كشف تقرير علمي في دورية "نيتشر ريفيوز بيوديفيرسيتي" في شتنبر 2025 أن المغرب، باعتباره واحدا من أبرز المنتجين للطاقة الريحية في إفريقيا، يعاني من ثغرات كبيرة في ما يخص تطبيق التشريعات البيئية الخاصة بتقييم الأثر البيئي لمشاريع الطاقات المتجددة، وخاصة مشاريع الطاقة الريحية، حيث سجلت حالات لإنشاء محطات رياح دون إخضاعها لدراسات تقييم الأثر على الطيور، وهو ما اعتبره التقرير مؤشرا على ضعف في مستوى الإنفاذ القانوني رغم وجود تشريعات تم سنّها مؤخرا في البلاد. وأشار التقرير الذي أعده فريق دولي من الباحثين، إلى أن المغرب تبنى تشريعات خاصة بتقييم الأثر البيئي، لكن الإشكال يكمن في ضعف آليات المراقبة والإنفاذ، وهو ما أدى إلى تسجيل مشاريع رياحية أقيمت دون تقييم مسبق لتأثيراتها المحتملة على التنوع البيولوجي، وخاصة الطيور المهاجرة التي تعبر أجواء البلاد. واستند التقرير في هذا الصدد إلى مراجعة الأداء البيئي للمغرب التي أنجزتها لجنة الأممالمتحدة الاقتصادية لأوروبا سنة 2022.
وفي السياق الإفريقي، أوضح التقرير أن جنوب إفريقيا ومصر، وهما إلى جانب المغرب من بين أكبر المنتجين للطاقة الريحية في القارة، يتوفران على آليات تقييم بيئي أكثر تقدما، حيث تشترط جنوب إفريقيا ترخيصا بيئيا وطنيا لكل مشروع رياحي يصدر عن وزارة الغابات ومصايد الأسماك والبيئة، كما توجد بروتوكولات خاصة لتقييم الأثر على الطيور. أما في مصر، فتم تطوير إرشادات خاصة بالتعاون مع برنامج الأممالمتحدة الإنمائي ومنظمة "بيردلايف إنترناشيونال" منذ 2013. بالمقارنة مع هذه التجارب، يظل المغرب متأخرا في مستوى تطبيق وتفعيل التشريعات الخاصة بالرقابة على المشاريع الريحية. وسجل التقرير أن الاعتماد على الطاقة الريحية يشكل جزءا من التزامات الدول في إطار اتفاق باريس للمناخ لسنة 2015، وكذلك مخرجات مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين، حيث تقررت أهداف تقضي بتثليث القدرة الإنتاجية للطاقة الريحية عالميا بحلول 2030. وذكر أن السيناريوهات المتوقعة تشير إلى ارتفاع حصة الرياح في إنتاج الكهرباء العالمي من 5 في المائة سنة 2022 إلى ما بين 10 و15 في المائة بحلول 2050 وفق المسار الحالي للسياسات، على أن تصل هذه النسبة إلى أزيد من 50 في المائة في سيناريو الوصول إلى الحياد الكربوني الكامل. غير أن هذا النمو ترافقه، وفق التقرير، تحديات بيئية جدية. فقد أوضحت البيانات أن محطات الرياح عبر العالم، والتي يبلغ عددها حوالي 17 ألفا و960 محطة برية حتى يونيو 2025 بطاقة إجمالية تقدر بنحو 1000 غيغاواط، تؤثر بشكل مباشر على الطيور والخفافيش والحشرات الطائرة. وأكد الباحثون أن التأثيرات لا تقتصر على الوفيات الناتجة عن الاصطدام بشفرات التوربينات، بل تشمل أيضا تغيرات سلوكية عند الأنواع البرية وفقدان الموائل أو تجزئتها. وبالنسبة للمغرب، فإن موقعه الجغرافي على خطوط هجرة رئيسية للطيور بين أوروبا وإفريقيا جنوب الصحراء يزيد من حساسية هذه القضايا. وأضاف التقرير أن بعض المشاريع في المغرب أُنجزت في مناطق حساسة بيئيا دون تقييم كافٍ، ما يشكل خطرا على الطيور الجارحة الكبيرة مثل النسر الملكي وأنواع أخرى مهددة. وأشار الباحثون إلى أن غياب دراسات الأثر على الطيور يضع المغرب أمام تحديات في التوفيق بين أهدافه الطاقية والالتزامات الدولية في مجال التنوع البيولوجي، خاصة ما يرتبط باتفاقية التنوع البيولوجي وإطار كونمينغ-مونتريال العالمي للتنوع البيولوجي لسنة 2022، الذي ينص على حماية 30 في المائة من الأراضي بحلول 2030. كما أظهر التقرير أن ضعف آليات الإنفاذ في المغرب لا يقتصر على قطاع الرياح فقط، بل يمثل جزءا من تحديات أوسع تواجهها عدة دول نامية في إفريقيا، حيث تتفاوت درجة إعداد وتنفيذ تقييمات الأثر البيئي. وأبرز أن العديد من المشاريع في القارة تُنفذ وفقا لمعايير مؤسسات تمويل دولية مثل البنك الدولي أو مؤسسة التمويل الدولية، التي تفرض أحيانا التزامات أكثر صرامة من القوانين الوطنية.