في زمنٍ ظنّت فيه السلطة أن الشباب غارقون في اللهو واللامبالاة، خرج جيل Z ليعيد رسم الخريطة. جيلٌ قيل عنه إنه "تالف"، "ضائع"، و"ميت سياسيًا"، فإذا به يفرض نفسه على الساحة، متسلّحًا بالإنترنت بدل الأحزاب، وبالمبادرة بدل الشعارات في جو يختلط فيه الترقب والخوف والانتظار والاستبشار والحيطة والحذر...
تترقب قطاعات واسعة من الرأي العام ما ستسفر عنه دعوة جيل Z اليوم وغداً للتظاهر في ربوع المملكة، احتجاجًا على انهيار القطاعين الصحي والتعليمي، والمطالبة بمحاربة الفساد وإصلاح القضاء والنهوض بالبلاد. كالعادة، تحركت السلطة بالوسائل التقليدية القديمة لمنع التظاهرات: استدعاء بعض الناشطين للتحقيق، منع الخروج بقرارات صريحة من القياد والباشوات، إطلاق سلسلة من الأخبار والتعليقات والصور التي تشوّه الدعوة وأصحابها، فتربطهم بالانفصال تارة وبالمؤامرات التي تستهدف الاستقرار تارة أخرى. أما جيل Z، فإنه يتصرف بطريقة مختلفة تمامًا، يمكن تسميتها ب"المنهجية 2.0"، أي طريقة جيل الإنترنت الذي يعتمد في حركته ونمط تواصله وطريقة تفكيره على الشبكة والتشبيك والتواصل عبر منصات التواصل الاجتماعي وصياغة الأفكار والمبادرات جماعيا وتفاعليا وبواسطة التقنيات الرقمية والذكاء الاصطناعي . 1. جيل بلا أيديولوجيا لنبدأ من التسمية Génération Z على تطبيق Discover: لا أيديولوجيا، لا شعار سياسي، لا هوية عقدية ولا عنوان فكري... مجرد عنوان لعمر، لجيل بكل مكوناته. وهذا يكشف نفور هذا الجيل من العناوين القديمة الأيديولوجية والدينية والسياسية. إنه يخاطب المجتمع والدولة باسم "جيل"، وليس باسم حزب أو نقابة أو جماعة. وهنا تكمن قوته: إنه جيل عابر للطبقات الاجتماعية والانتماءات الإيديولوجية، ما يمنحه قوة تعبوية أكبر مما لو كان يحمل شعارًا أو برنامجًا سياسيًا ضيقًا. 2. الفضاء العام بدل المؤسسات بدعوته للتظاهر في الساحات العمومية نهاية هذا الأسبوع، يراهن جيل Z على امتلاك الفضاء العام للتعبير عن رأيه، متجاوزًا القنوات التقليدية كالأحزاب والنقابات والبرلمان والجمعيات. كما يوضح الباحث محمد الطوزي في تحليله للحركات الاجتماعية: "حين تتراكم اختلالات اليد الاجتماعية للدولة (مستشفيات/مدارس/ماء)، تتجه الطاقة المطلبية إلى الشارع كقناة تفاوض اجتماعي خارج المؤسسات، ما دامت هذه المؤسسات عاجزة عن الاستيعاب أو إعطاء وعد أو حتى أمل بالاستجابة". 3. جيل غير مرئي طالما كان جيل Z خارج حسابات الدولة والأحزاب والنقابات، التي اعتبرته جيلًا "ميتًا سياسيًا"، أو صغيرًا لا يقدر على شيء، أو ضائعًا بلا اهتمام بالشأن العام، أو جيلًا لاهيا لا يهتم سوى بالرياضة والفن والترفيه. هذه الكليشيهات جعلت منه جيلًا غير مرئي للأجيال الأكبر، وهو ما يفسر خطورته اليوم، إذ لا تعرف السلطة الطريقة المثلى للتعامل معه. 4. برنامج واضح ومطالب محددة من خلال برنامجه البسيط (الصحة، التعليم، محاربة الفساد، إصلاح القضاء)، يبرهن جيل Z أنه يعرف ما يريد، ويشخص أعطاب دولته، ويعي أن ما يسمعه من الحكومة من وعود وإنجازات ليس سوى كذبًا و"Fake". لذلك حمل نفسه وآماله وآلامه وخرج إلى الشارع ليُسمع صوته. إنه جيل يتفاعل مع قضايا واقعه، يعيش زمنه، يتأثر بما يجري داخليًا وخارجيًا، ويمتلك حس المبادرة والتنظيم والتأطير، بل وحس المسؤولية. فقد دعا رموزه (وهم غير معروفين) إلى تظاهرات سلمية وحضارية بلا عنف ولا تخريب. بعضهم أكد أنهم يتحركون تحت سقف الثوابت الدستورية، وأن حركتهم إصلاحية لا ثورية، وأنهم، وإن خرجوا خارج الأطر السياسية التقليدية الميتة، لا يريدون سوى الإصلاح ما استطاعوا اليه سبيلا . السياسة مثل الطبيعة لا تقبل الفراغ. وسوء الأوضاع في البلاد بلغ درجة أيقظت هذا الجيل الذي كان نائمًا سياسيًا، مشغولًا اجتماعيًا، لكنه ليس غائبا عن معاناة كل فئات المجتمع . هذه إشارة يجب أن تلتقطها الدولة قبل فوات الأوان. سواء نجحت هذه الدعوة إلى حراك اجتماعي جديد أم لا ،سواء امتلك شباب Z الشجاعة للوقوف أمام السلطة أم لا ،فان الجزء الأهم من المبادرة تحقق قبل حتى ان يحين موعدها، والاهم في هذه الرجة السياسية هو ان المجتمع المغربي يئن ،وجل المغاربة لم يعد في نفوسهم وعقولهم رصيد إضافي من الصبر ومن الأمل ومن الحلم... وان الدولة يجب ان تتحرك بأسرع وقت ممكن، وان الأمر يتجاوز حكومة وبرلمانا وأحزابا ونقابات ... دعوة جيل Z ليست مجرد احتجاج عابر، بل دليل على نضج مجتمع بدأت رجله تكبر على مقاس الحذاء الخشبي الذي صُنع له منذ الاستقلال. الحذاء الخشبي كان تقنية في الصين القديمة للتحكم في نمو أقدام الفتيات لتبقى صغيرة حسب مواصفات الجمال في ذلك الزمن ، فصار الحذاء الخشبي هذا رمزًا لسياسة التحكم القسري في نمو المجتمعات. والسؤال الآن: هل حان وقت كسر الحذاء الخشبي المغربي؟