لطالما كان الإنسان منذ فجر التاريخ كائنًا يسير على خطين متوازيين: حب المعرفة من جهة، والرغبة في التعبير عن الذات من جهة أخرى. فالحوار كان ولا يزال الجسر الذي يعبر عليه الفكر إلى ساحات أوسع من الفهم والتفاهم. في أثينا القديمة، حيث انطلقت الفلسفة، ظهر رجل بسيط المظهر لكنه عميق التفكير، يُدعى سقراط. لم يكن سقراط يحمل أعظم الإجابات، بل كان يحمل أعظم الأسئلة. أسئلة بسيطة لكنها حادة، تقطع وهم المعرفة الزائف، وتدعونا لننظر داخل أنفسنا لنكتشف كم نحن نجهل. يُحكى أن سقراط لم يكن يردّ على كل كلمة تُقال، ولم يُصرخ ليُثبت رأيه، بل كان يستمع بابتسامة، يطرح سؤالًا بسيطًا يحرك تفكير خصمه أو صديقه. كان يعلم أن نزع الغرور هو مفتاح الحكمة، وأن القناعة تبدأ حين يُقر الإنسان بحدود معرفته.