في خضم جدل متصاعد حول واحدة من أكثر الصور شهرة وتأثيرا في تاريخ الصحافة المصورة، أعلنت منظمة "وورلد برس فوتو" عن قرارها بتعليق نسب صورة "الفتاة الصغيرة المصابة بالنابالم" للمصور الفيتنامي نيك أوت، الذي كان يعمل لصالح وكالة "أسوشيتد برس"(AP)، وذلك بعد أكثر من خمسين عاما على التقاط الصورة. وجاء هذا القرار الذي نُشر في بيان رسمي للمنظمة يوم الجمعة 16 ماي الجاري، كرد فعل مباشر على ما وصفته ب"الشكوك الجدية" التي أثيرت حول هوية المصور الحقيقي لهذا العمل الذي حاز جائزة وورلد برس فوتو لعام 1973، كما نقلت صحيفة "لوموند" الفرنسية. الصورة التي تُعرف بعنوان "رعب الحرب" والتي تُظهر الطفلة كيم فوك، البالغة من العمر تسع سنوات آنذاك، وهي تهرب عارية من موقع تعرض لهجوم بقنابل النابالم في قرية ترانغ بانغ الفيتنامية بتاريخ 8 يونيو 1972، أصبحت رمزا عالميا لوحشية الحرب الفيتنامية. غير أن تحقيقا داخليا أجرته منظمة وورلد برس فوتو، بين شهري يناير وماي 2025، أعاد النظر في هذا التراث البصري المؤلم، حيث أشارت نتائج التحقيق إلى أن المصورين نغوين ثانه نغهي أو هوينه كونغ فوك ربما كانا في موقع أفضل لالتقاط الصورة، من حيث المسافة والمكان وزاوية الرؤية وحتى نوع الكاميرا المستخدمة في ذلك اليوم، كما ورد في تقرير "لوموند".
وقد دفع هذا الشك إلى اتخاذ القرار بتعليق نسب الصورة إلى نيك أوت، وذلك إلى حين التوصل إلى إثبات قاطع بخصوص هوية المصور الحقيقي. وأوضحت المديرة التنفيذية لوورلد برس فوتو، جوامانا الزين خوري، في البيان الذي نقلته الصحيفة، أن "الصورة بحد ذاتها لا غبار عليها"، وأنها ستظل "لحظة محورية في تاريخ القرن العشرين"، غير أن هوية ملتقطها تبقى، بحسب تعبيرها، "قضية مثيرة للجدل"، وربما لن تُحسم أبدا. وأكدت المنظمة أن تفاصيل التحقيق الكامل ستُعرض يوم السبت في مؤتمر صحفي في أمستردام. ويأتي قرار التعليق عقب عرض وثائقي مثير للجدل بعنوان ذا سترينغر من إخراج باو نغوين، وذلك خلال مهرجان "صاندانس" الأمريكي في يناير الماضي، حيث زعم الفيلم أن نيك أوت لم يكن المصور الحقيقي لهذه اللقطة التاريخية. الفيلم استند إلى شهادات عدد من الفاعلين في الحقل الصحفي آنذاك، من بينهم كارل روبنسون، الذي كان محرر صور في مكتب وكالة أسوشيتد برس في سايغون، وأقر بأنه "كذب وحرّف التعليق المرفق بالصورة بناء على أوامر من رئيس التحرير"، وفق ما نقلت "لوموند" عن الوثائقي. كما نقل الفيلم عن نغوين ثانه نغهي، وهو مصور فيتنامي يعيش الآن في الولاياتالمتحدة، قوله: "نيك أوت رافقني في المهمة ذلك اليوم. لكنه لم يلتقط تلك الصورة… أنا من التقطها"، على حد تعبيره. وعلى الجانب الآخر، استمرت وكالة "أسوشيتد برس" في الدفاع عن مصورها نيك أوت، حيث نشرت تقريرا تفصيليا من 97 صفحة في أوائل شهر ماي، تؤكد فيه أنه لا توجد أدلة قاطعة تدفعها إلى تعديل نسب الصورة، كما أوردت صحيفة لوموند. وذكرت الوكالة أن "التحليل البصري الدقيق، والشهادات التي جمعتها، وفحص كل الصور المتوفرة من ذلك اليوم، تشير إلى أن أوت قد يكون التقط الصورة". ومع ذلك، أقرت الوكالة بأن "التحقيق أثار تساؤلات جوهرية قد لا نجد لها إجابة أبدا"، خصوصا مع مرور أكثر من نصف قرن على الواقعة، ووفاة عدد كبير من الأشخاص المعنيين، إضافة إلى الحدود التقنية التي تواجه تحليل الصور القديمة. وفي جانب تقني لافت أوردته الصحيفة، أشار تقرير AP إلى أن الصورة يُرجح أنها التقطت بكاميرا من نوع "بنتاكس"، وهو ما يتناقض مع تصريحات نيك أوت المتكررة عبر السنين، والتي أفاد فيها بأنه استخدم كاميرتي "لايكا" و"نيكون" في يوم الواقعة. غير أن الوكالة أكدت أن أوت كان يستعمل أيضا معدات متنوعة، منها كاميرات "بنتاكس" ورثها عن شقيقه الراحل. وفي ظل هذا الجدل المتجدد، تبقى صورة "الفتاة الصغيرة المصابة بالنابالم" معلقة في ذاكرة الإنسانية كشهادة مرعبة على مآسي الحروب، حتى وإن أصبحت الآن محاطة بأسئلة تتعلق بالمصداقية والتوثيق والمساءلة الصحفية. فالصورة التي غيرت وجه التاريخ، ودفعت بالرأي العام العالمي لإعادة النظر في الحرب الفيتنامية، تكتسب اليوم بعدا جديدا، ليس فقط كأيقونة بصرية، بل أيضا كمحور نقاش أخلاقي وتاريخي حول هوية من وثقها. وكما نقلت "لوموند"، فإن هذا السجال يعكس هشاشة الذاكرة البصرية الجماعية حين تغيب عنها الشفافية الكاملة.