حسن ناجح الأثنين 6 أكتوبر 2025 - 14:43 الجيل "Z" المغربي بين الفجوة الواقعية والوجود الرقمي-قراءة سيميو-فينومينولوجية للظاهرة- "بلادي، يا بلادي، خَيْرها ما تَدْريه مَداري، نَخاف عَلَيْك يا بلادي مِنْ أَوْهام الدَّراري."-قول مأثور- -قول مأثور- أردتُ أن أستهلَّ هذا المقال بهذه المقولة المنسوبة إلى أحد المجاذيب المغاربة منذ زمن بعيد، إذ تبدو كأنها نبوءة تُقرأ اليوم على ضوء ما يشهده الشارع المغربي والمنصّات الرقمية من اضطرابات. فالمشهد العام يعكس قلقاً جماعياً يتجاوز حدود الاحتجاج ليلامس أزمة معنى يعيشها جيلٌ جديدٌ مفعم بالطاقة، لكنه مجهول الملامح ومهمّش على صعيد المؤسسات. فهذه المجموعة من الشباب، أو ما يُعرف ب"جيل Z" المغربي لا تُعبّر فقط عن طاقة اجتماعية غاضبة، بل عن تحوّل رمزي عميق في علاقة الشبيبة بالذات وبالمؤسسات وبالواقع نفسه. وانسجامًا مع اهتمامي المتواصل منذ سنوات بظاهرة جيل "Z" عبر العالم – سواء في أوروبا أو آسيا أو في ما يتعلّق باحتجاجات نيبال ومدغشقر – ومع عنايتي بدراسة البرمجة اللغوية العصبية (PNL) ، بدا لي أن هذه الدينامية التي برزت في هذا التوقيت بالضبط ليست محض صدفة ولا مجرّد حركة اجتماعية عادية. إنها في العمق، تعبير عن مسار بيولوجي–نفسي يعكس انتقالًا رمزيًا من مرحلة الطفولة إلى المواطنة غير المكتملة، وربما إلى وِعاءٍ رمزيٍّ قابلٍ لاحتضان بعض دوالّ الحركات الأجنبية. لهذا، فضّلت التريّث قبل الكتابة عن الموضوع، متابعاً تطوّر الأحداث عن قرب عبر مختلف ربوع البلاد، حتى يتسنى لي فهم مسارها الحقيقي وتفكيك خلفياتها التي تبدو معقدة. فمثل نظيراتها في الخارج، بدأت الحركة بمطالب اجتماعية مشروعة حول الصحة والتعليم والشغل، وهو ما استحسنه الجميع، قبل أن تنزلق في بعض المدن نحو العنف والانفلات وأحيانا إلى "الوندالية". وهكذا، فإنّ هذه المظاهر من الشغب والتخريب قد شوّهت صورة الاحتجاج الإصلاحي وأفرغته من قوته الرمزية ومن شرعيته الدلالية وشكّلت بذلك منعطفا في تاريخ الحركة الفتية التي كانت مبدئيا سلمية. وهو ما حدث بالضبط لنظيراتها على صعيد البلدان التي تبنت فيها مجموعات "Z-Génération " حركات النضال لأسباب اجتماعية أو اقتصادية والتي انتهت بالانحراف. خلال هذه الفترة المخصصة للتأمل، كنت أُصغي بإمعانٍإلى تصريحات الشباب المشاركين في الوقفات، وأتابع باهتمام النقاشات التي يخوضها جيلهم على المنصات الرقمية، خصوصا موقع "ديسكورد"، المعروف بمخاطره المرتبطة بإدارة المحتوى وبالإشراف غير المحصَّن على الخوادم. وأثناء متابعتي للخطاب المتداول بين أفراد المجموعة، تبين لي أن باستثناء القلة القليلة من المتدخلين – وهم يمثلون الجزء الظاهر من جبل الجليد – معظم الحاضرين في الغرف الافتراضية يتبنون معجما سيميائيا مبتذلا. وفي هذا الصدد، رصدت عدداً من الملاحظات المقلقة التي تستدعي التحليل والتمحيص. فإلى جانب الأسلوب الذي تُحرَّر به بيانات هؤلاء الشبان المغاربة وتعليقاتهم والذي يكشف عن محدودية لغوية واضحة وعن استعمالٍ للدوال السائدة في غير مواضعها، تبرز في خطاباتهم نزعة مثالية مفرطة تكاد تنفصل عن الواقع المعاش. وتقترن هذه النزعة بثقة زائدة بالنفس تبلغ أحياناً حدّ الغرور. كما يلاحظ جليا جهلهم بتاريخ المغرب وثقافته، فضلاً عن إدراك سطحي للسياقين الاجتماعي والقانوني الراهنين للبلد، يضاف إلى هذا تضخّمٍ للأنا لبعض زعماء المجموعة يصل، في بعض الحالات، إلى ما يشبه "الميغالومانيا" أو جنون العظمة. وهذه التناقضات لا يمكن اختزالها في مجرد هناتٍ عابرة، بل تمثل مظهراً لما يمكن تسميته ب"فوضى العلامات"؛ إذ لا يتعلق الأمر باستبدالٍ عن المعنى، بل بفيضٍ معلوماتي كثيف ومربك يُنتج لدى اليافعين حالة من "الإرهاق القراري"، تُضعف، على ما يبدو، قدرتهم على التمييز والتقدير العقلاني لما يستهلكونه من معلومات أو يعبّرون عنه؛ وهو ما يقترب من الطفولية أكثر من الرشد. ولعلّ أبرز ما أثار انتباهي أثناء التفكير في هذه الظاهرة، هو التناقض الصارخ في خطاب هذا الجيل. فالحركة ترفع شعار الديمقراطية، لكنها تمارس في الوقت نفسه إقصاءً للآخر المختلف. فأعضائها يتحدثون عن الاندماج لكنهم يعجزون عن قبول التنوع؛ يعلنون امتلاك معرفة سياسية واسعة، في حين لا يتجاوز رصيدهم في الغالب بعض المصادر السطحية مثل تطبيقات الذكاء الاصطناعي، وعلى رأسها "ChatGPT" و"Grok" و"Gemini". وكأن هذا الجيل يقرأ بسرعة، لكنه نادراً ما يتأمل بعمق. ويعكس هذا التناقض البنيوي الذي يطبع كل شباب هذا العصر بزوغ "ذكاء رقمي" فائق المميزات يقابله ضعف في الوعي التاريخي والرمزي. كل هذه المفارقات لا تمثل مجرد هناتٍ عابرة في خطاب ناشئ يسعى إلى إثبات وجوده في عالم مهتز ومرتبك، بل تُعدّ مؤشراتٍ على أزمةٍ أعمق في تصور الذات وفهم الواقع المغربي بمحدداته التاريخية والقانونية والثقافية. فجيل "Z" المغربي، شأنه شأن نظرائه عبر العالم، يعيش في حالة من الالتصاق المستمر بالهواتف الذكية، متفوّق في ألعاب العنف والتحدّي، ومندمج في فضاء رقمي يأخذ فيه كل ما تُمليه الخوارزميات على محمل الجدّ و يعتبر العالم الرقمي واقعاً قائماً بذاته. وهكذا يجد شبابنا نفسه عالقاً في "برزخ الرموز والمعاني"، أي فضاء هشّ بين البحث عن الذات والرغبة في الاعتراف، حيث تغدو الحدود بين الحقيقة والتمثيل، وبين الواقع والواجهة، شبه منعدمة، فيتراجع الوعي النقدي لصالح منطق العرض و"المرآة الرقمية." ومن الظواهر الكامنة