كتب الفيلسوف البريطاني راسل كتابه (غير المشهور): "في مدح الكسل"، وخلاصته ان العصور الوسطى كان الكسل ضروريا لتحقيق امتيازات لطبقة النبلاء والتي ساهمت في تطوير مجالات علمية مهمة، فأتى العصر الصناعي نتيجة لذلك، لتتلاشى الفروقات بعده وتظهر المنافسة الشرسة بين الناس في مختلف المجالات ، فمن لا يستطيع أن يدخل في هذا المضمار فعليه أن يقبل بالخسارة والموت، فما علاقة الكسل والتكاسل والكسالى بإعلامنا الرياضي؟ تتولى النجاحات الرياضية الخاصة بالفرق الوطنية المغربية، ومن مختلف الاعمار والأصناف، صعودا في النجومية وإعلاء للنشيد والعلم الوطني بين الأوطان والعواصم، وتتولى مع هذا الازدهار الرياضي تكلس وتدهور الصحافة الرياضية الرسمية المغربية، حيث يلاحظ المتتبع تقهقرا في عطائها وتفاعلها الاحترافي مع الأحداث الرياضية التي تشهدها فرقنا الوطنية، وللأسف نلحظ تأخرا في تفاعل وتتبع القنوات الرياضية الرسمية لهذا النمو، وتأخر البرامج الخاصة بالرياضة في حسن التفاعل مع هذه التحولات الإيجابية التي يعيش على وقعها المواطن المغربي، فبدل أن يكون منحى التتبع والمتابعة والتغطية والانسجام بين عطاء نجومنا في مختلف الأصناف الرياضية خصوصا كرة القدم والاعلام الرياضي الرسمي، نرى تأخرا في وضمورا وكسلا غير مبرر . فهل الأمر يرجع لقلة التكوين والتدريب والكفاءة ؟ أم ان هنالك صراعا بين الأقسام والأطر الصحفية التي تعمل في هذا المجال، مما جعل هذا الصراع يتحول لبؤس يرمي بظلاله علينا وعلى العطاء والتفاعل مع الفعاليات القارية والدولية التي تشهدها بلادنا؟ ولما لا نشهد ريادة ونموا وإبداعا في مجال الكتابة والصالونات التحليلية، والتعليق الرياضي والمتابعة الأنية؛ لما يقع في هذا المجال بشكل يحترم المنجز الرياضي المغربي، ويسوق له بطريقة حديثة وبجودة؟ لأنه لا يكفي ممارسة الصحافة الرياضية في هذا العصر بالعقلية القديمة، والتي تقف على نشرة يتيمة أو ملخص رياضي في سطر عن كل حدث، أو المرور بتعليق هاتفي على تظاهرة عالمية أو قارية .. لقد ألفنا كجمهور متتبع من الإعلام الرسمي الكسل في انجاز وتقديم البرامج السياسية والثقافية والشبابية..، والضن الشديد بها علينا إلا في أوقات موسمية أو كون بعض المجتهدين منهم يطل علينا بها مدعيا التحديث والانفتاح، خصوصا في أوقات الأزمات والضغوط الشعبية، كما في حراك الريف أو حراك 20 فبراير أو فقدان طفل ريان او حراك جيل genz ..، وإن أمسى هذا الامر من المسلمات في الميادين الإعلامية السابقة الذكر، فلن يكون هذا مسلما به في مجال الرياضة التي فيها استثمارات ضخمة وجمهورا من مختلف الاعمار وتنافسا شديدا وابداعا منقطع النظير، ونقدا لاذعا للعاملين فيه. إن هذه الأسئلة تبعث على الريبة والشك لتجعلنا نسأل المسؤولين؛ هل فعلا نملك صحافة رياضية ؟ كما نسائل الكفاءة والتحديث الذي يجب أن يكون عليه الاعلام الرياضي الرسمي على وجه الخصوص ونحن نتتبع البرامج على قنواتنا الاخبارية أو ما نملكه من قنوات رياضية تمارس مهنة الصحافة ببؤس كأنها مجبرة على أن تصنف رياضية!! وكذلك تدفع لمساءلة كل المتدخلين في هذا المجال من وزراءة ومدراء ورؤساء أقسام وصحفيين وتقنيين..، لكون هذه الصحافة ممولة بملايير من الدراهم من جيوب الشعب، وقد اطلعت بالصدفة على تقارير تتحدث عن تجاوزات واختلال في دفتر التحملات وتلاعبا في صفقات الاجهزة الخاصة بالبث الرياضي؟ فكيف نعد ملاعب واشهارات وفرقا رياضية تقدم صورة طيبة عن بلدنا ثم نكسر ونسيء لهذه الصورة بإعلام مهترئ وكفاءة تقليدية وبرامج تحليلية ومعلقين لايبذلون جهدا لتطوير أنسفهم و لا يشجعون أغلب الجمهور المغربي على تتبع تعليقهم على مقابلة يشارك فيها المنتخب المغربي، بل يدفعون بأكثرهم للبحث عن معلقين عرب آخرين، فلما يبقى إعلامنا عالقا في عقلية العصر الفيكتوري. إن المشاهدين أحرار وأذكياء وهم كذلك يتمتعون بالروح الوطنية ولهم الحق قي المقارنة بين برامج اعلامهم الوطني وبين بقية المنافسين، لذلك ينتقلون من قناة رياضية لآخرى في عصر المنافسة والانفتاح الاعلامي ، ولا عذر في القول ان الاعلام الرسمي يجب عليه ان يتأخر عن الاعلام الرياضي الخاص، بحكم التمويل والكفاءة، ونحن نلاحظ قنوات رياضية رسمية لدول مغاربية وخليجية تحقق نسبة مشاهدات عالية جدا، لكونها ذات عرض جيد وكفاءة عالية، وتوظف جميع المنصات لتقديم بثها وتتفاعل مع جمهورها مباشرة بالاستضافة والجوائز واستقبال ضيوف من مختلف الحساسيات الرياضية في التحليل، وتقدم محتوى متقدم، ونقاش يحترم ذكاء المشاهدين والجمهور، فمتى سيحترم الاعلام الرياضي الرسمي المغربي ذكاء الجمهور المغربي؟ ويقدر الميزانيات التي تصرف عليه من ضرائبهم؟ وتراقب صفقاته وتنمى كفاءات نسائه ورجاله وتقدر ؟ هذه الأسئلة ان لم تجد لها جوابا في التظاهرة الرياضية الافريقية التي ينظمها المغرب (خلال هذا الشهر على الاقل) مقارنة بما قدمه الاعلام الرسمي الخليجي في كأس العرب ، فلا ننتظر لها جوابا في المقبل من التظاهرات العالمية الاخرى ، لانه لا مجال بعدها لكي نسارع الزمان لنطوره ونقيم بتحديثه لينافس الاعلام الاوربي الحديث والمتقدم مع إطلالة كأس العالم 2030م. بالاحرى، الأولى أن يتم انهاء أوزاره المالية وتبعاته الادارية ومثالبه المهنية والأخلاقية والاكتفاء بإعلام الجيران أو تفويض البث الرياضي الوطني لقنوات أجنبية كما قطاع النقل وغيرها !. وأرفق هذه المقالة بمثال نجاح من البرامج التي تقدمها قناة الكاس القطرية " المجلس" من تنشيط خالد جاسم، حيث حققت هذه القناة أعلى مشاهدات لها في كاس العرب منافسة مجموعة قنوات BEING SPORT وحيث قدمت برامج تحليلة ومتابعات مهمة، كما استضافوا ضيوفا من الجمهور والمؤثرين والمحلليين وسوقوا سياحيا لبلدهم قطر، ونشطوا بشكل مذهل فترة المنافسة ببلدهم؛ بكفاءة ومهنية واحتراف يتناسب والتظاهرة الكروية العربية.