شغل موضوع صحافة التشهير، حيّزا مهمًا خلال الندوة الثانية التي نظمها موقع "لكم"، الخميس، ضمن مجموعة ندوات افتراضية، تبث عبر تقنية البث المباشر، حول سؤال المهنية والاستقلالية في المشهد الإعلامي المغربي، ومضى النقاش أيضًا حول الوضع العام للممارسة الصحفية في المغرب، وما إن كانت تتسم بنكوص أو اجتثاث كلي، في نقاش بين المتداخلين، حيث التقت واختلفت وتقاطعت بعض وجهات النظر. وشاركَ في الندوة التي سيرها الزميل رشيد البلغيتي، كل من مدير النشر السابق ليومية "أخبار اليوم" التي اغلقت في الأسابيع الماضية، يونس مسكين، والصحافي المتخصص في قضايا الهجرة والفائز بالجائزة الكبرى للتحقيق سنة 2012 (Free Press unlimited) صلاح الدين المعيزي، وعمر بروكسي، أستاذ القانون الدستوري ورئيس التحرير السابق لصحيفة "لوجورنال" المغلقة منذ 2010، إضافة لرئيس تحرير يومية "الأحداث المغربية" يونس دافقير. واعتبر يونس دافقير، في تعليقه على سؤال تراجع حرية الصحافة في المغرب، أنَّ الإقرار بأن هناك تراجع في مجال حرية الصحافة والإعلام بالمغرب هوَ استنتاج سياسي، قائلا: "ذلك هوَ ما يجعلني متحفظ تجاه بعض التوصيفات، وإذا خلصنا إلى أن هناك تراجع يدعونا للتساؤل أيضًا حول المؤشرات التي اعتمدناها بهذا الخصوص". لسنا في جحيم ولا في نعيم حرية الصحافة وقال يونس دافقير إنه من الصعب أن نقول إنَّ هناك تراجعا في مجال حرية الصحافة والإعلام بالمغرب و"القول بالتراجع هوَ توصيف يُعبر عن وجهة نظر موجودة من ضمن وجهات نظر أخرى لديها أيضًا مؤشراتها المقابلة والتي تعتمد عليها لتقول بأن هناك تأهيل للحقل الصحفي وانفتاح أكبر مقارنة مع مراحل أخرى". وذكر المتحدث ذاته أنه أمام الوضعية الحالية المتربطة بتأهيل ميدان الصحافة، وبعض الحالات الموجودة والتي تفرد تضاربا في الروايات، فإننا "لا نعيش في جحيم لحرية الصحافة وفي نفس الوقت لا نعيش في جنة لحرية الصحافة، وبتالي هناك ديناميات وليس هناك قوس يفتح ويُغلق، ويجري هذا المد والجزر بحجم موازين القوى والظرفيات السياسية". وأضاف دافقير:"هناك تقارير المنظمات التي نأخذها على سبيل الاستئناس لقراءة الحالة المغربية ونعتبرها مرجعا من ضمن مراجع أخرى، من ضمنها تقارير النقابة الوطنية للصحافة، وهناك أيضًا، الرصد الذاتي للصحافي الذي يمارس من داخل الصحافة ويزعم بأنه على اطلاع بإكراهاتها، لذلك أقول إنه من الصعب أن نقول بأن هناك تراجعا". وضعية الصحافة شبيهة بتخطيط القلب ومن جهته يرى، أستاذ القانون الدستوري ورئيس التحرير السابق لصحيفة "لوجورنال" عمر بروكسي، أن "وضعية الصحافة في المغرب، شبيهة بتخطيط دقات القلب، مرة هابطة وأخرى صاعدة، ولكن يتم ذلك في إطار سلطوي سياسيًا وقانونيًا، حيث مازالت التشريعات القانونية تتعامل مع مجال الصحافة بحذر وفي إطار مرسوم من طرف السلطوية السياسية، إذ يترنح مجال الصحافة بين هذه النبضات". وحول السياق العام الحالي، ذكر عمر بروكسي، أنه "يشهد على احداث مؤلمة جدًا، حيث يوجد ثلاثة صحافيين في السجن، اثنان منهم لم تتم محاكمتهم بعد"، بينما الثابت، بالنسبة لعمر بروكسي، هوَ أن التراجع أمر قائم في مجال الحرية الصحافة. وأضاف بروكسي أن حالة التراجع التي يعيشها وضع الصحافة في المغرب، يدخل في إطار ضبط الصحافة، وهذا فعل قائم في العالم كله، وحتى في الديمقراطيات أيضًا كفرنسا وأمريكا وغيرها، حيث أن السلطة السياسية تبحث دائمًا على التحكم في الصحافةّ، مضيفًا "الصحافة هدفها التأثير في القرار بطريقة غبر مباشرة، وهي لست سلطة، لذلك يتم محاولة السيطرة عليها". "أخبار اليوم" أُعدمت بقرار ومن جانبه، تطرق يونس مسكين، رئيس التحرير السابق ليومية أخبار اليوم