كثيرا ما يسوق لمفهوم "الهامش السياسي" باعتباره خيارا واقعيا أو مدخلا ممكنا للتأثير. لكن، هل هو فعلا فضاء للعمل، أم مجرد قيد ناعم يديم السيطرة ويفرغ السياسة من جوهرها؟ 1. الهامش ليس فضاء، بل فخ ناعم: يروج للهامش السياسي باعتباره مساحة "واقعية" للعمل الممكن، بدعوى "العقلانية" وتجنب المواجهة. لكنه في الحقيقة ليس إلا امتدادا للسلطة نفسها، يرسم حدوده المتنفذون، ويضبط إيقاعه منطق التحكم لا منطق التغيير. المشاركة فيه شكلية صورية، وظيفتها تزيينية تمنح النظام واجهة "تعددية" دون أن تمس جوهره. 2. الهامش يفرغ السياسة من مضمونها: السياسة في معناها النبيل هي تدبير الشأن العام بإرادة حرة ومسؤولية حقيقية. أما "السياسة الهامشية" فهي تمارس داخل شروط مسبقة، تفرغ الفعل السياسي من قيمته الأخلاقية والتغييرية، وتحوله إلى إدارة "تفاوضية" على الفتات، بدل خوض معركة من أجل العدالة والسيادة والكرامة. 3. الهامش يصنع نخبا مدجنة: من أخطر آثار الهامش السياسي أنه ينتج طبقة من الفاعلين الذين يعتادون الدوران في فلك السلطة، ويتكيفون مع منطق الممكن لا مع منطق الواجب، فتتحول القوى المعارضة إلى شركاء في "الاستقرار السياسي" الزائف بدل أن تكون روافع للضغط لأجل تغيير ملموس نحو بناء ديمقراطية حقة. 4. الهامش يعيد إنتاج الخضوع: حين يقدم الهامش كالمتن، يضيع الفهم العام لمعنى الديمقراطية والتمثيل والسيادة. والهدف ترسيم فكرة أن التغيير لا يكون إلا عبر هذا المسار الضيق، وبذلك يتحول الهامش إلى أداة لإدامة الاستبداد لا لمقاومته. 5. الهامش يوظف لشرعنة الفساد: بعض الفاعلين من داخل الهامش يستخدمون لتجميل قرارات ظالمة، أو تمرير إصلاحات تمس الحقوق الأساسية للمواطنين. فيتحول الخطاب السياسي إلى لغة تضليل، ويتحول الإصلاح المدعى إلى غطاء لتكريس تغول الفساد وقهر الشعب. 6. وهل قدرنا أن نظل في الهامش؟ مجرد التسمية تفصح عن نظرة دونية، وكأننا خارج النص، خارج التاريخ، خارج المعنى. أن يطلب من الشعب والقوى الحية أن تظل "في الهامش" هو اختزال لدورها في التزيين أو التسكين. فهل قدر للمجتمع أن يعيش دائما في هذا الموقع التابع؟ وهل يكون الهامش قدرا سياسيا لا فكاك منه؟ إن التسليم بذلك يكرس دونية مرضية تعيق الانعتاق، وتعود الناس على القبول بالموقع الثانوي، بدل أن يتقدموا لصناعة مصيرهم بأنفسهم.