في عالم هؤلاء الشباب والتي لا ينبغي تجاهلها كذلك، تلك المتعلقة ما يمكن تسميته ب"أثر الانجراف"، حيث انخرط عدد من الأطفال والمراهقين في موجة الاحتجاجات، لا بدافع وعي سياسي أو اجتماعي، بل نتيجة الحماس الجماعي والانسياق وراء رموز رقمية وشعارات فضفاضة، شاردة عن الواقع. إنّ مشاركة اليافعين، التي تحرّكها أحياناً نزعة اللعب أو حب التمظهر أو حتى اللامبالاة، تكشف عن طابع من الاندفاع غير المسئول لدى من يدعي تزعم هذه الحركة. وهذا السلوك يضفي على المشهد الاحتجاجي مسحة من البراءة الممزوجة بالطيش والمغامرة. غير أنّ خطورة هذه المعضلة تكمن في كونها تُسهّل لبعض الجهات استغلال هذا الزخم الطفولي لتأجيج حراك الشارع وتضخيمه رمزيا، بينما يغيب الوعي بالحدود الفاصلة بين التظاهر المشروع والفوضى المدمّرة. وهذه السذاجة ليست ضعفاً، بل انعكاساً للمرحلة الأولى و الطبيعية لنضج جماعي غير مكتمل. فحسب العلوم الإنسانية، يظل الشاب المغربي كسائر أقرانه في العالم يتعلّم عبر التجربة، ويتخبط في عملية إعادة تشكّل ذاته ضمن سياق دولي مبهم وغير متوازن تسعى فيه القوى العظمى استلاب عقول الشعوب. يضاف إلى تصرفات هذه الفئة العمرية، التخبّطفي المواقف وطابعالمجهولية. ويبدو أن عنصر السرية أساسي في مكونات التيار الشبابي. وهذه الخاصية تطغى على هذه الحركة الرقمية، مما يجعلها أقرب في بنيتها النفسية والاجتماعية إلى سلوكيات الطوائف السرّية، وأقصد بذلك تلك التي يغيب فيها القائد المعلن ليُستعاض عنه بكيان افتراضي أو شعار عابر. إنّ هذا الشكل من التنظيم يذكّر، بشكل مثير للمفارقة، بعلاقة "الشيخ والمريد" في بعض البنى الصوفية التقليدية السرية. فالمريد ينقاد بإيمان أعمى إلى صوت غير مرئي، يثق في "النداء" أكثر مما يثق في عقله النقدي، بينما الشيخ المجهول – أو الحساب الرقمي المجهول في حالتنا هذه – يظل مصدراً للشرعية والتوجيه. وبذلك، يتحول الفضاء الرقمي إلى طائفة رمزية تُدار بخوارزميات لا بفتاوى، أو ما يُسمّى"بالقبيلة الرقمية". إن هذا الانزلاق نحو الطابع الطائفي يجعل من الحراك الشبابي فضاءً عرضة للتلاعب الرمزي، إذ يتجاوز فيه الولاء لفكرة المطالب الموضوعية ليصبح ولاءً لشعور الانتماء الجماعي نفسه، وهو ما يفتح الباب على مصراعيه أمام أشكال جديدة من الهيمنة الدلالية الخفية. وهنا تنبثق جملة من التساؤلات الجوهرية: – هل ظاهرة احتجاج الشباب المغربي علامةُ تطورٍ وتحضّر، أم العكس؟ – وكيف تشكّل الشرخ بين هذا الجيل وبين الدولة ليصبح بوابة للاختراقات الخارجية؟ – ثم كيف أسهمنا جميعاً، أفراداً ومؤسسات، في صياغة عقلية الجيل الراهن؟ – وأخيرا، كيف يمكن إصلاح ما يمكن إصلاحه لتفادي حالة الاغتراب الوطني للشباب؟ للإجابة عن هذه الإشكاليات، تقتضي المقاربة العلمية للظاهرة استحضار ثلاثة مستويات متكاملة في التحليل. لذلك سوف نعتمد على منهجية التحليل المركب الذي يجمع بين "فينومينولوجيا/الظاهراتية" لفهم طريقة تفكير هذه الفئة المجتمعية من داخلها وكيفية إدراكها للعالم الخارجي، إلى جانب المنهجية السيميائية لتحليل خطابها وتفكيك دواله ورموزه المشكلة للبنية الدلالية لهذه الشريحة. حيث يسعى منهج الفينومينولوجيا إلى تحليل التجربة المعاشة، أي كيف يدرك هذا الجيل عالمه ويمنحه المعاني الملائمة. كما سنستعين بالمقاربة السيميائية لكشف صراع الرموز ودلالاتها في المجال العمومي، وأخيرا، سنستعمل البرمجة اللغوية العصبية (PNL) وهذا المجال يندرج ضمن علوم التسيير والتدبير لتطوير الكفاءات، وتحسين التواصل، وتعزيز القدرة على التفاعل الإيجابي داخل بيئات مهنية متغيرة. وسيوظف هذا التخصص لإضاءة آليات تشكيل المعتقدات والتمثّلات الذهنية من خلال اللغة والرموز التي تستعملها المجموعة. الإطار النظري: سيميائية الاحتجاج وفينومينولوجيا الجيل مبدئيا، الشباب ليسوا خصماً للمجتمع، بل مرآته الأكثر شفافية. كل اضطراب في تصرفاتهم هو صدى لاختلال وظيفي، وكل احتجاج عندهم ليس إلا بحث عن معنى أعمق للانتماء وإثبات الذات. وفي حالة المغرب وبعد الوقائع الأخيرة، لم يعد من الممكن تجاهل هذا الجيل، فأغلب هؤلاء الشباب الذينيقل عمرهم عن 28 سنة، يشكلون ما يقارب ربع سكان المغرب. ولا يمكن كذلك اعتبارهم مجرد أرقام في إحصاءات رسمية، بل إنهم قوة اجتماعية وثقافية وسياسية صاعدة، تحمل معها رؤية مختلفة للعالم، وهواجس لا تشبه هواجس الأجيال السابقة. غير أن التعامل مع هذا الجيل ككتلة متجانسة قد يحجب رؤية التصدعات العميقة التي تخترقه. فالشباب المنتمي للجيل "Z" في المدن الكبرى لا يعيش نفس الواقع ولا تطور نفس استراتيجيات التعبير الرقمي التي يعتمدها شاب من منطقة قروية. كما أن الشرخ الجندري يفرض نفسه بقوة، حيث تواجه الشابات تحديات خاصة تتعلق بالتحرش الرقمي أحكام المجتمع المزدوجة غالبا والتي تتأرجح بين الحداثة والرجعية. يضاف إلى ذلك الشرخ الطبقي الذي يحدد إمكانية الوصول إلى الأدوات الرقمية ويؤثر في طبيعة التطلعات السوسيو-اقتصادية. وبالتالي، إذا كانت "لغة" هذا الجيل (الرقمية) مشتركة، فإن "لهجاتها" (استخداماتها وقيمها) متعددة ومتضاربة أحياناً، مما يجعل أي محاولة للحوار معه أكثر تعقيداً وإشكالية. ومن ناحية أخرى، لا ينبغي أن نخطئ في التشخيص: فما نشهده ليس مجرد تعبير عن الاستنكارٍ، بل هو صدع سيميولوجي عميق؛ فرغم أحقية الممانعة وشرعية المطالب التي تهم فئات متعددة من المجتمع المغربي، فإن مقاربة هذا الجيل تختلف في كونه لم يعد