جيل Z، هو جيل انطلق من حضن المعاناة اليومية مع التعليم والصحة والشغل، والفساد… هو جيل بدأ يعي ويستوعب دوره في الحياة العامة كمحرك أساس لدواليب الرفض، بعد أن فقد الأمل فيمن يمثلونه من أحزاب، وجمعيات، ونقابات، وتنظيمات، وهيئات ذات الصلة بانتظارات الشعب الكادح. فأخذ المبادرة ليعلنها صرخة مدوية ضد الفساد، وإخلاف الوعود. ويوصل صوته إلى من يهمهم الأمر، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وعبر الشارع، وهو يضع أجندة لحراكه العفوي، تتغيَّا إيصال صوته، ومن خلاله، صوت عامة الشعب المغربي، إلى صناع القرار السياسي الذين حُجِبت عنهم المعاناة من ممثلي الأمة، المنسحبين من مسؤوليتهم التشريعية. فكانت هذه الهبة، التي لا يؤطرها تنظيم، ولا تتبناها هيئة؛ هبَّة عفوية، أربكت العديد من الأوراق، وفضحت العديد من الأجندات، وكشفت الكثير من التجاوزات، وكادت أن تحقق أكثر مما سعت إليه، أو بالأحرى ما سعى إليه عقلاؤها الذين أرادوها سلمية، بسقف معقول، لا يتجاوز تحريك راكد التغيير، بإثارة الانتباه إلى مطالب وانتظارات الشعب المغربي من حكومة وعدت بالكثير، لكنها لم تستطع أن تحقق إلا القليل،… لو لا اندساس أغيار في صفوفها، وتوجيه حراكها السلمي إلى فوضى وشجن اجتماعي، قلب عليها ظهر المجن، ووضعها في موضع الاتهام، رغم استنكارها لهذا الشرود الذي لا ينتمي إلى لغتها الاحتجاجية، ولا يعبر عن عمق تصورها للتغيير. جيل Z، هو جيل أتى بعد ردح من الانتظار المُمِل، أملاه غضب متراكم من تدبير عمومي لا يرقى إلى المأمول، وانسحاب حكومي من التزامات، جاء معظمها في التصريح الحكومي، حول قطاعات رئيسية، لكنها ظلت في الرف تنتظر التفاتة، تقيم لها الأود، وتنتشل معيقاتها من درك اللامبالاة. حتى نضجت فكرة إثارة الانتباه إلى ملحاحية التدخل لإيقاف الفساد، في قطاعات اجتماعية، على وجه الخصوص، عبر تظاهرات عفوية، تمت الدعوة إليها من مواقع التواصل الاجتماعي، تخطت الأحزاب، والنقابات، التي ما عادت تمثل إلا نفسها، ومناضليها، وما عاد لها من هَمٍّ سوى إكراميات/تعويضات الدولة، ومقاعد البرلمان، وامتيازات المهمات التي لا تنتهي. وكرد فعل أول، أبدت الحكومة تفهما لهذا الحراك، ودعت لفتح حوار مع هؤلاء الشباب، من أجل الاستماع، عبر ممثلين، كما اتفق(!)، لهذا الجيل، لغياب هيئة، أو تنظيم يمثلهم، ويسهل التحاور معهم. فكان الحوار الذي أجري مع بعض منْ قبِل أن يتكلم باسمهم، حوارا عابرا، غير مؤسس، ولا يمكن اعتماده آلية لطمأنة هذا الجيل، ولجم اندفاعه. مما يجعل صعوبة الوصول إلى نتيجة من وراء هذا الحوار عائقا رئيسيا أمام أي مساع لحلحة وضع غير متحكم فيه. جيل Z، هو جيل الغضب الذي أنشأه العالم الرقمي اللامحدود، ولم تستطع الأحزاب المغربية، و لا النقابات المنسحبة من هموم الأمة، استيعابه، وضمه إلى صفوفها. وهو جيل بدأ يتنامى بشكل كبير، ويضع ممثلي الشعب أمام