو جمع للمتناقضات، ويقرر احترام تعاقده مع مناضليه وناخبيه، ويحدد مسبقًا المبادئ الموجهة لتحركه السياسي؛
أن ينطلق من أن الانتقال الديمقراطي في بلادنا لا يكون إلا بملكية برلمانية، وفق المتعارف عليه كونيًا، وأن معركة إرساء هذه الملكية معركة لا تقبل التعليق أو التأجيل أو التقسيط، وأن على بلادنا أن تتجاوب مع متطلبات التحول السياسي العميق الذي يغمر المنطقة المغاربية والعربية؛
أن يربط الحزب مشاركته الحكومية بحصول اليسار على الأغلبية، واتفاقه المسبق على برنامج مشترك، وفي ظل دستور يمنح الحكومة وسائل تطبيق برنامجها بالكامل، ويضع القرار، في مختلف أبعاده، بين أيدي المنتخبين حتى يتم تأمين ربط المسؤولية بالمحاسبة. هذا مع وقف كل أشكال التحالف مع الأحزاب الفاقدة لاستقلاليتها، والالتزام، في ممارسة المعارضة، بالمدلول الذي يجعلها تمتد إلى كل حقول القرار الفعلية؛
أن يعتمد على الوسائل النزيهة والعقلانية في العمل السياسي، ويرفض سياسة جلب الأعيان من الأحزاب الإدارية وأسلوب غض الطرف عن الامتيازات التي قد تُمنح في الخفاء لمرشحي الحزب، وعن المخالفات والعمليات غير النظامية التي قد يباشرونها، ومحاسبتهم وتتبع نشاطاتهم، والتخلي نهائيًا عن خطة المقعد بأي ثمن؛
أن يعطي المعنى الاشتراكي الديمقراطي التقدمي للبرنامج الذي يطبقه على الأرض، وألا يكون مصير الشعارات التي يتم ترديدها هو تجاهلها في الممارسة، وألا يقع استسلام ل "برنامج الدولة القار" بتحالفاته الخارجية ومقارباته لقضية الصحراء وشؤون الأمن والتطبيع والمشاركة في النادي الأمريكي للحرب على الإرهاب والخوصصة وتفويت تدبير القطاعات الأساسية واعتبار الدفاع عن هيبة الدولة مبررًا للقمع ولمحاربة الشفافية... إلخ؛
أن يترجم، في اختياره التنظيمي، معنى الانتماء إلى مدرسة الاشتراكية الديمقراطية من خلال الاعتراف بالتيارات، وقبول تعايش الرأي والرأي المخالف، ومنح ضمانات تنظيمية للأعضاء بأن اللوجستيك الحزبي لن يُستخدم في التباري الداخلي لفائدة تيار أو فئة من المناضلين، وضمان نوع من الرقابة "الخارجية" على تدبير مساطر الانتخاب؛
أن يفتح ذراعيه للمكونات اليسارية الأخرى باعتباره نواة تشكيل الحزب الاشتراكي الكبير، على قاعدة تصحيح المسار، ونقد ممارسة المراحل السابقة، واستعداد القيادات المسؤولة عن تلك الممارسة لإفساح المجال أمام قيادات جديدة تتولى رعاية مسلسل الانطلاقة اليسارية الجديدة.
إن تضاءل الأمل في قيام الاتحاد الاشتراكي بهذه الثورة لا يمكن اختزاله في انتخاب الأستاذ ادريس لشكر على رأس الحزب، بل هو يرجع إلى مجمل الظروف التي أحاطت بتحضير المؤتمر التاسع. ومع ذلك، فإن عددًا من الملاحظين أحسوا، بعد ذلك الانتخاب، بأن الكاتب الأول الجديد ينتمي إلى مدرسة في التفكير والعمل تتعارض منطلقاتها مع متطلبات التغيير وإعادة البناء. طبعًا، ليس من حق أحد أن يمارس الوصاية على مؤتمري الحزب، فقد مارسوا حقهم واختاروا كاتبهم الأول، ولكن هذا لا يمنع الناس خارج الحزب من التساؤل، عمومًا، عن قدرة هذا الشخص أو ذاك على القيام بهذه المهمة أو تلك.
إن الناس، مثلاً، يتذكرون دور لشكر في حسم إشكال المؤتمر السادس للاتحاد الاشتراكي. كان الحزب قد وصل إلى منعطف تَوَاجَهَ فيه رأيان متعارضان بخصوص تجربة التناوب. المنهجية التي اعتُمدت في "الحسم" اعتبرت أن الرأي المخالف مضر بالحزب وبالوطن، وما كان له أن يكون، وأن الدفاع عن وحدة الحزب ومصلحة الوطن تقتضي عمل كل ما هو مطلوب حتى لا يؤول مصير الحزب إلى أيدي "العدميين"، ولو بإعلان أن منخرطي الحزب بباديتي العرائش والشاون وحدهما يبلغون خمسة آلاف منخرط (أي تقريبًا %10 من أعضاء الحزب !). كانت هناك منهجية أخرى ممكنة وهي اعتماد نظام تعدد التيارات ومسطرة تعقيبية تسمح باستئناف قرارات لجنة الإحصاء الحزبي لدى لجنة مستقلة عن "المركز"، وهو ما لم يدافع عنه آنذاك الكاتب الأول الحالي.
والناس يتذكرون دور لشكر في الدفاع عن القوانين الانتخابية الإقصائية التي بمقتضاها كان سيتم منع أغلب الأحزاب القائمة من حق التقدم للانتخابات. لا شك أن الكثير من مكونات اليسار تَشَكَّّل لديها انطباع سيء عن الرجل. وإذا كان لا يمكن لنا جميعًا أن نبقى أسرى الماضي وأن نحكم مسبقًا بأن الأفراد لا يتغيرون نحو الأحسن، فإن الكاتب الأول الجديد سيواجه، بكل تأكيد، مشقة كبيرة لتقديم نفسه، أمام تلك المكونات، كرمز لتجميع الطاقات اليسارية.
والناس يتذكرون تهديد لشكر بخلق تحالف مع العدالة والتنمية ضد حزب الأصالة والمعاصرة، ثم دخوله الحكومة بعد ذلك، والتغيير المفاجئ لموقفه من حزب الهمة. مثل ها التقلب في المواقف لا يبعث على الاطمئنان، وقد يدفع بالبعض إلى ربطه بالاستراتيجيات الفردية.
قد يستطيع ذ لشكر تأمين بعض أوجه تنشيط الآلة الحزبية، ولكنه كقائد مثقل بآثار الشروط التي جرى فيها تحضير المؤتمر، ومخلفات هذا المؤتمر، وعناصر شخصيته التي عُرفت عنه حتى الآن، قد لا يفلح في الارتقاء بالحزب إلى مستوى إنجاز مهمة إعادة بناء اليسار المغربي من داخل الاتحاد الاشتراكي. ومعنى ذلك أن هذه المهمة يتعين، ربما، في هذه الحالة، أن تُنجز من خارج الاتحاد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.