يتشارك نفس اللغة الرمزية مع محيطه ولا مع مؤسسات الدولة. وهذه القطيعة في المعنى هو الخطر الوطني الحقيقي الذي يتربص بالمجتمع المغربي، بغض النظر عن طبقاته وانتماءاته الأيديولوجية . لتشخيص هذه الظاهرة، لا بد من تأطيرها ضمن سياق أوسع يتجاوز خصوصية هذا الجيل. إن المواطن المغربي المعاصر، كما تصفه علوم الاجتماع الحديثة، يجسد شخصية الفاعل المتعدد "L'acteur Pluriel" الذي يعيش في فجر نظام عالمي جديد يتسم بعدم استقرار الهويات وتعدد الانتماءات. إذ لم يعد من الممكن فهم الفرد من خلال هويات ثابتة أو انتماءات أحادية، حيث أصبح الفرد متعدد الأبعاد، معقداً، وسائلاً، وفي توتر دائم بين مختلف سياقات حياته الاجتماعية المستقبلة لدوال مستوردة جامحة و جارفة. وقد أثبتت الأبحاث السوسيولوجية أن الشاب عبر العالم أضحى ضحية لوفرة المعلومات وعدم القدرة على التأكد من موثوقيتها، ممزق بين الحقيقي والمحتمل، مما يفسر هذه التناقضات التي تبدو صارخة، ولكنها في الحقيقة ليست سوى تجسيداً لحالة "الإنسان المعقد" الذي يتنقل يومياً بين قيم دينية، ورموز استهلاكية، وتقاليد متوارثة، ولغات رقمية معولمة تؤثر على ذهنية كل فرد أو جماعة في وضعية الربط بشبكة الانترنيت التي أصبحت مؤثثة بأسطول متنوع من برامج الذكاء الاصطناعي. الواقع المغربي: أرقام رسمية في مواجهة دلالات مستحدثة لاستيعاب مدى الفجوة الحالية التي يعيشها أفراد الجيل "Z"، لا بد من البدء بالواقع المادي الذي يشكل تجربتهم اليومية. فالأرقام الرسمية المقدمة من طرف المؤسسات الحكومية المغربية والدولية لا ترسم في ذهن اليافعين والشباب مجرد خريطة اقتصادية، بل صورة نفسية وسياسية متكاملة. تنطلق الأزمة الرمزية أولا في انعدام الثقة في المصادر الحكومية، ثم من شرخ اقتصادي قاسٍ، يتمثل في معدلات بطالة قياسية وهشاشة بنيوية في الشغل، مما يحول الشهادة المحصل عليها، خصوصا الجامعية منها، من وعد بالارتقاء إلى رمز لخيبة الأمل. هذا الواقع المأزوم لا يظل مجرد معطى خارجي، بل يتحول عبر آليات (PNL) إلى "معتقدات مقيدة" راسخة في اللاوعي الجماعي، مثل "الشهادة لا تنفع" أو "السياسة لا تعنيني" و"لا داعي لاستثمار في البنيات التحتية أمام أولية قطاعات الصحة والتعليم". ومن رحم هذه القناعات السلبية، يتولد شرخ سياسي عميق، حيث يُترجم الإحباط الاقتصادي إلى انعدام ثقة شبه كامل في المؤسسات، تغذيه مؤشرات الفساد والمحسوبية الصادرة عن المنظمات الدولية، مما يجعل العزوف عن المشاركة السياسية ليس مجرد لامبالاة، بل موقفاً وجودياً متماسكاً. جيل يعيش على خط التناقض بين الواقع والمواقع حين ننظر إلى واقع هذا الجيل، نجد أنفسنا أمام مفارقة صادمة: فبينما يعيش شبابنا يومياً على إيقاع البطالة والهشاشة وانسداد الأفق، فإنهم في الوقت نفسه منغمسون في عالم رقمي بلا حدود. فالواقع يثقلهم بقيود اقتصادية وسياسية، لكن العالم الرقمي يفتح أمامهم إمكانيات للتعبير عن الذات والبحث عن معنى جديد للوجود. ولمحاولة فهم عقلية الجيل الشاب في المغرب اليوم، لا يكفي الاكتفاء باستعراض الأرقام والإحصاءات الرسمية، بل يجب قراءتها كما يقرؤها الشاب، من موقعه الخاص وبأدواته الرمزية والرقمية. فالمندوبية السامية للتخطيط وبنك المغرب يقدمان صورة كمية دقيقة عن سوق الشغل ومستويات الثقة السياسية، لكن ما يهم هو كيف يتلقاها الشباب، وكيف تتحول الأرقام إلى علامات محبِطة أو مشحونة بالريبة. يرى الشباب المغربي عامة أن المعطيات الرسمية تشير إلى وضع مقلق؛ فقد بلغت البطالة سنة 2024 نسبة 13.3%، وهي الأعلى منذ 2001، فيما تتجاوز بطالة الشباب هذه النسبة بكثير، خاصة في المدن. وتبرز مفارقة حادة: 19.6% من حاملي الشهادات عاطلون مقابل 5.2% لغير المتعلمين، ما يكشف عن فجوة بنيوية بين التعليم وسوق الشغل. أما جيل "Z" فيقرأ هذه الأرقام كرموز على انسداد الأفق، خصوصاً حين يعلم أن 73% من العاملين بلا عقود، أي بلا حماية أو استقرار. على المستوى السياسي، تتجسد الأزمة في فقدان الثقة: سبعة من كل عشرة شباب لا يثقون في الأحزاب، والمشاركة الانتخابية للفئة 18-24 سنة لم تتجاوز 24%، بينما لا تتعدى نسبتهم في اللوائح الانتخابية 3%. هذا الانسحاب المسبق من العملية السياسية ليس عزوفاً سلبياً بقدر ما هو رفض لجدوى النظام التمثيلي ذاته. وتؤدي هذه القطيعة إلى حلقة مفرغة: فالأحزاب لا تستجيب لفئة لا تصوت، مما يعمق التهميش ويغذي الإقصاء والإحباط الجماعي. في المقابل، يبحث الشباب عن قنوات بديلة للتعبير، من الفضاء الرقمي إلى الشارع، حيث تتحول السياسة إلى مجال مغترب والمجتمع، خارج عن المألوف و السلطة كخصم، مما تغذي شعور العجز في سياق هشاشة نفسية وعالم رقمي يقوم على منطق "أنا متصل، إذن أنا موجود" كآلية دفاعية ضد اللاجدوى. يزيد الوضع تعقيداً تفشي الفساد والمحسوبية؛ فبحسب تقرير الشفافية الدولية 2024، تراجع المغرب إلى المرتبة 99 ب37 نقطة فقط، فيما يرى 72% من المواطنين أن الفساد متجذر، و83% يربطون ضعف الثقة الحزبية باستغلال النفوذ. بينما يعزز غياب تفعيل القوانين الجوهرية، كالإثراء غير المشروع، الإحساس بإنعدام الإرادة الإصلاحية، ما يفسر نسبة عدم الثقة التي بلغت نسبا مقلقة. ورغم تفاؤل الحكومة بخطابها الاقتصادي حول نمو 4.5% وتحكم في التضخم بالإضافة إلى مشروع تنزيل الدولة الاجتماعية سنة 2026، إلا أن الشباب يعيش واقعاً مختلفاً: اقتصاد يسير بسرعتين، قطاعات تصديرية محدودة الأثر اجتماعياً، وقطاع فلاحي