د. محمد شقير الخميس 26 يونيو 2025 - 23:20 الحرب الإسرائيلية الإيرانية بين الضربات الاستباقية ووقف النار الفجائي تميزت الحرب الإيرانية الإسرائيلية بعدة خصوصيات عسكرية تفردت بها عن باقي الحروب التي اندلعت في مناطق عسكرية من العالم كالحرب الروسية الأوكرانية التي ما زالت متواصلة بعد حوالي أكثر من ثلاث سنوات. فهذه الحرب التي لم تدم إلا حوالي أسبوعين تم توقيفها بطريقة فجائية أثارت العديد من التساؤلات حول الخلفية السياسية التي كانت تحركها والتداعيات العسكرية الناجمة عنها. 1-الخلفية السياسية للحرب الإيرانية الاسرائيلية يبدو أن دواعي هذه الحرب حركتها على ما يبدو خلفية سياسية كانت بالأساس أمريكية وتتمثل بالخصوص في أن الولاياتالمتحدة كانت لا ترغب في أن تحصل إيران على قنبلتها النووية التي قد تنافس بها إسرائيل التي ما زالت كقوة نووية وحيدة بمنطقة الشرق الأوسط. إذ أن لا ننسى أن دونالد ترامب بمجرد توليه رئاسته الأولى أخرج الولاياتالمتحدة من المفاوضات التي كانت جارية بشأن حصول إيران على الطاقة النووية وتخصيب اليورانيوم. وقد استكمل هذا الهدف بعد عودته للرئاسة في ولاية ثانية حيث أن هذا الأخير بعد دخول الولاياتالمتحدة في جولات تفاوض بهذا الشأن قد منح إيران مهلة ستين يوما للتنازل عن شروطها والقبول بشروط الولاياتالمتحدة المتعلقة بعدم تخصيب اليورانيوم، والتنازل عن صنع القنبلة النووية التي ظهر بأن إيران قد اقتربت من صنعها. حيث قبل انتهاء هذه المهلة وبعد لهجة التصعيد التي عبر عنها وزير خارجية إيران خاصة بعدما رفضت إيران الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع الولاياتالمتحدة في خطوة تصعيدية ضد الولاياتالمتحدة مظهرة تشبثها بضرورة الحفاظ على التخصيب والحصول على قنبلتها النووية، ومؤكدة انسحابها من المفاوضات التي كانت من المقرر أن تنعقد بالدوحة في جولة سادسة ، أعطي الضوء الأخضر الأمريكي لاسراءيل للقيام بضرباتها الاستباقية التي استهدفت إحدى المفاعلات النووية بطنز، لتتوالى الضربات الاسرائيلية الجوية بعدما تم شل الدفاعات الإيرانية نتيجة عمق الاختراقات الإسرائيلية في إيران والتي سهلت اغتيال قيادات عليا داخل الهرمية العسكرية الإيرانية. لكن بدا للولايات المتحدة أنه بعد أكثر من أسبوع من الضربات العسكرية الإسرائيلية والرد الإيراني بالصواريخ الباليستية التي هددت العمق الإسرائيلي المتمثل في تل أبيب وحيفا وبئر السبع ، أن هذه الضربات الاسرائيلية لن تؤدي إلى الغرض المطلوب وهو اخضاع إيران للشروط الأمريكية وكذا إمكانية إطالة الحرب الاسرائيلية الايرانية بكل تداعياتها الإقليمية، مما دفع بالرئيس ترامب إلى الأمر بالهجوم بأحدث الطائرات الحربية الشبكية لضرب ثلات مفاعلات نووية إيرانية بعدما تم اللجوء إلى خطة تمويه عسكرية لم تفطن لها السلطات العسكرية الايرانية. من هنا بد أن التدخل الأمريكي القاصم كان يهدف بالأساس إلى الحسم وإنهاء هذه الحرب واجبار النظام الايراني على الجلوس إلى طاولة المفاوضات. مما جعل إيران أمام خيارين عسكرين إما توسيع هذه الحرب من خلال ضرب بعض الأهداف الأمريكية من حاملات طائرات أمريكية أو ضرب قواعد عسكرية بمنطقة الخليج، الشيء الذي يتطلب مساندة دول أخرى في