جلالة الملك يهنىء عاهل مملكة الأراضي المنخفضة وصاحبة الجلالة الملكة ماكسيما بمناسبة العيد الوطني لبلادهما    من بينهم الرجاء والوداد.. "الفيفا" تمنع 12 فريقا مغربيا من التعاقدات    حزب الاستقلال يعقد مؤتمره محسوم النتيجة    أخنوش: لا سنة بيضاء في كليات الطب ونهدف إلى إصلاح شامل لمنظومة الصحة    انهيار أشرعة الطاحونة الحمراء في باريس "مولان روج"    الأمير مولاي رشيد يترأس بمكناس مأدبة عشاء أقامها الملك على شرف المدعوين والمشاركين في المعرض الدولي للفلاحة بالمغرب    في ظل ضبابية رؤية الحكومة.. هل يلغي أخنوش صندوق المقاصة؟    "IA Branding Factory"… استفادة 11 تعاونية من الخدمات التكنولوجية للذكاء الاصطناعي    الصين تتعبأ لمواجهة حالات الطوارئ المرتبطة بالفيضانات    السعودية قد تمثَل للمرة الأولى في مسابقة ملكة جمال الكون    أخنوش متمسك بأغلبيته ويستبعد في الوقت الراهن إجراء أي تعديل حكومي    رسميا.. بدر بانون يعود لأحضان فريقه الأم    بطولة إفريقيا للجيدو... المنتخب المغربي يفوز بميداليتين ذهبيتين ونحاسيتين في اليوم الأول من المنافسات    انطلاق أشغال مشروع تهيئة الغابة الحضرية "ليبيكا" بالعرائش    جمع أزيد من 80 كيس دم في حملة للتبرع بجرسيف    مؤسسة (البيت العربي) بإسبانيا تفوز بجائزة الشيخ زايد للكتاب في دورتها ال18    "لمسات بألوان الحياة".. معرض تشكيلي بتطوان للفنان مصطفى اليسفي    عرض فيلم "أفضل" بالمعهد الفرنسي بتطوان    مسؤول بوزارة التربية يمنع التلاميذ من مضغ "العلكة" في المدارس بتزنيت    زلزال استقالات يضرب الخارجية الأمريكية بسبب دعم بايدن لحرب إسرائيل على غزة    النسخة السادسة للمباراة المغربية للمنتوجات المجالية.. تتويج 7 تعاونيات بجوائز للتميز    التوتر يشتد في الجامعات الأمريكية مع توسع حركة الطلاب المؤيدين للفلسطينيين    توقعات أحوال الطقس اليوم الجمعة    معرض لفلاحة 16 بمكناس كبر وخاصو يتوسع. دورة مقادة كان مشكوك فيها 3 اشهر. اقبال كبير وتجاوب مزيان وحركة دايرة    عدد العمال المغاربة يتصاعد في إسبانيا    قفروها الكابرانات على لالجيري: القضية ما فيهاش غير 3 لزيرو.. خطية قاصحة كتسناهم بسبب ماتش بركان والمنتخبات والأندية الجزائرية مهددة ما تلعبش عامين    تحت اشراف الجامعة الملكية المغربية للملاكمة عصبة جهة سوس ماسة للملاكمة تنظم بطولة الفئات السنية    القبض على مطلوب في بلجيكا أثناء محاولته الفرار إلى المغرب عبر إسبانيا    وزير دفاع إسرائيل: ما غنوقفوش القتال حتى نرجعو المحتجزين لعند حماس    الدكتور عبدالله بوصوف: قميص بركان وحدود " المغرب الحقة "    شاهد كيف عرض فيفا خريطة المغرب بمتحفه في زوريخ    تسليط الضوء بالدار البيضاء على مكانة الأطفال المتخلى عنهم والأيتام    هل دقت طبول الحرب الشاملة بين الجزائر والمغرب؟    طنجة تحتضن ندوة حول إزالة الكربون من التدفقات اللوجستية بين المغرب و أوروبا    أخنوش: الحكومة تقوم بإصلاح تدريجي ولن يتم إلغاء صندوق المقاصة    نهضة بركان تطرح تذاكر "كأس الكاف"    البيرو..مشاركة مغربية في "معرض السفارات" بليما لإبراز الإشعاع الثقافي للمملكة    مؤتمر دولي بفاس يوصي بتشجيع الأبحاث المتعلقة بترجمة اللغات المحلية    أخنوش يربط الزيادة في ثمن "البوطا" ب"نجاح نظام الدعم المباشر"    رئيس الحكومة يجري مباحثات مع وزير الاقتصاد والمالية والسيادة الصناعية والرقمية الفرنسي    المغرب يستنكر بشدة اقتحام متطرفين المسجد الأقصى    ''اتصالات المغرب''.. النتيجة الصافية المعدلة لحصة المجموعة وصلات 1,52 مليار درهم فالفصل اللول من 2024    نمو حركة النقل الجوي بمطار طنجة الدولي خلال بداية سنة 2024    التحريض على الفسق يجر إعلامية مشهورة للسجن    الأمثال العامية بتطوان... (582)    نظام الضمان الاجتماعي.. راتب الشيخوخة للمؤمن لهم اللي عندهومًهاد الشروط    "مروكية حارة " بالقاعات السينمائية المغربية    في اليوم العالمي للملاريا، خبراء يحذرون من زيادة انتشار المرض بسبب التغير المناخي    خبراء ومختصون يكشفون تفاصيل استراتيجية مواجهة المغرب للحصبة ولمنع ظهور أمراض أخرى    جراحون أميركيون يزرعون للمرة الثانية كلية خنزير لمريض حي    أكاديمية المملكة تعمق البحث في تاريخ حضارة اليمن والتقاطعات مع المغرب    ماركس: قلق المعرفة يغذي الآداب المقارنة .. و"الانتظارات الإيديولوجية" خطرة    قميصُ بركان    لأول مرة في التاريخ سيرى ساكنة الناظور ومليلية هذا الحدث أوضح من العالم    دراسة: تناول الأسبرين بشكل يومي يحد من خطر الإصابة بسرطان القولون    دراسة تبيّن وجود صلة بين بعض المستحلبات وخطر الإصابة بمرض السكري    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    "نسب الطفل بين أسباب التخلي وهشاشة التبني"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل توجد سياسة واضحة لتدبير الشأن الثقافي بالمغرب؟
هل توجد سياسة واضحة لتدبير الشأن الثقافي بالمغرب؟
نشر في المساء يوم 20 - 01 - 2016

كُلّ مَنْ يُتابع، أو يُراقب، الشأن الثَّقافي في المغرب، لا بُدَّ أن يتساءَل عن طبيعة «السِّياسَة الثقافية» التي بها يُدار هذا الشأن، أو بها تجري أمور الثقافة عندنا. كُلُّ مُؤَسَّسات الدولة المغربية لها سياساتُها، ولَها خارِطَة عمَل، هي ما يُحدِّد أُفُقَها، ويجعل كل المُتَدَخِّلِين، في هذا القِطاع، أو ذَاك، لا يَسْهَوْن عن السِّياسة، أو يلتزمون بما تَقْتَضِيه من شُروط في العمل، وفي التَّسْيير والتَّدْبير. ثمَّة وزاراتٍ «سيادية» لا يمكنُ للدولة أنْ تَسْمَح بالخُروج عن الحُدود الموضوعة لها، مهما كانت طبيعة الحزب، أو الجهة التي تُشْرِف على تَسْييرِها. هُنا، نحن بصدد توجُّهاتٍ، هي ما يحكم طبيعة هذه المؤسَّسات، وما يُؤَسِّس لبنياتها. عندما نذهب إلى الثقافة نُصابُ بارْتِباكٍ في فَهْم ما يجري. لا نعرف هل تدبير الشأن الثَّقافي في المغرب تدبير له سياسة، ليست هي برامج وزارة الثَّقافة، وما تُخَطِّط له، أو تضَعُه من برامج، مثل المعرض الدولي للكتاب، ودعم النشر، وتمثيلية المغرب في الخارج، وغيرها ما هي في جوهر «أنشطة»، وليست «سياسة»، لأنَّ هذه السِّياسة شأن أكبر من وزارة الثقافة، فالدَّولة المغربية، هي المنوطة بهذه السِّياسة، وهي التي تعمل على وضع هذه السِّياسة ورَسْم خطوطها الأساسية، بالعمل مع المثقفين، بالدرجة الأولى، ومع المؤسَّسات المعنية بالشأن الثقافي، من جامعات، وجمعيات المجتمع المدني. وكوننا تَبَنَّيْنا العمل الثقافي في المغرب، سيراً على النَّهْج الفرنسي، على عهد الرئيس شارل دوغول، حين قرَّر، بمعية وزيره المثقف والكاتب المعروف أندريه مالرو، إحْداثَ وزارة للثقافة أواخر خمسينيات القرن الماضي. لكن، ما لم تَعِه الدولة المغربية، أو ما لم تُكُن جِدِّيَة فيه، أو ليست لديها رغبة في إنجازه، هو ما تلا خطوات دوغول ومالرو، حين أصبح الشأن الثَّقافي شَأْنَ دَوْلَةٍ، وليس شأن وزارة، هي أضْعَف مؤسَّسات الدولة، أو المؤسسة التي تبقى في آخر ترتيبات التفاوض حول مَنْ سيتولَّى حقيبتها. الثقافة في فرنسا تُوازِي العَلَم الفرنسي، وهي، نتيجة ما قام به بعض الوزراء الجديرين بهذا القطاع، وبينهم الاشتراكي جاك لانغ، أصبحت قطاعاً استثمارياً، وذات معنى اقتصادي، خصوصاً في ما يجري من رواج سياحي. المتاحف التي انْتُزِعَتْ من وزارة الثقافة، وغيرها مما فرَّطَتْ فيه بسهولة، وعن طَيْبِ خاطر، هو شأنٌ ثقافي، لكن شأنٌ برؤوس مختلفة، ومُتنافِرَة، لا يمكن الجمع بينها، مما يعني، أنَّ التفكير في «سياسة ثقافية» في المغرب أصبح في خبر كان، أو لا ينبغي التفكير فيه، فالثقافة، من هذا المنظور، هي «أنشطة» و»واجِهَة»، هذا ما باتَ يتبَدَّى بوضوح، في تركيبة «المجلس الأعلى» للثقافة واللغات، بتركيبته، وبمن يتفاوضون لإخراج قوانينه إلى الواقع. إنَّنا نعيش، في تدبير شأننا الثقافي، وضْعاً مُحْرِجاً، قياساً بما توليه بعض الدول العربية من أهمية لهذا القطاع، دون أن أتحدث عن الغرب. فلا شيء عندنا، ما دام التفكير في وضع «سياسة»، أو «عَلَم» لهذه الثقافة، يُوازي العَلَم الوطني، غير وارِدٍ، ولم يَكُن وارِداً في أذهان كُل الذين تعاقَبُوا على الحكومة المغربية، منذ الاستقلال إلى اليوم. فحين تكون وزارة الأوقاف، أهم، وأكبر، في مالِها، وفي ثرواتها، وفي بنياتها التحتية، وفي مواردها البشرية، وفي ما توليه لها الدولة من أهمية استثنائية، فهذا يكفي لنفهم ما نحن فيه من خَلل، وما يعترينا من وَهَنٍ، في مدارسنا، وجامعاتنا، وفي الإنسان عندنا، الذي فَقَد بَوْصَلَة القِيَم، وأصبح رِيشَةً في مَهَبِّ الرِّياح، وليس رِيحا واحدة.