متراجع، كما يواصل "اقتصاد الريع" تقويض مبدأ الاستحقاق و الكفاءة. وبينما تسعى الحكومة إلى نيل ثقة المؤسسات الدولية، يشعر الجيل "Z" أن الخطاب الرسمي يلمّع الصورة ويهمل عمق الأزمة، فيتحول العقد الاجتماعي إلى علاقة فرد هشّ بدولة مدبّرة تكتفي بإدارة الهشاشة، لا بإنتاج الأمل. في حقيقة الأمر، لا أحد يمكنه أن يجادل أحقية الشباب في التعبير عن سخطه مما آلت إلية الأوضاع في البلاد. فقطاع الصحة يشهد مفارقة صارخة بين الخطاب الرسمي حول الحق في العلاج وبين الواقع المعاش الذي يطبعُه التفاوتالواضح في الولوج إلى الخدمات الصحية. فبينما يعاني المستشفى العمومي من ضعف الإمكانيات البشرية والمادية، تتنامى هيمنة المنطق التجاري "Mercantilisme" داخل المنظومة الصحية، خصوصًا في العيادات والمصحات الخاصة التي تحوّلت، في كثير من الحالات، إلى مقاولات تجارية تسعى إلى الربح أكثر من سعيها إلى العلاج. وهذا المنحى جعل الخدمة الطبية سلعة تُقاس بثمنها لا بجودتها، وأدى إلى تفاقم الهوة بين الطبقات الاجتماعية، حيث صار الفقير يُعالج بما تيسّر، والغني بما يُتاح له من امتيازات مالية وتأمينية. ورغم الجهود الحكومية المبذولة في تعميم التغطية الصحية والإصلاح الإداري، لا يزال المواطن المغربي يواجه منظومةً صحيةً يطغى عليها الارتجال، وضعف الرقابة، وغياب العدالة الصحية بين الجهات والمناطق، ما يجعل سؤال الجودة والإنصاف في الرعاية الصحية أحد أعقد تحديات التنمية الاجتماعية في المغرب المعاصر. من جهة ثانية، يعاني قطاع التعليم في المغرب من أزمة بنيوية متراكمة تُعدّ من أبرز مظاهر الاختلال الاجتماعي والمؤسساتي في البلاد، حيث تزايدت الهوة بين المدرسة العمومية التي تترنح تحت وطأة ضعف الموارد البشرية والتجهيزات، والمدرسة الخاصة التي تسير وفق منطق السوق أكثر من منطق الرسالة التربوية. هذا الواقع أفرز نظامًا تعليميا مزدوجًا يكرّس التفاوت الطبقي بدل أن يُسهم في تقليصه، وأدى إلى تراجع الثقة في المدرسة العمومية التي كانت يومًا فضاءً لصناعة الكفاءات. ورغم الإصلاحات المتكررة والمشاريع المعلنة في إطار "مدرسة الريادة"، لا يزال التعليم المغربي يعاني من غياب رؤية متكاملة تربط بين الجودة، والإنصاف، والفعالية، في ظل استمرار المنحى التجاري في التعليم الخاص، وضعف الحكامة التربوية في التعليم العمومي، ما يجعل أزمة التعليم مرآةً تعكس عمق أزمة القيم والتنمية في المجتمع المغربي. الفضاء الرقمي أو مختبر الهويات: وطن بديل أو ملجأ مواتي في مواجهة هذا الانسداد، وجد الشباب في العالم الرقمي ملاذاً وجودياً. فهنا، لا أحد يصادر أصواتهم، ولا أحد يفرض عليهم قوالب جاهزة ولا أيديولوجيات من القرن الماضي. فالأغلبية منهم يقضون يومياً ساعات طويلة على المنصات، ليس بدافع الترفيه فقط، بل لأنها ببساطة أصبحت "حياة ثانية " يعرّفون فيها أنفسهم، وينسجون هويتهم الجماعية بثقة و طواعية. لكن هذا الملاذ الوجودي هو في الوقت نفسه مختبر اقتصادي بديل. ففي مواجهة سوق شغل محدود الأفاق، يعيد هذا الجيل تعريف معاني النجاح والطموح. لم يعد النموذج المأمول هو الوظيفة العمومية أو الأجر الشهري القار، بل اقتصاد المبدعين (Creator Economy) حيث يصبح النجاح مرادفاً لعدد المتابعين، أو اقتصاد الخدمات المؤقتة (Gig Economy) الذي يصور الهشاشة كحرية، أو حتى اقتصاد المضاربة الرقمية (العملات المشفرة، التجارة الإلكترونية) كطريق مختصر لتجاوز نظام اقتصادي يُنظر إليه على أنه فاسد ومغلق. بهذا المعنى، فالعالم الرقمي ليس مجرد ملجأ رمزي، بل هو فضاء نشط للبحث عن رأسمال حقيقي – مالي ورمزي واجتماعي – خارج القنوات التقليدية للدولة والسوق، وهو في الوقت نفسه محفزٌ للاستمرار في الانغماس في العالم الافتراضي، وبديلٌ ا للمؤسسات التقليدية . وهذا الفضاء هو ما يمكن تسميته ب"المسرح السيميائي الجديد"، حيث تُبنى الهويات كأداءات وعروض. هنا، تنزلق الذاتية من منطق "أنا أفكر" الديكارتي إلى منطق "أنا أُرى"، حيث يصبح الوجود نفسه معلقاً بمدى الرؤية والمشاهدة والاعتراف الرقمي بكل مؤشراته. ومع توسع وتطور الفضاء الرقمي، لم تعد الوسائط التقليدية كالعائلة والمدرسة والشارع وحدها تكفي لتنشئة وتأطير هذا الجيل. إذ صارت الساحة الرقمية اليوم مجالاً تعليمياً وتربوياً بديلاً، تُزاحم، بل وتُعوض أحيانا المجالات الكلاسيكية التي كانت تضطلع تاريخياً بمهمة التربية والتكوين. فبينما كانت هذه الحقول التقليدية تقوم على نوع من الضبط الاجتماعي الممزوج بالتوجيه المباشر والرقابة القيمية والأخلاقية، يتضح أنّ شبكات التواصل الاجتماعي ومنصات الإنترنت، بما تحمله من خوارزميات ذكية، قد استحوذت على هذا الدور عبر تقديم محتويات جاهزة وسريعة الاستهلاك، تُعيد تشكيل إدراك الأفراد وتصوراتهم عن الذات والعالم. وبهذه الطريقة، تحوّل الفضاء الرقمي "Online"إلى ما يشبه "مدرسة خفية" تُعلّم من دون منهج، وتوجّه من دون معلم، وتبني معارف دلالية وسلوكية لا تخضع لرقابة المجتمع ولا للمعايير المؤسساتية. ومع ذلك، لا يمكن في هذا السياق إغفال مسؤولية أولياء الأمور الذين يشكّلون الحلقة الأقرب في عملية التنشئة الاجتماعية. فالكثير من الأسر المغربية، إما بسبب ضغوط اقتصادية ومعيشية أو نتيجة ضعف في الوعي التربوي، قد تركت أبناءها أسرى للعالم الرقمي دون تأطير أو مصاحبة نقدية. وكنتيجة لذلك، نشأ جزء واسع من جيل "Z" وهو يفتقر إلى المرجعيات التربوية الصلبة التي تساعده على التمييز بين