قالت صحيفة "الغارديان" إن الاتحاد الأوروبي يقف متفرجا على الأحداث في غزة منذ عامين، مشيرة إلى أن موقفه يعكس ازدواجية المعايير وعجزا أخلاقيا متجذرا في العنصرية البنيوية والعقلية الاستعمارية الأوروبية. وذكرت الصحيفة البريطانية في مقال رأي للكاتبة شادا إسلام أن الاتحاد الأوروبي فشل في استخدام أدوات الضغط المتاحة لوقف الهجمات الإسرائيلية على غزة، رغم كونه الشريك التجاري الأكبر لإسرائيل، محذرة من أن هذا التقاعس يفاقم معاناة الفلسطينيين. وأكدت الكاتبة البريطانية-الباكستانية أن الاتحاد الأوروبي يصر على تصوير المأساة في غزة كأزمة إنسانية بحتة، متجاهلا أنها نتيجة مباشرة لخيارات سياسية واضحة، محذرة من أن هذا التواطؤ سيؤدي في نهاية المطاف إلى مساءلة أخلاقية واسعة النطاق. وتشير شادا إسلام إلى أن رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين تواجه حاليا انتقادات شديدة بسبب صفقة الرسوم الجمركية المثيرة للجدل مع الولاياتالمتحدة، لكنها شددت على أن هناك حاجة لمساءلة مماثلة بشأن تواطؤ الاتحاد الأوروبي مع ما وصفته بالمجازر الإسرائيلية المستمرة في غزة.
وأوضحت الكاتبة، وهي محللة ومستشارة في شؤون الاتحاد الأوروبي، أنها تابعت منذ ما يقرب من عامين بعين الأسى كيف وقفت الحكومات الأوروبية موقف المتفرج بينما واصلت إسرائيل تدمير القطاع عبر القصف والاغتيالات والتجويع الممنهج منذ هجوم حركة حماس في السابع من أكتوبر. وترى أن هناك العديد من أدوات الضغط والعقوبات التي يمتلكها الاتحاد الأوروبي لكنه يرفض استخدامها، رغم أنه يمثل الشريك التجاري الأكبر لإسرائيل، حيث بلغت نسبة التبادل التجاري مع تل أبيب 32 بالمائة من إجمالي تجارتها في عام 2024، ورغم كل ذلك، لم يتمكن القادة الأوروبيون ووزراء الخارجية من الحصول على الأغلبية اللازمة لتعليق اتفاقية الشراكة مع إسرائيل، على الرغم من مطالبات من إسبانيا وإيرلندا وسلوفينيا، ورغم تقارير خبراء الاتحاد الأوروبي في حقوق الإنسان التي أكدت أن إسرائيل تنتهك التزامات الاتفاقية في مجال الحقوق الأساسية. وأضافت أن اقتراحا متواضعا من المفوضية الأوروبية لتجميد مشاركة إسرائيل جزئيا في برنامج "هورايزون أوروبا" للأبحاث الذي تبلغ ميزانيته 95 مليار يورو ظل معطلا بسبب اعتراض ألمانيا وإيطاليا، رغم أن الممثل الأعلى السابق للسياسة الخارجية للاتحاد جوزيب بوريل وصف استمرار مشاركة إسرائيل في البرنامج بأنه "نكتة سيئة" بالنظر إلى حجم الانتهاكات. وتابعت أن الصادرات الإسرائيلية إلى أوروبا ارتفعت في مطلع 2024 رغم استمرار الحرب، وأن المستشار الألماني فريدريش ميرتس أعلن مؤخرا وقف صادرات الأسلحة التي يمكن استخدامها في غزة، إلا أن هذا القرار جاء بعد نحو عامين من الدعم العسكري غير المحدود حيث بلغت قيمة تراخيص الأسلحة الألمانية الممنوحة لإسرائيل 485 مليون يورو في الأشهر التسعة عشر التي تلت هجوم السابع من أكتوبر. وأقرت الكاتبة بأنها تدرك وجود شعور عميق بالذنب التاريخي في أوروبا إلى جانب الانقسامات الداخلية والعلاقات الاقتصادية المتينة مع إسرائيل، لكنها شددت على أن هذه العوامل لا تفسر وحدها الموقف الحالي، بل إن الحقيقة الأكثر