القضية الف.لسطينية بين التكفير والتفكير الأممي العرائش أنفو إن كان الفيلسوف نيتشه اعتبر نفسه صيادا ماهرا في بحور المعرفة سواء كانت أخلاقية، أو سياسية أو حداثية، دون الشفقة على كل مأثم، لأن إيجاد الصمت بكل تفاصيله جعل فكر نيتشه يحتل مكانة مرموقة في الغرب المضاد، فهو المولود الصهيوني الذي لا يعرف تاريخه ولا جنسه، بل إنه مجبر على مواصلة الهيمنة والإقصاء، إنه نداء للإنسان كما يرى نيتشه في كتابه زاراديشت ، فالغرب اليوم ليس كاملا معرفيا ولا حضاريا، إذن كيف يكون كاملا بغير الآخر؟ سؤال جوهري ومركزي يضعنا في الطرق المحفوفة بالأخطار على أمل أن يساعدنا لمعرفة ماهيته المفقودة، وأن يعود إلينا نيابة عن الحياة والألم والدوران، إذن من الصعب الإصغاء إلى كلام المستغربين والمستشرقين وكل من يشير إلى مسكنتنا وبؤسنا نحن العرب، فالإنسان الغربي اصطلاح نطلقه على موجود مثل فولتير، وكانط، وموران وجماعة مو، وفرانكفورت، وفيينا…، إنها عين إرادة القوة الاقتصادية والعسكرية لها علاقة وطيدة بالذات المتعالية بالإنسان الكامل كما يرى نيتشه في كتابه (هكذا تكلم زارديشت) لأن الإنسان الكامل حسب العرف الغربي قد تجاوز إنسان الأمس واليوم وهو الذي يجب أن يدعم الآخرين للعودة إلى دار وجودهم التي هي عين الألم والاستيطان فيها، إذن فاليهود الصهاينة استوطنوا المشرق بالقوة الاستعمارية في انتظار قدوم الشتات من الغرب وامريكا وآسيا حسب رؤية هيرتزل فهو القادر على تفعيل الموجود الجديد الذي لابد أن يستولي على العالم في مطلع التاريخ الغربي المعاصر، أما ما يبعث على الصعوبة والحيرة لفهم هذا المعنى هو أن الإنسان الأمريكي اليميني المتطرف يريد أن يصنع التاريخ للاستيلاء على الأرض والزمان، ويقول زراديشت لقد قطعتم كل هذا الطريق من صورة الدودة إلى صورة الإنسان، ولازالت أشياء من تلك الدودة فيكم، وكنتم قردا قبل ذلك ولازال الإنسان في يومنا هذا أشد قردية من أي قرد وحتى ذلك الذي هو أعلم من غيره بينكم، ليس سوى موجود عقيم وأبتر ومتنافر، نصفه نبات ونصفه الآخر شبع فهل أمرتكم أن تكونوا أشباحا أو نباتات الفكر الغربي رضا الداوري ص169، فالسؤال النتشوي لا يقربنا من الإنسان الفاشل، بل الإنسان المرتبط بالأرض والوطن واللغة والدين هذا هو الإنسان الفلسطيني، إن الإنسان الذي يفترش الألم ويلتحف بالموت، وهذا الشعور قد أيقض في قلبه التحرر والاقتراب من أمله الكبير رغم قيود الحكومة الأمريكية والصهيونية، إذن نطرح السؤال ما التاريخ الذي طرحه ادوارد هالتاكار "What is story"، سؤال جوهري وأساسي، فأمريكا بنت تاريخها على الشعب (الهنود الحمر – واليهود بنوا تاريخهم المصطنع على ظهر الشعب الفلسطيني)، لذا يبقى جدوى السؤال هو الراهن عن موضوع الفلسطيني وتاريخه الذي أصبح جزءا منه، إذن لا ينبغي الاهتمام بالتأريخ الذي لا يتلاءم مع المعايير العلمية، ولقد حاول الفكر الصهيوني أن يظفر غداة النصر المزعوم بسلم طويل الأمد، وكان وسيلته إلى تحقيق