تشير بيانات تقرير "من الأكثر عرضة للمخاطر؟" الصادر عن البنك الأوروبي للاستثمار، إلى أن المغرب يواجه مستوى من المخاطر المناخية يتجاوز المعدل العالمي، سواء على صعيد المخاطر الفيزيائية قبل التكيف أو بعد احتساب قدرته على التكيف، وذلك في سياق دولي تتزايد فيه الضغوط الناجمة عن التحولات المناخية وتشتد فيه الحاجة إلى بناء قدرات وطنية قوية لمواجهة تداعيات التغير المناخي واستباقها. وبحسب الأرقام الواردة في التقرير، فإن المغرب سجّل درجة "1" في المخاطر الفيزيائية قبل التكيف، ودرجة "0.5" في قدرة التكيف، مما أسفر عن درجة نهائية للمخاطر الفيزيائية بعد التكيف بلغت "0.8"، إضافة إلى درجة "0.8" في مخاطر الانتقال، وهو ما يموقعه ضمن البلدان التي تواجه مزيجًا من الضغوط المناخية المرتفعة نسبيًا مقارنة بالمتوسط العالمي الذي يعادل "1" في المؤشر العام لكل من المخاطر الفيزيائية ومخاطر الانتقال.
وتكمن أهمية هذه النتائج في أنها تأتي في لحظة دولية تتعاظم فيها الفوارق بين دول الشمال والجنوب من حيث التعرض للمخاطر والتأثيرات المناخية، كما تتزايد فيها وتيرة الظواهر المتطرفة عالميًا وفق ما يورده التقرير الصادر في يوليو 2025. المخاطر الفيزيائية قبل التكيف وتكشف المعطيات الخاصة بالمغرب عن صورة مركّبة للتحديات التي يواجهها البلد في ظل بيئة إقليمية تنتمي إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهي المنطقة التي يشير التقرير إلى أنها من أكثر الأقاليم تعرضًا للمخاطر المناخية على المستوى الفيزيائي، خاصة المخاطر المزمنة المتعلقة بحرارة الطقس وندرة المياه وارتفاع تكاليف حماية الشواطئ من ارتفاع مستوى سطح البحر. ويلاحظ التقرير، في عرضه العام للسياق الإقليمي، أن دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تعاني تفاوتًا واضحًا بين محدودية انبعاثاتها التاريخية من جهة، وارتفاع حدة التأثيرات المناخية من جهة ثانية، وهي مفارقة لطالما أثارت انتباه الهيئات الدولية المعنية بالمناخ خلال مؤتمرات الأممالمتحدة للسنة الأخيرة. هذا السياق الإقليمي يضع نتائج المغرب ضمن إطار أشمل يبرز حجم التحديات المشتركة مع بلدان المنطقة، وإن كانت الأرقام التي يقدمها التقرير تُظهر تفاوتات دقيقة بين دولة وأخرى، معتبرًا أن قدرات التكيف تختلف بحدة بين الاقتصادات، وأن مستويات المخاطر ترتبط بخليط من العوامل الجغرافية والبنيوية والاقتصادية، وهو ما يجعل قراءة أرقام المغرب جزءًا من لوحة إقليمية أوسع لا يمكن فصلها عن ديناميات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كما يعرضها التقرير نفسه. وبالعودة إلى التفاصيل الرقمية الخاصة بالمغرب، فإن درجة "1" في المخاطر الفيزيائية قبل التكيف تعني، حسب منهجية التقرير، أن المملكة تواجه مخاطر فيزيائية تعادل المعدل العالمي تمامًا قبل احتساب قدرة التكيف، وهو مؤشر يُحتسب في التقرير من مجموع خسائر محتملة ناجمة عن الظواهر الجوية القصوى، وتراجع الإنتاج الزراعي، وتكاليف حماية البنية التحتية الساحلية من ارتفاع مستوى سطح البحر، إضافة إلى خسائر الإنتاجية المرتبطة بارتفاع درجات الحرارة. وتوضح منهجية التقرير، كما يرد في قسم المخاطر الفيزيائية، أن هذا القياس يعتمد على تحويل كل عنصر من عناصر الخطر إلى تكلفة اقتصادية وفق نسب من الناتج الداخلي الخام، مما يسمح بتقدير شامل لمستوى هشاشة كل دولة تجاه الظواهر المناخية المتطرفة والمتكررة. قدرة التكيف ومخاطر الانتقال ويضع التقرير، في تحليله العالمي، الدول ذات المناخ الحار أو الجاف ضمن الفئات الأكثر عرضة للخطر بحكم قدرتها المنخفضة على امتصاص صدمات