سيون أسيدون.. رجل الأعمال الشيوعي واليهودي المدافع الصلب عن القضية الفلسطينية رغم كونه ينحدر من عائلة رأسمالية وأب يملك شركة كبيرة متخصصة في ميدان التفاوض التجاري والاستيراد والتصنيع، فمسار الرجل الشخصي والمهني لم يكن عبارة عن مسار خطي، وإنما اتخذ منعرجات كثيرة من امتهان التدريس في مادة الرياضيات، مرورا بفترة اعتقال طويلة في سجون الدارالبيضاء قبل أن ينتهي به المطاف إلى التربع على رأس شركة تعمل في التجارة والتصنيع وتشغل مئات الأشخاص. هو سيون أسيدون، اسمه يدل على انتماءه العائلي إلى الديانة اليهودية، لكنه من اشد أعداء الصهيونية وأحد أكبر المناصرين للقضية الفلسطينية. فهو متزوج بفلسطينية تحمل الجنسية الأمريكية وأب لطفلين. انخرط في الحركة من أجل مناهضة الصهيونية حيث جعلت منه مواقفه المتميزة حول التعصب الديني، وحول الصهيونية بالذات، ومناصرته للقضية الفلسطينية أحد أشهر اليهود المغاربة عبر العالم. ازداد سيون سنة 1984 بأكادير. ورغم كونه ينحدر من عائلة يهودية رأسمالية فقد امتهن تدريس مادة الرياضيات وتشبع بالفكر الشيوعي الذي دفع به إلى الانخراط في الحركة الماركسية- اللينينية نهاية الستينيات وبداية السبعينيات من القرن الماضي إلى أن تم اعتقاله في إطار الحملة التي شملت عددا من نشطاء اليسار بالمغرب. اعتقل أسيدون من 1972 إلى 1984 واقتيد إلى «دارالمقري»، الذي كان عبارة عن معتقل سري خلال سنوات الرصاص، ليمكث فيها 17 يوما قبل أن يحول إلى سجن غبيلة بالدارالبيضاء حيث خاض مع 52 معتقلا آخر إضرابا طويلا ليمنحوا صفة معتقلين سياسيين. دبر مع أثنين من المعتقلين محاولة فرار من السجن .لكن أحدهم، وهو جبيهة رحال، سقط من الطابق الخامس وتوفي على الفور فيما ضل الآخران طليقين لمدة اربعة ايام قبل أن يلقى عليهما القبض من جديد. بذل أسيدون مجهودا جبارا في تعلم اللغة العربية ودرس ابن خلدون في النص الأصلي لمؤلفاته كما اهتم بدراسة التاريخ الإسلامي. يتذكر أن المرحلة التي كانوا فيها في السجن المركزي بالقنيطرة شجعته الظروف الجيدة هناك على القيام بالعديد من الأعمال ومنها الحصول على الإجازة في الاقتصاد. كون هذا الرجل مقاولا ورجل أعمال لم يمنعه من الانخراط في النضال السياسي والجمعوي. يقول اسيدون في هذا الصدد أن « يونيو 67 هي التي فتحت عيني على الأكاذيب الصهيونية، وعلى أسطورة «الضحية» التي يحاولون دائماً تغطية أعمالهم العدوانية بها». ويضيف أن «سنة 1948 هي سنة ميلادي، لكني لم أولد مناهضاً للصهيونية، حيث نشأت في عائلةٍ مغربية يهودية، وبما أن آبائي لا صلة لهم بالفكر الشيوعي، فقد مرت سنوات قبل أن أُصدم وأخرج اضطراراً من قالب النظرة المكتسبة ومن الإحساس المبتذل ل«التضامن الطائفي»». ويضيف أسيدون أن مما جعل هذا التحول ممكنا هو «اطلاعي مبكراً على منشورات كارل ماركس، والانجذاب (النظري المحض آنذاك) نحو الشيوعية، إذ لم أستوعب منها إلا ما كانت تسمح به تنشئتي: الطموح إلى العدل والمساواة، فلم أفهم قبل وقت طويل أن الشيوعية أوسع بكثير من هذا الطموح، بل هي «معركة الأغلبية الساحقة لمصلحة الأغلبية الساحقة»». « كما أنني، يقول اسيدون، اكتشفت في وقت مبكر أن الصهيونية ليست حلا للمسألة اليهودية، بل هي أسوأ إجابة لها». سنة 1986 وبعد خروجه من السجن عمل بمقاولة لاحد أصدقائه، والحقيقة أن هذا الأخير كان يشغل عددا كبيرا من المعتقلين السياسيين من اليسار الماركسي الذين افرج عنهم. لكن اسيدون سرعان ما قرر عدم الارتباط بأي كان في مجال الشغل. فأسس شركة خاصة تعمل في قطاع المعلوميات قبل أن يأخذ، بعد وفاة والده، بزمام المقاولة العائلية التي تحمل الإسم العائلي «اسيدون» والتي تشغل أزيد من مائة مستخدم في مجال التفاوض التجاري والاستيراد والتصدير. في سنة 1996 أسس بمعية آخرين هيئة تعنى برصد مظاهر الرشوة بالمغرب والتي أصبحت فيما بعد «ترانسبارنسي/المغرب»، وهي فرع لترانسبارنسي/الدولية حيث ترأس مكتبها التنفيذي إلى حدود سنة 2000 ليترك المجال لآخرين فيما ظل عضوا بمجلسها الإداري.