هذه الغاية فرض معاهدة الأسرى من أجل تحقيق نوعا من السيادة، ولقد حاولت تجميع الوسائل لتجعل من نفسها قوة عسكرية في الشرق الأوسط، وكانت القوى العسكرية والبحرية الضخمة التي استقبلتها من بايدن هي عماد هذه السياسة العالمية، فالمعاهدة الترابية لم تغير شيئا من عقلية الشعب الفلسطيني، لأن الآلام الطاحنة التي عانتها فلسطين من جراء هذه الحروب، والشروط الفادحة التي فرضت عليها، كانت عوامل قوية لبعث فورة انتفاضة 7 اكتوبر الجديدة، ألفت بسبيلها الواضح في قيام الحركة الثورية في المنطقة المحتلة، لذا أصبحت الدوائر المتحالفة ترمي بهذا الاتفاق إلى تنفيذ قرارات الأمم الغير المتحدة منذ 1948 – 1967 – 1973 وغيرها، تقربنا إلى مجرمي الحرب وكافة الدول الحليفة لبني صهيون وفي المؤسسات الكبيرة الخاصة، فهذه الرؤية الانحيازية التي تعلن شرعية نظامها أثارت الحروب العدائية بين العرب والغرب، برزت اتجاهات وفرق معادية للإسلام وللسامية، حيث أن هذه القوانين تفضي ببقاء القوي، فيجب على الشعوب الضعيفة والفقيرة أن تكون تابعة له كما يرى ابن خلدون، ولكن الشعب الفلسطيني له قوانينه ووطنية بارزة لا يريد التبعية، بل يريد الاستقرار والنظام، وهذا مغاير للعقل الاجتماعي الذي ألفناه في مقرر الفلسفة، ويرى هوبز Hobbs في كتابه عن الفلسفة السياسية المسمى ليفيتان أن القوة هس عماد الحكم، وأن الشعب ينبغي أن يخضع لقوانين الملك والحكومة، فالرؤية المقدمة من هوبز وجون لوك وجان جاك روسو وفوكوياما وغيرهم تقربنا من الطابع الاوليغارشي Oligarchy التي تنادي بالحكم المطلق على المنطقة دون إبراز حقوق الفلسطيني، لأن حب الكسب والتسلط يؤدي دوما إلى إنقاص الرؤية العربية ويساعد على تقوية الفكر الصهيوني المتطرف، ويقول أحد الباحثين محمد عبد الله عنان في هذا الصدد: نستطيع أن نقسم جماعة الدول المعاصرة إلى قسمين كبيرين: الأول الدوا الديمقراطية، الثاني الدول الديكتاتورية وهي الدول التي تخضع لسلطة أو لنظم مطلقة، وينطوي اليوم تحت لواء الحكم الديمقراطي من الدول العظمى كإنجلترا والولايات المتحدةوفرنسا، وكذلك يوجد عدد من الدول الصغرى التي ما زال يرتفع فيها لواء الديمقراطية الحقة مثل السويد وسويسرا المذاهب الاجتماعية الحديثة – دار الشروق ص20، فهذا التصور يلقي الضياء على تلك الانقلابات الاجتماعية والسياسية التي توالت على هذا العالم المعاصر، ولكننا لا نرى مانعا منم البدء الحديث عن الديمقراطية التي أصبحت عقيدة في يد القوي، لا يمنحها إلا بشروط، وهذه الشروط لا تتساوق مع شروط المعرفة الموضوعية، فتبقى الحقيقة فظيعة، وأن الهيمنة أصبحت تدعي الحقيقة حتى الآن، تلك هي الصيغة المبجلة للتعبير عن أرقى استغلال للإنسانية، ويرى نيتشه أن كل من يريد أن يكون مبدعا في الخير والشر عليه أن يكون أولا مدمرا وأن يحطم القيم، هذا هو الإنسان ص132، ومن الطبيعي أن الحديث حيث يدور عن العلاقة بين الصهيونية على الفكر الغربي ولربما يوجد هناك من يعتبر هذا