الطقس والاحتباس الحراري، وضمن هذه الفئة تندرج معظم دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهو ما يمنح بيانات المغرب دلالة إضافية إذا ما قورنت بالسياق المناخي شبه الصحراوي للمنطقة ومحدودية مواردها المائية. أما قدرة التكيف، التي سجل المغرب فيها "0.5" وفق التقرير نفسه، فهي تمثل مستوى من الكفاءة والجاهزية يقلّ عن المعدل العالمي (الذي يساوي "1")، ما يجعل التأثير النهائي للمخاطر الفيزيائية بعد احتساب القدرة على التكيف "0.8". ويشير التقرير بوضوح إلى أن الدرجة النهائية الأقل من "1" تعني أن قدرة التكيف المتوفرة في البلد ساهمت في تقليص حجم المخاطر الفيزيائية، ولو دون بلوغ مستوى تخفيض كبير. وتبقى هذه القدرة على التكيف مرهونة بجملة من المعايير التي يعتمدها التقرير، من بينها مستوى الدخل، ونوعية البنى التحتية، والقدرة المؤسسية على إدارة المخاطر، وتوفر الموارد المالية والتقنية، وغيرها من المؤشرات التي تدخل في تركيب القدرة الوطنية على الاستجابة لآثار التغير المناخي. وتظهر قراءة هذه الدرجة أن المغرب يمتلك عناصر قوة معينة في مجال التكيف، إلا أنها ليست كافية لإيصال المخاطر الفيزيائية إلى مستوى أقل بكثير من المعدل العالمي، وهو ما يبرز الحاجة إلى تعزيز السياسات العمومية المرتبطة بالمناخ داخل المملكة. أما في جانب مخاطر الانتقال، التي تتعلق بالتحديات الاقتصادية والهيكلية الناتجة عن الانتقال العالمي نحو اقتصاد منخفض الكربون، فإن المغرب حصل على درجة "0.8"، وهي درجة أدنى من المتوسط العالمي البالغ "1"، مما يشير إلى أن المملكة أقل عرضة نسبيًا لهذه المخاطر مقارنة بالعديد من الدول الأخرى، وخاصة تلك التي تعتمد بشكل كبير على العائدات المرتبطة بالوقود الأحفوري. ويستند التقرير في قياس مخاطر الانتقال إلى مجموعة من المتغيرات، تتضمن انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون، وكثافة الطاقة، وإيرادات الوقود الأحفوري، ومستوى تطوير مصادر الطاقة المتجددة، إضافة إلى الطموح المناخي المعلن. ويسمح هذا القياس، وفق التقرير، بتقدير حالة كل اقتصاد تجاه مسار الانتقال الطاقي العالمي وما يرتبط به من تحديات هيكلية، مثل تراجع الطلب على النفط والغاز، أو الحاجة إلى تحديث البنى التحتية المتعلقة بالطاقة. وفي هذا الإطار، تكشف الدرجة المسجلة للمغرب عن وضعية أقل خطورة مقارنة بدول المنطقة المنتجة للنفط، وهو ما ينسجم مع غياب الاعتماد الكبير على ريع الوقود الأحفوري في الاقتصاد المغربي كما يبرز التقرير في سياقه العالمي. ويشير التقرير إلى أن دول المنطقة تتأثر بدرجة كبيرة بالعوامل المناخية المزمنة مثل الحرارة المرتفعة وشح المياه وارتفاع تكاليف التكيف، وأن هذه المخاطر المزمنة تفوق في بعض الأحيان المخاطر الحادة المرتبطة بالعواصف أو الفيضانات في مناطق أخرى من العالم. وتأتي هذه النتائج في سياق عالمي يشهد تزايدًا في ظواهر الطقس الحاد، وتناميًا في الدراسات الأكاديمية التي تنبه إلى تواتر موجات الحر، وارتفاع مستوى البحر، وخسائر الإنتاج الزراعي. كما تتباين فيه استراتيجيات الدول في التعامل مع المخاطر المناخية، إذ يشير التقرير إلى أن الدول المتقدمة عامة تتمتع بقدرات تكيف أعلى، ما يسمح لها بتقليص مخاطرها الفيزيائية رغم تعرض بعضها لظواهر مناخية شديدة. في المقابل، تواجه الدول النامية، ومنها العديد من الدول في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أعباءً مالية ومؤسساتية أوسع تعيق قدرتها على التكيف. وفي هذا السياق، يصبح تقييم المغرب بدرجة "0.5" في جانب التكيف عنصرًا مهمًا في فهم موقعه ضمن مجموعة