السياسة الثقافية في المغرب
هل توجد سياسة واضحة لتدبير الشأن الثقافي بالمغرب؟ ما هي تجليات هذه السياسة، سواء على مستوى النصوص التشريعية أو البرامج الحكومية؟ ما هي الأطراف المُتدخِّلة لرسم معالم السياسة الثقافية، من غير الأطراف الرسمية- الحكومية؟ هل من ضرورة لوجود سياسة ثقافية، في الأصل، على غرار باقي السياسات في الاقتصاد والبيئة، وغير ذلك؟.
1- يمكن أن تُشكِّل الموضوعات، المَصوغة اعتمادا على الأسئلة أعلاه، منطلقات لمقاربة ما يسمى السياسة الثقافية. لكن، بدل منهجية اقتراح جواب لكل سؤال على حدة، اخترنا كتابة موضوع عامّ، نحاول الإجابة فيه عن بعض أسئلة التدبير الثقافي بالمغرب. وأخذاً بعين الاعتبار ذلك، كانت الضرورة مُلحّة لتحديد المقصود بالثقافة، المُراد وضع سياسة لها. وفي هذا الإطار، يمكن القول إن «المجال» الثقافي يتميّز بطبيعته المُركَّبة، نتيجة تشابُكه مع مجالات أخرى، ذات خلفية اجتماعية، سياسية واقتصادية. من جهة أخرى، يمكن القول إن المجال الثقافي يضمُّ كل ما من شأنه أن «يُتعارف» على أنه ذو طبيعة ثقافية. وهنا، نجد المجال الثقافي يتَّسع ليشمل التعبير الثقافي الأبسط إلى التعبير الأعقد، سواء كان ماديا أو رمزيا، مكتوبا أو شفويا، محليا أو كونيا. ويرجع السبب في ذلك إلى أن لا شيء يحول دون حضور» الثقافي» في مَثَل شعبيّ سَيّار، أو قصيدة شعرية، أو وصفة تحضير أكلة، أو قطعة موسيقية، أو نصب معماري، إلخ. بناء على كل ذلك، يمكن اعتبار الثقافة، في مختلف تجسُّداتها، حصيلة كائن تاريخي، فاعل ومُتحرِّك في محيطه. والملاحظ أن جُماع هذه الحصيلة، عناصر تكوينية من مشارب متعددة، مُتفاعلة في ما بين بعضها البعض اللغة مع الدين، التاريخ مع المصير، الجغرافيا مع المناخ، الفردي مع الجماعي، العقلاني مع الخيالي. هكذا، يمكن تصور عدة تفاعلات داخل مِرجل الثقافة، بما يجعل من هذه الأخيرة مركز الإنسان في وجوده المادي والرمزي، الأخلاقي والفلسفي. ولذلك، ليس من الغريب أن نجد الثقافة تتماهى مع الهُوية في أحايين كثيرة.
2- بالنظر إلى مركزيتها، تحظى الثقافة، في الدول المتقدمة حضاريا وتكنولوجيا، بعناية كبيرة، في بُعدها المؤسسي. وبالطبع، يحتلُّ الإنسان مركز الصدارة في قلب هذه الثقافة، باعتباره كائنا «ثقافيا» بامتياز. فحتّى لا تظل أي مقاربة اجتماعية ناقصة، يقتضي التفكير الاستراتيجي اقتراح سيناريوهات ثقافية، تكون مُواكبة لباقي السيناريوهات السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية… ومُتفاعِلة معها. ولعل الوقائع الخاصة والعامة، القريبة والبعيدة، الشبيهة والمختلفة، تؤكد أن العديد ممّا يعتري الشعوب والمجتمعات من نقاشات وجدالات، من أزمات وحتى نزاعات، هي في منشئها ذات بعد ثقافي. وبالفعل، يبدو أن ظواهرَ مثل التطرف والإرهاب، التطهير العرقي والديني، الأمراض الفتّاكة، مثل السيدا وغيرها، الجفاف والتصحُّر…، هي في طبيعتها ذات صلة بالثقافة بشكل مباشر أو غير مباشر.في مقابل الأهمية، التي يُفترض أن تكتسيَها الثقافة، لا نكاد نجد ما ينبئ عن وجود «ردّ فعل» إيجابي تجاه الثقافة الوطنية، التي تعتبر ثروة المغرب الحقيقية، بالنظر إلى غناها وتعدُّد مصادرها. ذلك أنه غالبا ما يتخلَّف الاهتمام بالثقافة رسميا، بالمقارنة مع الاهتمامات الأخرى. والواقع أن بإمكان المغرب تحصيل ثروات هائلة، لو كان هناك تقدير استراتيجي لأهمية الاستثمار الثقافي، على صعيد قطاعات مختلفة. وبحكم النظرة «الناقصة» إلى الثقافة، فإن الغالب أن ترد هذه الأخيرة على سبيل «الإلحاق» بمجالات، اقتصادية أو سياسة أو اجتماعية… وبتصفُّحٍ عابرٍ «للمالية العمومية»، يمكن معرفة حدود الاستثمار المُخَصَّص للثقافة، في مقابل نظيره في القطاعات الأخرى. ولذلك، ليس من الغريب مُلاحظة التأخُّر الحاصل على مستوى استحداث البنيات الثقافية التحتية، في مختلف مدن البلاد وقُراها.
3- بتأثير من الحجم المرصود لهذه الورقة، ليس بأيدينا غير اختزال الأسئلة السابقة، من خلال الوقوف عند خصيصتين مُلازمتين لطبيعة التدبير الثقافي بالمغرب. ويمكن اعتبار الخصيصتين، الآتي ذكرهما، بمثابة ثابتين من ثوابت السياسة المغربية في المجال الثقافي.
* الثابت الأول يتعلق بالإكثار من خلق المؤسسات الثقافية الرديفة، إلى حدّ يؤدي إلى خلق مشاكل على مستوى التنسيق بين تلك المؤسسات. فإلى جانب وزارة الثقافة، هناك مؤسسات حكومية عديدة (قائمة وأخرى مُزمع إقامتُها) بلغت مستوى كبير من التُّخمة: المعهد الملكي للأمازيغية، المجلس الأعلى للثقافة (أين هو؟)، أكاديمية محمد السادس للغة العربية، المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية. وأمام هذا التعدد في المؤسسات، الذي نعتبره مجرد إجابات ظرفية عن أسئلة استراتيجية، الغاية منها إرضاء هذا الطرف أو ذاك، من مكونات الشعب المغربي ، يمكن التساؤل: لماذا لا يتمّ الاكتفاء بمؤسسة واحدة جامعة، من قبيل المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية المُزمع إنشاؤه قريبا؟ أليس هذا من قبيل المؤشر على تشتيت الشأن الثقافي: كل مؤسسة تفعل ما تشاء بالأرض التي تحتلّ، بغض النظر عما تفعله المؤسسات الأخرى على أراضيها؟.