المنطقة بما فيها روسيا أو الصين أو العمل على اغلاق مضيق هرمز مما سيزيد من التصعيد وتوسيع الحرب لتشمل كل دول المنطقة أو الاقتصار على ضربات عسكرية محدودة في أفق الاتفاق على الجلوس إلى طاولة المفاوضات والرضوخ للشروط الأمريكية مقابل ضمانات بعدم استهداف النظام أو تدمير قدراته العسكرية الأخرى خاصة بعدما هدد الرئيس الأمريكي ترامب في إحدى تصريحاته بإمكانية إسقاط النظام الإيراني والتلميح بأنه كان وراء عدم استهداف المرشد الأعلى خامينائي. ولعل هذا الخيار هو الذي لجأت إليه إيران من خلال ضرب أكبر قاعدة أمريكية بالدوحة بعد إعلام السلطات الأمريكية بضرورة إخلائها تجنبا لأي خسائر بشرية وعسكرية تضطر الولاياتالمتحدة للرد بقوة أكبر والاقتصار على قصف قاعدتين أمريكيتين بالعراق. ولعل هذا ما انعكس من خلال تصريح الرئيس الأمريكي الذي تضمن شكرا مبطنا للسلطات الإيرانية والاشارة إلى إنهاء الحرب ووقف إطلاق النار بين الطرفين المتحاربين إسرائيل وإيران. 2-وقف إطلاق النار بقرار أمريكي يبدو أن وقف إطلاق النار ، الذي فاجأ العديد من المتتبعين والخبراء العسكريين وكذا مكونات الرأي العام الدولي والعربي على الخصوص ، قد تم فرضه على الطرفين من طرف الرئيس الأمريكي ترامب الذي صرح بأنه الحرب قد انتهت، الشيء الذي لم يمنع من تبادل الطرفين المتحاربين القصف من خلال ضرب إيران لبعض الأهداف بإسرائيل والرد الاسرائيلي على هذا القصف من خلال ضرب أهداف بخومنشهر. ولعل هذا مما جعل الرئيس الأمريكي يعبر عن استياءه من هذا التصعيد مطالبا الطرفين بالعمل على وقف إطلاق النار، غير أنه تبين بأن وقف إطلاق النار بالنسبة للطرفين لا يعني انتهاء الحرب والتصعيد ما دام أن كل من إسرائيل وايران لم يجلسا إلى طاولة المفاوضات والاتفاق على ابرام اتفاقية بهذا الشأن. وبالتالي فيمكن أن نشهد تبادل الطرفين للقصف خاصة مع بقاء نتانياهو بالسلطة حيث أن مواصلة الحرب يعتبر ضمن استراتيجيته للبقاء في الحكم كما أن إيران ليست لها الثقة لا في الولاياتالمتحدة التي وجهت لها ضربات عسكرية وهي في عز التفاوض معها وأيضا عدم الثقة في إسرائيل التي درجت على عدم احتراف الاتفاقيات التي تحرمها ولعل ما حصل مع حزب الله ولبنان مؤخرا يدلل على ذلك. من هنا، فقد كان موقف الأطراف المشاركة في هذه الحرب التي تعد ذات خصوصية عسكرية لا في الأسلحة المستعملة، ولا في مدى أو مدة الصراع، من قرار وقف إطلاق النار يختلف وفق حسابات كل طرف، إذ يبدو أن الولاياتالمتحدة التي سارعت بالإعلان عن وقف الحرب قد حققت بعض أهدافها والمتمثلة في إضعاف أو تأخير حصول إيران على قنبلتها النووية، بل وافهام القيادة الايرانية بأن الولاياتالمتحدة قادرة على اللجوء إلى الحسم العسكري لاجبار إيران على الخضوع لشروطها فيما يتعلق بهذا الملف والتوصل إلى اتفاق بهذا الشأن يقوم على عدم تحول إيران إلى دولة نووية في المنطقة إلى جانب إسرائيل. كما نجحت الولاياتالمتحدة في افهام كل من الصين أو روسيا بأن منطقة الشرق الأوسط ستبقى منطقة نفوذ أمريكي بالأساس خاصة بعد الدور الصيني في عقد مصالحة بين السعودية وايران ومنع روسيا من القيام بأي دور وسيط في الأزمة خاصة بعد الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الإيراني