وكانت هذا المنزل السري بمثابة قاعدة لإحدى أهم عمليات تجميع المعلومات الاستخباراتية في التاريخ الحديث لوكالة الاستخبارات المركزية، وهي مهمة اعتمدت على مخبرين باكستان ومصادر أخرى للمساعدة على رسم صورة للممارسات اليومية و«نمط حياة» المقيمين داخل المجمع الحصين الذي عثر على بن لادن داخله، بحسب ما قاله المسؤولون. وكانت عملية المراقبة الميدانية جزءا من عمل استخباراتي تم بعد اكتشاف المجمع المثير للريبة في أغسطس (آب) الماضي، وشمل هذا الجهد الاستخباراتي كل ما لدى الترسانة الأميركية، بدءا من التصوير بالأقمار الصناعية وصولا إلى التنصت لتسجيل الأصوات داخل المجمع السكني. وكان هذا الجهد موسعا ومكلفا لدرجة أن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ذهبت إلى الكونغرس في ديسمبر (كانون الأول) من أجل ضمان تفويض بإعادة تخصيص عشرات الملايين من الدولارات في ميزانيات الوكالة من أجل دعم هذا الجهد، وفقا لما ذكره مسؤولون أميركيون. وظل معظم عمل المراقبة قائما حتى قيام وحدات من القوات الخاصة التابعة للبحرية الأميركية بالهجوم بعد الساعة الواحدة صباحا داخل باكستان. ولم يلعب المنزل الآمن التابع للوكالة دورا في الغارة وأغلق منذ ذلك الحين، ويرجع ذلك بصورة جزئية إلى شعور بالقلق على أمن أصول وكالة الاستخبارات المركزية عقب هذه العملية، إلى جانب النظر لعمل الوكالة على أنه قد انتهى. وقال مسؤول أميركي: «وظيفة وكالة الاستخبارات المركزية هي العثور على الهدف وتحديده». وأضاف: «كان دور الجيش هو القضاء على الهدف». وتحدث المسؤول، كما هو الحال مع آخرين، شريطة عدم ذكر اسمه لأنه غير مخول له الحديث علنا. ورفضت وكالة الاستخبارات المركزية التعليق على الأمر. وقدم مسؤولون أميركيون تفاصيل جديدة عن الدقائق الأخيرة لأسامة بن لادن، وقالوا إن زعيم تنظيم القاعدة عثرت عليه القوات الأميركية أولا عند مدخل غرفته في الطابق الثالث من المجمع السكني. وبعد ذلك غير بن لادن اتجاهه، وتراجع إلى الغرفة قبل إطلاق الرصاص عليه مرتين، في الرأس والصدر. وبعد ذلك عثر الكوماندوز الأميركي على بندقية «إيه كيه - 47» ورشاش داخل الغرفة. وقال مسؤول أميركي اطلع على تقرير حول العملية: «كان يتراجع»، وهي خطوة اعتبرت مقاومة. وأضافت: «لا تعرف لماذا كان يتراجع؟ ولا ماذا سيفعل عندما يدخل هناك؟ هل سيأخذ سلاحا؟ هل لديه حزام (ناسف)؟» وعلى الرغم مما وصفه مسؤولون بأنها عملية مكثفة استثنائية لتجميع المعلومات قبل العملية، لم تستطع أي هيئة استخباراتية أميركية التقاط صورة لبن لادن داخل المجمع قبل الغارة أو تسجيل صوت الرجل الغامض الذي تعيش عائلته في الطابقين العلويين من المبنى. وفي الواقع، قال مسؤولون استخباراتيون أميركيون حاليون وسابقون إن بن لادن كان منظما بدرجة كبيرة في جهوده الرامية لتجنب رصده. وقال مسؤول سابق كان يعمل بوكالة الاستخبارات المركزية ولعب دورا رئيسيا في تعقبه: «يجب الثناء على عمله». عندما رصدت طائرات استطلاع من دون طيار بن لادن قبل عشرة أعوام، كان لديه «حرس شخصيون والكثير من السيارات الرياضية رباعية الدفع وأشياء من هذا القبيل. ولكنه تخلى عن ذلك كله». كما تحدث المسؤولون عن فرضيات بخصوص سبب اختيار بن لادن لمدينة أبوت آباد العسكرية الباكستانية وأثار اكتشاف بن لادن في أبوت آباد شكوكا في أنه وضع هناك وكان يتمتع بحماية عناصر في الجيش الباكستاني والاستخبارات الباكستانية، ولكن يقول مسؤولون أميركيون إنهم لم يجدوا دليلا حاسما على ذلك. وقال مسؤولون إن المدينة، التي تقع على بعد