ولعل ما يؤكد هذه الحقيقة، على مستوى آخر، هو ترسيم لغتين للمغاربة. ففي الوقت الذي يقتضي الواقع العناية باللغتين الوطنيتين، العربية والأمازيغية، لم تكن هناك حاجة إلى ترسيم لغتين جنبا إلى جنب. ومن الناحية المبدئية، لا يستطيع المرء التكهُّن بكم ستكون لنا من لغة رسمية في العقود القادمة، في ظل واقع تشتدّ فيه هجرات الألسن وتتوسّع، هربا لأصحابها من الفقر والحروب والأمراض والإرهاب. إن السياسة اللغوية، وهي جزء من السياسة الثقافية العامة، تسير باتجاه ترسيخ واقع لغوي بأهداف غير منظورة : التمكين للغة الفرنسية على حساب العربية والأمازيغية. والمُفارقة أن الحديث عن وجود تعدد لغوي، في إشارة إلى العربية والأمازيغية، سرعان ما يتمّ تجاهله حين يتعلق الأمر باللغات الأجنبية. وهكذا يمكن التساؤل عن سرّ التّمكين المغربي المُطلق للفرنسية، على حساب الإنجليزية مثلا، المُعترف بسعة تداولها في العالم المعاصر.
* الثابت الثاني له علاقة بالثابت السابق، بالنظر إلى كونه مجردَ ترتيب عنه. إن الأمر يتعلق، هنا، بغياب التنسيق بين المؤسسات والقطاعات، ذات الصلة بالشأن الثقافي. وإذ يبدو تعدُّد المؤسسات الثقافية تضخُّما «زائد الوزن»، فإن وجود أكثر من «قطاع» معنيّ أمرٌ طبيعي، بحكم وقوع الثقافة على «أرض» مشتركة. فإلى جانب وزارة الثقافة، هناك قطاعات وزارية أخرى معنيّة بالشأن الثقافي، من قبيل التعليم، الصناعة التقليدية، السياحة، الشؤون الدينية، إلخ. من الطبيعي، بحكم التعدد والواقع، أن تكون هناك سياسة ثقافية جامعة على الصعيد الحكومي. غير أن واقعة رئيس الحكومة بنكيران مع وزير التربية بلمختار، بإمكانها أن تبيِّن طبيعة التنسيق الحاصل، في ما يتعلق بقضية «حسّاسة» مثل اللغة وعلاقتها بالتعليم. أما بالنسبة لتدبير الشأن الثقافي، من قِبَل مؤسسات القطاع الخاص والجمعيات المدنية والبعثات الأجنبية، فإن الموضوع يحتاج إلى دراسة مُعمَّقة، في علاقته بالسياسة الحكومية العامة، إن وجدت على الصعيد الثقافي. انطلاقا من كل ما سبق، يتضِّح المدى الذي تمَسّ الحاجة فيه إلى السياسة الثقافية الجامِعة، بالنسبة إلى موضوع التنسيق بين القطاعات، ذات العلاقة بالثقافة وبشؤونها. غير أن المُراهنة على أكثر من مؤسسة، في موضوع التخطيط الثقافي وإخراج برامجه، تؤدي إلى التضارب بين مؤسسة وأخرى. وفي هذه النقطة بالذات، تتجسّد معضلة أن يكون، هناك، أكثر من مؤسسة ثقافية. وحيث كان يُفترض أن يضطلع المجلس الأعلى للثقافة بالدور، صرنا، في غيابه، بإزاء أكثر من «توجُّه» لتدبير الشأن الثقافي. واليوم، لا أتصور أن يتمّ تجاوز المُعضلة، بإنشاء المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، في ظل وجود مؤسسات ثقافية أخرى مُوازية.
4- إن كانت الحرية هي الأصل في الإبداع الثقافي، فالمطلوب من السياسة العمومية أن تحمي هذه الحرية، بما يغني الموروث الثقافي الوطني، ويجدد بنياته وأسئلته. هل هناك سياسة ألا تكون هناك سياسة ثقافية؟.
أعطاب التَّدبير الثَّقافيّ
الحديث عن الثقافة أو المسألة الثقافية في المغرب، على مستوى الدولة والجمعيات والأفراد، في الجوانب التدبيرية أو المرامي‪، لا يفي التعميم والاختزال في إيفائه حقه من النظر للخروج بخلاصات مقنعة، بل الأمر يحتاج إلى جهد دراسي دقيق، جهد فردي ومؤسسي، خاصة أن الثقافة في تشعباتها وأنساقها محور مركزي في الدلالة على هوية وخصائص المجتمعات البشرية، وهي السمة الأبرز على كنهها وكينونتها. كما أنها تتسم، في حالة المجتمعات غير المنغلقة، بالحيوية، وفق آليات انتقائية، جاذبة، طاردة، مستوعبة، وفق دواعي المنفعة بالوفاء بالحاجيات، ورسم آفاق المستقبل. وما دام الفعل الثقافي لا ينجز في الفراغ / الإنسان يولد في الثقافة/ بل محايث لوجود الناس، سواء ضمن جماعة مميزة أو في تجاورها مع غيرها، فإن ذلك يكون سببا لتوتر ناجم عن تراكم، في حين معين للموروث والحادث والوافد، وباعتبار أن الثقافة كوعي بالذات وتصور عنها، واستغراق في المحيط بمختلف مكوناته، وتطلع إلى المستقبل، وأيضا كيفيات وبصمة وجود، فإنها تحمل ملامح الصراع بين من يجنح للمحافظة، أو إلى التطور، وحتى لو وجد المشترك تتم حلحلته في اتجاهٍ دون آخر، عن طريق التأويل من جهة أو تأسيس علاقة بالموروث في بعديه الآني والغابر، أو الحداثة من منطلق التضاد، خاصة في حال تزامن الانغلاق والتعصب والانفتاح. إن الثقافة تنمو وتتطور في ما يشبه فعالية اللغة في التحجر، أو توسيع مداراتها بالتجاوب مع المستجدات بالفلي، أو النحت، والاشتقاق بنوعيه، والاقتراض مع الفارق. والسياسة الثقافية في حقيقتها ليست إلا تدبيراً جاذبا لهذا التوتر البالغ التعقيد (فهل يمكن ضمان حياديته؟)، فإذا سلمنا، جدلاً، بأن الدولة مجموع مؤسسات، وأن النظام شكل وأسلوب حكم، وأن الحكومة في لونها المخصوص تأتي وتذهب، وأن المؤسسات ثابتة، بينما النظام هو الكامن المتجلي ذو النواة الصلبة الذي يمهر المؤسسات بمختلف تلاوينها بميسمه، فإننا نلفي أنفسنا أمام إشكال مختلف، هو جوهر الثقافة ومقاصدها. واستتباعا، إذا سوَّغْنا، تجاوزا، شرعية الدولة في الفعل الثقافي، فيجب أن يكون ذلك على أساس مُحَدِّداتٍ، كأن ينحصر ذلك في رعاية الحريات، وحماية الجرأة على القول الثقافي، لا في تحديد الأهداف، مع التأكيد على وجود ما هو خارج صلاحية الفاعلين الثقافيين، لأن خلاف ذلك يُعَدّ مَعْبَراً إلى الكُليانية، واستنساخ المواطن الواحد المُنَمَّط، وقد فشلت هذه المعارية القسرية في الأنظمة الشمولية داخل وخارج النطاق العربي، وكانت سبب المآسي المهولة. فعن أية ثقافة يجب أن نتحدث؟.
لقد عرف المغرب جُرْحَ الاستعمار، ثم صدمة الحداثة، وباتت الحداثة معطوبة على الدوام لأسباب متعددة، منها الداخلي، ومنها الخارجي، ولم يَتِمّ إيلاء المسألة الثقافية اهتماما حقيقيا، وانغلق الباب، إلا في ما ندر، لإثارة الأسئلة الحقيقية كأمر يتعلق باستراتيجية نهوض حضاري، وتمَّ التلاعب في الحقل الثقافي بأشكال وأدوات مختلفة، منها الصورة المرتجة للوضع التعليمي، واستزراع الاتجاهات اللاحداثية، التدجين الناعم والخشن، فتح لوائح الإقصاء، الاكتفاء بما هو شكلي، ورونقة المضمار للرداءة. من الواضح أن الثقافة غير محسوسٍ بها، كما يبدو جليا، ككلية ذات شُعَب متعددة، منها الشعبية والعالمة، إلا في إطار ضيق، وهو الأب بشقيه النثري والشِّعري. لهذا كان المُتَوَهَّم أن الأدباء هم النخبة (لا توجد عندنا نخبة بل أفراد) بينما بقيت جمهرة خارج المجال الثقافي كمحاور، وعندنا وفرة من المُتَخَصِّصِينِ في مجالات علمية مختلفة، يبدو أن الأمر لا يعنيهم، بل حتى من يحسبون على الزعامة السياسية هم خرس، وهو أمر يثير الاستغراب، بينما الأمر يتعلق باستيعاب الواقع وبناء المستقبل من نافذة خلق تصورات ومفاهيم وقيم بمفردات الثقافة. غياب هذا المظهر الجامع الريادي، المتوسل بمصفاة للتلاقح والتفاعل الثقافيين، من ضمن ما يجعل البرامج والتخطيطات ظرفية، عديمة العائد، سواء بالنسبة للحكومة أو الجمعيات. إننا لم نلج بعد دورة الاقتصاد الثقافي، وهو أمر يستلزم مؤسسات باستراتيجيات مختلفة، لكنها متكاملة، بعيدة عن الاستقطاب السياسي أو الإيديولوجي. أكيد أن هناك مجهودات تبذل على صعيد أفراد وجمعيات، لكن في غياب قاعدة واسعة من المستهلكين الثقافيين، وهو أمر مؤسف، لكن يجب التنصيص على أن تأثير الثقافة بطيء، قياسا بقوة الجذب التي يتوفر عليها الموروث لصبغته المطلقة، وانسداد نوافذه على فضاء السؤال. وهذا ناجم عن الأمية والجهل، وخروج البوادي من دائرة الثقافة المدرسية. إن الثقافة عديمة الجدوى حينما لا تخرج من القوة إلى الفعل، وتتجلى سلوكا، مفتوحا على الابتكار، تجترح السؤال الذي يفضي إلى جواب، والجواب الذي يفضي إلى سؤال، وهي عملية مُوَجَّهَة للذات والمجتمع بمكوناته، ولا ثقافة فاعلة دون هذه الخصيصة، فكيف نتبين ذلك من ثقافتنا وجوانب تدبيرها؟.
