إدارة سجن "طنجة 2" تكشف سبب وفاة نزيل وتنفي مزاعم "تصفيته"    معاداة السامية .. الكذبة الإسرائيلية لتبرير جرائم الاحتلال        التصنيف الائتماني للمغرب.. تقرير يوصي بشفافية البيانات وتنويع مصادر التقييم    المينورسو تستقبل بالعيون وفد مكتب "حفظ السلام" بوزارة الخارجية الأمريكية    الرجاء الرياضي يطوي صفحة النزاعات    السودان يصل ربع نهائي "الشان"    تداولات بورصة البيضاء تتوشح بالأحمر    عشريني يُعرض حياة أمنيين للخطر    10 أعمال مغربية ضمن قائمة ال9 لأفضل الأعمال في جائزة كتارا للرواية العربية    البيت الأبيض يعلن موافقة بوتين وزيلينسكي على الجلوس لطاولة الحوار    أسعار الخضر والفواكه تسجل انخفاضا في أسواق المملكة    الوكيل العام للملك يكشف حيثيات العثور على سيون أسدون مغمى عليه بمنزله    48 قتيلا حصيلة حوادث السير بالمناطق الحضرية خلال الأسبوع المنصرم    المغرب يسجل مستوى قياسيا في الحرارة    صرامة مراقبة الدراجات النارية بالمغرب تدخل حيز التنفيذ.. والسائقون يدعون إلى إبقائها في المنازل    حموشي يستقبل اللواء خالد العطية لتعزيز التعاون في الرياضة الشرطية العربية    تخمينات الأطباء تقادمت.. الذكاء الاصطناعي يتنبأ بموعد ولادة الأطفال بدقة عالية    تيكاد-9 .. وزير الشؤون الخارجية الياباني يجدد التأكيد مرة أخرى على عدم اعتراف طوكيو بالكيان الانفصالي    النيابة العامة تكشف الحقيقة الكاملة في حادث سيون أسيدون وتفند الروايات الكاذبة        للمرة الرابعة على التوالي‮ ‬وبعد أقل من شهر على سابقتها ‮، ‬بعد الاختراق البري‮ ‬وتسجيل أول عملية بعد اندلاع الحرب،‮ ‬المغرب‮ ‬يختار‮. ‬النقل الجوي‮ ‬السريع للمساعدات‮ ‬    مهرجان القنيطرة يفتح أبوابه للاحتفاء بالإبداع ويجمع نجوم الفن والرياضة في دورة شبابية مميزة    الجديدة.. إيداع شخص رهن الحراسة النظرية للاشتباه في هتك عرض طفل والتحقيقات متواصلة    الشعب المغربي يخلّد الذكرى ال72 لملحمة ثورة الملك والشعب    إنجاز علمي مغربي.. رسم الخريطة الجينية الكاملة لشجرة الأركان يمهد لآفاق جديدة    مساعدات المغرب لغزة تعزز التضامن    إسبانيا.. توقيف عنصرين موالين ل»داعش» بالتعاون مع المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني    إنتر يرفع الراية البيضاء في صفقة لوكمان    وزارة الصحة تطلق صفقة ضخمة تتجاوز 100 مليون درهم لتعزيز قدرات التشخيص الوبائي    اجتماع طارئ ل "برلمان المغرب التطواني".. هل يعلن المكتب المسير عن استقالته؟    محامي عائلة "محمد إينو" يعلن عن تطورات جديدة في ملف "القتل العمد ضد مجهول"        "البريمرليغ" يقترب من رقم قياسي جديد في سوق الانتقالات الصيفية    مهرجان سينما الشاطئ يحط الرحال بأكادير    بعد زيادتين متتاليتين.. انخفاض محدود في سعر الغازوال    الألماني هانزي فليك يضغط على إدارة برشلونة لتسجيل مارتن    صيادلة المغرب يحتجون بحمل الشارات السوداء ويهددون بالتصعيد ضد الوزارة (فيديو)    ارتفاع طفيف للدولار أمام العملات الرئيسية    تربية الأحياء المائية.. الوكالة الوطنية تنطلق في مراجعة المخططات الجهوية    20 غشت.. ذكرى ثورة الملك والشعب    روبوتات دردشة تقدم محتويات جنسية لأطفال تقلق حكومة البرازيل    دراسة: المعمرون فوق المئة أقل عرضة للإصابة بالأمراض المتعددة    البرغوثي المحرر من السجن في فلسطين ينضم إلى أزلام المطبعين مع الانحلال في المغرب    بطولة انجلترا: الاسكتلندي