الواقعي والافتراضي، وبين الحق المشروع في الاحتجاج والفوضى التي تفقده طابع المشروعية. إنّ غياب هذا الدور الأسري يعمّق الهوة بين الشباب والدولة، ويجعل المؤسسات التربوية والسياسية تتحمل وحدها عبء إعادة التوازن، وهو ما يزيد الوضع هشاشةً وتعقيداً. وأمام هذا الوافد الجديد في ساحة التربية، يُفترض بالراشدين، وخاصة الآباء والمربين، أن يتصرفوا بروح المسؤولية والحكمة، على نحو يشبه دور ربّالأسرة "Pater familias" لضمان التوازن داخل مؤسسة الأسرة والمجتمع فمن المهم أن يُدرك الوالدان أن السلوك "المتمرّد" يحمل معنى، وأن يسعيا إلى فهمه وتحليله، بمفردهما أو بمساعدة مختصين، بحيث ينبغي أن يقوم فنّ التربية على الموازنة بين المرونة والحزم وعبر الاستجابة الواعية لتصرفات المراهقين، بما يكسر أنماط التكرار ويعزز الثقة المتبادلة لمواجهة تأثير الفضاء الرقمي. والأخطر من ذلك أن هذه "المدرسة الخفية" ليست محايدة؛ إنها تخضع لنموذج حكامة خوارزمية "Corporate Governance " ذات أهداف تجارية وسياسية محددة. فالخوارزميات، المصممة أساساً من طرف القوى العظمى، لا تهدف إلى التنوير بل إلى زيادة التفاعل إلى أقصى حد، مما يعني تفضيل المحتوى المثير للجدل والمستقطِب والعاطفي على حساب النقاش الرصين والمتوازن. إن "فوضى العلامات/فوضى الدوال" ليست مجرد عَرَض جانبي، بل هي النموذج الاقتصادي المهيمن لهذه المنصات التي استفحلت في العالم بأسره خلالا السنوات الأخيرة. وبالتالي، فإن الصراع ليس فقط ضد الجهل أو التضليل، بل ضد بنية معلوماتية مصممة لخلق الإدمان وتسطيح الفكر، مما يجعل معركة "السيادة الرمزية" معركة ضد هندسة خوارزمية عابرة للحدود. وفي هذا المنوال، أصبح من الواضح أن المنصات الرقمية تحوّلت إلى أدوات هندسة للرأي. وتُستغل هذه الآليات من قبل الدول الكبرى والشركات العملاقة مستندة في ذلك على تقنيات التنميط "Profilage" ونموذج "اقتصاد الانتباه" الذي تُصمَّم خوارزمياته لتعظيم التفاعل وتحقيق الأرباح المادية و المعنوية. ونتيجة لذلك، يُفضَّل المحتوى المثير للانقسام والعواطف على حساب الحقيقة، ما يؤدي إلى انعزال المستخدمين داخل فقاعات رقميةتُغذي قناعاتهم وتعمّق الاستقطاب بتطبيق نظرية "الوكالة". كما لا يخفى على أحد أن بعض الحكومات تستغل هذه البنية للتأثير والتضليل، فيما توظفها الشركات الكبرى وبعض مجموعات الضغط لخدمة مصالحها عبر البروباغندا الرقمية والاستهداف الموجَّه. وهنا تبرز العلاقة بين السيميائية والبرمجة اللغوية العصبية التي أصبحت علاقة تفاعلية. فالأولى تفسر إنتاج المعاني في الخطاب، والثانية تفسر كيف تتحول هذه المعاني إلى تمثلات ذهنية وسلوكية. فحين يغرق الفرد في فيض من المعلومات المتناقضة والخطابات الشعبوية والإشاعات، دون امتلاك أدوات للفرز والتحليل"Filtres sémiotiques"، فإن العقل يبحث عن ملاذات نفسية مبسطة. وهنا، تتحول الفوضى الخارجية (السيميائية) إلى بنى داخلية (نفسية)، حيث تصبح عبارات مثل "لا ثقة في أحد" أو "لا جدوى من المحاولة" مراسي ذهنية "Ancrages Mentaux" تحمي الفرد من الإرهاق القراري، لكنها في الوقت نفسه تسجنه في دائرة مفرغة من الإحباط والسلبية و تغيير نظرته عن الواقع. والخطورة في هذا التحول تنطوي في قدرته على برمجة عقول جيل بأكمله، أي القواعد المجتمعية. ويتم ذلك وفق أولويات لا تمتّ بصلة للمجال المحلي أو الوطني، لكونها تُصاغ في مختبرات الشركات الرقمية الكبرى وفق منطق خوارزميات مضبوطة، أو ضمن مشاريع سياسية وأيديولوجية عابرة للحدود. فالجيل الذي يتغذى معرفياً وثقافياً من هذه المنصات يصبح معرضاً لفقدان مرجعيته فيما يخص قيمه الأصلية المتعلقة بثقافته وعقيدته، ويعيش بالتالي حالة من الاغتراب عن ذاته ومجتمعه. وينتج عن ذلك إعادة تشكيل وعيه بشكل غير متوازن بين ما هو محلي وما هو كوني. ومن ثمّ فإنّ المخاطر لا تتجسد فقط في التشتت أو الانبهار، بل في احتمال إنتاج جيل "مُعاد برمجته"، جاهز أن يُفكّر ويستهلك ويتفاعل وفق أنماط مرسومة سلفاً، مما يجعل الحديث عن السيادة الرمزية والثقافية أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى. ويجسد المسرح الرقمي كذلك فضاء للأدائية (Performativité) بامتياز. فالشاب المغربي المعاصر لا يكتفي بمعايشة تناقضاته، بل يجعلها قابلة للأداء والعرض. تتجلى هذه الأدائية في المجالات الرقمية حيث تخلق هويات رقمية ديناميكية تتفاعل ضمن الممارسات الاجتماعية اليومية وضمن شبكة تواصل محدودة وخاصة، وتكشف عن التوتر بين ما يرغب الفرد في أن يكونه، وما يظهره، وما هو مسموح له اجتماعياً بأن يصبح عليه. وبالرغم من كل هذا، لا بد من الاعتراف أن في هذا الفضاء أيضاً، يتعلم الشباب كيف يميزون بين الخطاب الصادق والزائف. فالحقيقة أنهم طوروا ما يشبه الرادار النقدي، إذ لا يقبلون الخطاب الرسمي بسهولة، ولا يثقون في الإعلانات البراقة، بل يبحثون عن الأصالة، عن الاتساق، عن الصدق. من المواقع إلى الواقع: حركة GenZ 212 نموذجاً ومن الفضاء الرقمي إلى الميدان، تتجلى قدرة هذا الجيل على تحويل الرمزية الافتراضية إلى فعل مادي واقعي. فحركة "GenZ 212" التي انطلقت من نداءات مجهولة على الشبكات الاجتماعية، ثم تحولت إلى مطالب ملموسة حول التعليم والصحة والتشغيل، تقدم نموذجاً وثيق الصلة بالموضوع: فهي حركة ذات تنظيم أفقي، بلا زعيم، سريع الانتشار، ومستقل عن الأحزاب والنقابات وتقوم على التساوي في الزعامة. هذا الشكل من التنظيم العفوي