قدّمت وزارة الداخلية المغربية أمام مجلس النواب واحداً من أوسع حزم التعديلات على المنظومة الانتخابية منذ عشر سنوات، في خطوة تقول الحكومة إنها ترمي إلى "تخليق الحياة السياسية" وتعزيز نزاهة الاستحقاقات المقبلة، لكنها في الوقت نفسه تحمل طابعاً ضبطياً صارماً يوسع من دائرة العقوبات، خصوصاً في ما يتعلق باستعمال الشبكات الرقمية والذكاء الاصطناعي خلال الحملات الانتخابية. وقال وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت، خلال تيدمه المشاريع الثلاثة أمام لجنة الداخلية والجماعات الترابية والسكنى وسياسة المدينة، إن مشاريع القوانين المقدَّمة ، والتي تخص اللوائح الانتخابية، والقانون التنظيمي لمجلس النواب، والقانون التنظيمي للأحزاب السياسية، تأتي في إطار "تصور شمولي" يهدف إلى رفع مستوى الثقة في العملية الانتخابية وصيانة سمعة المؤسسات المنتخبة داخلياً وخارجياً.
إصلاح قانون الأحزاب: رفع السقف التنظيمي وتشديد شروط التأسيس وقدم لفتيت أيضاً مشروع القانون التنظيمي رقم 54.25 المتعلق بالأحزاب السياسية، والذي يهدف إلى "إضفاء مزيد من الجدية على العمل الحزبي". ويقترح المشروع رفع عدد أعضاء التصريح بتأسيس الحزب إلى 12 عضواً يمثلون جميع الجهات، بينهم أربع نساء على الأقل، ورفع عدد الأعضاء المؤسسين إلى 2000 عضو، شرط أن لا تقل نسبة النساء والشباب عن 20 في المائة لكل فئة. كما ينص المشروع على توسيع قاعدة الفئات الممنوعة من تأسيس الأحزاب أو الانخراط فيها لتشمل أطر وموظفي وزارة الداخلية، في إطار ما وصفه الوزير ب"تكريس حياد الإدارة الترابية". ويتيح النص رفع سقف التبرعات إلى 800 ألف درهم لكل متبرع سنوياً، والسماح للأحزاب بتأسيس شركات خاصة مملوكة لها بالكامل، شريطة أن يكون نشاطها مرتبطاً بالعمل السياسي والتواصلي. ضبط اللوائح الانتخابية وتشديد الرقابة الرقمية وأكد لفتيت أن مشروع القانون رقم 55.25 الخاص باللوائح الانتخابية يهدف إلى تطوير الإطار القانوني المنظِّم للقيد ونقل القيد وحصر اللوائح، مبرزاً أن "سلامة اللوائح هي المدخل الأساسي لانتخابات شفافة ونزيهة". وينص المشروع على تحديد سن التسجيل في 18 سنة، ومأسسة التسجيل عبر الإنترنت للمغاربة داخل وخارج البلاد. ويذهب النص نحو صرامة أكبر في ضبط مكان القيد، إذ يُلزم كل ناخب غيّر مقرّ إقامته الفعلية بتقديم طلب نقل القيد إلى الجماعة الجديدة، تفادياً لأي استعمال سياسي للانتقال الموسمي للناخبين. أما أكثر المقتضيات إثارة للنقاش، فتتعلق بالتجريم الصريح لاستعمال شبكات التواصل الاجتماعي، والبث المفتوح، والذكاء الاصطناعي، والمنصات الرقمية في إنجاز أو نشر استطلاعات رأي مرتبطة بالانتخابات خلال الفترات المحظورة قانوناً. وينص المشروع على رفع العقوبات الحبسية والغرامات المالية، مع مضاعفة الغرامة إذا كان مرتكب المخالفة شخصاً معنوياً. تخليق الانتخابات: منع الترشح وتشديد العقوبات وفي عرضه لمشروع القانون التنظيمي رقم 53.25 الخاص بمجلس النواب، شدد لفتيت على أن التحدي الأبرز في المرحلة المقبلة هو "التخليق النهائي للحياة السياسية والانتخابية". ويقترح المشروع منع الترشح عن كل شخص ضُبط في حالة تلبس بارتكاب جرائم انتخابية، أو صدر في حقه حكم ابتدائي أو استئنافي في قضايا جنائية أو في المخالفات التي تؤدي إلى فقدان الأهلية الانتخابية، إضافة إلى الأشخاص المعزولين من مهام انتدابية. ويعتمد المشروع مقاربة زجرية صارمة في مواجهة أي فعل يرمي إلى المساس بسلامة أو صدقية نتائج الاقتراع، من خلال تشديد العقوبات السالبة للحرية والغرامات. كما يجرّم المشروع استخدام الوسائط الرقمية لنشر منشورات أو دعاية انتخابية يوم الاقتراع، أو نشر أخبار زائفة أو محتوى يهدف إلى التأثير في إرادة الناخبين أو إحداث اضطراب في عمليات التصويت. آليات جديدة لتمثيلية النساء والشباب وتشمل التعديلات إعادة تنظيم الدوائر الجهوية لضمان تمثيلية نسوية مستقرة، إذ يقترح المشروع تخصيص هذه الدوائر حصرياً للنساء، ما يحصّن المقاعد المخصصة لهن في حال اللجوء إلى انتخابات جزئية. أما بالنسبة للشباب، فيعتمد المشروع تصوراً جديداً يستهدف فئة البالغين أقل من 35 سنة، سواء كانوا منتمين سياسياً أو مستقلين، وذلك عبر تقديم دعم مالي عمومي للوائح التي تضم مترشحين شباباً، في محاولة لمعالجة العائق المالي الذي يحول دون دخولهم المعترك الانتخابي. اتجاه نحو ضبط سياسي أكبر وتجمع مشاريع القوانين الثلاثة على اتجاه واضح نحو رفع مستوى الضبط السياسي والتقني للعملية الانتخابية، وذلك عبر توسيع العقوبات، وتقليص الهوامش الرمادية في القيد والترشح، وإرساء رقابة مشددة على الفضاء الرقمي، الذي أصبح – بحسب الوزير – إحدى "أخطر بوابات التأثير غير المشروع على المسار الانتخابي". وإذا كانت الحكومة تؤكد أن هذه التعديلات ضرورية ل"تحصين الاختيار الديمقراطي"، فإن النقاش البرلماني المرتقب سيُظهر مدى تقبّل الأحزاب السياسية للقواعد الجديدة، خاصة تلك التي تمسّ مباشرة تمويل الحملات، والشرط الجنائي للترشح، وضبط استعمال الفضاء الرقمي، وهي جوانب تُرجّح أن تكون محور جدل خلال الأسابيع المقبلة.