في أحدث إصدار لمؤشر الجريمة المنظمة العالمي لسنة 2025، سجل المغرب ارتفاعا في مستوى الجريمة المنظمة، إذ بلغ مؤشر الإجرام الإجمالي 5.37 من أصل 10 نقاط، بزيادة قدرها 0.57 نقطة مقارنة بتقرير سنة 2023. وبذلك حل المغرب في المرتبة 79 عالميا من أصل 193 دولة، متقدما ب 33 مرتبة مقارنة بالإصدار السابق، واحتل المرتبة 26 إفريقيا من أصل 54 دولة والثانية في شمال إفريقيا، وفقا لما أورده التقرير الصادر عن المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود.
ورغم هذا الارتفاع في معدلات الإجرام، أظهر التقرير تحسنا طفيفا في مؤشر المرونة المؤسسية لدى المغرب، الذي بلغ 4.67 نقاط، ليحتل المرتبة 102 عالميا متقدما بأربع مراتب عن تقرير 2023، وبذلك أصبح الأول في شمال إفريقيا من حيث المرونة. وأشار التقرير إلى أن المغرب أحرز تقدما محدودا في جوانب مثل مكافحة غسل الأموال والتعاون الدولي والإصلاحات التشريعية، لكنه لا يزال يعاني من فساد مؤسسي ومحدودية الشفافية والمساءلة وتأثير النخب السياسية والإدارية على إنفاذ القانون. الاتجار بالبشر والسلاح وأكد التقرير أن الجريمة المنظمة في المغرب تتقاطع مع التحولات الإقليمية والدولية، حيث أشار إلى أن الجريمة المنظمة توسعت عالميا وتحولت هيكليا بفعل عوامل مثل التحولات الجيوسياسية والتكنولوجيا والاضطرابات المناخية والنزاعات المسلحة. وقد حذر المدير التنفيذي للمبادرة مارك شو من أن العالم يعيش مرحلة "إعادة تنظيم" لأنماط الجريمة، في ظل فجوة متزايدة بين تصاعد الإجرام وجمود قدرات الدول على مواجهته. في السياق المغربي، أبرز التقرير أن الاتجار بالبشر ما يزال متجذرا، إذ تُستخدم المملكة كمصدر وعبور ووجهة للضحايا، خصوصا من النساء والأطفال المهاجرين القادمين من إفريقيا جنوب الصحراء والمتجهين إلى أوروبا. أما تهريب المهاجرين، فيؤكد المؤشر أنه لا يزال نشاطا متزايدا رغم تشديد المراقبة الحدودية. فقد تراجعت محاولات العبور البحري إلى إسبانيا قليلا في 2024، في حين ارتفعت المحاولات البرية نحو سبتة ومليلية، كما زاد العبور عبر الحدود الجزائرية المغربية، كما تعمل شبكات التهريب بمرونة عالية، وهي شبكات غالبا ما ترتبط بتجارة المخدرات وتزوير الوثائق. في المقابل، ظل الاتجار بالأسلحة في المغرب محدودا نسبيا مقارنة بجيرانه، لكنه مرتبط بالتهريب عبر مسارات قادمة من مناطق النزاع في غرب إفريقيا. وتُستخدم الأسلحة الخفيفة والمتوسطة في دعم الجريمة المنظمة والنزاعات المحلية، ويُعاد تدوير أرباحها عبر شركات واجهة وعمليات غسيل أموال عقارية، بمساعدة مسؤولين فاسدين. السلع المقلدة والتبغ والكحول وفيما يتعلق ب السلع المقلدة، يسجل التقرير أن المغرب يمثل مركزا نشطا لهذا النوع من التجارة غير المشروعة بفضل موقعه الجغرافي وبنيته التحتية وتغلغل الفساد. وتشمل هذه التجارة الإلكترونيات والأدوية والأزياء والكحول، وتنتشر عبر الأسواق الموازية والمنصات الرقمية. ويشير المؤشر إلى أن حجم السوق غير القانوني لا يزال