الإجابة بالغة الصعوبة، لا ينهض بها فرد، بل مجموعات متخصصين، ومداها الزمني يجب أن يرتَدَّ إلى بداية الاستقلال، على أقل تقدير، إن لم يكن إلى المدى الأبعد لنتوقف، فعلا وعمليا علميا، عن الخصائص والمميزات التي تشكل ملامحنا الحقيقية، من هنا منطلق تدبير الشأن الثقافي.
أما التنشيط الثقافي فأمره يسير، ولا يكون هذا متاحا إلا بفتح الباب أمام العلم لنتحرر من الأوهام لدراسة ثقافتنا في شموليتها المادية والرمزية… هنا تظهر المسؤولية الحقيقية للدولة. ولا يغرب عن البال أن المِدْماكَ في هذا هو الخروج من نفق التردُّد لبناء تعليم قوي، فالتلازم بين التعليم والثقافة وظيفي، وإطلاق مسار البحث في مختلف المجالات، وترصيع العمران المُتكاثِر بمحاضن الأنشطة الثقافية، واعتبار الثقافة مدخلنا إلى العصر الحديث، فالثقافة أم البنيات الأساسية، لأنها بناء للإنسان والمجتمع، ودون ذلك نتحرك من أجل الحركة. علينا أن نسمو بالمجال الثقافي وألا نستذله بحقنه بفيرويس الريع، أو نحرفه عن رهاناته الأساسية التي تزهر في رحاب الحرية والديموقراطية والعدالة، وإذا كان من ضرورة لتعاقُد الدولة والمجتمع المدني، فهو إيجابي في الجوانب الإجرائية، وإيجاد المؤسسات، وتشجيع الابتكار. وأخيرا، ليس من قبيل الادعاء أن أشير إلى أن المغرب بموقعه الجغرافي، وتنوع مكوناته، وجواره لأوربا، ووسطية تدينه، مؤهل لأن يقدم نموذجا فريدا في العالم العربي والإسلامي لتشييد ثقافة ذات ثَراء، تتجاوز الحواجز والمُعَرْقِلات التي تشُدّ غيرنا إلى حمأة صراعات تضعهم ومجتمعهم في مهب الرياح، شريطة أن يتكفل من بِيَدِهم الأمر بتنظيف المجتمع، في سياق القانون، من الدجل الديني، والشعوذة الغيبية. فالمثقفون النزهاء هم المنتجون للخيرات الرمزية، وبقوتهم الاقتراحية ورؤاهم النقدية، هم القاطرة، والضمان الحقيقي لتنوير مُفْضٍ إلى المستقبل. أقول المثقفين الحقيقيين النزهاء.
السياسة الثقافية المغربية.. الأعطاب والإبدالات
تعيش السياسة الثقافية المغربية أزمة مركبة: أزمة تتعدى ضعف البنيات التحتية وضبابية الرؤية الاستراتيجية للوزارة الوصية، فضلا عن ضعف التنسيق مع وزارات تدخل على خط ترويج المنتوج الثقافي كوزارة الاتصال والتربية الوطنية وما شابه ذلك. أزمة ترخي بظلالها على كينونة وهوية المواطن المغربي المعطوب جراء إخفاق الحكومات المتعاقبة على وزارة الثقافة، منذ الاستقلال حتى اليوم، في تحويل الثقافة من قضية نخبة إلى شأن عام، علما أن الثقافة – في الأساس- سلوك وذوق وممارسة للوجود في شموليته، بينما هي عند المؤسسة الرسمية حدث مناسباتي ينتهي بإطفاء أضواء كاميرات التوثيق. الثقافة بالمعنى العميق جسر جماعي لتحقيق انتقال حضاري على خلفية وعي المواطن باللحظة التاريخية والزمن الراهن وقدرته على رفع تحديات الحرية والديمقراطية. هي مقياس حضاري لتقييم وعي الشعوب، غايتها صناعة الإنسان والحياة بسمو ورقي.. ضمير جمعي مرتبط بالتاريخ والتراث والهوية، ومن ثم صح تمثلها بصمام أمان لخلق أمن مجتمعي يجنبنا التطرف والإرهاب. الثقافة- في هذا السياق- من خلال منتوجاتها المختلفة تتغيى توجيه الرأي العام والذوق الصائب. هي بشكل من الأشكال ضمير جمعي للأمة يطمح إلى حفز المجتمع على التقدم الحضاري من خلال الارتقاء بالذوق والسلوك والتفاعل مع الآخر والذات والعلاقة بينها.. الثقافة مصدر حصانة بشرط عدم اقتصارها على التفكير المعرفي النظري وامتلاكها بعدا وظيفيا قصد التأثير الملموس والمباشر في حياة الأفراد والجماعات وإن كانت الكتابة، مثلا، في بعدها الفردي والنظري، فعلا نضاليا وإلا ما الداعي أحيانا لتوقيف مجلة أو جريدة، بل تصفية حملة الأقلام؟.
المثقف واشتراطات اللحظة:
تتحدد هوية المثقف بكونه منتجا للمعرفة وصاحب قضية، فضلا عن انخراطه بإيجابية في قضايا مجتمع، قوته بالقياس للسياسي مثلا أن معرفته غير عقيدية وبعيدة عن الإيمان الأعمى، ومعرفته متروكة للمراجعة في كل حين ومفتوحة على الزمن الآتي من خلال حدسه بالقضايا القادمة من المستقبل. المثقف بهذا المعنى وفي للنقد ورافض للامتثال للقطيع بصرف النظر عن هوية المؤسسة المنتسب إليها، سواء كانت حزبا أو قبيلة أو جمعية وما شابه ذلك. ولعل المسافة التي خلقها عبد الله العروي ومحمد عابد الجابري عن الحزب هي التي منحتهما بصمة ثقافية راسخة وعميقة في ذاكرة الثقافة المغربية المعاصرة. فإذا كان السياسي (في بعده الحزبي) يغرق في اليومي وينشغل بانتزاع مكسب هنا والآن.. فإن المثقف يرتقي بالحدث لجعله خالدا في ذاكرة التاريخ ولنا في الفكر والفلسفة والإبداع المغربي خير مثال. كما أن هامش الحرية عند المثقف أوسع وأكثر فعالية من السياسي الذي يمتلك سقفا واطئا جراء خضوعه لإملاءات الحزب المحكوم بدوره بسياسة المؤسسات المالية الدولية. وهذا ما يجعل المثقف أجرأ من السياسي لأنهما مرتهنان – في العمق – بالقاعدة التالية: «يقين السياسي وشك المثقف». إن اعتقاد المثقف بنسبية معرفته يجعله في العمق يؤمن بالتطور ويتمثل ذاته كمقترح لا كواعظ. سياق يؤسس لفكر الاختلاف من جهة ويفتح المعرفة على شرفة الحوار والحرية قصد إغنائها من جهة ثانية. إن الإيمان بالنسبية والتعدد والحوار والحرية والاستقلالية كقيم كفيلة بتأسيس مجتمع حداثي، مجتمع يشترط وجود المثقف في الريادة ولعبه دورا تنويريا من خلال تعاقده الرمزي مع المجتمع – ونتحدث هنا عن المثقف المستقل النزيه والحر على خلاف مثقف السلطة أو «المثقف الخبير» الذي يتصف أحيانا بالحربائية جراء تسويقه لمعرفة متلونة حسب مقتضيات الموقف. صحيح أن الإعلام شرفة مجدية لتسويق رسالة وموقف المثقف وتخليص معرفته من برودتها الأكاديمية ونخبويتها في أفق تحويل العلم إلى ثقافة يومية للجميع، غير أن وسائل الإعلام ليست منسجمة ولا واحدة، وبالتالي لها غايات مختلفة حسب لونها، فمنها الرسمي والحزبي والمستقل. وعموما أدرك الإعلام جيدا أن سلطة المثقف ليست فقط في معرفتها، ولكن في تحولها إلى رأي عام، والوسيلة هي وسائل الإعلام التي صنعت أصواتها الخاصة في شخص الصحفي المتخصص للحيلولة دون المكوث تحت سلطة المثقف.
في مظاهر الأزمة الثقافية بالمغرب
ثمة عدة أعطاب تجعل الثقافة غير فاعلة في المجتمع منها:
* هجرة الأدمغة إلى الخارج. وهي ممارسة تضرب في العمق التنمية المجتمعية وتهدد الأمن الثقافي المغربي. فالمثقف المهاجر لا يبحث فقط عن الربح المادي بقدر ما يسعى لإيجاد هامش من الحرية قصد التصالح مع الذات. وبهجرته يحقق مكسبا فرديا وخسارة مجتمعية.
* اكتفاء الجامعة المغربية بوظيفة تدريس الطلبة، ونادرا ما تطرح قيمة مضافة على مستوى البحث العلمي وتحويل العلم إلى ثقافة يومية، دون الحديث عن النسبة المئوية الهزيلة من ميزانية الدولة المرصودة للبحث العلمي.
