عبدالحكيم الرويضي 15 يونيو, 2016 - 04:47:00 تفرض التغيرات المناخية، التي تشهدها الأرض منذ العقود الأخيرة، تحديات كبيرة أمام الدول النامية، إذ تؤدي إلى عواقب اقتصادية واجتماعية وخيمة، وغالبا ما تعجز البلدان على إدارتها بسبب بنيتها التحتية الهشة. وفقا لتقرير أعده فريق من الخبراء والباحثين، بدعم من مؤسسة "هاينريش بول" في شمال أفريقيا، يعد المغرب ضمن البلدان الأكثر تضررا من نتائج الكوارث الطبيعية، وقد عرف منذ ثمانينات القرن الماضي تقلبات مناخية، خصوصا تلك المرتبطة بانحباس المطر وتوالي سنوات الجفاف، وتساقط الأمطار الغزيرة التي تتحول في ظرف قياسي إلى سيُول قاتلة ومُدمرة، وهو ما حدث بالضبط قبل سنتين في تزنيت، حيث عرف الإقليم فيضانات غير مسبوقة. مئات القرى دُمرت كليا في غضون أسبوع أكد التقرير الصادر تحت عنوان" تزنيت ..وتحديات الإدارة الحضرية لمخاطر المناخ"، إن مخاطر التغييرات المناخية التي تواجهها مختلف جهات المملكة، خصوصا المناطق القروية، تفرض بالضرورة إعادة النظر في طريقة تصميم التجمعات السكانية. ويضيف التقرير الذي ساهم في إنجازه مهندسون وعلماء اجتماع وخبراء المناطق الحضرية بالإضافة إلى فريق من الطلبة المتدربين، أن ما حدث في تزنيت خلال نونبر 2014، يزيد من الوعي بالحاجة الملحة لإحداث آلية فعالة تعنى بإدارة الأزمات والكوارث البيئية. على الرغم من عدم وجود إحصاءات رسمية، قدّر التقرير، أنه في غضون أسبوع واحد من هطول الأمطار، دُمرت مئات القرى كليا في جنوب المغرب، وظلت عدة أسابيع في عزلة تامة، غير قادرة على التواصل مع الخارج، علما أن التواجد بهذه المناطق خلال تلك الفترة يعد أمرا خطيرا للغاية. وخلال زيارة الفريق البحثي لاقليم تزنيت في دجنبر 2014، كانت آثار صعود المياه لاتزال ظاهرة على الجدران، حيث وصل ارتفاعها إلى 1.20 متر، وغمرت بذلك الطوابق الأرضية للمنشآت، علاوة على دمار جزء مهم من السور التاريخي التي تشتهر به المدينة، وتم بذلك تحديدها موقعا للتراث العالمي من طرف اليونيسكو سنة 1933. ودمرت الفيضانات 850 منزلا، أسفرت عن تشرد 2500 شخص، خصوصا بالمدينة العتيقة التي تعرف عددا كبيرا من المنازل الآيلة للسقوط. وجرفت السيُول 100 مسكن بسيط بقرية "آكلو" نواحي تزنيت، حيث أسفرت الفيضانات عن تدمير المنشآت والطرق وشبكة الكهرباء، وتضررت المنتجات الزراعية بعدما غمرت المياه كل الأراضي. وفي زاوية "سيدي وكاك" الواقعة بجانب الوادي (تبعد 10 كلم عن تزنيت) غمرت المياه المسجد ومقر الزاوية وأتلفت الكتب المحفوظة والمخطوطات. الفقر كان عاملا رئيسيا في مضاعفة مخاطر الفيضانات وأكد التقرير، أن المدينة تطورت على نطاق واسع دون احترام لقواعد البناء، حيث أن عددا كبيرا من المنازل جرى بناؤها بالطين في المدينة العتيقة، بالتالي أصبح هذا التطور مصدر قلق على سلامة المواطنين وممتلكاتهم. وأشار التقرير إلى أن الفقر كان عاملا رئيسيا في مضاعفة مخاطر الفيضانات، إذ لم تستطع العديد من الأسر ترميم منازلها وفقا لمعايير السلامة، كما أن قلة فرص الشغل جعل بيتا واحدا يستوعب العديد من العائلات القادمة معظمها من البوادي، بسبب الجفاف. وعرف المغرب، يضيف التقرير، تقلبات مناخية من بينها توالي سنوات الجفاف خصوصا في مناطق الجنوب، وهو ما دفع العديد من أهالي القرى إلى النزوح نحو المدن بحثا عن شروط جديدة للعيش بعدما استنفذت في قراهم، وأدى ذلك إلى تكدس عمراني غير مسبوق، وترامي مدن الصفيح على هوامش المدن. وأوضح التقرير، أن إقليمتزنيت شهد أربع فترات من المطر الغزير خلال العقدين الأخيرين بين 1995 و 2014، وكانت أمطار الفترة الأخيرة قوية جدا (269.3 ملمتر) سقطت خلال بضعة أسابيع، في حين أن الفترات الثلاث الأخرى تساقطت الأمطار تقريبا بنفس الكمية خلال فصلي الشتاء والخريف معا. آثار التغيرات المناخية تزداد سوءا ويشير انحباس المطر الذي تليه أيام متواصلة من المطر الغزير، حسب التقرير، إلى أن آثار التغيرات المناخية تزداد سوءا، وهو ما يثير مخاوف من تكرار أزمة بيئية كبرى مستقبلا. وشدد التقرير، على أن سياسة التخطيط المجالي يجب أن تتبنى تصور إدارة المخاطر البيئية من أجل تجنب الأزمة الكبرى، موضحا، أن التغيرات المناخية تقتضي بالضرورة ، إعادة تشكيل الهياكل الاجتماعية، بتمكن الأسر الفقيرة من تسهيلات تخول لهم الحصول على سكن بديل يتوفر على كامل شروط السلامة. وأشار التقرير، إلى أن السياسة المجالية تم وضعها من خلال فريق محلي، يتضمن مسؤولين منتخبين على رأس الجماعات المحلية، وبسبب الصراعات الضيقة بينهم إما حزبية او صراعات شخصية، أدى ذلك إلى سوء في التدبير وفقدان المواطنين الثقة في هؤلاء المنتخبين.. "عليهم تجاوز كل هذه الصراعات وتوجيه أهدافهم نحو حل قضايا الاستدامة وإعادة الاعتبار للمواطنين" يقول التقرير. هذا ودعا التقرير إلى تخصيص ميزانيات على المستوى المحلي لتدبير الكوارث، وإحداث مراكز للاتصال حتى يستطيع المواطنون المتضررون وضع شكاياتهم.