بن دوك ينتقل من ليفربول لبورنموث    أفغانستان.. زلزال بقوة 5,1 درجات يضرب منطقة هندوكوش    خبيرة أمريكية تكشف مدة النوم الضرورية للأطفال للتركيز والتفوق    "غوغل" تضيف تحديثات إلى تطبيق الترجمة    مهرجان "أصوات نسائية" يختتم مرحلته الأولى وسط أجواء احتفالية    سعد لمجرد يعود لمعانقة الجماهير المغربية عبر منصة مهرجان القنيطرة في سهرة استثنائية    المغرب.. حين تُحلّق الطائرات محمّلة بالحياة نحو غزة    مؤسسة المهرجان المتوسطي للثقافة الأمازيغية بطنجة تنعي الروائي الكبير صنع الله إبراهيم    مهرجان الشواطئ يواصل جولته ويشعل مرتيل والناظور والسعيدية    "بعيونهم.. نفهم الظلم"    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نحن والهاتف النقال؟

يعتبر المغرب من الشعوب الاستهلاكية والتي تبحث عن الكماليات قبل الأساسيات، فتجدنا نهتم بشراء الساعات دون احترامنا والتزامنا بالوقت، وتجدنا نشتري "البارابولات" دون اهتمامنا بالبرامج الوثائقية والأفلام الجادة أو القنوات الإخبارية، وتجدنا نربي الكلاب ولم نربي حتى أنفسنا، وتجدنا نصارع للبس أحسن ما يكون وننسى الاهتمام بعقولنا وبثقافتنا، وتجدنا سباقين لشراء المنتجات الجديدة دون أن نسعى إلى تكوين شخصياتنا وبناء ذواتنا.
وسنسلط الضوء اليوم على نموذج من علاقتنا بإحدى الكماليات التي أصبحت في الوقت الراهن من الضروريات. والمتمثل في الهاتف النقال وملابسات حضوره في حياتنا اليومية.
فرغم البطالة الخطيرة التي يعرفها المغرب فلا تفتأ تسمع رنين الهاتف النقال أينما حللت وارتحلت في مختلف الفضاءات العامة والخاصة.
وكم من المناظر المضحكة رافقت الموجة الأولى لظهور الهاتف النقال في الأسواق وفي حياتنا اليومية:
- في الأيام الأولى لظهور الهاتف النقال ترى الناس في الشارع وكأنهم في استعراض مفتوح في الشارع العمومي، تجد كل واحد يعلق هاتفه النقال في حزام سرواله و يعمد إلى إزاحة السترة بيديه لكي يظهر الهاتف للناس.
- وترى آخر ممسكا بالهاتف النقال طوال تجواله لا يفارق يده أبدا!
- وأخرى تعلقه في عنقها بحزام،
- والآخر يتكلم بصوت مرتفع وترتفع ضحكاته كالمجنون،
- وآخر ركب أضواء خلف هاتفه تشتعل حين يكون الخط متصلا ليلفت الانتباه،
- وفلاح يتكلم بأعلى صوته معتقدا بأنه بذلك سيوصل صوته لمخاطبه،
- وعجوز يرن الهاتف فتبحث عنه في كل مكان في جسدها لتعرف موضعه،
- وآخر في حافلة يرن الهاتف ويحاول جاهدا أن يجيب عن المكالمة دون أن يضغط على أي زر!
- وآخر لا يفارق الهاتف أذنه حتى شك أصدقاءه أنه مجرد تمثيل، مما حدا بهم لانتزاع الهاتف منه ليجدوا أنه فعلا كان يمثل لأيام طوال، وأنه كان يتكلم مع شخصيات وهمية!
- وآخر في الكورنيش وأمام جمع غفير من الناس، يدعي أنه يتكلم ويتحدث ويتبجح ويقهقه، وإذا بالهاتف يرن وهو في أذنه! فتعالت موجة من الضحك والاستهزاء به دون انقطاع.
- وآخر يتكلم وهو سائق سيارته في شارع مكتظ بالسيارات...
ومن المظاهر التي تؤكد تخلفنا ولا نظامنا وقلة أدبنا واستهتارنا؛ أن تجد أينما حللت وارتحلت أصوات الهاتف النقال في المحاضرات والندوات، بل حتى في المكتبات والمساجد!
إن المغاربة والشعوب المتخلفة عموما هي أكبر الشعوب التي يروم أفرادها إلى امتلاك الكماليات من أجل الامتلاك أكثر من أهميتها للاستعمال، فتجد جميع البراريك بدون استثناء زمن ظهور البارابول، مركبة "بارابولها" في سطوح براريكها، فقط "لأن فلانة دارت البارابول حتى أنا خاصني يكون عندي بارابول!"