واللامركزي هو تجسيد لما يمكن تسميته ب"حرب القبائل أو المجموعات السيميائية"، حيث يتم استخدام تكتيكات تواصل غير تقليدية لزعزعة استقرار الخطاب الرسمي وتحدي السلطة خارج الأطر التقليدية. وبالتالي، أصبحت هذه الفئة المجتمعية تؤلف معجمها السياسي الخاص، بعيداً عن مؤسسات لم تعد تُقنعها. الدارجة، مطعّمة بمصطلحات جديدة.. لغة المقاومة الصاعدة من الناحية السيميائية، تبرز إحدى أدوات هذا الجيل المغربي وتتجسد في اللغة المستعملة. فالدارجة المغربية، الممزوجة بالإنجليزية والفرنسية والرموز الرقمية، ليست مجرد وسيلة للتواصل، بل ميداناً لترسخ الهوية وممارسة المقاومة. وهذه المقاومة اللغوية ليست فعلاً معزولاً، بل هي تجلٍّ حيّ لمفهوم التمغربيت، التي لا تمثل هوية جامدة، بل مصفوفة ثقافية في حالة تجدد دائم، قادرة على استيعاب الممارسات الهجينة من مختلف الدوائر الثقافية واللغوية في مواجهة تأثيرات العولمة الثقافية. من خلالها يعبّر الشباب عن غضبهم، يسخرون من السلطة ومن السائد، ويبتكرون عالماً رمزياً بديلا تختلط فيها الدارجة، المختلطة بالإيموجيات والهاشتاغات ورموز "ASCII". لهذا الغرض، يستعملون عملية تكييف الدوال إلى ثقافة معينة من أجل إعادة ضبط التوازن والمعنى، أو ما يسمى بالترجمة التكييفية "Tradadaptation". وقد أصبحت هذه الطريقة فيما بعد أداة نقدية وهوياتية في نفس الوقت، لكنها تصطدم بما يدعى"الصمت الخوارزمي" حيث أنظمة الذكاء الاصطناعي لا تعترف بها كلغة قائمة بذاتها. .بيد أن هذه اللغة نفسها تصطدم بما يمكن تسميته ب "الصمت الخوارزمي": فأنظمة الذكاء الاصطناعي والمنصات العالمية لا تعترف بالدارجة كلغة قائمة بذاتها، بل تختزلها في صورة "إنحرافية" عن الفصحى. وهنا تكمن المفارقة: حتى في العالم الرقمي، يواجه الجيل الجديد إقصاءً من نوع آخر. هذا الإقصاء هو مظهر من مظاهر التناص العلاماتي "L'intersigne"، وهو الاحتكاك الذي يحدث حين يقوم نظام علامات مهيمن، مثل ما تقدمه خوارزميات المنصات السائدة، بتهميش الثقافات واللغات المحلية التي لا تتوافق مع نماذجه وأهدافه. بداية التحدي والانزلاق: جيل على مفترق طرق إن جيل "Z" المغربي ليس مشكلة يجب "احتواؤها" أو مقاومتها، بل هي فرصة تاريخية يجب الاستثمار فيها. صحيح أنه جيل مثقل بالإحباط واليأس، لكنه أيضاً جيل يُعيد كتابة معجم الهوية والمواطنة بلغة جديدة وأدوات جديدة. إنه فاعل يُعيد صياغة القيم والرموز، ويمهد الطريق نحو مغرب مختلف. الخيار اليوم أمام المغرب واضح: إما أن يواصل تجاهل أصوات هذا الجيل، فيتفاقم الإحباط الإقصاء وتتسع الفجوة، أو أن يعترف بقوته التحويلية، فيستثمر طاقته الخلاقة لإعادة بناء العقد الاجتماعي، بعيداً عن فرض الوصاية السياسية والاقتصادية والثقافية ومنطق الأبوية "Patriarcat". هذا الجيل يبحث عن معنى جديد للوجود، في عالم حقيقي يخذله، وعالم رقمي يَعِده بمستقبل آخر.إن المخرج من هذا الوضع لا يكمن فقط في الاستثمار الاقتصادي، بل في تطوير ما يمكن تسميته ب"وعي سيميولوجي نقدي". هذا الوعي يسمح بتسليح هذا الجيل والمجتمع الناشئ بالقدرة على تفكيك الأساطير، وتحديد الانزياح الدلالي؛ وحينذاك، فك شفرة استراتيجيات التلاعب. فالرهان الحقيقي هو إعادة تأكيد أخلاقيات المعنى لجعل اللغة أداة لبناء عوالم مشتركة، لا مجرد سلاح في حرب الجميع ضد الجميع. تحليل لتأثير الجوار: تدخل الجيو-سياسية في ظاهرة الاحتجاج إن هذا الصدع السيميائي الداخلي، أو الاغتراب الوجودي الذي يفصل الجيل "Z" عن لغة مؤسسات الدولة والأجيال السابقة ويجعله يعيش في حالة من "التشتت السيميائي"، لا يخلق مجرد أزمة مجتمعية، بل يخلق أيضاً هشاشة رمزية وطنية تجعل الساحة السيادية قابلة للاختراق من قبل فاعلين خارجيين، خاصة في الظرفية الحالية التي يعيشها المغرب. و أقصد بالذكر: السعي وراء إنهاء ملف الصحراء المغربية، مشروع الانضمام كعضو دائم لمجلس الأمن، المشاريع الكبرى المهيكلة، وإستراتيجية "الاندماج الرأسي Intégration verticale" في السوق الإفريقية. كل هذه المحاولات للتأثيرعلى مخططات المملكة والتي تمارسها أطراف إقليمية ودولية لا تأتي من فراغ، بل تجد في هذا الشرخ المعنوي أرضاً خصبة لتفيد أجنداتها. فهي لا تخلق السخط، بل تستثمر في الاستياء الموجود أصلاً إثر فشل ما تطلق على نفسها "حكومة الكفاءات"، وتوظف "الارتباك السيميائي" لتوجيه الطاقات الشبابية نحو مسارات تخدم خططها الخاصة. بهذا المعنى، فإن معركة "السيادة الرمزية" تبدأ من الداخل؛ فحصانة المجتمع ضد التوظيف الخارجي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بقدرته على إعادة بناء معنى مشترك وجسور ثقة بين أجياله ومؤسساته. علاوة على ذلك، وأثناء متابعة مطالب جيل "Z" المغربي، برزت ملاحظات لافتة، أبرزها الحضور المكثّف لمؤثرين جزائريين وإسبان وفرنسيين داخل الفضاء الرقمي الموجَّه للرأي العام المغربي، يقابله اهتمام إعلامي استثنائي وغير مسبوق من قنوات هذه الدول الثلاث، في مقابل تعاطٍ فاتر من طرف الإعلام الدولي الذي اكتفى بالتعامل مع الاحتجاجات بوصفها كخبر عابر. ويمكن تفسير هذا التفاعل المفرط وهذا التماهي في الخطاب باعتبارهما مؤشّرين على محاولة بعض الأطراف استغلال الظرفية الراهنة لإعادة إنتاج خطابها السياسي والإعلامي بدلالات جديدة ضد المملكة، مثل ما تقوم به جبهة البوليساريو وبعض المنفيين والمعارضين في الخارج، وخاصة الدول التي تسعى إلى تعطيل مسار صعود المغرب ونموّه