أنوار العسري في خضم سياق اجتماعي مأزوم، يحتفي العالم بعيد الشغل في فاتح ماي، بينما تختار الطبقة العاملة المغربية أن تخلد هذه المناسبة تحت عنوان الغضب والتنديد، لا الاحتفال. إذ لم يعد هذا اليوم يوما للزهور والشعارات الرنانة، بل محطة نضالية للتعبير عن واقع مرير تعيشه فئات واسعة من العمال والعاملات، في مختلف القطاعات: العام، الخاص، الشبه العمومي، والفلاحي. تفاقم الغلاء، وتدهور القدرة الشرائية، واتساع رقعة الهشاشة، وتفكيك منظومة الحماية الاجتماعية… كلّها عناوين كبرى تؤرخ لوضعية اجتماعية تزداد تأزما. ورغم الشعارات الرسمية التي تروج لمشاريع الإصلاح، فإن السياسات العمومية المنتهجة لا تزال ترسّخ منطق الريع، وتكرّس الاحتكار، وتسمح بتفشي المضاربات التي تُنهك جيوب المواطنين، في ظل غياب رقابة فعلية وعدالة ضريبية منصفة. دعوات للاحتجاج والمقاطعة تتوالى الدعوات من مختلف الهيئات والنقابات الجادة لمقاطعة مظاهر الاحتفال الرسمي بعيد الشغل، وتحويل المناسبة إلى محطة احتجاجية ضد مسلسل التراجعات الحقوقية والاجتماعية. فكيف يُعقل أن يُحتفل بعيد الشغل في وقت يتعرض فيه العمال للطرد التعسفي، ويُحرمون من الحد الأدنى من الحقوق؟ كيف يُرفع شعار الكرامة والعمل اللائق، في ظل تعميم العمل الهش، والتماطل في التصريح بالأجراء، وتواطؤ بعض النقابات في تمرير قوانين مجحفة، على رأسها قانون التقاعد؟ مطالب مشروعة تتجدد في نداءها لهذه السنة، تُجدّد الطبقة العاملة مطالبها العادلة والمشروعة، وأهمها: الزيادة العامة في الأجور ومعاشات التقاعد، لمجابهة موجات الغلاء المتتالية. مراجعة النظام الضريبي بما يحقق عدالة جبائية حقيقية، عبر تخفيف العبء على الفئات الهشة، وفرض ضريبة على الثروة. رفض الإصلاحات الأحادية للتقاعد، والمطالبة بإصلاح شامل وتشاركي يضمن استمرارية الصناديق وعدالة الاستفادة منها. إدماج الأجراء في عقود دائمة، وتفعيل الرقابة على احترام مدونة الشغل، ومحاربة التهرب من التصريح بالأجراء. فاتح ماي ليس احتفالا… بل نداء صرخة في ظل الارتفاع المهول لفواتير الماء والكهرباء، والزيادات المتتالية في أسعار المواد الاستهلاكية، والغاز البوطان، تُدق ناقوس الخطر بشأن سياسة حكومية وُصفت ب"التجويعية"، تسير نحو مزيد من التفقير وضرب ما تبقى من مكتسبات. إنه فاتح ماي بنكهة الغضب، لا الزينة. يوم تقول فيه الطبقة العاملة كلمتها: "لا تنازل، لا مساومة على الحقوق العادلة والمشروعة".