* هزالة الإصدارات التي لا تتجاوز1000 عنوان ل40 مليون مغربي بمعدل 6 دقائق للقراءة سنويا لكل فرد مقابل 36 ساعة عند نظيره الغربي، وكتاب واحد لكل ربع مليون عربي مقابل خمسة آلاف كتاب لكل إنجليزي، مثلا، حسب إحصاءات اليونسكو والإيسيسكو.
* هامشية الإعلام الثقافي الورقي والرقمي والسمعي والبصري. إذ غالبا ما تقدم البرامج الثقافية في الوقت الميت..كما أن الصفحة الثقافية بالجريدة تكون في الغالب هي الصفحة الأخيرة أو ما قبلها والترتيب له معنى، دون أن نتحدث عن رمزية توصيف الحيز المرصود للثقافة ب»الملحق الثقافي»، والملحق هو الحيز الذي جاء بعد القسمة، أي ذاك الشيء الذي أتى متأخرا في التخطيط وفي التمثل وفي الإنجاز (الشياطة بالدارجة). بالإضافة إلى أن الدخول الثقافي يأتي آخر دخول بعد الدخول الرياضي والمدرسي والسياسي.. والتوقيت له دلالته الرمزية العميقة مرة أخرى..
* غياب الجوائز التحفيزية لحمل محترفي الثقافة على طرح قيم مضافة في حقل الاختصاص.
* بعد القطاع الخاص عن الاستثمار في المجال الثقافي ونشر المعرفة (الأبناك والشركات…).
* اختزال الثقافة في حيز الإبداع وغياب سؤال الفكر والتأمل (عطب يشمل جمعيات المجتمع المدني كذلك).
* عدم قدرة المثقف على العيش من منتوجه الثقافي لغياب إستراتيجية لدى وزارة الثقافة، علما أن طابع التطوع نفسه بات في مسيس الحاجة إلى مراجعة. أقصد ذاك التطوع الذي يشمل الكتابة في الصحف والمجلات والحديث للتلفزة والإذاعة، أنشطة غير مؤدى عنها وهي جهد ووقت ومال مخصوم من حياة المثقف. أعتقد أنه بات للمبدعين والمثقفين كامل الحق في المال لعام، بل الاستفادة من هذه الصفة الرمزية، سواء في الإقامة أو السفر من خلال تعاقد الحكومة مع مؤسسات التنقل والإقامة وما شابه ذلك.. صحيح أن التطوع يمكنه أن يحضر، لكن كاستثناء لا كقاعدة.
* عدم إدراج مغرب العمق في برمجة المعارض الجهوية الحقيقية والمحترمة للثقافة من طرف المديريات الجهوية لوزارة الثقافة. وكأن السياسة الثقافية المغربية تكرس ضمنيا مقولة «المغرب غير النافع» باقتصارها على معرض دولي واحد بالدار البيضاء وكأنها المدينة الوحيدة المعنية بالثقافة.
بصدد البدائل المقترحة
* فتح نقاش وطني مسؤول وملزم لكل الفرقاء الثقافيين قصد رصد الأعطاب بدقة وتفصيل مع اقتراح البدائل على خلفية تشكيل لجن للمتابعة والتقييم بسقوف زمنية مضبوطة من خلال التعاقد مع المجتمع وخلق شرفة إعلامية (ورقية ورقمية) للتواصل حول كل مستجدات الشأن الثقافي.
* تأسيس مجلس أعلى للثقافة مشكل من الكتاب والتشكيليين والمسرحيين والسينمائيين ومختلف المبدعين على خلفية تمثيلية تراعي نسبة كل قطاع بغية شغل مكان الإداريين الذين يسيرون الشأن الثقافي الراهن، والذين ثبت فشلهم، في أفق وضع برامج ثقافية قطاعية قابلة للتحقق ونابعة من كل انتظارات المعنيين بالأمر وحسب خصوصية كل جهة .
* دخول الجامعة على خط النهوض بالشأن الثقافي من خلال إقرار مادة مدرسة بالجامعة تهتم بالإدارة الثقافية والصناعة والتسويق الثقافيين قصد تأهيل العنصر البشري بقصد تأسيس ممارسة ثقافية سوية ومجدية.
* التربية على فعل القراءة والإنتاج في بعديهما الشامل من خلال ورشات تكوينية بدور الثقافة ودور الشباب مع إدراج مادة القراءة المنتجة بمعناها الإنتاجي وترك الأثر في المدرسة المغربية، من خلال التعاطي مع حقول معرفية مهملة (التشكيل، الموسيقى، الرقص، المعمار، المسرح، السينما، النحت، الغناء…).
* فتح وتأهيل قاعات العروض الفنية والمتاحف الجهوية (تأهيل البنية التحية، موارد بشرية، برمجة سنوية).
* توسيع المساحة الزمنية المخصصة للبرامج الثقافية مع تخصيص حصة للتعريف بالإصدارات والمواعيد الثقافية من خلال مختلف وسائل الإعلام.
* إغناء مكتبات دور الثقافة ودور الشباب بعناوين وإصدارات جديدة من خلال نشرات دورية ومتخصصة تصل بشكل منتظم إلى مختلف مدن المغرب، مع إسناد هذه المكتبات إلى مختصين وليس إلى حراس البنايات التابعة لوزارة الثقافة.
* الرفع من عدد النسخ المطبوعة ودعمها بعقد شراكة مع المجالس البلدية والقروية والمكتبات الوطنية ومكتبات المدارس والثانويات والجامعات وما شابه ذلك.
استنتاج تركيبي
إن انبناء السياسة الثقافية المغربية على الفرجة الفلكلورية ومنطق الحشد والقطيع لا الاقتناع الفردي الرصين بالمنتوج الثقافي طرح لنا في السوق الثقافية نجوما في الرياضة والأغنية، مثلا، ولم ينتج نجوما في الكتابة. وكما يقال عندما تغيب المعرفة تحضر الإيديولوجيا. نتيجة تجد جذورها في التقاليد الثقافية عندنا، تقاليد تنتصر للإجماع والصوت الواحد، بينما المأمول هو ثقافة حداثية تنتعش في تربة الاختلاف وتطرح ثمارها في أرض الشك. فالإيمان بقيمة الفرد أساسا هو الذي يمكن أن يعطي المثقف صفة الشريك لا التابع للوزارة الوصية.. وبممارسة الشراكة ثقافيا نفتح أفق الاعتراف المتبادل لا الإلغاء والنفي المعكوس الذي لا ينتج سوى العدم. في نفس الأفق المسدود نستحضر غياب الرؤية الإستراتيجية للشأن الثقافي، الأمر الذي يجعله قطاعا مشخصنا ومرتبطا بالأفراد أكثر من ارتباطه بسياسية مستمرة.. فتاريخ «السياسة الثقافية» بالمغرب هو تاريخ نفي ومحو للسابق لا تاريخ استمرار، وبالتالي كل وزير يبدأ من صفره الخاص وكأننا بدون ذاكرة ثقافية ومحكوم علينا بمراوحة نقطة البداية مدى الحياة. تذبذب لا يضع في اعتباره أن الخطة الإستراتيجية للثقافة تحقق أمنا مجتمعيا لا يقل شأنا عن الأمن العسكري، إذ كلما انتعشت الثقافة استقر المجتمع وتوفر على صمامات أمان ضد التطرف والإرهاب.. لكن يبدو أن الأمن الثقافي هو آخر شيء مفكر فيه عندنا. إن اشتغال الثقافة عندنا بمنطق الحملة والفرجة يجعل ممارسيها موسميين جراء غياب فلسفة المشروع ومنطق الاستمرارية، فما أحوجنا إلى ممارسة ثقافية تحتكم إلى تصور ورؤية مضبوطين بسقوف زمنية ولجن متابعة وتقييم ومحاسبة من خلال إشراك الرأي العام في ذلك. فقط لا ينبغي اعتبار الوزارة الوصية مسؤولة لوحدها. الجامعة المغربية كذلك مسؤولة، والأحزاب، وجمعيات المجتمع المدني، والإعلام، والتعليم، والمثقف نفسه مسؤول عن هذا المآل بشكل من الأشكال، وإن كان حجم المسؤولية يختلف حسب حجم التدخل في القطاع. فالجامعة المغربية، مثلا، مطالبة باستثمار نتائج البحث العلمي لصالح المواطن المغربي في معيشه اليومي، بمعنى تحويل العلم إلى معرفة يومية عبر ترحيل أسئلتها من ظل الجامعة إلى ضوء الشارع المغربي وجعل قضاياه موضوعا لبحثها العلمي. وإن هي فعلت هذا يمكنها استرداد سلطتها التي انتقلت في غفلة منها إلى وسائل الإعلام وصحافييه ك»مثقفين جدد»، حسب تعبير ريجيس دوبري وبيير بورديو. المثقف نفسه، كسلطة منتجة للمعرفة والرموز، مشروط باسترداد جوهره الأصيل. أقصد السؤال المستمر والبحث اللانهائي ومراجعته الدائمة للأفكار وممارسة النقد الذي يتغذى بعملية النفي المتتالية، لأنه في العمق ذات قلقة باستمرار وضد الاطمئنان الزائف. مع السؤال وضد الأجوبة النهائية، مع الخلق وضد الاستنساخ.. ضوابط تجعل منه سلطة رمزية متجددة ومنتجة لمعرفة قابلة للنقض والتقويض، وغايته من كل هذا تغيير العقليات لا تغيير النصوص (القانونية فقط…) في اتجاه تأسيس مجتمع المعرفة. أما جمعيات المجتمع المدني المهتمة بالشأن الثقافي فعليها أن لا تركب موجة الثقافة الفرجوية عبر المهرجانات الباهتة والمؤجلة لأسئلة الثقافة المغربية الحقيقية، وأن تستثمر هامش الحرية في الحركة والفعل، وإن كان هامشا محكوما بقلة التمويل، علما أن الشركات والأبناك طرف معني بشكل مباشر بالأمن الثقافي ومجتمع المعرفة.
