يشهد الشاهد: لم تكن هناك « خطوط حمراء » ولا هم يحزنون. كل الموضوعات المتداولة في المجتمع تداولت فيها اللجنة، بلا استثناء؛ كل الأسئلة، المجهور بها والمسكوت عنها، خاضت فيها دون مواربة. بطبيعة الحال، لا يجد القارئ في التقرير سوى النتيجة التوافُقية التي تمخَّضت عنها المداولة بعد المناقشة، والمجادلة، والمُحاجَّة. لا يعثُر على الاختلاف، الذي لا تُخْطئه العين، بين «المشارب»، و«المواقف» و«المواقع » المشكلة لجغرافية اللجنة. سبق للراوي أن كتَب، قبل تنصيب اللجنة بشهور، تدوينة (بتاريخ 31 مايو 2019) عن «المنهجية الأغنوصية» (agnostique)، والتي تتطلب، عندما يتعلق الأمر ب «الضروري من التنمية»، وبالرؤية الاستراتيجية، التنصُّل من المواقف الذاتية، والمواقع الفردانية، والتماس المنفعة العامة، والمصلحة الوطنية. والمنهجية الأغنوصية هذه، منهجية موضوعية، تشتغل تحت «حجاب الجهل» John Rawls))، تُقدِّم المعقول والمقبول على المرغوب والمطلوب. وهي، أيضًا، مقاربة بنائية، إشراكية، تفهُّمية، تفاهُمية، وإجماعية، من مواردها الخبرة، والمداولة، والتوافق. قيل إن النموذج التنموي الجديد لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، وهو من ثمَّ يحْبس برامج الأحزاب في مُربَّع الخيارات والتوجهات المُنزَّلة من فوق، ويحُدُّ من تدافع البدائل، ويُلْغي، في آخر التحليل، العملية الديمقراطية برمتها. قولٌ لا يستقيم بحال، ذلك أن التقرير يذهب إلى الأساسيات المستدامة، يضع مقدمات الوجوب ، وقواعد الارتكاز، ويرسُم الخيارات الاستراتيجية، بينما البرامج الحكومية مدارُها السياسات العمومية القصيرة والمتوسطة المدى. الأول جُمْلة، الثانية تفصيل ؛ الأول نظر، الثانية تحقيق. التوافق يكون على المقاصد من التنمية، أما الخطط، المحددة في الزمن والمكان، فهي ك «الأمور تتبع المقاصد»، وفيها اختلاف، وخلاف لا يبتُّ فيه سوى صندوق الاقتراع. التوافق يشمل، أيضًا، خريطة الطريق التي على ضوئها تترتَّب الأولويات، وتتحدَّد الكيفيات التي هي من شأن الحكومة المُنتخَبة. يشهد الشاهد : حصل إجماع، داخل اللجنة، منذ الجلسات الأولى المخصصة للتصورات العامة، حول مصفوفة الأولويات : التربية والتكوين، الصحة والحماية، النمو والشغل. وهو الإجماع ذاتُه الذي أمسى، منذ التسعينيات من القرن الماضي، «إدراكاً مُشْتركاًً»، مشاعاً بين الجمهور. حول « الماذا »، أي الغاية المأمولة من التنمية، لا تبايُن؛ الاختلاف ظهر حول «الكَيْف»، أي حول الطريق المُفْضي إلى التنمية. وبطبيعة الحال، لكلٍّ طريقُه الأمثل المؤدِّي إلى روما. تساءل أحَدُ الأعضاء عن الوصف الذي ينطبق على النموذج «القديم» من حيث «الكيفية»، و «المنهجية الإجرائية»، والذي بِضدِّه وجب تمييزُ «الجديد». التمرين الجماعي خلص إلى أن النموذج «القديم» يقوم على التَّضاد، والتضارُب، والتعارُض، ويشتغل ب «التَّخْيير» بين هذا وذاك على نحو «إمَّا، وإمَّا»، بينما يسعى النموذج البديل إلى درْءِ التعارُض الظاهري بالجمع، والتوليف، وبتوظيف «واو» العطف الذي لا يعني الترتيب، والتعقيب بقدر ما يفيد المزاوجة، والمُزامنة.