جريمتي كانت تنفيذًا لأمر إلهي لإنقاذ إسرائيل من الشر    عاصفة رعدية وأهداف قاتلة .. تشلسي يعبر إلى ربع نهائي كأس العالم للأندية    الدكالي: صواريخ إيران في هجوم السمارة تكشف تبعية "البوليساريو" لطهران    البرلمان العربي يثمن جهود الملك    بعد حرب "ال12 يوما" مع إسرائيل.. هل تستطيع إيران إنتاج قنبلة نووية؟    "الأحرار": هجوم السمارة دليل يأس الجبهة    الجامعة تحدد أجل تجديد بطاقة المدرب    إجهاض تهريب كميات أقراص مهلوسة    مبادرة تستعين بتلاميذ لإقناع "متسرّبين" بالعودة إلى مقاعد الدراسة بالمغرب    المجتمع المدني يُكرم بوجيدة بالناظور    بنجلون يقود المركز السينمائي.. رهانات وتحديات نهضة الأفلام المغربية    سعر صرف الدرهم ينخفض أمام اليورو ويرتفع أمام الدولار        أحدهما متورط في جريمة قتل.. معطيات استخباراتية تقود لتوقيف بريطانيين مطلوبين للمغرب    درجة الحرارة تتجاوز الأربعين في مدن عديدة غدا الأحد و الأرصاد توصي بالحذر    توقيف بريطانيين مطلوبين دوليا بأكادير    مصرع طفل بعد سقوطه في حوض مائي نواحي اقليم الحسيمة    هجوم إعلامي قذر من الجزائر على مالي    غزة وإسرائيل .. هل يفصلنا أسبوع عن وقف الحرب؟    قناة أنفاس مغاربية تؤجل اللقاء التواصلي للجالية المغاربية المقيمة ببروكسيل    أكثر من 2000 مشارك من 3 قارات في مناظرة الذكاء الاصطناعي بالمغرب    موازين 2025 .. مسرح محمد الخامس يهتز طرباً على نغمات صابر الرباعي    تفكيك مخطط إرهابي خطير بعد توقيف طالبة موالية ل"داعش" كانت تستعد لاستهداف منشأة دينية    مسلك الإعلام بجامعة مكناس ينظم أول تدريب جامعي مع شبكة "أريج" للصحافة الاستقصائية    انطلاق بيع تذاكر كأس إفريقيا للسيدات بالمغرب    المغرب يخطو بثبات نحو استكشاف الهيدروجين الطبيعي والهيليوم بشراكة بريطانية جديدة    الهلال يقترب من حسم صفقة النصيري بعد موافقة إنزاغي    المغرب يتجه للاستعانة بسفن توليد الكهرباء التركية كحل انتقالي لتعزيز أمن الطاقة    الرباط تحتفي بالإبداع الأردني: إصدار توثيقي يوثق 25 عاماً من الشعر الفصيح    تراجع تلقيح الأطفال في العالم يهدد حياة ملايين الأشخاص وفقا لدراسة حديثة    فيديو مباشر يجر شقيقين إلى السجن.. تفاصيل ليلة فوضى وسكر داخل مقر شرطة    ماجدة الرومي تغالب دموعها في الرباط وتبعث برسالة مؤثرة إلى الملك محمد السادس: حبّنا للمغرب انتماء لا يشبه سواه    أزيد من 48 بلدا في فعاليات "مراكش عاصمة شباب العالم الإسلامي 2025"    إفران تحتضن الدورة السابعة لمهرجانها الدولي من 23 إلى 26 يوليوز    قيوح : المغرب يجعل من الربط القاري أداة استراتيجية لتحقيق السيادة الإفريقية    انعقاد الجمعية العامة العادية لغرفة الصناعة التقليدية لجهة طنجة تطوان الحسيمة    الدفاع المدني في غزة يعلن مقتل 23 فلسطينيا في غارات إسرائيلية    اجماع وبوعادي في معرض تشكيلي مشترك بمشرع بلقصيري    بودشار يمتع الرباط بكورال جماهيري    تدنيس القرآن في قمة الناتو يغضب الجاليات المسلمة بهولندا    تراجع التلقيحات يعيد شبح الأوبئة .. والمختصون يطالبون بتعبئة مغربية    قناة عبرية: مصدر سوري يكشف عن توقيع إسرائيل وسوريا اتفاقية سلام قبل نهاية العام    مجموعة العمران تطلق جولة "Al Omrane Expo – مغاربة العالم 2025" من بروكسيل    مونديال الأندية: مواجهة مرتقبة بين سان جرمان وميسي.. وبايرن يصطدم بفلامنغو    نظام إيران يشيع عسكريين وعلماء    ألونسو: دياز يتمتع بروح تنافسية عالية    تقنين جديد لإنتاج وتسويق الخل بالمغرب    أين اختفى الاتحاد الإفريقي..