الفكر الصهيوني شأنا من شؤون الثقافة السائدة أو أن هناك من يلتفت إلى أصل تأسيس هذا الكيان فيعتبرها نتاج تعامل بين الفكر المهيمن والثقافة الرمزية، وبتعبير آخر، حينما يمكن الحديث عن هذا التأثير المتبادل بين الثقافة والقوة أو تأثير أحدهما في الآخر، فحينئذ تتحول الصهيونية إلى مجموعة من الأفراد التي يقوم بينها نوع من رابطة القرابة العقدية والاجتماعية، وحينما نرى في باطن الأمر وجود هذا التقارب بين الصهيونية والغرب وأمريكا، يسمح لنا بمعرفة التأثير الاجتماعي والاقتصادي والفني والثقافي على العرب، وليس بمقدور أحد تجاهل أن بروز الحضارة المعاصرة وخاصة الأنجلوسكسونية يستلزم حدوث تغيير جوهري في طبيعة الكيان الصهيوني ونظامه، لذلك تعددت القراءات والتأويلات حول المتغيرات الثقافية والاجتماعية والعلمية، وهي حركات تؤمن بالتعددية كاستجابة لتجاوز التفسير التقليدي من أجل تقديم أساسيات في صورة واضحة بسيطة ومركزة في قسمين: الأول خصص لموضوع الوطن الفلسطيني تبرز تعدد وتنوع المنطلقات المنهجية وأثرها الإيجابي على الدراسات السوسيولوجيا، أما البعد الثاني فقد أفرد لبعض المواضيع من ثقافة وسلطة وتنضيد اجتماعي، فالعنوان خلفية نظرية موضوعية بعيدة إلى حد ما عن تلوين البعد التأويلي بلون ايديولوجي سياسي وديني وهو كذلك قاعدة ضرورية، لابد من الانطلاق منها لمعرفلة رؤية الجوانب الأخرى للإنسان الفلسطيني ككيان حي تاريخي وليس فقط اجتماعي. فالفلسفة السياسية هي حافلة بالتصورات الفلسفية الكاشفة عن جهويات التحليل الانطولوجي للوطن، فهي المرحلة التي كانت الأبحاث التاريخية تتجه في خط انتشال الميتافيزيقيا الصهيونية من الثقل الوجودي من أجل وضعها على قاعدة الوجود الإنساني وذلك من خلال التأويل ليس بوصفه تأويلا بالمعنى التقليدوي، بل بوصفه طريقة تهدف إلى ترك الحياة المثالية لتبين نفسها بنفسها دون رؤية نظرية حداثية، ويقول ريجيس دوبريه: ما تبقى من الغرب ص58، سؤال مركزي ومبني على أسس موضوعية جعلنا ندرك بأن أمريكا أرادت تشكيل العالم على صورتها، ولا أحد يصدر ما يحدث على هذا الكوكب إلا أمريكا، فهي التي تصنع السلام المغلف بالشر، وتفرضه ليكون وسيلة وغاية وعلى الرغم من الفيتو الروسي والصين الذي يؤخر أكثر من كونه يمنع، ومن وكالات معطلة وجمعية عامة غير ملزمة، لا تشكل الأممالمتحدة عقبة يتعذر اجتيازها إلى حد أن أمينها العام السابق بطرس غالي أعلنها مؤخرا خانعة للملف الأطلسي وعقب انقراض منشدي نشيد الأممية، ماذا تبقى من الغرب ص24، ومن الواضح أن ترامب يريد أن يرفر لأمريكا القدرة لا تقل كونية، هي الوحيدة التي تمتلك ميزان القوة الاقتصادية والعسكرية، فهي بمثابة الضمان الخلاص لبني صهيون لأنهم الملف الوحيد الذي يواجه للإسلام السياسي الباطني ما وراء الجدار المتمثل في الشرق الأوسط الجديد، إنها بمثابة كوادر معولمة التي تحول السيطرة إلى الهيمنة، والتبعية إلى الانتماء، كل هذا من أجل التمركز في مواضع القرار، جائزة لا ترضي قارة العجوز يشعر، إلا بالغزو العكسي للحواضر القديمة والجديدة، لذا تطورت الدول العربية على المستوى الإتيقي والثقافي والجمالي والجغرافي، والخروج من حالة التبعية والعجز الاقتصادي تستوجب من الجهة الأخلاقية والسياسية ضربا من الالتزام بذلك التلازم بين الواجب والحرية، التزاما ما يعبر عن نضج الذات الفلسطينية اتجاه وطنها وتاريخها، مما يتولد السؤال من نحن؟ ومن نكون في هذا الوجود؟ إنه سؤال الراهنية يحتاج إلى التحليل والتنوع في الفكر على نحو مختلف، لأن التفكير الذاتي هو التفكير في السلطة والسياسة في ضوء قيام انطولوجيا جديدة لتكون كنهاية المشروع المحتل وما تطرحه بدورها من صلات بإشكالية الحداثة والمقاومة بأنواعها، حيث يتحول التاريخ الفلسطيني إلى مجال للمقاومة يقطع مع عودة المسلمات المهيمنة، من لدن أحفاد الذين جرى غزوهم من طرفهم الشيء الذي ولد انشقاقات بين اوروبا، فعملت ألمانيا بابتلاع الهزائم المتتالية، والإدانات الهمجية، والانهيارات الاقتصادية والعسكرية، مما دعا إلى تمردات ضد التبعية الاقتصادية والعسكرية لأمريكا، وهذا المنعطف ظهر أيضا في انجلتراوفرنسا وبلجيكا، وسويسرا وهولندا، فعملت هذه الدول بتغير سلم الترتيب السكاني، بوصفه نصرا لأسلافهم القدماء، لأن الرغبة في تحقيق الاستقرار في عالم لا يعيش الاستقرار، عملت اوروبا بمساعدة الشعب الاوكراني بكل الوسائل من أجل معاقبة روسيا، ولكن هذه الغنائم والهدايا ليست من جيوب الأثرياء بل من دم الفقراء كما يرى صاحب كتاب ماذا تبقى من الغرب؟ ص46، فالمجال الفلسطيني قامت على نظرية الانتفاضة والمقاومة قصد تجاوز نظريات المعرفة الاورتودوكسية التي قامت عليها نظرية الصهيونية ،، فالرؤية المقاومة هي بمثابة الحفر في جغرافية المكونة للبنى المعرفية والتاريخية والاجتماعية لأن العودة إلى التاريخ اليوم تمكننا من أن نعيد تأويل ما ذكره الرئيس الأمريكي الجديد باعتباره فكرا مساندا للصهيونية ورهاناتها في مناخنا الثقافي العربي الذي ضم ولا يزال يطرح الفكر المركب بصيغة يحاكم فيه العربي باسم المقدس والمدنس، ويكفر التفكير الفلسطيني تحت رايات فنون القتل وعدم العودة، فالمعركة ضد ترامب من أجل الحرية هي في تقديم الفلسطيني انخراط في الصيرورة الثورية وفي حق تقرير المصير في غياب الأمم الغير المتحدة، ويقول أحد الباحثين إن الحركة الثورية الحالية لها مواقع متعددة، وليس هذا ضعفا أو نقصا، بما أن التعميم ينتمي أكثر ألى السلطة وإلى رد الفعل...، وإنها رد فعل محلي رائع أو مقاومة محلية رائعة، ولكن كيف التعرف إلى الشبكات والترابطات العرضية بين هذه النقاط الفاعلة المنفصلة من بلد إلى آخر أو داخل بلد بعينه عبد السلام حيدوري "فوكو وانطولوجيا الحاضر" ص149، إن التدبير المقترن بفن القيادة والتوجيه لغزا بوصفها تقنية ضرورية للوجود الفلسطيني وليس للتجمع الايتيقي الصهيوني المتطرف، فالتدبير هو فعل يربط بين الذات الفلسطينية والحقيقة الواقعية من أجل التوصل إلى معرفة