الأحزاب السياسية الوطنية نفسها تسقط رقم الثقافة من معادلتها، ربما لأنها خرجت أساسا من رحم الحركة الوطنية، وبالتالي تصورت – لحين – أن السياسة صوت والثقافة مجرد صدى.. لكن مستجدات مجتمع المعرفة الراهن أكسب السؤال الثقافي خصوصيته. فقط تجدر الإشارة هنا إلى أن ما يمنع الأحزاب الوطنية من التعاطي بالجدية المطلوبة مع الثقافة هو أعطابها الداخلية ليس فقط على مستوى التنظيم (الديمقراطية الداخلية وتشبيب القيادات وما شابه)، ولكن حتى على مستوى الخطاب الحزبي المتحدث عن الاستحقاق «المصيري» و»الانتخاب الحاسم..» خطاب إطلاقي متمخض عن عقل سياسي لا علاقة له بالنسبية، ولا بالفهم الجدلي للتاريخ، علما أن الثقافة المتحدث عنها هنا هي تلك الثقافة النسبية والمؤمنة بالتعدد والاختلاف والرأي والرأي الآخر. هذا بالإضافة إلى أن مراجعة بسيطة لبرامج الأحزاب المذكورة كفيلة بمعرفة الهوة الفاصلة بين الشعار الثقافي المرفوع والممارسة، الشيء الذي يبرر موقف النخبة المثقفة من لحظة الانتخاب إما بالمقاطعة أو الانتخاب العقابي.. نهاية تصوغ لنا طرح السؤال التالي: ترى هل يصح نعت النخبة السياسية المغربية بالشيخوخة والعجز عن مراجعة المسلمات الحزبية احتكاما للبروفيلات الثقافية للمرشحين أم أن قدر الثقافة أن تكون دائما حطبا للسياسة، مآلا متوترا بين المثقف والسياسي، ومن حق الأول أن ينتفض ضد الثاني لأن أزمة المثقف من صنع السياسي أساسا؟ يبقى الرهان كبيرا جدا على وزارة التربية والتعليم كقاطرة حقيقية للتربية على المعرفة من خلال تسطير زمن ثقافي يشمل محطات بعينها على امتداد الموسم الدراسي، الذي يمكن تتويجه بمبدع الموسم الثقافي لكل مؤسسة.. كشكل من أشكال التوجيه الثقافي المبكر. والشيء ذاته يمكن فعله مع ما يمكن تسميته بقارئ المؤسسة وما شابه ذلك. رهان لن يتأتى إلا بتأهيل المكتبات المدرسية وفتح الدرس الصفي على التحصيل الثقافي الواسع. ترسانة شاملة يمكنها تغيير بطء الزمن الثقافي المغربي، الذي لا يملك سوى صوت المثقف المفرد في زمن استقالة المؤسسات الثقافية، علما أن الزمن الثقافي بطيء بالقياس إلى سرعة الزمن السياسي، إذ بمجرد التوقيع على مشروع قانون بالبرلمان يصبح ملزما لنا في اليوم الموالي له. كما أن توسيع الغلاف الزمني لدرس الفلسفة مع تجويد مضمونها من شأنهما أن يحولا دون الطائفية الثقافية التي تنسب المعرفة إلى العرق أو اللغة أو الدين بخلفية أصولية متطرفة. صحيح أن الخطاب الهوياتي مُجدٍ في حدود تسليطه الضوء على روافد هويتنا متعددة الأبعاد، لكن شريطة أن لا يتحول إلى استشراق معكوس. في الواقع نحن في مسيس الحاجة -اليوم أكثر من أي وقت مضى- إلى الدفاع عن الثقافة الجادة لافتقاد مجتمعنا الكثير من القيم وغياب الكثير من الأسئلة من قبيل: سؤال المعنى والذوق والحس والمزاج وكل ما له علاقة بالأصيل والعميق قصد تأسيس مستقبل متنور. إن الثقافة بهذا المعنى تبقى إحدى الشرف المفضية إلى مجتمع حداثي من خلال توفقها في تغيير الذهنيات والمسلكيات.. لحظة تصير فيها الثقافة فعلا وظيفيا لا نظريا فقط في حياة الأفراد والجماعات، ومن ثمة امتلاكها قوة إلزامية عبر انخراطها المباشر في توجيه ذوق وسلوك المجتمع وتحويله إلى ذات جمعية حداثية ومنتجة.. والحداثة عموما هي حداثة المنتج لا حداثة المستهلك..
مبارك ربيع : لم أتصوَّر في يوم من الأيّام أن أكون كاتبا
قال ل«المساء» : رجل السلطة والدكتاتور المثالي كانا يجدان في المثقف الخصم الوحيد الذي يجب أن يحاصراه
مبارك ربيع، واحد من الروائِيِّين المغاربة الذين تفرَّغُوا للكتابة الرواية. لم يبتعد عن القصة، بل إنَّه اعتبَرَها داخِلَةً قي سياق السَّرد، رغم ما فيها من شَظَف وتقتيرٍ، واقتصادٍ في كل شيء. فهو يكتب الرواية، مازِجا فيها بين الواقع والأسطورة، بين الحقيقي الذي يقترب من التاريخ، والافتراضي الذي هو نوع من الحُلُم الذي حالما يتبخَّر ويتلاشَى. من يقرأ أعماله الروائية، الأخيرة منها بصورة خاصَّة، سيجد نفسَه أمام انعطافة، أحْدَثَها ربيع مع نفسه، ومع طريقته في سرد الأحداث، وفي وضع الوقائع في سياق هذا البعد الأسطوري، الذي أصبح جزءاً من تجربة الكتابة عنده. آتٍ من حقل الفلسفة وعلم النفس إلى الرواية، بحكم التخصص الأكاديمي، لكن ذكر اسم مبارك ربيع، لا يقترن إلاَّ بالرواية، وبالقصة، لا بالتربية وعلم النفس، رغم أنه بحث وكتب في هذين الحقليْن. فهو روائي، وهذه الصفة تكفي لتجعله أحد الذين أسَّسُوا للكتابة السردية في المغرب، بما يعنيه التأسي من فتح للطرق، وقَهْر مزالقها.
– دُخول الكاتب مجالاً من مجالات الكِتابَة لا يَحْدُث عادةً بالصُّدْفَة، بل ثمَّة نداء ما، هو ما يدعُوه ويُلِحُّ عليه. هل هذا النِّداء يعود إلى البيئة التي نَشَأْتَ فيها، أم إلى تكوينك العلمي والثقافي، أم هناك أسباب أخرى هي ما دفَعَك للذهاب صَوْبَ السَّرد دون غيره؟.
قد يَصْعُبُ تحديد جواب عن هذا إذا كنتُ اسْتَفَدْتُ من الفلسفة، ومن علم النفس، فذلك يرجع إلى مستوياتِ القراءة التي أعْتَبِرُها ممكنة لرواياتي. إذا أرَدْتُ أن أكون صريحاً معكَ، فأنا لم أُهَيِّئ نفسي لأكونَ كاتباً، ولَمْ أتَصَوَّر، في يومٍ من الأيّام أن أكون كاتِباً، ولم أعْمَل أن أكون كاتباً بالمعنى الاحترافِيّ المُداوِم المُسْتَمِرّ، ولكن كنتُ قارِئاً، أقرأ كثيراً. كنتُ، منذ بداية استيعابي للثقافة، مُعجَباً بسلامة موسى، وبكتابات طه حسين، هذا في العربية، أما في الفرنسية، فكُنْتُ مُعجباً بالواقعِيِّين، مثل بلزاك، وكنتُ أقرأ الشِّعر الحديث، وأيضاً الشِّعر القديم، خصوصاً في المدرسة. وأذكُر أنني في بداية تَمَرُّسِي بالكتابة كنتُ أكتُبُ بعض المُذَكِّرات، بشكل يومي، بدون إنشاء، وبدون تحرير أدبي، ويجب أن أذْكُر، أيضاً، أنني وقعْتُ تحت غواية الشِّعر، خصوصاً الشِّعر المهجري، فأنا أُعْجِبْتُ ببعضهم أثناء دراستي الثانوية. لم يكن هناك تَميُّز خلال هذه المرحلة، وقد كتَبْتُ في الفكر، أيضاً، أو ما يمكن أن أعتبره ممارسَةً في الفكر والتَّفَلْسُف، كما كتبْتُ مقطوعاتٍ شعرية، ذاتية، لم تُنْشَر أبداً. في خِضَمّ هذا كُلِّه، وجَدْتُنِي أكتُب القصة، وأتطلَّع، إذا صَحَّ التعبير، عندما أتماهَى مع الكتابة السردية، إلى التماهى مع بعض الشخصيات، إلى درجَةً أنني كنتُ أضْمِرُ نوعاً من الرغبة لأكون هذه الشخصيات. بعد هذا وجدتُنِي أتفرَّغ للكتابة السردية، وتركْتُ كل الأشياء الأخرى، في ما عدا ما يدعو إليه التَّخَصُّص، من كتابات في علم النفس وعلم التربية. لذلك لا أستطيع أن أُميِّز الدوافع التي جعلتني أتَّجِه هذا التّوَجُّه، ما عدا هذه الرغبة القوية، في أن أكتب القصة والرواية، وهُما ما أتاحَا لي أن أفْرِغَ فيهما كل ما أرغَبُ في قوله، بما في ذلك الجانب الفكري.