اتفاق السلام بين رواندا والكونغو الديمقراطية يوقع في واشنطن    البوليساريو تلقت ردا حاسما بعد استهدافها السمارة    كرة الطائرة / اتفاقية تعاون بين CAVB و AIPS إفريقيا …    ضوء خافت يشع من العقل أثناء التفكير.. والعلماء يبحثون التفسير    ضجة الاستدلال على الاستبدال        طفل في كل فصل دراسي مولود بالتلقيح الصناعي ببريطانيا    التوفيق : تكلفة الحج تشمل خدمات متعددة .. وسعر صرف الريال عنصر حاسم    وزير الأوقاف: خدمات واضحة تحدد تكلفة الحج الرسمي وتنسيق مسبق لضبط سعر الصرف    وزارة الأوقاف تحدد موعد قرعة الحج        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



26 يوليو.. ودلالاته
نشر في مغارب كم يوم 31 - 07 - 2013

قلت لنفسي، وأنا أشق طريقي بصعوبة بالغة وسط الملايين، هذه هي المرة الثانية التي أحتفل فيها مع الناس بهذا اليوم المجيد. كانت المرة الأولي في عام 1952.
وكنت في الثامنة من عمري، ولا أذكر منها سوي فرحة والدي الذي اصطحبني معه لكي نخرج مع الناس في مدينة المحلة الكبري; ابتهاجا بخروج الملك فاروق واكتمال نجاح الثورة المصرية التي ناب فيها عن الشعب المصري جيشه العظيم في الثالث والعشرين من يوليو.
ونتج عنها رحيل الملك المخلوع في السادس والعشرين من يوليو. وها أنذا أخرج في اليوم نفسه، لكن بعد واحد وستين عاما، وقد وهن مني العظم، واشتعل الرأس شيبا، غير أن مشاعر الابتهاج والحماسة من حولي كانت تنسيني الكثير من سنوات عمري، وتعديني بالفرحة التي لم أشهد مثلها من قبل; فأمضي في طريقي عابرا ميدان التحرير وسط آلاف مؤلفة تتزايد كل دقيقة، فتزداد صعوبة العبور التي كانت توقفني مرات ومرات، لأتأمل مع من حولي طائرات الهليكوبتر التي كانت تستقبل في كل مرة بهتاف الآلاف المؤلفة: الجيش والشعب إيد واحدة.. كانت الشمس لا تزال في السماء، لكنها أصبحت محتملة; فقد جاوزت الساعة الخامسة بقليل، واقتربنا من موعد غروب الشمس، غير أن ضوء ما بعد العصر كان يجعل تفاصيل أجساد الطائرات واضحة، ومن المؤكد أنه كان يتيح لقائديها رؤية الآلاف المؤلفة من الجماهير المحتشدة في الميدان، هادرة بالهتافات الحماسية، والآلاف من الشباب والرجال والنساء والأطفال، وفيهم الكهول من أمثالي، يرفعون صور الفريق السيسي الذي كان الكثيرون يرفعون صورته إلي جانب صورة عبد الناصر حبيب الملايين كما كنت أراه في أيام الشباب. ومضيت في طريقي، أعتمد علي يد ياسر الشاب الذي كان رفيقي في عبور ميدان التحرير. ولم أتوقف عن النظر حولي، وأنا سائر أتجنب المناضد التي وضعها الباعة الذين صارت أعلام مصر وشعارات الثورة وصور السيسي مادة مربحة لهم، ولم يفت نظري الإقبال الشديد علي صور الفريق السيسي الذي كانت الآلاف من حولي تردد الهتاف له وللجيش المصري الذي أصبح يد الشعب وضميره وقوته الرادعة والحامية الحارسة في آن. ولم تكن الهتافات تتباعد عن الجيش والشعب، وعن السيسي الذي أصبح بطل الجماهير وتجسيدا لصورة المخلص والقائد الذي انتظرته الجماهير طويلا. وقد فاجأني مشهد لا ينسي في أول شارع طلعت حرب، بعد أن استغرق مني عبور ميدان التحرير حوالي ساعة وربما أكثر، وذلك بسبب توقفي عند المشاهد الدالة التي كنت أريد حفرها في ذاكرتي، متيقنا أنني قد لا أشاهد مشهدا مشابها لها مرة أخري. المهم أنني بعد أن مررت ما بين عربتين مدرعتين، توقفت أمام المبني الذي يقع فيه نادي محمد علي التابع