ما الجدوى من إنجاز تقارير المفتشية العامة لوزارة الداخلية على مستوى عدد من الجماعات المحلية، إذا كان مصير بعضها، هو الوضع في رفوف العمالات، عوض إحالتها على القضاء؟ ربط المسؤولية بالمحاسبة كمبدأ دستوري، يقتضي أن تتم إحالة تلك التقارير مباشرة على النيابة العامة المختصة، لتحريك المتابعة القضائية في شأن الاختلالات التي يتم رصدها من طرف مفتشي الإدارة الترابية، وليس الاحتفاظ بها في مكاتب المسؤولين، للحيلولة دون مساءلة عدد من المسؤولين عن الجرائم التي اقترفوها أثناء تدبيرهم للشأن المحلي! الانتقائية في التعامل مع تقارير المفتشية العامة لوزارة الداخلية من طرف الجهات المؤتمنة على تطبيق القانون، أمر مرفوض، وممارسة غير أخلاقية، تكرس للإفلات من العقاب! وفي هذا الإطار، لا بد من التذكير بعدد من الأفكار التي طرحها مجموعة من الفاعلين الجمعويين، الذين يشتغلون على موضوع حماية المال العام في المغرب، في ارتباط وثيق بمآل التقارير التي ينجزها أطر المفتشية العامة لوزارة الداخلية، تنفيذا لأوامر السيد وزير الداخلية. أولا: بخصوص عمليات التفتيش التي تضطلع بها المفتشية العامة للإدارة الترابية في الشق المتعلق بتسيير عمل المجالس المنتخبة سواء من الناحية المالية أو الإدارية، فالمطلوب هو وضع جدول سنوي للجماعات الترابية التي ستشملها عمليات المراقبة، والإعلان عنه للعموم. هذا الإجراء من شأنه تجنيب عمليات المراقبة الوقوع في الانتقاء والاستهداف.. ثانيا: إذا تفحصنا القوانين التنظيمية للجماعات الترابية، سنجد سلطة عامل المدينة أو الإقليم حاضرة بقوة في تتبع أشغال المجالس من بداية المهام إلى نهايتها، أي أن المفتشية العامة من خلال العمال والولاة لديها بنك كبير من المعلومات، الذي يسهل عليها عمليات المراقبة، لتشمل أكبر عدد ممكن من المجالس المنتخبة سنويا، وفق معايير محددة سلفا، كأن تكون المراقبة مثلا بناء على معايير حجم الميزانية السنوية، أو عدد السكان أو من خلال حجم الصفقات العمومية.. ثالثا: في ما يخص تحريك المتابعات مع قرب الاستحقاقات الانتخابية، يمكن تفاديه بإيجاد التناسق الدائم بين التقارير الدورية للعمال والولاة التي يجب أن ترفع للمفتشية العامة التي تتحرك بناء على حجم الاختلالات المسجلة في تلك التقارير، وإحالة الملفات ذات الطابع الجنائي على القضاء.. رابعا: لا يعقل أن يصدر تقرير من المفتشية العامة بخصوص إحدى الجماعات، يتضمن اختلالات مالية خاصة في الصفقات العمومية، دون إحالة الملف على القضاء، بل يتم انتظار تحرك المجتمع المدني، ليتم تحريك المتابعات القضائية.. خامسا: المطلوب اليوم في إطار مكافحة الفساد أن توقع وزارة الداخلية اتفاقية تعاون مع رئاسة النيابة العامة، يكون مضمونها أن تتوصل مصالح النيابة العامة بتقارير المفتشية العامة ذات الطابع الجنائي لمباشرة المسطرة القضائية، وهنا أتحدث عن الإحالة التلقائية، حتى لا يكون مصير تلك التقارير مثل مصير تقارير المجلس الأعلى للحسابات… سادسا: تحريك عمليات المتابعة في الأنفاس الأخيرة للولاية الانتدابية وتسليط الأضواء على البعض دون البعض الآخر قد يسقط الآمرين بهما في الانتقاء.. سابعا: يسجل المتتبعون لهذه العمليات كيف أن كل أعطاب التدبير يتم تحميلها للمتتخبين، وتستثني مساءلة العمال والولاة من ذلك، رغم أن مسؤولية رجال السلطة ثابتة في هذا الصدد.. ثامنا: رجال السلطة يقومون، حسب منطق القانون، بدور المراقبة والمواكبة لعمل المجالس، من الموافقة على جدول الأعمال والحضور والتدخل في الدورات والتأشير على المقررات، وما يتوفرون عليه من أجهزة للتتبع والرصد والأعوان، ولا يساعدون في اكتشاف الاختلالات التي قد تعرفها بعض الجماعات في تدبير الصفقات.. تاسعا: من الناحية المنطقية، عندما تتم مساءلة المنتخبين، يجب على وزارة الداخلية أن تسائل العمال والولاة عن تقاعسهم في رصد تلك الاختلالات أثناء تنفيذ المشاريع، فإما أن تكون المراقبة كاملة أو لا تكون. من خلال جرد كل هذه الملاحظات الوجيهة التي سبق للأستاذ محمد مسكاوي، رئيس الشبكة المغربية لحماية المال العام، أن سلط عليها الضوء في حوار سابق له مع إحدى الجرائد الوطنية، نتساءل: لماذا لا يتم نشر تقارير المفتشية العامة لوزارة الداخلية التي تهم عدد من الجماعات كما تنشر تقارير مؤسسات أخرى مثل المجلس الأعلى للحسابات وتقارير المفتشية العامة لوزارة المالية؟ لماذا لا يتم تمكين الرأي العام المحلي والوطني من حق الاطلاع على تقارير المفتشية العامة في إطار حق الوصول إلى المعلومة الذي ينص عليه الفصل 27 من دستور 2011؟ هل من المعقول أن نقرأ في مواقع التواصل الإجتماعي عن انسحابات مستشارين جماعيين من دورات المجالس البلدية احتجاجا على عدم تمكينهم من حق الاطلاع على تقارير المفتشية العامة لوزارة الداخلية ومناقشة الاختلالات التي تم رصدها؟ لماذا يكثر الحديث عن هذه التقارير كلما اقتربت الانتخابات؟