الدول التي تحتاج إلى تعزيز بنياتها وقدراتها على مواجهة تحديات المستقبل. ويشير التقرير إلى أن المخاطر الفيزيائية في المنطقة ترتبط في جانب مهم منها بتأثير ارتفاع درجات الحرارة على الإنتاجية والقطاع الزراعي، وهو ما يشكل بدوره عنصرًا أساسيًا في بنية الاقتصاد المغربي الذي يضم قطاعًا زراعيًا مؤثرًا في الناتج الداخلي والعمالة. ارتفاع مستوى سطح البحر وتحتل مسألة ارتفاع مستوى سطح البحر حيزًا مهمًا في تحليل المخاطر الفيزيائية للتقرير، حيث يشير إلى أن الدول الساحلية تواجه تكاليف اقتصادية معتبرة لحماية شواطئها وبنياتها التحتية الساحلية. وباعتبار المغرب دولة ذات واجهتين بحريتين مطلتين على البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي، فإن تكلفة حماية السواحل تعد عنصرًا حاسمًا في تقدير المخاطر الفيزيائية. ويوضح التقرير أن هذه التكاليف تختلف من دولة إلى أخرى تبعًا لطول السواحل ومستوى العمران القريب من المناطق المنخفضة المعرضة لارتفاع البحر، وهو ما يجعل المغرب ضمن فئة الدول التي يتحتم عليها تخصيص ميزانيات متصاعدة للحماية الساحلية في العقود المقبلة. وفي جانب الإنتاجية، يوضح التقرير أن ارتفاع درجات الحرارة يؤثر على الإنتاجية في القطاعات ذات الأنشطة الخارجية، وخاصة الأنشطة المرتبطة بالبناء والفلاحة والصناعة التقليدية. غير أن التقرير لا يقدم تفاصيل خاصة بكل دولة في هذا الجانب، بل يدرج تأثير الحرارة ضمن الحساب العام للمخاطر الفيزيائية، ما يجعل من درجة "1" قبل التكيف و"0.8" بعد التكيف، المسجلة للمغرب، تعبيرًا مباشرًا عن هذه العوامل كما تمت معالجتها في النموذج المعتمد. وتتضح أهمية البيانات الخاصة بالمغرب حين توضع ضمن الخريطة العالمية للمخاطر التي يعرضها التقرير؛ إذ إن العديد من الدول في آسيا وأمريكا الوسطى ودول الجزر الصغيرة في المحيط الهادئ والكاريبي تسجل درجات عالية جدًا من المخاطر الفيزيائية، بينما تختلف المخاطر في أوروبا وأمريكا الشمالية تبعًا لمدى القدرة على التكيف. ويبرز التقرير أن بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تتفوق في جانب المخاطر المزمنة خاصة حرارة الجو وندرة المياه، وهو ما يجعل وضع المغرب متسقًا مع الاتجاه الإقليمي العام، رغم اختلاف درجات التكيف والمرونة. كما يشير التقرير إلى أن مخاطر الانتقال تتأثر مباشرة بمستوى الاعتماد على الوقود الأحفوري، مما يجعل دول الخليج العربي مثل قطر والكويت والسعودية والإمارات، ضمن الدول الأكثر تعرضًا لمخاطر الانتقال، في حين تبقى دول مثل المغرب أقل عرضة نسبيًا لهذه المخاطر. هذا التفاوت الإقليمي يبرز بوضوح أهمية تنويع البنية الاقتصادية ورفع الاستثمارات في الطاقة المتجددة، وهي عوامل يشير التقرير إلى أنها تخفف من المخاطر المرتبطة بالانتقال الطاقي العالمي. وفي المحصلة، يقدم التقرير رؤية علمية دقيقة لموقع المغرب ضمن المشهد الدولي للمخاطر المناخية، إذ يبرز تعرضه لمستوى من المخاطر يفوق المتوسط العالمي، ويُظهر في نفس الوقت قدرة متوسطة على التكيف تساهم في تقليص تلك المخاطر دون القضاء عليها. أما مخاطر الانتقال، فتبدو أقل حدّة مقارنة بدول أخرى في المنطقة بحكم البنية الاقتصادية غير المعتمدة على ريع الوقود الأحفوري. وتأتي هذه النتائج لتؤكد الحاجة المستمرة إلى تعزيز قدرات التكيف الوطني، والاستثمار في البنيات التحتية والمياه والطاقة النظيفة، بما يتسق مع التغيرات المناخية المتسارعة ومع ما يورده التقرير من معطيات عالمية وإقليمية تعكس حجم التحديات المشتركة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وفي العالم أجمع.