الإقليمي والدولي. كما تجدر الإشارة إلى أنّ أغلب المؤثرين المغاربة على منصّات التواصل الاجتماعي قد اختاروا التعبير عن تعاطفهم مع جيل "Z"، ليس بالضرورة عن قناعة فكرية أو التزام اجتماعي عميق، بل أحياناً بدافع الخوف من التعرّض للمتابعة أو من حملات التشهير الرقمي التي تستهدف كل من يخرج عن "السردية السائدة". وكنتيجة، أصبح هذا التعاطف بالنسبة للكثيرين أشبه بآلية دفاعية لتفادي الاصطدام المباشر مع موجة شبابية جارفة، أكثر منه موقفاً نقدياً أو تحليلياً مسؤولاً. يُضاف إلى هذه الأزمة عامل لا يقل أهمية يتمثل في هزالة الأداء الإعلامي المغربيفي تعاطيه مع قضية تظاهر الجيل "Z". فبدل أن يشكّل الإعلام وسيطاً للتفاهم المتبادل بين الشباب والمؤسسات الحكومية، تحوّل في أغلبه إلى منبر تقريري يكرر الخطاب الرسمي دون أن يلامس التجربة المعيشة لهذا الجيل. إن غياب الجرأة النقدية وضعف الاستثمار في الصحافة الاستقصائية والشبابية جعلا المشهد الإعلامي عاجزاً عن التقاط التحولات الذهنية والرمزية التي يعيشها الشباب، مكتفياً بسرد البيانات الرسمية. ويزيد من حدة هذا القصور ضعف التواصل الحكومي الذي لا يزال أسيرَ منطق الإخبار العمودي بدل الحوار التشاركي. فالقنوات الرسمية تخاطب الشباب بلغة خشبية ومصطلحات بيروقراطية لا تُقنع ولا تُلهم، في حين تنجح المنصات الرقمية المستقلة في استقطابهم بخطاب مباشر وسردية بديلة. هذا الخلل في التواصل لا يقتصر على ضعف الترويج للسياسات العمومية، بل يكشف عن انقطاع رمزي أعمق بين الدولة وشبابها، وعن غياب استراتيجية تواصلية حديثة تدمج الذكاء الرقمي وتستوعب المنطق الثقافي واللغوي لهذا الجيل الذي يفكر بالصورة أكثر مما يفكر بالكلمة. وبعيداً عن منطق المؤامرة، لا يمكن إنكار أن هذا التفاعل يعكس أيضاً تنافساً جيوسياسياً متزايداً حول موقع المغرب الإقليمي، حيث يتقاطع هذا مع بعض الظواهر لاختلال داخلي. لكن الوضع يعكس أيضاً قلقاً خارجياً من صعود المغرب. فالجزائر توظّف التوترات لتعزيز طموحها الجهوي، بينما إسبانيا تراقب منافسته في السياحة وإستراتيجية الموانئ و التسلح، وفرنسا تخشى فقدان نفوذها الإفريقي مع انفتاحه على شركاء جدد. في المقابل، يرسّخ المغرب موقعه عبر المبادرة الأطلسية، شراكته مع الولاياتالمتحدة واستئناف علاقاته مع إسرائيل، بما يوفره من تفوق تكنولوجي وعسكري. ونتيجة لذلك، تصبح التظاهرات اختباراً للرأسمال الرمزي والدبلوماسي للمغرب: نجاحها يعزز صورته كقوة صاعدة قادرة على تحويل الأزمات إلى فرص، في حين يسمح تعثرها لخصومه بتشويه مساره. ومع ذلك، تظل جوهر الأزمة داخلياً أكثر منه خارجياً، ما يستدعي معالجة الاختلالات البنيوية. والغريب أن جيل "Z" لم يأبه بهذا الأمر الذي يوظف فيه كطابور خامس. علما أن زعزعة استقرار الدول في العصر الراهن أصبحت لا ترتكز فقط على الوسائل العسكرية أو الدبلوماسية التقليدية، بل باتت تعتمد بشكل متزايد على قوة التكنولوجيا الرقمية، حيث تلجأ بعض المؤسّسات الدولية، تحت غطاء العمل الخيري ونشر قيم الديمقراطية، إلى توظيف شبكات ما يُسمّى ب "المجتمع المفتوح" من أجل الترويج لصفحات ومنصات على وسائل التواصل الاجتماعي. وهي حملات تبدو في ظاهرها بريئة، غير أنها تندرج في إطار ما يمكن تسميته ب "القوة الناعمة الخوارزمية"، إذ يجري من خلالها توجيه الرأي العام وصناعة الانقسامات الاجتماعية والهوياتية، مما يضعف التماسك الداخلي للدول؛ ويفتح الباب أمام تدخل خارجي، خفيّ المسار، لكنه شديد الفعالية ويستمد شرعيته من الخطاب الكوني للحقوق والحريات. خاتمة: شبابنا جزء منا رغم الخطابات المتفائلة التي تروّجها الحكومة المغربية حول مؤشرات النمو والتحكم في التضخم، إلا أنّ الواقع يكشف عن فشل بنيوي في إدماج جيل "Z" ضمن مشروع وطني جامع. فهذه الحكومة، مثل سابقاتها، لم تستطع الانتقال من منطق التدبير التقني إلى منطق الفعل الرمزي، إذ ظلّت سياساتها موجّهة بالأرقام لا بالمعاني، وبالمؤشرات الماكرو-اقتصادية لا بالاحتياجات المايكرو-اجتماعية التي تشكّل وعي الشباب اليومي. فالجيل الذي يعيش في فضاء رقمي مفتوح لا يمكن مخاطبته بلغة الخُطب الرسمية ولا عبر حملات ظرفية، بل يحتاج إلى مشروع يُشعره بأنه جزء من مشروع وطني متجدد، لا مجرّد متفرج على وعود مؤجلة. إنّ العطب الحقيقي لا يكمن فقط في ضعف التواصل الحكومي، بل في غياب رؤية إدماجية ومندمجةتأخذ بعين الاعتبار البعد السيميائي والنفسي والثقافي لهذا الجيل. فالدولة التي تفشل في بناء لغة مشتركة مع شبابها تفقد قدرتها على إنتاج المعنى، أي على بناء الثقة. وهكذا، يتحوّل جيل "Z" إلى مرآة تعكس حدود الحكامة القائمة، إذ لم يعد يُقاس نجاح السياسات العمومية بما تُحقّقه من نسب نمو، بل بقدرتها على تجديد العقد الرمزي بين المواطن والدولة. وتكشف القراءة السيميائية للمسارالراهن الشجب من لدن شباب المغرب أن السلمية ليست مجرد معطى عفوي، بل هي نتاج شبكة من العلامات والوسطاء الذين يضبطون التمثلات ويوجهون الطاقات. وإذا كانت "حركة عشرين فبراير" قد حافظت على رمزيتها السلمية بفضل حضور قنوات وسيطة من جمعيات وأحزاب، فإن الحركات الراهنة تبدو أسيرة لانفعالات "الجمهور النفسي"، حيث يغيب التأطير وتطفو العلامات غير المنضبطة على سطح المجال العمومي. فالفارق بين الحركتين لا يكمن فقط في غياب الوسطاء، بل في طبيعة المخيال السياسي نفسه. كانت حركة عشرين فبراير، رغم تنوعها، لا تزال مدفوعة بزخم "الربيع العربي" وبقايا