– أثرْتُ معك هذا السؤال، لأنَّه عادةً، بالنسبة لمن ينتمي إلى بيئة ريفية، يكون في مُواجهة جَدَّات راوِيات، فهذه خلفية ربما لا ننتبه إليها إلا في ما بعد، ثم الجانب الثاني هو: لماذا لم تذهب إلى دراسة الأدب، تحديداً، رغم أنَّك تميل إلى الرواية، وذَهَبْتَ إلى دراسة الفلسفة وعلم النفس؟.
هذا الذي أشَرْتَ إليه، صحيح، كوننا عشنا في بيئة حكواتية، مع العائلة، ومع الأقربين، وما ينطوي عليه هذا الحَكْي الذي كُنَّا نتلقَّاه من واقع وأسطورة، بل أودُّ هنا أن أُشيرَ إلى أنني عشتُ واقعاً حكواتياً احْتِرافِياً. إذ كانت هناك حلقات للحَكْي، سواء في الحي المحمدي، بمدينة الدار البيضاء، أو في درب السلطان، أو في كراج علال، وأذكُر أنني كنتُ شخصياً، في حلقة من حلقات الحكواتي، التي كانت دائماً تسْتَميلُنِي، في هذه السَّاحة، شغوفاً بسماع الحَكْيِ، وشغوفاً، في نفس الوقت، بمُشاهدة الأفلام السينمائية، خصوصاً أنَّ المسافة التي كانت تفصل بين مكان الحلقة وسينما «الشاوية» قريبة جداً، وصاحِب الحلقة كان يقول لنا إنَّ السينما حرام، وهذا وضعني في مأزق، وجعلني، وأنا داخل قاعة السينما، أعيش في جوٍّ من الحرام. صحيح أنَّ هذا قد يكون مُؤَثِّراً، أسْتَحْضِرُه دائماً، ولا أدري مدى تأثيره عَلَيَّ، ولاشك أنَّ تأثيره خَفِيّ، بكيفية معينة، ليجعلني أتَّجِه إلى الحكي، وإلى السرد، بل رُبّما له تأثير في ما حاوَلْتُه منذ الثمانينيات، منذ «بدر زمانه»، وحتى في بعض القصص، من اشتغال على الأسطورة الافتراضية والاجتماعية، والمزج بينهما، لأنني أشعُر، دائماً، أن الأمور بينهما مُتداخِلَة.
– ما الذي اسْتَفَدْتَه من دراستك للفلسفة وعلم النفس، بشكل خاص، في كتابة الرواية؟ هل هناك تَجاسُر بينهُما؟ وهل علم النفس والفلسفة أتاحا لك إمكانية بناء الشخصيات، مثلما نجد عند نجيب محفوظ الذي هو أيضاً خِرِّيج شعبة الفلسفة، فهل لهذين الحقلين تأثير على رؤيتك للواقع، وللطريقة التي بها تنظر إلى الأشياء؟.
أولاً، لن أذهبَ، كما يُحاوِل البعض، إلى أنَّ دراسة الفلسفة وعلم النفس، أو علم الاجتماع، وغيرها من العلوم، هي التي تجعل من الكاتب شاعراً أو روائياً أو غير ذلك. هناك مُؤثِّرات كثيرة، هي ما يجعل عمل الكاتب وتجربته في الكتابة تتميَّز بسماتٍ مُعيَّنَة. في هذا الإطار، إذا كنتُ اسْتَفَدْتُ من الفلسفة، ومن علم النفس، فذلك يرجع إلى مستوياتِ القراءة التي أعْتَبِرُها ممكنة لرواياتي، فما أُسَمِّيه روائية الرواية هي جِماع أشياء كثيرة جمالية وموضوعاتية، وموضوعية، أيضاً، تجتمع لِتُكَوِّن الرواية، فليس هناك مكون واحد. أعتقد أنَّ رواياتي فيها هذه المستويات: المستوى العادي الذي يمكنه أن يقرأها به أي شخص، وهو الحدث، أو الحكاية، بالإضافة إلى المستوى الفكري، الذي يمكن، في هذه الحالة أن نعتبره فلسفةً، أو تعبيراً سيكولوجياً، أو غير ذلك، مما يجعل المضمون أقوى، لكن هذا وحْدَه إذا لم يكن له باطِن، أو أبعاد يمكن اسْتِجْلاؤها من خلال التلميح، ومن خلال الرمز، وتعدُّد التأويلات، وأنا أهتم بأن أجعل القارئ مُشارِكاً في التأويل. هذه الأبعاد، هي التي يمكن أن أكون اسْتفَدْتُها من الفلسفة، ومن علم النفس. ولا أُخْفِي، هنا، أن دراسات حول كتاباتي اتَّخَذَت مدخل علم النفس، وأشير إلى الدراسة الشهيرة لجورج طرابشي حول «بدر زمانه»، وهي تشكل نصف كتابه الذي صدر عن دار الآداب بعنوان «الروائي وبطلُه»، وكُلُّها دراسة سيكولوجية، ويقول عن هذه الرواية إنها الرواية القمة، ويعتبرها، أيضاً، في مقالة له في جريدة «الحياة»، في ذلك الوقت، أجود رواية صدرت في الأدب العربي آنذاك (1983 1984). فهذه القراءة، كما أراها، هي إغناء، وهي من التأويلات الممكنة للأدب، فإذا كان العمل لا يُتِيح مثل هذه التأويلات، كيفما كان جنسُه، أعتقد أنَّه سيكون مُفْتَقِراً لهذا الجانب. فكثير من القضايا الفلسفية، مثل قضايا الموت، وغيرها مما يدخل في هذا السِّياق، يمكن أن يصاغ روائياً من قِبَل شخصياتٍ ومواقف. فأنا لا أجِدُ داعياً لشيء آخر، باستثناء ما يحتاجُه تخصُّصِي العلمي، غير السرد، لأقول ما أريد أن أقولَه.
– أشرْتَ إلى أهمية المضمون الروائي، لكن يبدو لي من خلال قراءتي لأعمالك الروائية أنك تعتني باللغة، أو بالأحرى يتقاطع المضمون أو السياق الفكري عندك مع اللغة. فاللغة التي تكتب بها لغة فيها شعرية، لغة فيها تصوير، أو هي لغة فيها «ماء» بتعبير الجاحظ، وهي تدخل، طبعاً، في السياق الجمالي لِما تكتُبُه. هذا الاهتمام باللغة يعود إلى أي شرط عندك؟.
أعتقد أنَّ اللغة بالنسبة للكاتب هي الفُرشاة اللونية بالنسبة للفنان التشكيلي، بدون تلك اللُّوَيْنات، ومزج الألوان بطريقة مُمَيَّزَة لا يمكنه أن يخلُق لونَه الخاصّ، وهذا ينطبق على لغة الكاتِب، فأنت تختار لُغَتَك، أو تخلُقُك لُغَتُك، فهناك تفاعُل بين الاثنين. لكن دعني أذكر هنا، بهذا الخصوص، كلمة قالها لي أحد أساتذتي في الفلسفة، وهو المرحوم نجيب بلدي، في أوَّل لقاء لي معه في دراستي للفلسفة، وفي أول واجب لي معه، كتب ملاحظة على ورقتي بخطِّه، يمْتَدِح فيها لُغَتِي، ويقول إنها نصف الفلسفة. وهذه كانت شهادة مبكرة جداً. مهما يكن، فالكتابة هي صناعة، فهي لا تَصْدُر عفْواً عن رجل مُخَذَّر، أو شارِد، بل عن عقل واعٍ يزن ما يكتبه، وما يقوله. أنا أريد أن أُحَقِّق لنفسي، وللقارئ المُتْعَة الجمالية. في جلسةٍ لنا حول اللغة العربية، وما يجري من نقاش حول المجال اللغوي في المغرب، دار الحديث حول التَّعامُل مع مسألة الزوائد في اللُّغات، سواء في التركيب، أو في التعبير، وحتَّى في الإملاء، ما يعني أنَّ اللغة لها جماليتُها في التعبير، وفي خطِّها الخاصّ، وما فيها من استثناءاتٍ، وفي ما يواجِهُنا من صعوباتٍ فيها، فهذا كله فيه نوع من الجمالية. وأنا مع احتفاظ اللغة بجماليتها الخاصّة. فاللغة إذا افْتَقَدَتْ جمالِيَتَها، أصبحت مُجرَّد ألفاظ مَيٍّتَة، أو ألفاظا مُتجاوِرَة، لا تُحقِّق المُتْعَة التي أرجوها، سواء الحكي في ذاته، أو من الأسلوب، أو من الموضوع، ثم المضمون، ثم خليط هذا كله، بمقادير، أو بكيمياء معينة تعطيك في الأخير مَنْتُوجاً مُتكامِلاً، ومُتناسِقاً
– بقدر ما عُدْتَ في رواياتِك لماضيك، وعُدْتَ إلى بيئتك، بقدر ما عُدْتَ لبعض الأمكنة لاستعادة ذاتك من خلالها، خصوصاً في ما كَتَبْتَه في ثلاثية «درب السلطان»، وباعتباري ابن هذه المنطقة، (مدينة الدار البيضاء)، كنتُ أقرأ الرواية، وكأنني أتجوَّل في هذه الأماكن، رغم بعض التغييرات التي جرتْ فيها. لماذا هذه العودة إلى درب السلطان، بالذَّات، علماً أنَّ هذه المنطقة لعبت دوراً كبيراً في التاريخ الحديث للمغرب، بما في ذلك تاريخ المُقاومة؟.
