في صيف عام 1981، وفي ذروة ما عُرف ب«سنوات الرصاص» في المغرب، نشرت جريدة لوموند الفرنسية مقالا وقّعه عالم الرياضيات الفرنسي الشهير لوران شفارتز، الحائز على ميدالية فيلدز، دعا فيه إلى الإفراج عن المعتقل السياسي سيون أسيدون الذي كان حينها قد أمضى تسع سنوات من حكم بالسجن خمسة عشر عامًا. يستعيد هذا النص اليوم راهنيته، بمناسبة رحيل سيون أسيدون يوم الجمعة 7 نونبر 2025، باعتباره وثيقة نادرة تعكس تضامن النخبة الفكرية والعلمية الدولية مع ضحايا القمع السياسي في المغرب خلال عقد السبعينيات، كما تذكّر بالأثمان الباهظة التي دفعها جيل كامل من المناضلين دفاعًا عن حرية الرأي والكرامة الإنسانية.
بعد خروجه من السجن، واصل سيون أسيدون نضاله من موقع المثقف الملتزم، فشارك في تأسيس مبادرات حقوقية ومدنية عديدة، وكرّس حياته للدفاع عن القضايا العادلة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية ومناهضة الفساد والاستبداد في المغرب. تحوّل مناضل الأمس إلى أحد أبرز الأصوات الأخلاقية في الفضاء العمومي المغربي، وظلّ حتى أيامه الأخيرة مرجعًا في النزاهة الفكرية والصلابة المبدئية. إعادة نشر هذا المقال اليوم ليست مجرد استذكارٍ لتاريخ مؤلم، بل تحيةٌ لرمزٍ إنسانيٍّ جسّد في حياته فكرة أن الحرية لا تُمنح، بل تُنتزع، وأن الشجاعة الأخلاقية تظلّ أسمى أشكال النضال. النص الكامل لمقال لوران شفارتز (لوموند، 6 يونيو 1981) سيون أسيدون يبلغ من العمر اثنين وثلاثين عامًا، وقد أمضى تسع سنوات في السجن. وهو مغربي درس الرياضيات وعمل مدرسًا. متزوج ثم منفصل عن زوجته، وله ابنة في نفس عمر سجنه تعيش في فرنسا. أُلقي القبض عليه في 23 فبراير 1972، إلى جانب العشرات من نشطاء اليسار المتطرف، ولم يُسجن إلا في 9 مارس، وخلال تلك الفترة تعرّض للتعذيب واحتفظ بآثاره الدائمة. حُوكم المتهمون الثمانية والأربعون في الدارالبيضاء في أغسطس 1973، في محاكمة علنية حضرها محامون من نقابة باريس وأعضاء من الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان وآخرون. لكن التهم استندت إلى «جريمة رأي» — أي أفعال تهدف إلى التحريض على الإضرابات وتغيير النظام — فيما اعتبر المتهمون العناصر المادية (زجاجة مولوتوف، مسدس) استفزازات من الشرطة التي لم تقدّم أي دليل مقنع. وقد تبنت منظمة العفو الدولية قضية جميع هؤلاء المتهمين منذ البداية. في لائحة اتهام سيون أسيدون: تطوير آلتين للطباعة وطباعة ثلاثة منشورات. حُكم عليه بالسجن خمس عشرة سنة، قضى تسعًا منها في ظروف قاسية للغاية، باستثناء الأشهر الأخيرة. حتى إن البروفيسور ألكسندر مينكوفسكي أوصى بإدخاله المستشفى أثناء فحصٍ طبي. ومع ذلك، مُنح حق العمل واجتياز الامتحانات الجامعية، فحصل على ما يعادل درجة الماجستير في الرياضيات وبداية الدراسات العليا، إضافةً إلى إجازة في الاقتصاد. في صيف 1979، نُقل إلى المستشفى. هرب من هناك مع سجينين آخرين؛ أُلقي القبض على اثنين وتوفي الثالث عرضيًا أثناء الهروب. وبعد تعذيبه مجددًا (سُحق غضروف إصبعه وتعرض لتمزق في طبلة أذنه) حُكم عليه بثلاث سنوات إضافية. ولو قضى كامل المدة لخرج من السجن في الثانية والأربعين من عمره بعد ثمانية عشر عامًا من الاعتقال. إن رسائله إلى عائلته وأصدقائه مشبعة بشجاعة وتفاؤل استثنائيين، وبحبٍ للحياة والطبيعة التي لم يرها إلا نادرًا. من المستحيل أن يُترك لمصيره في صمتٍ وفي غياهب النسيان العالمي. بالإضافة إلى الجمعيات الدولية والأفراد، تدخلت لجنة علماء الرياضيات المعروفة بعملها الإنساني في بلدان عدة كالاتحاد السوفياتي وأوروغواي وسلّمت رسالة موقّعة من أربعمائة عالم رياضيات فرنسي إلى السفارة المغربية في باريس تطالب بالإفراج عنه. وفي يوليو 1980، تم اتخاذ خطوات مشابهة أثارت آمالًا كبيرة؛ تحسّنت ظروف السجن وأُفرج عن تسعة وثمانين سجينًا سياسيًا، وانتشرت شائعات حول إطلاق سراحٍ وشيك للجميع، لكن تلك الآمال سرعان ما تبددت. استقبل السفير المغربي في باريس وفدًا من لجنة علماء الرياضيات ضمّ الأكاديميين هنري كارتان، غوستاف شوكيه، جان ديودوني، وكاتب هذه السطور بحفاوة، ووعد بنقل مخاوفنا الإنسانية وإبلاغنا بأي تطورات. غير أن شيئًا لم يتحقق. أشعر شخصيًا بأن لي الحق في التدخل أكثر من أي وقت مضى، فقد تظاهرتُ ذات يوم ضد الحكومة الفرنسية دعمًا لوالد الملك الحسن الثاني، السلطان محمد الخامس، أثناء منفاه بمدغشقر، ومن أجل استقلال المغرب. فعل العديد من المثقفين والمنظمات الديمقراطية الشيء نفسه، وساهموا في استقلال المغرب. هذا لا يمنحهم حقوقًا على المغرب، لكنه يتيح لهم اليوم أن يستندوا إلى ما فعلوه حينذاك للمطالبة بالإفراج عن مائة وخمسين سجينًا سياسيًا. لقد حظيت لجنة علماء الرياضيات، في جهودها لصالح سيون أسيدون، بدعم البروفيسور شارل أندريه جوليان، مؤسس وعميد كلية الآداب بالرباط سابقًا، الذي ظلّ مرتبطًا بعمق بالطلاب المغاربة. يرغب علماء الرياضيات الفرنسيون بشدّة في تعزيز التعاون العلمي مع المغرب وهذا التعاون قائم بالفعل، ويمكن تطويره لكن كيف يمكننا أن نزور المغرب ونلقي المحاضرات ونناقش الأطروحات ثم نعود متناسين علماء رياضيات مسجونين هناك؟ المغرب بلدٌ عظيم بتاريخه ودوره السياسي الواعد على الساحة الدولية، ولا يمكن أن يضطلع بهذا الدور على أكمل وجه إلا بتوافقٍ واسع داخل الرأي العام وصورةٍ إيجابية في الخارج. لذلك نأمل أن تُتخذ الإجراءات التحررية التي ينتظرها الجميع، ونطالب بالإفراج عن سيون أسيدون. نُشر هذا المقال لأول مرة في جريدة «لوموند» الفرنسية، عدد 6 يونيو 1981، بقلم لوران شفارتز.