كشفت دراسة علمية حول نهر سبو عن مستويات مقلقة من التلوث، حيث تم تصنيف ثلاثة أرباع المواقع المدروسة ضمن خانة "التلوث المرتفع جدا"، الشيء الذي ينذر بخطورة الوضع البيئي في واحد من أهم الأحواض المائية بالمغرب، بحسب النتائج التي نشرتها في دورية "ساينتيفيك ريبورتس" التابعة لمجموعة "نيتشر" خلال ماي 2025. وتوصل فريق من الباحثين المغاربة إلى ان رواسب نهر سبو، وخصوصا بمنطقة سيدي علال التازي الواقعة ضمن جهة الرباط-سلا-القنيطرة، تحتوي على نسب مقلقة من عناصر مثل الكادميوم والزرنيخ والنحاس والكروم والزنك والرصاص والنيكل، مع تسجيل تفاوتات مكانية واضحة في مستويات التلوث، حيث تجاوزت معظم العينات حدود منظمة الصحة العالمية بالنسبة لعدة عناصر ثقيلة.
وأوضحت الدراسة أن العوامل الأنثروبوجينية، أي تلك الناتجة عن الأنشطة البشرية مثل الزراعة الكثيفة واستعمال الأسمدة الفوسفاتية والمبيدات القائمة على النحاس، بالإضافة إلى المخلفات الصناعية والجريان السطحي الحضري، هي المصدر الأساسي لهذا التلوث. وشمل أخد العينات 20 موقعا سطحيا (بعمق 0 إلى 20 سم) في المنطقة المذكورة، حيث تميزت الرواسب بتركيبتها الطينية الغنية بالمواد العضوية، ما يجعلها أكثر قابلية لاحتجاز المعادن السامة. وبحسب مؤشرات التلوث المستخدمة في الدراسة مثل مؤشر التراكم الجيولوجي ومعامل التلوث ومؤشر الحمل التلوثي، فقد تم تصنيف 75 بالمائة من المواقع ضمن خانة "تلوث مرتفع جدا". كما أظهر مؤشر الخطر البيئي أن العديد من المواقع سجلت مستويات تتجاوز 600، وهو ما يصنف ك"خطر مرتفع جدا"، وكان الكادميوم العنصر الأكثر مساهمة في هذا المستوى من الخطورة. وأظهرت النتائج أن 90 بالمائة من عينات الكادميوم مصنفة ضمن مستوى "تلوث مرتفع جدا"، كما أن جميع عينات الزرنيخ سجلت نفس المستوى من التلوث. أما النحاس، فقد ظهر تلوثه بشكل واضح في 75 بالمائة من العينات، إذ تراوحت تركيزاته بين 102 و450 ملغ/كغ بمتوسط 217.5 ملغ/كغ، أي أكثر من ضعف الحد الأقصى المسموح به من منظمة الصحة العالمية والمحدد في 100 ملغ/كغ. أما بالنسبة للكروم، فقد تجاوزت معظم عيناته معظم عينات الكروم تجاوزت الحد المسموح به وهو 100 ملغ/كغ، باستثناء عينتين فقط (S19 وS20)، حيث تراوحت نسب الكروم بين 98 و322 ملغ/كغ بمتوسط 202.55 ملغ/كغ. أما الزنك فقد تراوحت نسبه بين 123 و462 ملغ/كغ بمتوسط 292.4 ملغ/كغ، وتبين أن نصف العينات تخطت المعايير الدولية. بالنسبة للرصاص، فقد كانت تراكيزه أقل نسبيا، بين 8 و92 ملغ/كغ بمتوسط 55.4 ملغ/كغ، وهو ما يقل عن الحد المسموح به دوليا (100 ملغ/كغ)، غير أن بعض العينات اقتربت من هذا السقف خاصة في شمال وغرب الحوض. أما النيكل، فسجل مستويات بين 10 و71 ملغ/كغ بمتوسط 38.2 ملغ/كغ، أي أقل قليلا من الحد الدولي المحدد عند 50 ملغ/كغ. وحذر الباحثون من أن خطورة المعادن الثقيلة تكمن في بقائها لفترات طويلة في البيئة وعدم قابليتها للتحلل، ما يؤدي إلى تراكمها في السلسلة الغذائية وانتقالها إلى الإنسان عبر المياه أو المحاصيل الزراعية أو الأسماك. وقد سجلت منظمة الصحة العالمية في تقاريرها أن التعرض المزمن لمثل هذه العناصر يؤدي إلى مشاكل صحية خطيرة تشمل أمراض الكلى والكبد والجهاز العصبي، إضافة إلى تأثيرات مسرطنة مؤكدة بالنسبة لعناصر مثل الكادميوم والزرنيخ. وشددت الدراسة على أن حوض سبو، الذي يمثل أحد أكبر الموارد المائية في المغرب ويمتد على مساحة واسعة تغطي جهات متعددة، يواجه تحديات جسيمة في ضمان استدامة موارده المائية في ظل الضغوط الزراعية والصناعية المتزايدة. وبحسب الباحثين، فإن استمرار هذه الوضعية يهدد التوازن البيئي والاقتصادي للمنطقة، خاصة وأن النهر يعد مصدرا رئيسيا للري الفلاحي وإنتاج الغذاء. وخلصت الدراسة إلى توصيات تدعو إلى وضع استراتيجيات دقيقة للتخفيف من حدة التلوث، من خلال تشجيع الممارسات الزراعية المستدامة، والحد من استعمال المبيدات الكيميائية والأسمدة الملوثة، وتعزيز المراقبة البيئية باستخدام تقنيات التحليل الجغرافي ونظم المعلومات الجغرافية، إلى جانب ضرورة إشراك السلطات العمومية في بلورة خطط عاجلة لمعالجة الوضع. كما شدد الباحثون على أهمية إدراج هذه القضايا في السياسات الوطنية المتعلقة بالأمن المائي والغذائي، خاصة في ظل السياق الدولي الذي يعرف ندرة متزايدة في المياه العذبة والتي لا تمثل سوى 0.26 بالمائة من المياه العذبة العالمية.