مرتفعا رغم تراجع طفيف في انتشار السلع المزيفة علنا، بسبب تحول النشاط نحو قنوات أكثر سرية. أما تجارة السلع الخاضعة للرسوم (التبغ والكحول)، فتُظهر البيانات استمرار المغرب ك"ممر رئيسي" لهذه التجارة، خصوصا في السجائر القادمة من الجزائر. وقد ضبطت السلطات خلال السنوات الأخيرة مئات الآلاف من علب السجائر وعدة أطنان من منتجات التبغ المهربة، ما يعكس نشاطا واسعا تدعمه شبكات فساد داخل الجمارك والأمن. وفي الجانب البيئي، أشار التقرير إلى أن الجرائم المتعلقة بالأخشاب (الفلورا)، خاصة تجارة أرز الأطلس (الأرز الأطلسي أو السيدر)، تمثل سوقا مربحة تنشط بفعل ضعف الرقابة وتواطؤ بعض المسؤولين المحليين. أما في مجال الجرائم ضد الحيوانات (الفونا)، فلا يزال المغرب يواجه تحديات كبيرة، خصوصا في تهريب الزواحف واستخدام الشباك غير القانونية في البحر الأبيض المتوسط والصيد الجائر على الساحل الأطلسي الجنوبي. وقد حذر التقرير من أن هذه الأنشطة تهدد التنوع البيولوجي والسياحة البيئية والأمن الغذائي. فيما يتعلق ب الموارد غير المتجددة، أكد المؤشر استمرار التهريب العابر للحدود للوقود والمعادن والرمال، إذ يُعاد توجيه جزء من الوقود المهرب من الجزائر نحو الأسواق المغربية. كما حذر من استفحال استخراج الرمال غير القانوني على السواحل، بمشاركة فاعلين محليين وأجانب، بينهم شركات إسبانية، مما يهدد النظام البيئي والساحلي. الحشيش والهروين والبوفا وفي محور الجرائم المرتبطة بالمخدرات، صنف التقرير المغرب ضمن أكبر منتجي القنب الهندي في العالم، رغم تقنين زراعته للأغراض الطبية والصناعية منذ سنة 2021. وأشار إلى أن أول حصاد قانوني تم في 2024، غير أن الزراعة غير القانونية لا تزال قائمة بفعل تأخر تنفيذ القوانين وضعف البدائل الاقتصادية للفلاحين في جبال الريف. وقد تم حجز 5.4 أطنان من راتنج القنب الهندي سنة 2024، ما يعكس استمرار النشاط غير المشروع. كما أكد التقرير زيادة في تجارة الكوكايين الموجهة إلى أوروبا عبر المغرب، مدعومة بشراكات بين كارتلات أميركا اللاتينية وشبكات مغربية وأوروبية. أما الاتجار بالهيروين فظل في ازدياد، إذ ضُبطت كميات كبيرة خلال الأعوام الأخيرة، فيما لوحظ انتشار خلطات ملوثة بالهيروين والمخدرات الاصطناعية بين فئة الشباب. وفي المقابل، برزت سوق المخدرات الاصطناعية محليا، خاصة مادة "بوفا" منخفضة التكلفة والعالية الخطورة، مع صعوبة كبح انتشارها رغم تشديد المراقبة الحدودية وتعاون المغرب مع شركائه الدوليين. الجرائم المالية والسيبرانية وفي مجال الجرائم السيبرانية، أوضح المؤشر أن المغرب يشهد طفرة في الجرائم الإلكترونية المعقدة، تشمل هجمات الفدية والاحتيال عبر البريد الإلكتروني للأعمال، إضافة إلى عمليات اختراق ذات طابع سياسي. وقد سجلت البلاد هجوما من نوع "دي دي أو إس" (DDoS) استهدف وكالة الأنباء الرسمية المغربية، ما أبرز هشاشة البنى التحتية الرقمية. ويشير التقرير إلى أن بعض هذه الهجمات تتقاطع مع التوترات الجيوسياسية الإقليمية. في باب الجرائم المالية، رصد التقرير استمرار الاختلاس واستغلال النفوذ بين مسؤولين نافذين، مع تسجيل قضايا ضد برلمانيين ورؤساء جماعات محلية. كما تزايدت عمليات الاحتيال الإلكتروني ضد فئات هشة وكبار السن، ما يعكس توسع الجريمة المالية في المجتمع. ويضيف المؤشر أن المغرب حسن أداءه في مكافحة غسل الأموال بعد خروجه من القائمة الرمادية لمجموعة العمل المالي (فاتف – FATF) سنة 2023، بفضل تفعيل دور وحدة معالجة المعلومات المالية. أما من حيث أنماط الفاعلين الإجراميين، فيؤكد التقرير أن المغرب لا يشهد وجود "مافيا" تقليدية بالمعنى الكلاسيكي، بل شبكات إجرامية مرنة تتوزع على أسواق متعددة، من تهريب المخدرات والبشر إلى السلع المقلدة والجرائم الإلكترونية. وتظل العوامل البنيوية كالفقر والفساد وضعف الرقابة هي ما يسمح لهذه الشبكات بالتغلغل. تأثير المسؤولين الفاسدين ويبرز التقرير دور الفاعلين المتغلغلين في الدولة باعتبارهم من أكثر الفاعلين الإجراميين تأثيرا، إذ يستغل بعض المسؤولين مناصبهم لتوفير الحماية واللوجستيك لشبكات التهريب، بل والمشاركة في عمليات غسل الأموال والتهريب المالي عبر الشركات الوهمية، ما يقوض حكم القانون ويضعف الثقة في المؤسسات. كما يؤكد أن الفاعلين الأجانب من أمريكا اللاتينية وأوروبا يشكلون شركاء أساسيين للشبكات المغربية، خصوصا في تجارة الكوكايين وتصدير القنب نحو أوروبا. وفي الجانب الاقتصادي، يشير التقرير إلى أن القطاع الخاص يشهد تسللا للجريمة المنظمة عبر الاستثمار في العقارات والضيافة والبناء والنقل، مع استخدام حسابات خارجية وهيئات مالية لتبييض الأموال. ويضيف أن غياب الشفافية وضعف الرقابة يجعل هذه القطاعات عرضة للاستغلال الإجرامي. من جهة أخرى، أثنى التقرير على التعاون الدولي للمغرب، إذ وقع على معظم الاتفاقيات الدولية المتعلقة بمكافحة الجريمة المنظمة والفساد وتمويل الإرهاب، وشارك في مبادرات الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة لتعزيز الأمن البحري ومحاربة الاتجار بالبشر. كما واصل المغرب التنسيق مع الإنتربول والمنظمات الإقليمية مثل اتحاد المغرب العربي في تبادل المعلومات ومكافحة الإرهاب والجريمة العابرة للحدود. وفي مجال الأمن، حققت الأجهزة المغربية نسبا عالية في تفكيك الشبكات وخفض الجرائم العنيفة، لكن الجرائم الإلكترونية ظلت في تصاعد مستمر. وفي الشق الاجتماعي، أوضح المؤشر أن المغرب وضع آليات لدعم ضحايا الجريمة المنظمة، تشمل الحماية القانونية والعلاج والمأوى، إلا أن التطبيق يظل غير متكافئ، وتعتمد المبادرات في الغالب على منظمات المجتمع المدني. كما حذر التقرير من تقييد حرية الإعلام والمنظمات غير الحكومية، حيث رُصدت مضايقات واعتقالات لصحفيين وناشطين خلال سنة 2024، خاصة عند تناولهم قضايا الفساد أو الجريمة المنظمة. وأشار إلى أن قانونا أُقر في 2024 يمنع الجمعيات من رفع دعاوى فساد، محصورا هذا الحق في يد النيابة العامة، ما اعتُبر خطوة نحو تقليص الشفافية والمساءلة.