مسؤوليتهم التاريخية في استيعابه، واقناعه في الانخراط في تنظيماتهم الشبابية. وهذا ما لن تتمكن من تحقيقه في غياب الوضوح، والصدقية، والإخلاص في تمثيل الشعب الذي ضاق درعا بإخلاف والوعود، والضحك على الذقون! لم يترك ممثلو الشعب، أو الممثلين عليه؛ لا فرق!! ، أمام هذا الجيل سوى النزول إلى الشارع لإسماع الصوت، والتعبير عن الغضب، ولإيصال الصوت إلى ملك البلاد الذي اعتبروه، في أكثر من تصريح، الملاذ الوحيد، بعد الله تعالى، في حلحلة الوضع، وتحريك هذا الواقع الذي ران عليه نسيان من أعلاهم الشعب مقاعد المسؤولية، فقلبوا عليه ظهر المِجَن، وكافؤوه بالنسيان، واللامبالاة. لقد آن للمغرب السياسي، الممثل في المؤسسة الحزبية، أن يقدم مراجعات حقيقية، تستحضر مصلحة الوطن أولا، وقبل كل شيء، وتعمل على احتضان هذا الجيل الذي وجد نفسه خارج الهم الحزبي، والنقابي، فأنشأ له مجتمعا خاصا به، يكفر بكل هذه التلوينات الشاردة، وينبري ينوب عن نفسه بنفسه، لإسماع صوته، بعيدا عن المؤسسات، وبهرجة المهرجانات الخطابية. وهي المسؤولية التي يجب أن يضطلع بها ممثلو الأمة، الآن وليس غدا، لاحتواء الوضع، قبل فوات الأوان. وهي المهمة التي فشلت فيها الأحزاب، والنقابات، مع جيل 20 فبراير، لولا تدخل الملك الذي أعاد الكثير من الثقة، والأمل إلى ذاك الجيل، وفتح بابا تنسم منه شباب 20 فبراير عبير الكرامة، والحرية، والعدالة الاجتماعية، من خلال دستور، اعتبر حينها، دستورا متقدما، فتح آفاقا، غير مسبوقة، من الثقة بين الشعب وحاكميه، ربحت منه الأمة المغربية سنوات من الهدنة، والاستقرار. إنه جيل لا يريد سوى تعليم ذا جودة يتأسس على تكافؤ الفرص. وصحة توفر علاجا مجانيا في ظروف تحفظ الكرامة، وتحترم إنسانية المريض من حيث هو مواطن بغض النظر عن وضعه الاعتباري، ومكانته الاجتماعية . وشغل يحقق الكرامة، وينتشل من وهدة الفقر والحاجة. وقرارات سياسية حازمة في محاربة الفساد الذي نخر الكثير من القطاعات، وأخر المغرب إلى مراتب غير مشرفة في سلالم الصحة، والتعليم، والشغل، والتنمية. هذه هي مطالب هذا الجيل. وهي مطالب يجمع عليها الكثير، ولم يكن لهذا الجيل من فضل سوى أن حرك راكدها، ودق، من خلال حراكه، ناقوس الخطر، لإثارة الانتباه، وتوجيه سفينة "إرادة التغيير" وجهتها الصحيحة. وهو ما كان من خلال حراك، مقابل، سياسي وسيادي وازن، قدم إشارات هامة، سيكون لها ما بعدها. فهل سيلتقط ممثلو الأمة، وهيئاته الحزبية والنقابية، رسالة جيل Z، ويفتحوا عهدا جديدا للمصالحة معه، بعيدا عن أساليب التخوين، والتشكيك في نوايا الحراك؟. أم سيختارون مواصلة التجاهل، واللامبالاة، فيُثبِّتوا على أنفسهم أحكام هذا الجيل، الذي يَسِمُهم بالدكاكين، و يتهمهم بالمتاجرة في هموم الشعب وانتظاراته؟ !!. إنها فرصتهم في حفظ ما تبقى من ماء الوجه قبل موعد الحساب الذي لا يفصلنا عنه سوى بضعة أشهر … دمتم على وطن.. !!