صحيح أن الهاتف النقال أصبح اليوم من الضروريات، لكن لابد من الاعتراف أننا لازلنا نبحث في الهاتف النقال رغم أن هذا الأمر بدأ يتراجع مع الزمن، لازلنا نبحث عنه ككمالية وكتباهي، فلا يستطيع أحد من المغاربة أن ينكر أنه زمن ظهور الهاتف النقال في حياتنا، أن المغاربة كانوا يعملون المستحيل في أغلبيتهم طبعا لامتلاك هاتف نقال صغير وغالي الثمن( بربع مليون أو أكثر أحيانا!) ليكون مظهرا من مظاهر التميز الاجتماعي. وعلى العكس من ذلك كله تجد رئيس شركة بإسبانيا أو غيرها من الدول المتقدمة، لديه هاتف نقال عاد جدا (ومن النوع الذي لا يرضى مغربي بحمله أو استعماله).. لا يهتم أن يكون من النوع الفلاني أو الترتلاني، المهم أنه يقضي به مصالحه ويحقق به أغراضه ويتواصل به مع العالم.
فكثير منا يشترون المحمول دون حاجة قصوى إليه أحيانا، إنه أصبح من الكماليات الضرورية! إنها المباهاة وموضة العصر.
وأكثر من ذلك، ومن جهة نفسية واجتماعية، يعتبر الهاتف النقال وسيطا وأحد الممرات الإضافية لما يسميه علماء الاجتماع ب "الفردانية الحديثة". حصول الناس على المحمول يعلم الفردانية والتواكل وربما الانقطاع عمدا عن بعضنا البعض، الهاتف النقال بقدر ما يقرب فهو أيضا يباعد بين الأشخاص، يتحول المحمول كوسيلة للهرب والكذب والتسويف والمماطلة.. وليس كالهاتف الثابت يوطد العلاقات لأنه ثابت في مكانه وإمكانيات الكذب تقل لانعدام إمكانية الانتقال وخلق الأعذار... ليس وحده ف المنتجات الحديثة و كثرة عددها وتوافرها في السواق و بأثمنة مناسبة جدا جعل الشخص الواحد يمتلك: التلفاز و الراديو الخاص به، و الحاسوب المحمول، و يمتلك ال walk man، و ال m.p.3 أوm.p.4 الشخصي،... فأين زمن الاستمتاع بأم كثوم كل يوم جمعة مساء؟ و أين نحن من حومة بأسرها تستمع إلى الأخبار.. فتسمع "هنا القاهرة!" فيطبق الصمت في الدار أو المقهى حتى ينتهي عرض الأخبار لتعم الفوضى والجلبة والنقاش من جديد...
أيضا نخرج هواتفنا للتبجح أمام العائلة والأصدقاء أو في الشارع أمام الناس فنرمي أنفسنا داخل سياق آخر خارج السياق الذي نعيشه يوميا. وتتحول المكالمة أحيانا لدى البعض وسيلة لإبراز الذات ورسم واقع اجتماعي معين فتصبحالمكالمة خادعة للمحيط المنطلقة منه المكالمة، كما تخدع المكالمة الطرف الثاني (المُخاطَب)، حيث تضل الرسالة المتلقاة فارغة.
الهاتف النقال أصبح موضوع مشاهدة بدل وظيفته الطبيعية كموضوع استماع، فتصبح عملية الاتصال بشخص يملك هاتفا نقالا رفعا من شأنه في هذا الإطار، لأن كثرة المكالمات التي يتلقاها تبين مدى أهميته في المجتمع...
وتأملوا معي ظاهرة أخرى متمثلة في طلب رقم الهاتف التي تحصل بين طرف وآخر، فما هي مبررات طلب أرقام الهاتف من الآخرين عموما؟ البراغماتية والمصلحة الشخصية طبعا! نطلب أرقام الأشخاص المفيدين والمهمين لنا، والذي يكون لنا شرف مكالمتهم، أما من لا يهموننا فنحن نقصيهم ونمسح أرقامهم... وحتى إن احتجت أحدهم فإنك تستعمل الرقم في تلك اللحظة لتستغني عنه فورا..
إن كثيرا من أمراضنا الاجتماعية والنفسية تظهر جلية في عاداتنا الصغيرة، البسيطة، واليومية، خصوصا فيما يتعلق بعلاقة الإنسان العربي والمسلم مع مخترعات العصر الحديث. فمن منا يستعمل الإيمسين ويعرف مخترعه أو على الأقل 10 بالمائة من خصائصه، أو ذاك الهاتف النقال الغالي الثمن وهو لا يستعمل من قدرات ذلك الهاتف إلى ما لايتجاوز ال 10 بالمائة...
فباركا من "العياقة"!
مزيدا من الانسجام مع الذات.
وقليلا من السكيزوفرينيا والعيش بأكثر من قناع...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.