لوزارة الخارجية، كانت هناك دبابة، يقف إلي جانبها رجل عادي المظهر، أربعيني العمر تقريبا، رافعا لوحة مكتوبة بخط يد غير مدربة، جزمتك علي راسي يا معلم، وعلي رأسه يضع حذاء جندي من القوات المسلحة في آن، وإلي جانب الكتابة يضع صورة الفريق السيسي. والحق أنني تسمرت أمام هذا المشهد الذي أوقفني مشدوها. أعرف أن عبارة جزمتك علي راسي يا معلم عبارة عامية، يقولها أولاد البلد، حين يريد أحد الصبيان تأكيد احترامه للمعلم الكبير الذي يدين له الصبي بفضل التعلم أو بما ينزله منزلة هذا الفضل. لكن أن يفعل مواطن مصري ذلك مع قائد الجيش الذي لا ينكر أحد دوره الحاسم في إنهاء حكم الإخوان الفاسد الذي استولي علي مصر، ساعيا إلي أخونتها وإفقادها هويتها، فهذا شيء يستحق الوقوف عنده فعلا. وهو ما فعلته عندما وجدت نفسي متأملا ملامح الرجل واللوحة التي وراءه، وصورة السيسي الموجودة عليها، كما لو كان هو المعلم. وهي كلمة لها مخزونها الدلالي المرتبط بعبد الناصر في الذاكرة. وأبناء جيلي يذكرون ملاحم سنوات التحرر الوطني التي قادها عبد الناصر، ومنها ملحمة تأميم القناة التي كانت بداية تأكيد استقلال الإرادة الوطنية المصرية; وهي الإرادة التي لا تزال جماهير الشعب المصري تختزن في ذاكرتها الوطنية الأغاني التي كتبها صلاح جاهين وغيره لعبد الحليم حافظ عن الإنجازات الوطنية لجمال عبد الناصر. وجيلي يذكر كلمات الأغنية الشهيرة التي كتبها أحمد شفيق كامل لعبد الحليم حافظ بعنوان حكاية شعب، وتمضي الأغنية إلي أن تقول:
ضربة كانت من معلم، خلت الاستعمار يسلم
وكانت كلمة المعلم في الأغنية تشير إلي عبدالناصر، وهاهي الذاكرة الشعبية تستعيد الكلمة من جديد; ليطلقها الوعي الشعبي علي السيسي الذي رأت فيه الملايين العديدة من الفقراء صورة أخري لعبد الناصر وحبيبا آخر للملايين; فهو قائد جيش ينحاز إلي الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، ويضع فوقها الاستقلال الوطني والكرامة الوطنية التي لا تقبل العمالة للولايات المتحدة أو غيرها من دول الاستعمار القديم أو الجديد.
ولذلك تقبل السيسي ممثلا للجيش الوطني، ومعه ممثلو النخب الوطنية، خطة الطريق التي وضعتها حركة تمرد صاحبة الفضل في حشد ثلاثين مليون مصري ضد حكم الإخوان، وقد استجاب الجيش وقائده إلي تفويض وأمر قائده الأعلي صاحب الشرعية الحقيقية- الشعب، وخلع الرئيس الإخواني الذي فقد سند الشرعية التي استردها الشعب. وخرج الجيش من المشهد السياسي، وظل يرقب خطة الطريق دون أن يكون لاعبا أساسيا فيها; واكتفي بأهم المهام; وهي حماية الأمن القومي. وعندما رأي القائد العام للقوات المسلحة تزايد مخاطر أعداء الداخل الذين تحولوا إلي إرهابيين بعون من حلفائهم في الخارج طلب القائد العام للقوات المسلحة من قائده العام، وهو الشعب( بألف لام التعريف) أن يفوضه ويأمره بالتصدي للإرهاب والمواجهة الحاسمة لفاعليه في الداخل والأصابع الممتدة لأعوانهم في كل مكان; فخرج الشعب في ملايين أكثر عددا من ملايين30 يونيو، مفوضين السيسي وآمرين إياه بالتصدي للأعداء; وقد خرجت معهم، وعندما تركت الرجل صاحب لافتة جزمتك علي راسي يا معلم قلت لنفسي، وأنا أقترب من مقهي ريش لتناول الإفطار مع أصدقائي، قبل ذهابنا جميعا إلي ميدان التحرير: نعم، ضربة كانت من معلم، لكن وضع حذاء عسكري علي الرأس، فهو أمر غير وارد حتي في ذهن السيسي نفسه، وهو سبب آخر لتحوله إلي حبيب لملايين سنة2013.
"الأهرام"


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.