في الحقيقة، وكما أشَرْتَ، فدرب السلطان كان له دور كبير في تاريخ المغرب المعاصر، على جميع الأصعدة. بالنسبة لي درب السلطان هو رمز للوطن كله، لذلك فالشخصيات والوقائع، ذات مستويات متعددة، فكرية واجتماعية سلوكية، وغير ذلك، هذه المُتناقِضات المُؤْتَلِفَة، أو هذه المُؤْتَلِفات المتناقضة، يجمعُها درب السلطان، بقدر ما تكون متعارضة ومختلفة ومُتخالِفَة في اتِّجاهاتِها، بقدر ما تأتي لحظات معينة تجمعُها وتُوَحِّدُها. فهذا الدرب لا ينام، فهو كُلَّما هَمَدَ منه طرف، انْتَفَض منه طرف آخر، وهو تعبير عن حيوية المجتمع المغربي ككل. لا ننسى أنَّ درب السلطان، والدار البيضاء على العموم، خليط من كُل مناطق المغرب، ما سَيُبَلْوِر شخصياتُها، وسيُحوِّل أصولها. فالكتابة عن منطقة درب السلطان، في الحقيقة، لا تكفي فيه ثلاثية، فهناك أشياء، وجوانب وشخصيات كثيرة، هي جزء من هذا المكان، ومن تاريخه وواقعه، لا يمكن حصْرُها في عمل واحد، نظراً لأهميتها، وما فيها من حيوية وحركية كبيريْن. فأنا، كنتُ أشعُر في هذا العمل، أنني أُحْيِي ذاكرة، ثم إنَّنِي لم أكُن أُحْيِي هذه الذاكرة باعتبارها ذاكرة فقط، فهذا عمل المؤرخ، والأركيولوجي، ولكن، روائياً، هناك مواقع، ومساحات وفضاءات، في مدينة الدار البيضاء، كتَبْتُها في «الرِّيح الشتوية» قبل ذلك. مثلاً ستجد مواقع لم يعُد لها أثر، مع الأسف، فمن يريد أن يدرس الدار البيضاء من حيث المعمار، من حيث الهندسة، من حيث الكثافة البشرية، والتَّكوُّن الطبقي في هذه المدينة، لا غنى له عن هذا المنظور الروائي، الذي لا يمكن أن تستوعبه دراسة اجتماعية محضة. فأنا أعتبر الرواية، كما في عملي الأخير «خيط الروح»، وكذلك في «بدر زمانه»، فناً أدبياً شاملاً.
– هنا أعود معك إلى نجيب محفوظ. باحث اجتماعي أمريكي أراد أن يكتب عن القاهرة، وجمع عددا من الدراسات، وقام بلقاءات، لم تُتِح له، كما قال، ما أتاحَه له اكْتِشاف روايات نجيب محفوظ من أشياء، لم يتوقَّعْها، لِما فيها من معطياتٍ، وتفاصيل، وأشياء عن القاهرة، فهل أنت في السياق المغربي، تحاول إعادة بناء الأمكنة، في بعض أعمالك الروائية، مثل «درب السلطان» وغيرها؟.
ليست النِّيَة أو القَصْد هو هذا. ما تقولُه صحيح، وأنا يمكن أن أقول أكثر من هذا، فقد سُئِلْتُ مرَّةً هل أكتُب تاريخ المغرب، فقلتُ إنَّ كتابة التاريخ لها منهجُها، لها طريقتُها، فأنا أكتُب رِوايَةً، قبل كل شيء. وحتَّى عندما نتحدَّث عن التاريخ، فأنا أعتقد أنَّ التاريخ الحقيقي، ولو كان افتراضياً، أو خيالياً محضاً، أو بديلاً للواقع، هو الذي يُعطي التاريخ ‪(الحقيقي)‬ العميق، التاريخ الإنساني المرتبط بالمكان، أو بالمنطقة. مثلاً عندما أقرأ تولستوي وبلزاك، أعرف المجتمع الفرنسي، والمجتمع الروسي، في مرحلته، أكثر مما أقرأه في كتاب مُؤَرِّخ. فأنا أعرفُ هذا بِدِقَّةٍ لا يُمكِن أن يعطيها لي هذا المُؤَرّخ، هذا ما تتميَّز به الرواية، فهي تقدم لك تاريخاً، وواقعاً إنسانياً، في عمقه، أو تحليلاً اجتماعياً، أو نفسياً، لذلك تجعلُك في صُلْب المجتمع، أكثر مما يضعُك فيه حديث مُؤرِّخ بالمنهجية التاريخية المعروفة التي تبدو جامِدَةً. في الرواية أنت تكتُب التاريخ بهذا المعنى، تكتُب تخييلا، تكتُب تجربة وجدانية شخصية، تجارب مُقارِبَة، مُجاوِرَة، تجمع هذا الخليط بكيمياء معينة، وتستعين بمعالم معمارية، عمرانية، أو شخصيات بملامح معينة، فعندما تقرأ ثلاثية «درب السلطان»، تجد فرقتين رئيسيتين، «السَّدَاد» و»الرَّخاء»، عبارة عن «الوداد « و»الرجاء» مثلاً، فعملياً أنت تعود بوقائع، وبأسماء، وبأحداث معينة، بشيء من الرمزية، وفي بعض الأحيان قد تستعين بالتاريخ، أو بأحداث من هذا التاريخ. أكثر من هذا، فالوقائع والشخصيات والتواريخ تكون مقصودة، للقيام بوظيفة لها علاقة بأحداث ووقائع الرواية. ففي «بدر زمانه» وفي «خيط الروح» تجد تواريخ خيالية لوقائع أسطورية، وتقويما سنويا أيضاً، افتراضيا، بجانب تاريخ حقيقي لوقائع حقيقية. فالرواية، بهذا المعنى، هي فن شامل يستطيع استيعاب كل شيء، شريطة أن لا تفقد جمالِيَتَها، بالنسبة لي، وشريطة أن لا تكون افْتِعالاً أو اصْطِناعاً. لا بُد من وجُود ما يجعل الأمور تصدر بطريقة عفوية، ولو أنَّها صناعة، كأيّ حِرَفِيّ يصنع، تُحِسّ وأنت تنظر إلى صناعته أن فيها هذه العفوية، وشيئا من الذاتية.
أين هو المثقف المغربي؟ من قبل كان حاضراً، بالقوة، وكان له تأثير واضح في ما يجري، لكن، اليوم، أصبح السياسي هو من يظهر في الصورة، وهو من يقود الشارع، أو يوجهه، وهذا ما جعل هؤلاء الشباب يبقون خارج التأطير الثقافي، وينظرون إلى الواقع بهذه الطموحات الضيقة التي تحدثْتَ عنها. فالحُلُم الذي عَبَّرْتَ عنه أصبح اليوم مُخْتَنِقاً، أو تلاشى، بالأحرى.
ربما المُلاحظة تكون صحيحة، وربما تكون غير صحيحة بالمعنى المُطلَق. هناك تحوُّل كبير، مفاجئ، تقريباً، ولم تكن أحلامُنا تضع له أي فرصة لتفترض أنَّه سيقع على جميع المستويات، الدولية والوطنية والإقليمية. التحوُّل في الفكر، التحوُّل في الاقتصاد، التحوُّل في كُل شيء، لم يجعل من المثقف تلك النخبة التي كانت هي مصدر الحلم، وربما، فُتِّتَتْ هذه الأحلام بمليارات المقادير الميكروسكوبية عند الجميع، فأصبح عند كُلّ واحد حلمه الخاص به، لكنه محدود جدّاً. فهذا التصوُّر يُخامِرُنِي مرة بعد أخرى. ما يمكن أن أقولَه هو أنَّ مفهوم النُّخَب تغيَّر، وأنه يجب على المثقف، كأي مواطن الآن، أن يتكيَّف مع الوضع الجديد، ومع الثقافة السّائِدَة الجديدة، ولا يبحث عن مكان قيادي للثقافة. القيادة الآن أصبحت للاقتصادي، والتقنوقراطي، والمهندس، ومنه المثقف الذي كان، في وقتٍ من الأوقات يُعتَبَر هو المنارة التي تقود، والتي تُحارَب. حتَّى بالنسبة لرجل السلطة، رجل الدولة، الدكتاتور المثالي، الذي كان عليه، كان يجد في المثقف الخَصْم الوحيد العنيد الذي يجب أن يُحاصِرَه. الآن يمكن أن يأتي هذا التحوُّل من رجال الاقتصاد، ومن الشارع، كما رأينا في الربيع العربي، وهو غير مُؤطَّر تماماً، فالأمور أخذت مجْرًى آخَر، وهي لن تعود إلى الانضباط التصنيفي السالف، ولذلك فالمثقف لا يزال له نفس الدور، ولكن، إلى جانب الأدوار الأخرى، ولم يعُد يتميَّز عن الآخرين، باستثناء كتاباته وإنتاجاته الثقافية والإبداعية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.