السرديات الكبرى كالإصلاح الديمقراطي، العدالة الاجتماعية والكرامة. أما جيل "Z" فيبدو أنه يتحرك في عالم ما بعد الإيديولوجي، حيث انهارت الروايات الجامعة وحلت محلها شظايا من المطالب الفئوية والشخصية. لقد نشأ هذا الجيل وهو يرى النتائج المأساوية لثورات الأمس، مما قد يفسر نزعته نحو التعبير الفردي والساخر والرافض للتنظيم الهرمي. إذا كانت حركة عشرين فبراير تسعى ل"إصلاح النظام"، فإن قطاعات من جيل "Z" تتصرف وكأنها تريد تجاهل النظام وبناء عالم موازٍ في الفضاء الرقمي، وهذه قطيعة استراتيجية وفلسفية عميقة. من هنا، يصبح تجاوز هذا الوضع مرهوناً إما بإنتاج علامات تنظيمية جديدة – على شكل لجان تفاوضية قادرة على تأويل المطالب وصياغتها في خطاب جامع – أو بوقف الدعوات غير المؤطرة التي تنذر بانزلاق العلامات من فضاء المعنى إلى فضاء رمادي يتميز باضطراب الدلالات، و الجدير بالذكر هنا هو الغياب الصارخ للمجتمع المدني. فجيل "Z " المغربي لا يُقرأ فقط باعتباره جيلاً محبطاً، لكن كعلامة على أزمة معنى وصراع رمزي أعمق. فمطالبه تحمل شرعية دلالية لا يختلف حولها أحد، لكن أنماط التعبير وما صاحبها من الانزلاقات الأخيرة تهدد بتقويض القيمة الدلالية لهذه المطالب. فما هو مطلوب إذن ليس قمع العلامات ولا تركها في "فوضى الدوال"، بل إدماجها في عملية إعادة كتابة العقد الاجتماعي، عبر فتح قنوات حوار حقيقية، وتمكين اقتصادي ملموس، والاعتراف بلغتهم الرقمية والدارجة كوسائط شرعية لإنتاج المعنى. لكنّ القراءة السيميائية لهذه التحركات تفضي إلى جملة من الملاحظات الجوهرية التي لا يمكن إغفالها: غياب القيادة المعلَنة وانخراط الحركة في نمط من العمل الغامض الذي يقترب أحياناً من أسلوب الجماعات السرية أو الطوائف، وهو ما يزرع الشكّ في نفوس المواطنين ويُضعف الثقة في مشروعية المطالب. بروز تناقضات عديدة بين الخطاب والممارسة، وبين العريضة المرفوعة والسلوكيات الميدانية التي انزلقت أحياناً إلى العنف والتخريب. وجود قصور واضح في التأطير والتنظيم، حيث يغيب التخطيط الواعي ويحلّ محلّه ارتجال انفعالي، مدعوم بخطاب طفولي أو شعارات سطحية، مع استيراد غير مدروس لرموز وسيمات أجنبية لا تنسجم مع السياق المغربي. طغيان نزعة الإنكار والتصلّب تجاه الرأي الآخر،خاصة الأجيال السابقة، مما يحرم الحركة من إمكانيات الحوار ويزيد من هشاشتها. والأهم، أنّ كل هذه الثغرات تجعل الحركة في وضع قابلية عالية للاختراق، سواء عبر التوجيه الخارجي أو عبر توظيفها كأداة في صراعات إقليمية ودولية لا علاقة مباشرة لها بمطالب الشباب. بهذا المعنى، فإنّ التحدّي الأكبر لا يكمن فقط في معالجة مسببات الاحتجاج داخلياً، بل أيضاً في تحصين الساحة الوطنية ضد محاولات الاستدراج الرمزي والتوظيف الخارجي، بما يحفظ للمغرب استقراره ومساره الإصلاحي. فمجموعة "Z" ليس صورة للضياع ولا أسطورة خلاص، بل هو كيان مجتمعي وسيميائي معقّد يختزن طاقات إبداعية قابلة للتوجيه ونقاط هشاشة قابلة للمعالجة. الرهان السيميائي في هذه الحالة، هو تحويل هذه الطاقة من مجرد دوال متنافرة إلى منظومة علامات قادرة على إنتاج معنى جماعي جديد، عبر شراكة متوازنة بين هذا الجيل ومؤسسات الدولة. إن لم يتحقق ذلك، ستظل الاحتجاجات محكومة بانفعالات جماعية وعنف غير مؤطر، أي أسيرة "فوضى العلامات"، في حين أن البلاد تضيع بذلك فرصة ثمينة لتحويل هذه الطاقة السيميائية إلى قوة بناء وإبداع. فهذا الجيل ليس جيلاً ضائعا أو تائهاً، بل هو جيل يبحث عن معنى في عالم أفقده المعنى. الخيار اليوم لم يعد بين النظام والعشوائية، فالأمر لا يقتصر على فهم الرموز فحسب، بل على تطوير استراتيجية وطنية تضمن تكامل الجيل الجديد في بناء مستقبل المغرب، فمعركة إعادة بناء المعنى قد بدأت، وحان الوقت لتحديد آليات التقويم والتأطير لضمان الصيرورة. إن معالجة الشرخ بين الجيل "Z" والمؤسسات تتطلب منطقيا الانتقال من التشخيص إلى : تعزيز التربية الإعلامية والرقمية: دمج مناهج تعلم مهارات التحقق من المعلومات والنقد الرقمي ضمن المنظومة التعليمية، لتمكين الشباب من مواجهة "فوضى العلامات". قنوات حوار مؤسسية مبتكرة: إنشاء منصات حوار دائمة بين ممثلي هذا الجيل وصناع القرار، تتسم بالشفافية وتستمع للمطالب بعيداً عن الأشكال التقليدية التي أثبتت عدم جدواها. تمكين اقتصادي حقيقي: دعم ريادة الأعمال الرقمية والإبداعية عبر تمويل ميسر وبرامج إرشاد، والاستثمار في القطاعات الواعدة التي توفر فرص عمل تلائم تطلعاتهم ومهاراتهم. مراجعة الخطاب الرسمي: تطوير لغة اتصال جديدة من قبل المؤسسات، تعترف بلغة الجيل الرقمية والدارجة كلغات شرعية للحوار، وتقدم إنجازات الدولة بصورة واقعية لا تتجاهل التحديات. دور الأسرة والمجتمع المدني: تطوير برامج توعية للأسر لفهم العالم الرقمي ودورهم التوجيهي الجديد، ودعم جمعيات قادرة على تأطير طاقات الشباب وتوجيهها قيمياً. وأختم مقالي بالقول إنّ التمغربيت الأصيلة هي الحصن المنيع ضد التطرف والانشطار الهوياتي والاغتراب المعرفي وخصوصا ضد الدوال المستوردة، حتى يتسنى تسليم المشعل لخلفٍ واعٍ ومسؤول، قادرٍ على صون الموروث الثقافي والنضالي والهوياتي وتطويره دون تحويل الانتقال إلى قهقرة. "فإعادة بناء المعنى ليست ترفًا فكريًا، بل شرط وجودي لمغربٍ جديدٍ يستطيع تحويل قلق شبابه إلى طاقة نهضة." الآراء الواردة في مقالات الرأي تعبر عن مواقف كاتبيها وليس على الخط التحريري لمؤسسة الصحيفة