ساعتين بالسيارة شمال إسلام أباد، وفرت ميزات لزعيم تنظيم القاعدة. وعلى رأس هذه الميزات أن أبوت آباد، وهي مدينة داخل الحدود الباكستانية، آمنة عن المناطق القبلية التي تحلق فوقها طائرات أميركية مسلحة من دون طيار. وقال مسؤولون أميركيون إنهم يعتقدون أن بن لادن، الذي عاش لوقت طويل بين قبائل البشتون على طول الحدود مع أفغانستان، أخرج من هذا الجزء من باكستان بسبب الوتيرة المتزايدة للعمليات باستخدام الطائرات من دون طيار. وقال مسؤول أميركي إنه «قبل خمسة أعوام كانت أشياء تسقط من السماء» في المنطقة القبلية بباكستان. «يحتمل أنه شعر بأنه إذا استطاع إخفاء وجوده )داخل أبوت آباد( فإنه لن يحتمل أن تتعقبه الولاياتالمتحدة داخلها». وكانت هناك مخاطر عديدة في القيام بضربات باستخدام طائرات أميركية تقليدية لأن باكستان ضخت استثمارات في نظم الرصد الجوي والدفاع لمواجهة أي تهديد تطرحه الهند - بسبب المخاطر الكبيرة في أي ضربة خاطئة. وقال مسؤول تابع لوكالة الاستخبارات المركزية متخصص في باكستانوأفغانستان: «كان يجب أن تكون الضربات بعيدة بمقدار 1000 ياردة، وإلا فستصيب الأكاديمية العسكرية الباكستانية». كما يوجد في المدينة أيضا مجمعان عسكريان وضواح تعيش فيها عائلات عسكريين. وقال مسؤولون أميركيون إنه كانت هناك عيوب لإقامة بن لادن في أبوت آباد، بما في ذلك حقيقة أن المنطقة تحظى بقبول نسبيا لأشخاص من خارج المدينة، منهم باكستانيون يأتون لقضاء الأجازة، وعائلات عسكرية يجري نقلها لقوات هناك، أو جنود أميركيون يذهبون من حين لآخر إلى أبوت آباد من أجل تدريب القوات الباكستانية. وقال المسؤول الاستخباراتي الأميركي السابق الذي شارك في تعقب بن لادن: «لا تعد أبوت آباد بالمكان الذي يذهب إليه متطرفون إسلاميون، لأنها لم تكن معقلا لهم. كما أنهم يفضلون أماكن مثل بيشاور أو كويتا أو كراتشي». وقال المسؤول إنه عندما يدرس محللون أماكن محتملة لزعيم تنظيم القاعدة ف«لن تكون أبوت آباد على قائمتهم». واستفادت وكالة الاستخبارات المركزية من هذا المناخ لإرسال ضباط وتجنيد مخبرين داخل أبوت آباد من دون رصدهم، وأنشأت منزلا آمنا كان بمثابة قاعدة لها. ورفض مسؤولون أميركيون ذكر عدد الضباط أو المخبرين الذين عملوا داخل المنزل الآمن، ولكن أكدوا على أن هذا العمل تطلب حذرا استثنائيا بسبب الخوف من اختفاء بن لادن أو من يحمونه إذا شعروا بالخوف. وبدأت وكالة الاستخبارات المركزية تركز على المجمع السكني في فصل الصيف الماضي بعد جهد استغرق أعوام يهدف اختراق شبكة صغيرة للرسل لهم علاقة بزعيم تنظيم القاعدة. وبمجرد أن قادهم الرسول الأكثر أهمية إلى المجمع السكني ب«أبوت آباد»، انتبهوا بسبب طبيعة المجمع لاحتمالية بنائه من أجل بن لادن نفسه. وقال المسؤول السابق: «كان المكان بارتفاع ثلاثة طوابق، وكان يمكن مراقبته من عدة زوايا». وأشار إلى أن الانتقال إلى هذا المجمع «كان أكبر خطأ ارتكبه». وعندما وصل فريق الكوماندوز إلى المكان يوم الاثنين الماضي، لم يطلق النار سوى أحد رسل بن لادن، بحسب ما قاله مسؤولون. وأضاف المسؤول الأميركي الذي اطلع على تقرير حول العملية: «اضطروا لتفجير بعض الأبواب والحوائط. وفتحوا أحد الأبواب ليجدوا خلفه حائطا (إسمنتيا)» ولم يواجه رجال القوات الخاصة أي مقاومة مسلحة أثناء صعودهم إلى الطابق الأعلى، حيث عثر على بن لادن. وقال المسؤول البارز: «كان في مدخل الغرفة، وتراجع بعد ذلك، وهنا تحرك المهاجمون». * ساهم في التقرير الباحثة جولي تات والمراسل الخاص حق نواز خان من أبوت آباد. * «واشنطن بوست»