الإنسان المرتبط بقوانين الدولة على الرغم من اختلافات السياسية والابستيمات المفبركة، إذن فالتدبير الذي قدم من طرف الجامعة العربية هو عبارة عن ممكن الوجود، وليس واجب الوجود، لأن التبعية والهيمنة الانجلوسكونية لا تطالب بالانتماء إلى التاريخ بل يبحث عن الاختلاف بين من يحكم ومن يصير ساري الحدوث، وأيضا على جهة المهمة التي يجب أن ننجزها، فإذا كانت هذه القضية تستدعي أن نفصل بين ما يتصل بالطاعة والخضوع للقوة من جهة، وبين ما يتعلق باستعمال القرار الأممي، فإن الأمر يستدعي نقل القضية الفلسطينية عن واقعها الاجتماعي وعن طبيعة السياقات التاريخية الخاصة التي ولدت في محيطها، ومنفصلة عن منظوماتها المعرفية بمعنى أننا تبنينا القضية دون أن نعيش مقدماتها ولا تفاصيلها إلا في التاريخ المسيس، لذا نجد العديد من قادة العرب قد تبنوا الحلول الجاهزة واستمروا في التحايل وتزييف الحقائق في محاولة منهم لصياغة ما يسمى بالحداثة المعطوبة ووسمها بسمة الخصوصية الموقعية ومنصها شرعية تاريخية تبرر وجودها دون مراعاة الشروط الاقتصادية التي أفرزت هذه الأزمة الفلسطينية والتي ارتبطت بالثورة ضد الامبريالية الاستعمارية الصهيونية والغربية، ولقد فطن إلى هذه الحقيقة أبطال فلسطين الذين فتتوا كل الأبنية والأشرعة المقدمة من طرف هؤلاء المهيمنين ودون وعي بالأسس التاريخية ولا العقلانية الكامنة وراءها، من هنا غابت قضية فلسطين كدلالة عميقة في الحياة العربية والغربية، ولذلك فإن تأثر القادة بهذا الفهم الشكلي (مصر – السعودية – الإمارات والأردن) أوقعهم في كثير من الأحلام والتناقض مع أفكارهم التي آمنوا بها وسجلوها في كتب التاريخ، لذا فالرؤية الغربية ليست رؤية واحدة بل رؤى متعددة، فهناك اليسار الاشتراكي، واليمين المتطرف، والليبرالي والديكتاتوري والديمقراطي، حيث يرجع سبب تعددها واختلافها المنهجي والاجتماعي والسياسي والحضاري إلى صناعة البعد الكوني والعالمي، فنشأ عن ذلك نظريات نقدية تصفي كل ما يخالف النظرية الغربية باسم (حق الفيتو) من أجل الوصول إلى الرؤية الواحدية التي ترفض التعدد والاختلاف ويقول شكري محمد عياد: نقد خطاب الحداثة، لطفي فكري محمد الجودي ص88، إذن فالقضية الفلسطينية تعاني من أزمة انفصام حقيقي مع الآخر من ناحية ومع السياقات الأممية الراهنة من ناحية ثانية ويقول صاحب نقد الحداثة: نفس المرجع ص88، وانظر عبد العزيز حمودة "المرايا المقعرة" ص28، ولاشك أن هذا الوضع أتاح للفلسطيني أن يعيد قراءة واقعه من أجل التمرد على القيم والتقاليد والتي يراها من وجهة نظره لا تتناسب مع المرحلة الراهنة من ناحية أخرى، ومن الواضح أن الربط الذي تؤكده الحداثة الغربية بين رفض الواقع والتمرد على قيمه وتقاليده كان مبررا أساسا للخيار المحدد أمام الحداثيين، وهذا الخيار في معظمه هو المأزق في العلاقات الاجتماعية والإنسانية التي أتت بها الحضارة الغربية المهيمنة، لذا يبقى العربي يعيش وعي الهشاشة ويخضع للزمنية والتغيير