قبل أسابيع قليلة، خرج علينا حكام جوهرة الخليج دبي بخبر عزمهم بناء ما أطلقوا عليه إسم عين دبي. عين دبي هذه عبارة عن عجلة ترفيهية ضخمة جدا والأكبر من نوعها في العالم، يركبها الناس فتدور بهم في رحلة إستطلاعية من المفروض أن تبقى خالدة في ذاكرتهم إلى الأبد. هذه الفكرة مستوحاة من تلك العجلة المشهورة المطلة على نهر "تامس" في قلب عاصمة الضباب لندن، وهي فكرة ليست جديدة على دبي في المضمون وإن كانت فريدة من نوعها في الشكل. فدبي عودتنا على هاته المشاريع الميتافيزيقية في الماضي. مشاريع يصعب تصنيفها علميا. فدبي تصنفها على أنها إستثمارات مثمرة، بينما لا يراها أهل الإقتصاد والأعمال كذلك. وللحسم بين الفريقين يعتبر مشروع عين دبي مادة خصبة للتحليل والدراسة. فحسب الأرقام المعلن عنها بخصوص هذا المشروع، تقدر تكلفة إنجازه بمليار ونصف المليار دولار. ولم لا، فهذا المبلغ و ما يزيد عنه قد تم صرفه عبر العالم في مشاريع سابقة ذات بعد إستراتيجي وطابع صناعي وعسكري وغيره. مشاريع دورها الأول والأخير هو السهر على إنعاش الإقتصاد المحلي {و ليس إقتصاد دول أجنبية}، وحفظ الأمن و توفير الرفاه للأجيال القادمة. وعين دبي بالتأكيد ستبقى ساهرة كذلك كل ليلة إلى أن يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر. ما جعل كلفة إنجاز هذا المشروع ضخمة لهذا الحد هو بناء جزيرة اصطناعية تخصص لاحتضان هذا المولود الجديد الذي هو عين دبي، و كأن دبي تعرف خصاصا في الأرض والساحل. لنعد إلى الجدل القائم حول تصنيف مشاريع دبي. إذا قبلنا جدلا أن ثمن تذكرة ركوب العجلة هو مائة دولار للفرد وأن متوسط عدد الراكبين سيبلغ ألف زائر في اليوم، فالعائد على الإستثمار {يعرّف على أنه الفترة الزمنية التي يتطلبها إستغلال المشروع لإعادة تكلفة الإستثمار من الأرباح المحققة} سيبلغ أربعين سنة، هذا دون إدخال نفقات الاستغلال من يد عاملة وصيانة وطاقة وتقادم في المعادلة. فإذا احتسبنا كل هذه النفقات سيصاب الحالمون بهذا المشروع بالإحباط الشديد حيث ستكون النتيجة ميتافيزيقية بالتأكيد كما هو حال المشروع. أربعون سنة أو ما فوق تعتبر فترة طويلة جدا، ولا يمكن اعتبار هذا المشروع استثمارا مثمرا بأي حال من الأحوال. أتساءل مع نفسي كيف تؤخد قرارات كهذه على هذا المستوى الرفيع. ففي الشركات الصغرى والمتوسطة يسود التردد والريبة في أخد قرار الموافقة حول إستثمارات لا يتعدى عائدها على الاستثمار سبع سنوات. أما تلك التي تفوق عشر سنوات فإنها تطوى كطي السماء يوم القيامة و يمحى أثرها نهائيا من الأذهان إدراكا من القائمين على دراسة جدوى الإستثمارات أن مثل هذه المشاريع لن يتم الموافقة عليها من طرف مجلس الإدارة، وبالتالي لا جدوى من طرحها للنقاش. يبدو أن الأولويات عند شيوخ دبي لا تمث بصلة لا لأولويات مواطنيها الأصليين {و ليس الوافدين} ولا لتلك التي تمليها المصلحة العليا للوطن. أليس الأجدر أن يستثمر ذلك المال في بناء مصفاة لتكرير النفط؟ والامارات العربية المتحدة ذلك البلد المعروف عنه أنه بلد مصدر للنفط و ينسى أو يتناسى أهله أنه في نفس الوقت بلد مستورد للوقود في تناقض صارخ قل نظيره. دبي أضحت فعلا مدينة العجائب والغرائب بكل المقاييس، تماما كما أرادها أصحابها. فهي المدينة الوحيدة التي بنت جزيرتين بالملايير، ظلت واحدة منهما خاوية على عروشها لدرجة أن الزائر يرى أفق البحر من كل زاوية منها، في حين يتعذر عليه عند زيارته للثانية رؤية الأفق لعلو البنيان فيها. كما أن دبي هي المدينة الصحراوية الوحيدة التي تبنى فيها واجهات بالزجاج بالرغم من الغبار الدائم الإنتشار الذي يعتبر خاصية من خصائص طقس المنطقة. كما أنها المدينة الوحيدة التي لا تدفع فيها الشركات الاجنبية قرشا واحدا لصناديق الضرائب في كرم محير لم نسمع به من قبل. وهي كذلك المدينة الوحيدة التي يتعلم فيها أبناء الوافدين العرب اللغة العربية في مقررات خصصت لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها... وهلم جرا من يدري, ربما سيأتي يوم في المستقبل سيطالب فيه الاجانب أهل دبي الأصليين بالإندماج في ثقافتهم وطبائعهم نظرا لكثرة عددهم وقوة تأثيرهم. ومن يدري كذلك، ربما سيأتي يوم يدخل تعبير"عين دبي" في قاموس اللغة العربية للتعبير عن أمر غير صائب في مقابل ما تقوله العرب "عين العقل" عن كل أمر يدخل في دائرة الصواب