أصدر المجلس الوطني لحقوق الإنسان مذكرة حقوقية تضمنت أكثر من 100 توصية، تهدف إلى تغيير قانون المسطرة الجنائية وتحقيق ملاءمة أكبر مع الالتزامات الكونية للمغرب، والنهوض بفعالية الولوج إلى العدالة والانتصاف، فضلا عن تعزيز ضمان المحاكمة العادلة. وقال المجلس، في بيان صحفي صادر عنه اليوم الأربعاء 23 أبريل الجاري، إن توصياته وملاحظاته تتوزع على 79 توصية خاصة تتناول مقتضيات صريحة ومحددة في مشروع القانون، و24 توصية عامة تتعلق بقضايا بنيوية واستراتيجية لم يشملها المشروع، لكنها تستدعي المعالجة لضمان التوافق مع المعايير الدستورية والدولية.
وأكد المجلس الوطني لحقوق الإنسان على ضرورة تكريس مبدأ دولة الحق والقانون، خاصة ما يقتضيه ذلك من خضوع السلطات التنفيذية والقضائية، على حد سواء، لقيود المشروعية والضرورة والتناسب في أي إجراء يمكن أن يمس الحقوق والحريات. كما شدد على أهمية تعزيز المساواة أمام القانون، ومتطلبات الشفافية والمساءلة والمحاسبة، بما يتماشى مع مقتضيات الدستور. وتشمل مقترحات المجلس التنصيص على إمكانية الاستماع إلى المشتبه فيه دون إخضاعه للحراسة النظرية، وضمان حقوق الدفاع، وإقرار حق المشتبه فيه في الإعلام الفوري بمدة الحراسة النظرية وشكليات تنفيذها، بالإضافة إلى إمكانية الطعن أمام جهة قضائية مستقلة؛ وذلك بما يكرّس مبدأ الشفافية والرقابة القضائية المستقلة. وشدد المجلس على أهمية احترام ضمانات المحاكمة العادلة كشرط غير قابل للتقييد، الذي يشكل أساسا لمشروعية الإجراء القضائي برمته. كما أكد على ضرورة تمكين المشتبه فيه من الاتصال بمحاميه منذ لحظة التوقيف، وتقليل مدد الحراسة النظرية، واعتماد التوثيق السمعي البصري كضمانة إجرائية لحماية حقوق المشتبه فيه وتعزيز الشفافية. وأوصى المجلس باحترام مبدأ التكافؤ والتوازن بين أطراف الدعوى، باعتباره ضمانة جوهرية لاستقلال القضاء وحياده. ويتم ذلك من خلال تمكين الدفاع من ممارسة حقوقه على قدم المساواة مع سلطة الاتهام، وضمان حضور المحامي منذ لحظة بدء تنفيذ الحراسة النظرية، وإتاحة الاطلاع على ملف الشرطة القضائية المحال إلى النيابة العامة، بما يمكن الدفاع من إعداد مرافعاته بفعالية ومواجهة أدلة الاتهام في ظروف متكافئة. ودعا المجلس إلى تمكين الجمعيات المدنية من الولوج إلى القضاء دون فرض قيود إدارية، خاصة بإلغاء شرط الحصول على إذن مسبق من الجهة الحكومية المكلفة بالعدل، واستبدال نظام الترخيص بنظام الإخطار، بما يكرس استقلالية الجمعيات في ممارسة حق التقاضي. وطالب المجلس بمراعاة الفئات الهشة، من أجل استيعاب الخصوصيات المرتبطة بالوضعية الاجتماعية أو الجسدية أو النفسية أو القانونية للأفراد. واقترح وضع آليات مسطرية تستجيب لخصوصيات النساء والأطفال والأشخاص في وضعية إعاقة والمهاجرات والمهاجرين. وتطرق المجلس أيضاً إلى أهمية مراعاة النوع الاجتماعي في حالات العنف ضد النساء، وتفعيل مبدأ التيسير الإجرائي في قضايا الأشخاص في وضعية إعاقة، ومقاربة وضعيات الأطفال في المسطرة من منظور المصلحة الفضلى للطفل، وتوفير الترجمة للمهاجرات والمهاجرين. وخلص المجلس إلى التأكيد على أهمية بناء مسطرة جنائية تراعي الهندسة الدستورية وتحمي الحقوق والحريات، لأنها ليست مجرد أداة إجرائية، بل تعبير عن رؤية المجتمع للعدالة. حيث يُخضع تدخل السلطة لضوابط قانونية تحقق التوازن بين حماية الأمن العام وفعلية صون الحقوق والحريات.