المغلقة، لأزمة هذه المؤسسة، والتي انتهت بعدما كانت تمثل نقطة ضوء مضيئة وسط المشهد الإعلامي بالمغرب، وخلص يونس مسكين إلى أن "أخبار اليوم" جريدة وٌئِدت، وتم دفنها حية تُرزق، وقال في هذا الصدد إن اختفاء منبر من هذه الطينة المتواضعة يُثير الكثير من التساؤلات. وأضاف يونس مسكين "في تقديري الشخصي، إن جريدة أخبار اليوم لم تمت أو تختفي أو تتوقف عن الصدور، لأسباب موضوعية مادية وتدبيرية عادية، بل إن جريدة أخبار اليوم اعدمت بقرار وقبل ذلك تعرضت لمسلسل من المضايقات والحصار، انتهى باعتقال صحافيين يعملون بها وخيرا بإغلاقها". وتحدث يونس مسكين، عن تحجيم حرية التعبير في المغرب بشكل شامل، قائلا "الاعتقالات لم تشمل الصحافيين فقط، بل شملت المدونين والصحافيين المواطنين، وكتاب الرأي واليوتوبرز خلال السنوات الأخيرة، وهذا المؤشر لم يكن بالحدة والوتيرة التي شهدتها السنوات السابقة". وذكر يونس مسكين، أن الجانب التشريعي في المغرب، يُعطي مؤشرات ملموسة عن هذا التردي، إذ صَدرت مدونة جديدة للصحافة والنشر فيها نصوص متقدمة ومكتسبات جديدة، وتسائل المتحدث ذاته "ولكن ما الذي حصل؟": تمت الاستجابة لهذا المطلب بالاجماع، وتم الاجهاز عليه في اللحظة نفسها، وعن كيف حصل ذلك، قال" أولا تم ذلك من خلال الجسر الذي ابقى عليه قانون الصحافة والنشر مع القانون الجنائي، ثم التعديل الذي رافقه في القانون الجنائي، وفتحَ الباب أمام استمرار نفس المحاكمات". مرحلة اجتثاث الصحافة من جهته، قال صلاح الدين المعيزي، الصحافي المتخصص في قضايا الهجرة، والحائز على جائزة التحقيق الصحافي، إن الحديث عن تراجع من عدمه، كلام لا معنى له، مشيرًا إلى أنه نحن في فترة ليسَ فيها تراجع، بل في مرحلة تحولت فيها السلطة بتعاملها مع الصحافة من فترة شد الحبل أو سوء الفهم، وعينة من هذه العبارات التي كانت يتم تداولها، إلى فترة "اجتثاث الصحافة". وذكر المعيزي أن "المقصود هنا هي الصحافة المستقلة والحرة والمهنية التي تحترم أخلاقيات المهنة، وهي الصحافة التي يجري اجتثاثها وتدميرها بشكل نهائي والقضاء على التربة التي يمكن أن تُنتج هذه العينة من الصحافة، خصوصا خلال السنتين الماضيتين". وقال صلاح المعيزي إن "شعار المرحلة حاليًا هو [تَدوي ترعف] حيث إذا لم يتم اعتقالك ولم تكن جريئا بمستوى عمر الراضي وسليمان الريسوني، سيعملون على التشهير بك، وبذلك، سيجبرونك على تبديل المهنة، ولدي زملاء قاموا بذلك، وهذا من حقهم، لأن بيئة العمل غير مساعدة". المغرب ينقل ممارسة قمع الصحافة من نظام السيسي وأضاف المتحدث ذاته "نحن في وضع سيء، لدينا صحافيين معتقلين في السجن بدون محاكمة وفي ظروف صعبة، بينما ظلت الهيئات المهنية صامتة دونَ الدفاع عنهم، ويُحيط بالمغرب، سياق دولي وإقليمي متردي في مجال الصحافة، وبالتالي المغرب يمضي في هذا السياق، والبلاد ليست في جزيرة معزولة، ترى ما يوجد في مصر وتركيا والجزائر وتنساق وراء ذلك". وأردف المعيزي أن المغرب يستنبط الكثير من الأشياء من مصر، حيث هناك العشرات من الصحافيين رهن الاعتقال منذ مجيئ الرئيس عبد الفتاح السيسي للحكم، حيث يتم اعتقال الصحافيين ووضعهم في السجن عبر "الإيداع" بدونَ محاكمات. وتابع: "بالتالي الحكام في المغرب، يرونَ هذا السياق والانتكاسة الممتدة من دول الجنوب إلى الشمال، في مجال حرية الصحافة، ويقولون أين المشكل، أمام هذا السياق، إذا سجنا 3 أو 4 صحافيين؟ فلنتركهم يصرخون". جدل صحافة التشهير ودافعَ رئيس تحرير يومية "الأحداث المغربية" بطريقة غير مباشرة، على نوع من صحافة التشهير، بشرط أن لا تكون تقوم بالتشهير الذي يجرمه القانون المغربي، وقال يونس دافقير "لا يمكن أن لا يوجد شيء إسمه صحافة التشهير، وهذا المفهوم يعبر عن أطروحة سياسية تُعبر عن نوع من الاستعمال الخاطئ للمفاهيم. لأن الصحافة والتشهير، في رأيه، لا يجتمعان. بما أن مجال الأولى هو الممارسة المهنية، ومجال الثانية هو القانون الجنائي. وقال دافقير في هذا الإطار إنه وقع بلاغ "المنيفيستو" حول صحافة التشهير الذي وقعه أزيد من 200 صحافية وصحافي مغربي، لأنه تحدث عن التشهير، ولو أنه حمل مفهوم "صحافة التشهير"، لما وقعه، وأوضح قائلا "إذا كان المنيفيستو ضد التهشير، سأوقعه معك، لأن التشهير هو الجريمة ومخالفة القانون والاعتداء والتعسف، ولا يمكن أن تكون له علاقة بمجال الصحافة". ومن جانبه ذكر عمر بروكسي أن "من يقومون بالتشهير هم صحفيين ويملكون بطاقات صحافة، وصفهم ب "مرتزقة" في مجال الصحافة، وهم لم يأتوا من فراغ، لهم مقاولات صحافية ورؤساء تحرير ومدراء نشر، ويحصلون على اشهارات تأتيهم من مؤسسات عمومية وشركات خاصة معروفة، وبالتالي هي مقاولات صحافية بصحافيين تعترف بهم الدولة، لذلك، نستعمل كلمة "الصحافة" مقرونة ب "التشهير" لأنها صحافة تمارس التشهير". وقال بروكسي في هذا الصدد: "إن صحافة التشهير تنتعش في مناخ سياسلإبراز ي خاص، وهو مناخ سلطوي وبوليسي وحيث يكون القضاء غير مستقل"، و استدل بالنموذج الفرنسي، ليقول بأن "الصحافة التي تمارس التشهير تخصص ميزانيات كبيرة للدعاوى القضائية والغرامات". وأوضح أن "هذا النوع من الصحافة تخصص أرباحها للدعاوى القضائية، إذ أنها تعرف أنها إن نشرت صورة أو قصاصة، سيقوم الضحية برفع دعوى عليها، وستؤدي غرامة جراء ذلك، واحيانا تكون تعرف ذلك مسبقًا، من خلال الاستشارة مع محاميها قبل نشر الصور أو القصة، ويقوم المحام بتكييف ذلك مع النص القانوني". وختم بروكسي: "حينما لا يكون القضاء مستقلا، فإنه يكون متواطئًا مع "البوليس" وأجهزة المخابرات، وبتالي تنتعش صحافة التشهير في مناخ اللاعقاب، وعندما يُصبح القضاء مستقلا، فإن هذه الصحافة ستنتهي من تلقاء نفسها". زرع الخوف وقال صلاح الدين المعيزي، إن صحافة التشهير في المغرب، اصبحت هي الطاغية على المشهد، بمختلف أنواعها، باعتبار أن فيها مستويات، حيث توجد نوعية "الحثالة" و"المتوسطة" وصحافة التشهير القديمة، التي كانت منذ سنوات. وذكر أن اليوم تطور ذلك إلى مستويات خطيرة جدا، والهيئات الممثلة لقطاع الصحافة في المغرب، ليست بالمستوى الكافي لردعهم، موضحا أن "أحد أهداف صحافة التشهير هو زرع الخوف لدى الجسم الصحافي، وبتالي يبقى الصحافيون، مفزوعين ومعزولين". وقال في هذا الإطار "عندما نشرنا بلاغ صحافيون ضد التشهير، راسلنا المجلس الوطني للصحافة، وقام بالرد علينا بجواب إداري، قال فيه "اعطونا حالات معينة تتعلق بالتشهير، باعتبار أن القانون الذي نخضع له، يُلزمنا أن ندرس حالات محددة" وبتالي لم نتفاعل مع هذا الجواب، واعتبرناه حيادا سلبيا. أما يونس مسكين فذكر أن الصحافة التي لا تمتل أو لا تلعب دور السلطة المضادة، اعتبرها غير معنية بهذا النقاش في مجمله، وإذا كانت صحافة للنشر والترويج والتزويق، فهذه أمور من اختصاص منصات دعاية حيث تقوم ببث تيلفزيوني واذاعي والنشر الورقي، وهي ليست صحافة وإنما منصات للدعاية. وأضاف الصحافة التي تستحق النقاش هي التي تمثل وتستبطن في ممارستها للعمل الصحافي سلطة مضادة، وتواجه السلطة التي تملك قوة الاكراه وممارسة العنف المشروع. والخطير بالنسبة ليونس مسكين في مسألة التشهير، "ليس هو التسمية، بل الظاهرة والممارسة في حد ذاتها، وهل أصبح التشهير ممارسة شاسعة وغالبة على الممارسة الصحتفية، وغالبة على المشهد الإعلامي من عدمه؟ إذ اصبحت مؤسسات رسمية تابعة للدولة تقوم بالتشهير، وهنا تكمن الخطورة" يقول يونس مسكين.