لموسكو بعد الضربة الامريكية للمفاعلات النووية الإيرانية الثلاثة. أما فيما يتعلق باسرائيل فقد أظهرت لإيران ولباقي دول المنطقة تفوقها العسكري من خلال إمكانية فتح عدة جبهات للمواجهة العسكرية سواء في لبنان أو سوريا واليمن وغزة التي ترى بأن إيران قد كانت وراء دعم حماس في إشعالها لحرب غزة . فقيامها بضربة استباقية لبعض مفاعلات إيران وشل الدفاعات الايرانية أظهرت قوتها الاستخباراتية في اختراق إيران وتفوق عتادها الجوي في السيطرة على المجال الجوي في الوقت التي أظهرت فيه إيران تمسكها في الرد على الهجمات الاسرائيلية من خلال توجيه صواريخها الباليستية المتطورة إلى تل أبيب وحيفا وبئر السبع التي تشكل العمق الاستراتيجي لاسرائيل. وبالتالي فالطرفان في تبادل للردع وإن كان أن إسرائيل قد حجمت من نفوذ إيران في المنطقة من خلال القضاء على بعض أذرع إيران كحزب الله بلبنان واسقاط نظام بشار الأسد وضرب المقاومة بغزة. وبالتالي، فمن الصعب جدا تحديد الخاسر أو المنتصر في هذه الحرب الخاطفة ما دام أنه لم يتم لحد الان تأكيد وقف إطلاق النار والتوصل إلى اتفاق بين الطرفين، إذ أظهرت هذه الحرب بأن كل طرف يمكن أن يوجه ضربات للطرف الآخر. حيث أنه رغم قوة الاختراق الاستخباراتي والتفوق الجوي الاسرائيلي، والتحالف الاستراتيجي مع الولاياتالمتحدة والقضاء على أذرع إيران في المنطقة، واغتيال مجموعة من القيادات العسكرية الايرانية، إلاّ أن إيران قد نجحت في تجديد قياداتها العسكرية وتوجيه صواريخها الباليستية إلى العمق الاسرائيلي الشيء الذي يدل أن الحرب بين الطرفين ستبقى مستمرة ومتواصلة بأشكال ليس فقط عسكرية، بل أيضا استخباراتية وعمليات إرهابية وحملات متبادلة خاصة على وسائل التواصل الاجتماعي من فيسبوك وتيك توك وغيرها من الشبكات العالمية. أما فيما يخص انعكاسات هذه الحرب على المغرب على الصعيد السياسي، فمن المعروف بأن إيران تعتبر أحد الحلفاء الرئيسيين للجزائر بمنطقة شمال افريقيا ، حيث أن هذا البلد قد سبق أن شجع تدريب عناصر من البوليزاريو من طرف خبراء عسكريين من حزب الله التابع لإيران، في الوقت الذي أبرم المغرب الاتفاقية الابراهيمية مع كل من الولاياتالمتحدة واسرائيل مما اعتبرته الجزائر تحالفا ضد أمنها القومي وفتح المجال أمام التغلغل الإسرائيلي في المنطقة في الوقت الذي كانت السباقة إلى فتح المجال أمام التمدد الإيراني بشمال وغرب افريقيا. وبالتالي فأي هزيمة عسكرية ستلحقها إسرائيل بايران التي قد تصل إلى الاطاحة بنظام خامنئي قد يشكل إضعافا لموقف الجزائر خاصة بعد ما أشارت تقارير دولية بأن هناك بعض العناصر العسكرية الجزائرية قد قتلوا خلال الضربات العسكرية التي قام بها السلاح الجوي الاسرائيلي ضد بعض المدن الايرانية، مما قد يزيد من العزلة الدبلوماسية والسياسية التي يعاني منها النظام الجزائري بل قد يزيد من تحسس هذا النظام لرأسه خاصة بعد الاطاحة بنظام بشار الاسد الذي كان مواليا لايران قبل سقوطه، مما سيقوي من مكانة المغرب في المنطقة نظرا لسياسته الخارجية المتوازنة وتحالفاته الاستراتيجية خاصة مع الولاياتالمتحدة. الآراء الواردة في مقالات الرأي تعبر عن مواقف كاتبيها وليس على الخط التحريري لمؤسسة الصحيفة