يقوم الإعلاميون في الجزائر هذه الأيام بمناسبة مرور عقدين على تحرير قطاع مهنتهم من قبضة الدولة، بتقييم تجربتهم، وسط انقسام بشأن مدى حرية الصحافة في البلاد. كان قرار حكومي صدر في 3 أبريل (نيسان) 1990 قد أنهى رسميا احتكار الدولة قطاع الصحافة، وبموجبه صارت أعداد الصحف الخاصة تتزايد تدريجيا، ووصلت حاليا إلى 70 صحيفة يومية ودورية توزع نحو 2.5 نسخة يوميا. في نهاية ثمانينات القرن الماضي اقترح رئيس الحكومة مولود حمروش، على العاملين في حقل الإعلام الحكومي أخذ مستحقات أجور عامين مسبقا ودفعة واحدة في مقابل الاستقالة من مؤسسات الصحافة العمومية، وتأسيس مؤسسات خاصة تدعمها الدولة في خطواتها الأولى بالإشهار، وتعفيها من دفع الضرائب حتى تقف على أرجلها. وغادر عشرات الصحافيين صحفا ذائعة الصيت آنذاك، بعضها ناطق بالعربية مثل «الشعب» و«المساء» وأخرى ناطقة بالفرنسية مثل «المجاهد» و«أوريزون». وفي مطلع التسعينات تأسست أولى مؤسسات الصحف الخاصة، أبرزها «لوسوار دالجيري» و«الوطن» و«لوماتان» و«الخبر». وسميت التجربة عند انطلاقها ب«المغامرة الفكرية» وكانت إيذانا بتأسيس صرح ديمقراطي، يتساوق مع دستور 23 فبراير (شباط) 1989 الذي أنهى حكم الحزب الواحد منذ الاستقلال عام 1962، وفتح الباب أمام تعددية حزبية تكرست في أول انتخابات تعددية جرت في صيف 1990، فاز بنتائجها حزب إسلامي يدعى «الجبهة الإسلامية للإنقاذ». وواجهت «المغامرة الفكرية» في سنواتها الأولى مشكلات أمنية خطيرة، باندلاع العنف إثر تدخل الجيش لوقف زحف الإسلاميين نحو السلطة في انتخابات نهاية 1991. وقتلت الجماعات الإسلامية المسلحة أكثر من 50 صحافيا، ونحو 120 عاملا في قطاع الإعلام بشقيه العمومي والخاص. واقتادت مصالح الأمن الكثير من الصحافيين إلى مخافر الشرطة وإلى السجون، بسبب مقالات تناولت مقتل رجال الأمن على أيدي أفراد الجماعات الإرهابية. وأشهرت السلطات حالة الطوارئ التي تم سنها بقانون مطلع 1992، كسلاح في وجه الصحافيين واتخذته ذريعة لوقف العشرات من الصحف أثناء طبعها في مؤسسات المطابع. ويقول كمال عمارني أمين عام النقابة الوطنية للصحافيين، بالنيابة ل«الشرق الأوسط»، بخصوص تجربة التعددية الإعلامية: «عموما هي تجربة ناجحة بالنظر إلى ظروف قاهرة عاشتها الصحافة الحرة منذ 1990. هي ناجحة إذا أخذنا في الحسبان الثمن الذي دفعه الصحافيون من المؤسسات العمومية والخاصة بسبب الإرهاب. ولكن الصحافة الخاصة ظلت تمارس حريتها حتى توقفت في 2004»، في إشارة إلى انتخابات الرئاسة التي جرت في ربيع ذلك العام وتميزت بشرخ عميق في المشهد الإعلامي بسبب تخندق قطاع من الصحافة والإعلاميين مع المترشح لولاية ثانية عبد العزيز بوتفليقة، وآخر أظهر ولاء للمترشح علي بن فليس رئيس الحكومة الأسبق. وخاض كل طرف حربا لصالح مرشحه، تجاوز فيها الصحافيون حدود المهنية واللياقة بحسب أهل المهنة أنفسهم. وأضاف عمارني حول التجربة: «بعد 2004 تراجعت حرية الصحافة خطوات إلى الوراء بسبب ضغوط سياسية مارستها السلطات على الصحف، وتحديدا الرئيس بوتفليقة، أقصد أن الصحافة الحرة دفعت ثمن مواقفها خلال تلك الانتخابات المشهودة». وعلى عكس هذا الطرح، هناك من يعتقد أن حرية الإعلام لم تكن أبدا مكفولة كما هي في عهد الرئيس بوتفليقة. والدليل حسبهم أنه لم يتعرض أي صحافي للمتابعة أو السجن بسبب مقال يعبر عن رأي سياسي. وعلى خلاف بداية حكمه التي شهدت قبضة حديدية مع الصحافيين، أطلق الرئيس بعد انتخابه لولاية ثالثة في ربيع 2009، مبادرة تجاههم وصفت ب«المصالحة». وجاء في خطاب للرئيس بوتفليقة بمناسبة حرية الصحافة ألقاه في 2 مايو (أيار) 2009 أنه «يقدر ما حققه الإعلام من مكاسب على طريق تكريس مبادئ الحرية والحق في التعبير». ودعا بوتفليقة الصحافيين إلى «توافق في خدمة الوطن وترقية قيم المواطنة داخل المجتمع، وتعزيز الممارسة الديمقراطية وتطهيرها من النشاط الطفيلي الذي كثيرا ما أساء إلى العمل الصحافي وإلى هدفه النبيل». ويعيب العاملون في مجال الإعلام على الرئيس رفضه فتح قطاع سمعي وبصري على رأس المال الخاص. وقال الرئيس صراحة إن الشعب الجزائري «غير مهيأ لتعددية إعلامية في مجال التلفزيون ومحطات الإذاعة»، الذي بقي تحت إشراف الدولة. ويوجد بالجزائر حاليا نحو 300 عنوان صحافي، من بينها 70 صحيفة يومية، 65 منها يملكها خواص. نصف الصحف الخاصة ناطقة بالعربية تبلغ طاقة سحبها 1.4 مليون نسخة يوميا. أما الصحف المفرنسة فيصل سحبها إلى مليون نسخة. ويبلغ عدد الصحف الدورية نحو 90، منها 76 متخصصة ويوزع بالجزائر 57 عنوانا صحافيا أجنبيا. وعبر كاتب الدولة المكلف بالاتصال عز الدين ميهوبي عن «تشاؤمه» بخصوص ما سماه «غياب تواصل داخل الأسرة الإعلامية». وقال للإذاعة الحكومية أمس بمناسبة 20 سنة من تجربة التعددية، إن نقابات الصحافيين «مطالبة بمناقشة مستقبل المهنة والوضع المهني والاجتماعي للمشتغلين في الإعلام، ومناقشة الحقوق الأساسية التي تكفل الاستمرارية للعمل الصحافي وفق القواعد المهنية والمعايير الدولية». ونقل «الوزير الشاعر» عن رئيس الجمهورية «إلحاحه على ضرورة مراجعة القانون الأساسي للصحافي بالتشاور مع أصحاب المهنة». واقترح ميهوبي إنشاء جمعيات ترفع إلى السلطات اهتمامات الصحافيين. وقال أيضا: «نحن نعمل بالدرجة الأولى من أجل أن نكفل حق المواطن في إعلام دائم متوازن وذي مصداقية وموضوعية، وقد تحقق ذلك بشكل كبير».