تحت عنوان: "غزة.. مرافقة إعلامية غربية للإبادة الجماعية"؛ كتب الصحافي الفرنسي المخضرم والمعروف ألان غريش، في افتتاحيته الأخيرة بموقع "أوريان21 " الذي يديره، أنه منذ فترة وجيزة، لم يكن الإعلام الغربي حذراً إلى هذه الدرجة. ولم يكن أحد يتردد في إدانة الغزو الروسي، أو يخطر على بال أحد أن يتحدّث عن "العملية الروسية الخاصة"، إلا من باب السخرية. أما اليوم، فقد ترسّخت العبارة الإسرائيلية التي تتحدّث عن "الحرب بين إسرائيل وحماس" لدى جميع وسائل الإعلام، وكأنها حرب بين طرفين متساويين يواجهان بعضهما البعض، أو كأن معظم الضحايا ليسوا من المدنيّين، بل يتبعون كتائب القسام. وتابغ ألان غريش، في مقاله الذي ينشر موقع "لكم" ترجمته كاملة، أنه في أعقاب هجوم روسي على بلدات أوكرانية خلّف نحو ثلاثين قتيلاً، دانت الحكومة الأمريكية "هذا القصف الرهيب"، في حين أدانت الحكومة الفرنسية "استراتيجية الإرهاب الروسية". ونشرت صحيفة "لوموند" عنواناً رئيسيًّا حول "حملة الإرهاب الروسية". فكم يجب علينا أن ننتظر من الوقت لنرى الحرب الإسرائيلية على غزة تُصنّف كإرهاب؟، يتساءل ألان غريش. وفي ما يلي نص الترجمة كاملة. غزه.. المرافقة الإعلامية للإبادة الجماعية "حلال 90 يوما ، لا زلت لا أدرك ما الذي يحدث حقا. الآلاف من الناس يموتون أو تُشوَّه أجسادهم، ويغمرهم طوفان من العنف الذي لا يمكن وصفه بالحرب، إلا من طرف من بغرق في الكسل الفكري". في خطاب استقالته بعد اثني عشر عاما من الخدمة ، يعتزم الصحفي رافاييل أورياني العامل مع الملحق الأسبوعي للصحيفة الإيطالية اليومية La Repubblica الاحتجاج على الطريقة التي تغطي بها صحيفته الوضع في غزة. إنه يستنكر «الحذر المذهل لجزء كبير من الصحافة الأوروبية لدى تناولها لهذا الموضوع ، بما في ذلك La Repubblica – ، اليوم لا تظهر صورة عائلتين تعرضتا للقتل والتشويه إلا في السطر الأخير من الصفحة 15»، ويستحضر «المرافقة الإعلامية» التي تسمح ارتكاب هذا الكم الهائل من المجازر اليومية. لقد مرت فترة من الزمن لم يكن فيه لدى وسائل الإعلام الغربية هذا النوع من الخفوت. لم يكن أحد مترددا في التنديد بالغزو الروسي، ولم يكن ليخطر ببال أي شخص أن يشير إلى «العملية الخاصة الروسية» إلا على سبيل السخرية. اليوم، أصبح المصطلح الإسرائيلي "الحرب بين إسرائيل وحماس" هو المصطلح السائد، كما لو كان الصراع بين طرفين متساويين يقاتل بعضهما الأخر أو كما لو كان الضحايا أغلبيتهم من جنود كتائب القسّام. تختلف الصياغة في الصحف، ولكن يتم تصنيف حماس دائما تقريبا على أنها "منظمة إرهابية" – وللتذكير فإن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة فقط يعتبرانها كذلك – وهو ما يبرئ إسرائيل مسبقا من كل جرائمها. في مواجهة الشر المطلق ، أليست كل القرارات مقبولة وكل الخيارات العسكرية مسموحا بها؟ نقل صحفي من قناة "سي إن إن" الأمريكية تعليمات غرفة الأخبار في القناة التي يشتغل معها : نحن نعرف الشبهات التي رافقت أرقام عدد الوفيات التي قدمتها وزارة الصحة في غزة، والتي كانت مصحوبة حتى الآن بعبارة "وفقا لحماس"، على الرغم من أنها تبدو أقل من الواقع. إن معاملة الرهائن الفلسطينيين، الذين جردوا من ملابسهم وتعرضوا للإذلال والتعذيب، يجب أن تكون معاملة نسبية، مع العلم أن الاشتباه في الانتماء إلى حماس يبرر حالة الطوارئ. من ناحية أخرى، فالأخبار المزيفة التي تم الترويج لها بعد 7 أكتوبر حول النساء اللواتي نزعت أحشائهن وحول قطع رؤوس الأطفال الصغار أو حرقهم في الأفران هي أخبار يجب ترديدها لأنها حظيت بموافقة المسؤولين الإسرائيليين. وبمجرد الكشف عن الخدعة، لم يشعر أي مسؤول من هيئة التحرير أنه من الضروري الاعتراف بالخطأ والاعتذار عن ممارسة التضليل والترويج للدعاية الإسرائيلية. في فرنسا، لدى المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي ميكروفون مفتوح وجاهز لبث تصريحاته متى يشاء على القنوات الإخبارية، وعندما يقرر صحفي القيام بعمله واستجوابه حقا، يتم تنبيهه إلى ضرورة اخترام "القواعد" من طرف إدارته. وفي الوقت نفسه، فإن الخطاب العنصري الصارخ، الذي يتضمن التحريض على الكراهية أو حتى العنف ضد منتقدي الجيش الإسرائيلي، بالكاد يثير ملاحظة عابرة، ناهيك عن الشبهات التي تلاحق الصحفيين باعتبارهم مذنبين بارتكاب جنحة "الطائفية" عندما يقدمون رواية مختلفة عن "القواعد" أخرى وبينما إسرائيل تمنع دخول الصحفيين الأجانب إلى قطاع غزة – باستثناء أولئك الذين يختارون "الانخراط" في جولة إرشادية، والتي يقبلها العديد من المراسلين دون أدنى مسافة نقدية – لم تبرز سوى احتجاجات قليلة ضد الحظر. ولم تفعل المهنة الكثير للتعبئة ضد مقتل 109 صحفيين فلسطينيين، وهو رقم لم يسبق له مثيل في أي صراع آخر في الآونة الأخيرة. لو كان هؤلاء المراسلون أوروبيين، ما الذي كان سيحدث؟ والأسوأ من ذلك، تحدثت منظمة مراسلون بلا حدود في تقريرها السنوي الذي نشر في 15 ديسمبر 2023 عن "مقتل 17 صحفيا [فلسطينيا] أثناء أداء واجبهم"، وهي معلومات التقطتها العديد من وسائل الإعلام الوطنية. إن الصياغة صادمة من فرط بذاءتها، خاصة عندما نضيف أن استهداف الصحفيين عمدا هو ممارسة شائعة لدى الجيش الإسرائيلي في غزة والضفة الغربية، كما يذكرنا مقتل الصحفية شيرين أبو عاقلة. يوم الأحد 7 يناير، قُتل زميلان فلسطينيان بعد أن استهدف صاروخ إسرائيلي سيارتهما غرب خان يونس. أحدهم ليس سوى ابن وائل الدحدوح، رئيس مكتب قناة الجزيرة في غزة. وقد أجهز الجيش الإسرائيلي من قبل على نصف أفراد عائلته، وقتل المصور الذي يرافقه في عمله …. ومع ذلك، نحن مدينون بمعظم الصور التي نتلقاها لهؤلاء الصحفيين الفلسطينيين. وعلى الرغم من أن بعضهم قد عمل بالفعل ك "مساعدين" للصحفيين الفرنسيين، إلا أنهم لا يزالون مشتبها بهم مسبقا فقط لأنهم فلسطينيون. وفي الوقت نفسه، فإن زملاءهم الإسرائيليين الذين، مع استثناءات قليلة ( من جريدة هااريتس على الخصوص) يرددون خطاب الجيش الإسرائيلي ويحظون بكامل الاحترام. التطهير العرقي خيار من الخيارات المطروحة في الأيام الأخيرة عرفت إسرائيل مناقشات سريالية. هل من المعقول حقا أن نناقش بهدوء وطمأنينة و"بشكل طبيعي" على أمواج الإذاعة وشاشة التلفزيون مقترحات تهجير السكان الفلسطينيين إلى الكونغو أو رواندا أو أوروبا، دون الإشارة إلى أن هذه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية؟ ودون الإشارة إلى أن أولئك الذين ينطقون بهذه الاقتراحات ينبغي أن يلاحقهم القضاء بتهمة الإشادة بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية؟ وفقا للأمم المتحدة، أصبح قطاع غزة "مكانا للموت، غير صالح للسكن". كل يوم تتراكم المعلومات حول القتلى (أكثر من 23000) ، والجرحى (أكثر من 58000) ، والمرافق الطبية التي تعرضت للقصف ، والإعدام الميداني السريع والتعذيب على نطاق واسع ، وتدمير المدارس والجامعات وتدمير المنازل. لدرجة أنه تم إنشاء مصطلح جديد "الدوميسيد domicide"، للإشارة إلى هذا التدمير الممنهج للمنازل. ونادرا ما يحقق الصحفيون في جميع هذه الجرائم. ومع ذلك، فإن المذكرة التي قدمتها جنوب إفريقيا في 29 ديسمبر 2023 إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي كانت كافية بالنسبة لوسائل الإعلام من أجل تحقيق عشرات الحالات من السبق الصحفي. كان باستطاعة وسائل الإعلام أن تمنح للضحايا (وليس فقط ضحايا 7 أكتوبر) وجها واسما وهوية، مما يمكن أن يساعد على إجبار إسرائيل والولايات المتحدة التي تسلحها دون توقف، على مواجهة مسؤولياتهما وكذلك وضع الدول الغربية الأخرى وخاصة فرنسا أمام مسؤولياتها و من أجل هذه الغاية لا يكفي إنزال بعض الإمدادات الغذائية بالمظلة على السكان الذين يعانون من الحرمان، أو التعبير عن "القلق والانشغال" من خلال بيان صحفي. … هذه أول مرة تحدث إبادة جماعية على الهواء مباشرة، وفي بث مباشر على بعض القنوات الإخبارية العربية أو على الشبكات الاجتماعية، وهو ما لم يكن عليه الحال بالنسبة لمجازر رواندا أو سريبرينيتسا في تسعينيات القرن العشرين. وفي مواجهة ذلك، فإن السهولة التي تترك بها هذه المذبحة تدريجيا عناوين الصحف ونشرات الأخبار التلفزيونية في بلداننا لتصبح مجرد معلومات ثانوية، أمر مقلق جدا. ومع ذلك، وبقدر ما تتحمل الدول الموقعة على اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها تصيبا من المسؤولية، يتحمل الصحفيون مسؤولية أخلاقية للتعبئة لوقف هذه الجريمة المستمرة. المصدر: "أوريان 21" نقله إلى العربية: أحمد إبن الصديق