أعلنت الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، مساء الأربعاء، عن توقيف تنفيذ صفقة مثيرة للجدل تتعلق بإعداد دراسة حول "خريطة مخاطر الفساد في قطاع الصحة"، بعد جدل واسع أثاره تقرير صحفي نشره موقع "كاب راديو"، تحدثت عن وجود شبهات "تضارب مصالح" تخص الجهة الفائزة بالصفقة. وقالت الهيئة، في بلاغ رسمي، إنها قررت "توقيف تسليم أمر بالخدمة مؤقتا إلى نائل الصفقة، وإحالة الملف على اللجنة الوطنية للطلبيات العمومية للبت فيه"، مؤكدة أنها أمرت في الوقت نفسه ب"إجراء بحث معمق حول المزاعم المتداولة، استنادا إلى المعايير الدستورية والدولية في مجال الوقاية من تضارب المصالح".
وأكدت الهيئة أن هذا القرار يأتي "حرصا على صون مصداقية عملها وضمان أعلى درجات الشفافية والنزاهة في تدبير المال العام"، مشيرة إلى أنها ستوافي الرأي العام بالقرار النهائي بعد صدور رأي اللجنة الوطنية وخلاصات التحقيق الداخلي. صفقة مثيرة للجدل القضية، كما جاء في تقرير موقع "كاب راديو"، تعود إلى طلب العروض رقم 07/2025 الذي أطلقته الهيئة لإنجاز دراسة حول "خريطة الفساد في قطاع الصحة"، وهي مبادرة غير مسبوقة تأتي في خضم تصاعد الغضب الشعبي واحتجاجات حركة "جيل زد" التي أعادت إلى الواجهة النقاش حول الاختلالات التي تشوب المنظومة الصحية في المغرب، سواء في تدبير المستشفيات أو في سوق الأدوية والمصحات الخاصة. وبلغت قيمة الصفقة حوالي 2.4 مليون درهم، وأسند تنفيذها إلى مكتب الاستشارة الفرنسي-الأمريكي Forvis Mazars بعد منافسة بين ثلاثة مكاتب متخصصة. وتهدف الدراسة، التي كان من المفترض أن تمتد لسبعة أشهر، إلى تحديد بؤر الفساد ومخاطره عبر تحليل ثلاث سلاسل رئيسية: علاقة المريض بالمؤسسة الصحية، وسوق إنتاج وتوزيع الأدوية، وتنظيم المصحات والعيادات الخاصة. تضارب مصالح يثير الشكوك لكن سرعان ما أثيرت شبهات بشأن استقلالية المكتب الفائز، بعد أن كشفت تقرير "كاب راديو" وثائق مالية تبين أن Forvis Mazars هو نفسه مكتب التدقيق المالي لمجموعة "أكديطال"، أحد أكبر الفاعلين في القطاع الصحي الخاص بالمغرب، والتي تستمر علاقتها التعاقدية معه إلى غاية نهاية سنة 2026 مع إمكانية تمديدها لسنوات أخرى. هذا المعطى أثار، وفق نفس المصدر ، تساؤلات حول مدى حياد المكتب في معالجة ملف يمس جوهر الفساد داخل المنظومة الصحية، التي تعد شركة أكديطال أحد أبرز مكوناتها. وقال المصدر نفسه إن تضارب المصالح "يمس بمبدأ الحياد، ويضع نزاهة العملية برمتها موضع شك"، لاسيما في ظل احتمال تقاطع معطيات مالية ومهنية حساسة بين الطرفين. تحقيق داخلي وانتظار رأي اللجنة في بلاغ الهيئة الوطنية للنزاهة، أكد أنها "ستتخذ جميع الإجراءات القانونية والإدارية اللازمة للحد من أي تضارب محتمل للمصالح في هذه الصفقة"، مشددا على أنها "ملتزمة كليا بتطبيق معايير الشفافية والمساءلة". وتأتي هذه التطورات في سياق عام مطبوع بانتقادات حادة لقطاع الصحة في المغرب، الذي اعترف وزيره في مناسبات عدة بوجود اختلالات بنيوية في تدبير المستشفيات وسوق الأدوية، في وقت تعالت فيه مطالب بتعزيز المراقبة والمحاسبة وربط المسؤولية بالنتيجة. وبين انتظار نتائج التحقيق وتقرير اللجنة الوطنية للطلبيات العمومية، تبقى قضية "خريطة الفساد في قطاع الصحة" اختبارا لمصداقية الهيئة الوطنية للنزاهة، في واحدة من أكثر الملفات حساسية منذ تأسيسها. وزير الصحة مجدداً تحت الأضواء وتضع هذه القضية وزير الصحة خالد التهراوي مجدداً في قلب الجدل، بعد أسابيع قليلة على أزمة "حراك المستشفيات" التي فجّرت احتجاجات واسعة في صفوف الأطر الصحية، وتزامناً مع استمرار حركة جيل زد في رفع مطلب تحسين الخدمات الصحية العمومية ضمن شعاراتها الأساسية. ويرى مراقبون أن هذا الملف سيزيد من الضغوط السياسية والشعبية على الوزير، الذي باتت دعوات إقالته تتصاعد في الشارع وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، وسط اتهامات لوزارته ب"ضعف الحكامة" و"العجز عن إصلاح المنظومة الصحية"، ما قد يعجّل بخروجه من الحكومة إذا استمر الجدل حول هذه الصفقة الحساسة.