المدمر، تبلغ حدة هذا الوعي الواقعي درجة وصف الزمن بأنه خيل يمر مرورا عبثيا لا معنى لأفعاله ولا عقلانية فيها، فمن الواضح أن الفلسطيني يريد أن يفشي على ما ذهب إليه شرعية وذلك من خلال الرابط بين الأرض والإنسان والحرية والهوية والمواطنة، ولكن هذه الصورة هي الهدف الأخير للتقدم التي تحض بتأييد الغالبية لوجود مواجهة مستمرة بين وعي الإنسان الفلسطيني باعتباره فرد كونيا ووعيه الجماعي باعتباره أيضا عضوا في المجتمع الإنساني فلا مجال للتشتت ولا لقبول بنظرية أنها التاريخ الفوكوياما، فالإنسان الفلسطيني بريء من هذا الإرهاب والتمرد، وقد ظهر هذا الأخير في الثورة الفرنسية إبان نابليون بونابرت الذي قتل الملايين، وأيضا ماوتيتونك وهيتلر وستالين فهؤلاء سمحوا لأنفسهم بإقصاء وإلغاء كل من يعارض نهجهم، وهذا ما أكدت مدرسة العلوم الاجتماعية الأمريكية والإنجليزية، فهذه القراءة التي تخفيها فرنسا تجعلنا ندرك أن هذه الاغتيالات التي شهدتها فرنسا أثناء الثورة أدت إلى قتل الملايين من الفلاحين والكاثوليكيين الغير العلمانيين، فهذا المبرر يقربنا إلى الانتكاسة التي يخفيها المفكر الفرنسي المؤدلج، وهذا ما أكدت الدراسات الانجلوسكسونية التي عاشت الحرب مع الفرنكوفونية وخاصة عندما صدر كتاب حول هذه الأزمة الهلوكستية التي عاشتها فرنسا، ثم نجد في 2005 عندما صدر كتاب عقيدة الاقتصاد التي أصبحت استراتيجية التي من خلالها ندرك أن هذه العقيدة تناقش في وسط المثقفين العرب، بل بقوا مكبلين بأسرار الكون وعدم الحرية وبقضايا سياسية خارجية جدلية معرفية فحسب، ويقول عبد الحكيم بدران في هذا المقام: خيانة المثقفين ص154، إذن إن أكبر خطر شكلته شكلته منظومة الصهيونية ولا زالت تشكله في أنها تحاول فرض هيمنتها على الشرق الأوسط، فهي عبارة عن مركبات تشييدية معقدة لهذا الفكر المتطرف لكن هذا التوجه المركب باعتباره أطروحة مركزية ليس فقط للعرب، بل وأيضا لمجموع من الدول العربية الغير القادرة على مواجهة هذا الفكر الغير المعقلن لأن الظلم والقمع موجودان فهما انعكاس للطبيعة البشرية، لكن الأمر نفسه ينطبق على التعاطف والتضامن واللطف والقلق على الآخرين…، لأن مهمة السياسة الاجتماعية هي تصميم الطرائق التي نحياها والتركيب الثقافي والمؤسساتي لحياتنا، ولكي نفضل الأقل خطرا منها ونقمع المفاهيم المدمرة والعنيفة كما يرى شومسكي في كتابه العالم إلى أين ص54. وخلاصة القول: إنه لا إصلاح ولا جودة ولا قضية عادلة ولا نجاح لمشروع مجتمعي فلسطيني بدون فهم وتبصر واستشعار لمصيرية قضية الإنسان الفلسطيني في منظومتنا الكونية، فالقرارات الأممية وأشكال بنائها وتنفيذها ستظل قضية وطنية وعالمية إن نحن لم نول العناية اللازمة للقضية الفلسطينية في كل إصلاح منشود، وليست العناية ها هنا هي السيطرة والموت والدمار، ولكن البحث عن العدد الملائمة فيما يتعلق بالقيم الإنسانية وصياغتها وتمريرها وتقويمها كخيار أممي دون إقصاء ولا ترحيل. إنجاز: د الغزيوي أبو علي