إيلاما هي أن عجز أوروبا الأخلاقي والسياسي بشأن غزة مرتبط ارتباطا مباشرا بالعنصرية البنيوية والعنف الذي يعيشه الأوروبيون من أصول مهاجرة ومسلمة وأفريقية وآسيوية بشكل يومي داخل القارة. وأكدت أن التعامل مع غزة يعكس عقليات استعمارية متجذرة في سياسات الاتحاد الأوروبي الخاصة بالتجارة والهجرة والعلاقات الخارجية، إذ إن المنطق القائم على نزع الإنسانية عن الآخر، والذي يعاني منه اللاجئون والأقليات العرقية في أوروبا، يظهر بوضوح الآن في طريقة تعامل أوروبا مع الفلسطينيين. وترى الكاتبة أن هذا الترابط ليس مجرد نظرية وإنما واقع ملموس يمكن ملاحظته من خلال الفارق الصارخ في كيفية تعامل الاتحاد الأوروبي مع الحرب الروسية في أوكرانيا مقارنة مع غزة. فقد فرض الاتحاد عقوبات غير مسبوقة على موسكو، وقدم دعما ماليا وعسكريا سخيا لكييف، وأدان بشدة الدول التي لم تتخذ موقفا مماثلا. في المقابل، يتم التعامل مع الفلسطينيين وكأن حياتهم أقل قيمة، حيث يتم تقزيم معاناتهم وإخراجها من سياقها السياسي، وتصويرها كأزمة إنسانية معزولة عن القرارات الإسرائيلية المسببة لها، وهو ما يؤدي إلى تهميش الضحايا الفلسطينيين وإخفاء طبيعة الصراع الحقيقية. واستشهدت الكاتبة بأقوال المؤرخ الفلسطيني الأميركي رشيد الخالدي الذي وصف هذا النزاع بأنه "آخر حرب استعمارية في العصر الحديث". وشددت إسلام على أن أي مساءلة حقيقية للاتحاد الأوروبي حول غزة يجب أن تكون شاملة وغير مجتزأة، وأنها يجب أن تتضمن مراجعة عميقة للتاريخ الأوروبي الاستعماري وللسياسات الحالية التي تستمر في تكريس أنماط التمييز والعنصرية. وأكدت أن الاتحاد الأوروبي الذي يزعم الدفاع عن القانون الدولي والعدالة لا يمكن أن يستمر في تجاهل هذه الحقائق، بل يجب عليه أن يشجع النقاشات الصريحة حولها، لكن دوائر صنع القرار الأوروبية التي يغلب عليها الطابع المتمركز حول الذات ترى أن مثل هذه النقاشات تهدد وحدة الصف. وحذرت من أن استمرار هذه الازدواجية في المعايير سيقوض الديمقراطية الأوروبية داخليا ويضعف مصداقيتها خارجيا. وأشارت الكاتبة إلى أن تحديث خطة العمل الأوروبية لمكافحة العنصرية التي أطلقت عام 2020 قد يكون طريقا للتصحيح، لكن ذلك يتطلب مواجهة صريحة مع التاريخ ودعما حقيقيا للإجراءات على أرض الواقع، بينما تشير المؤشرات الحالية إلى العكس، إذ إن الخطة فقدت زخمها مع إعادة الهيكلة البيروقراطية الأخيرة التي همشت المنسقة الأوروبية الأولى لمكافحة العنصرية ميكاييلا موا، وهو ما أثار مخاوف من تراجع أجندة المساواة في السنوات المقبلة. ومع ذلك، لفتت الكاتبة إلى أن الضغوط الشعبية والخلافات داخل مؤسسات الاتحاد الأوروبي في تزايد، وأن بعض المسؤولين الكبار باتوا يجاهرون بمواقف أكثر نقدا للسياسة الأوروبية تجاه إسرائيل، مشيرة إلى أن أورسولا فون دير لاين التي وُجهت لها انتقادات واسعة بسبب انحيازها لإسرائيل أعلنت مؤخرا معارضتها لمخططات الاحتلال الإسرائيلي في مدينة غزة، إلا أن هذه المواقف تظل غير كافية، خاصة وأن المطلوب اليوم هو وقف الاحتلال الشامل للقطاع وإدخال المساعدات الغذائية بشكل عاجل والتوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار.