حصيلة حرب الطرقات خلال أسبوع واحد    مجلس المنافسة سيفتح تحقيقا في حالة ثبوت تدارس أرباب ومسيري مقاه إمكانية إقرار زيادة في تسعيرة استهلاك المشروبات المقدمة    طابع تذكاري يحتفي بستينية السكك الحديدية    مقتل فتى يبلغ 14 عاماً في هجوم بسيف في لندن    نشرة إنذارية.. أمطار قوية أحيانا رعدية مرتقبة بتطوان    الأمثال العامية بتطوان... (586)    محطات الوقود تخفض سعر الكازوال ب40 سنتيما وتبقي على ثمن البنزين مستقرا    نقابي: الزيادة في الأجور لن تحسن القدرة الشرائية للطبقة العاملة والمستضعفة في ظل ارتفاع الأسعار بشكل مخيف    الدوحة.. المنتدى العربي مع دول آسيا الوسطى وأذربيجان يؤكد على ضرورة الالتزام باحترام سيادة الدول واستقلالها وضمان وحدتها    المهمة الجديدة للمدرب رمزي مع هولندا تحبس أنفاس لقجع والركراكي!    قراءات سياسية ترافق سيناريو فوز "الأحرار" بجل الانتخابات الجزئية    استثمارات بقيمة تفوق 73 مليار درهم تعد بخلق 70 ألف منصب شغل جديد بجهة طنجة    لأول مرة.. "أسترازينيكا" تعترف بآثار جانبية مميتة للقاح كورونا    هجرة/تغير مناخي.. رئيس الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا يشيد بمستوى التعاون مع البرلمان المغربي    ليفاندوفسكي: "مسألة الرحيل عن برشلونة غير واردة"    الصناعة التقليدية تحقق 11 مليار درهم من العملة الصعبة.. وأوضاع الصناع تسائل عمور    من يراقب محلات بيع المأكولات بالجديدة حتى لا تتكرر فاجعة مراكش    بسبب نهضة بركان.. "الطاس" يصدم اتحاد العاصمة الجزائري    في عز التوتر.. المنتخب المغربي والجزائري وجها لوجه في تصفيات المونديال    بلينكن يؤكد أن الاتفاقات الأمنية مع السعودية لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل شبه مكتملة    الجولة 23 من بطولة القسم الثاني : الكوديم يحافظ على الصدارة ولوصيكا يحتج التحكيم والصراع يشتعل في أسفل الترتيب    مساء اليوم في البرنامج الأدبي "مدارات" : المفكر المغربي طه عبد الرحمان.. بين روح الدين وفلسفة الاخلاق    ستة قتلى في هجوم على مسجد في هرات بأفغانستان    وزارة الاقتصاد: عدد المشتركين في الهاتف يناهز 56 مليون سنة 2023    توافد 3,3 مليون سائح على المغرب خلال الفصل الأول من 2024    دل بوسكي يشرف على الاتحاد الإسباني    توقيف نائب رئيس جماعة تطوان بمطار الرباط في ملف "المال مقابل التوظيف"    مورو يبحث في بكين عن جذب استثمارات صناعية لجهة طنجة    مساعد الذكاء الاصطناعي (كوبيلوت) يدعم 16 لغة جديدة منها العربية    تعبئة متواصلة وشراكة فاعلة لتعزيز تلقيح الأطفال بعمالة طنجة أصيلة    الدورة ال17 من المهرجان الدولي مسرح وثقافات تحتفي بالكوميديا الموسيقية من 15 إلى 25 ماي بالدار البيضاء    مقاييس الأمطار بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    الملك محمد السادس يهنئ عاهل السويد    تم إنقاذهم فظروف مناخية خايبة بزاف.. البحرية الملكية قدمات المساعدة لأزيد من 80 حراك كانوا باغيين يمشيو لجزر الكناري    صفرو.. أنسبكتور استعمل سلاحو الوظيفي باش يوقف مشرمل جبد جنوية وهدد بها الناس    "الظاهرة" رونالدو باع الفريق ديالو الأم كروزيرو    الريال يخشى "الوحش الأسود" بايرن في ال"كلاسيكو الأوروبي"    "أفاذار".. قراءة في مسلسل أمازيغي    أفلام بنسعيدي تتلقى الإشادة في تطوان    نقابيو "الجماعة" ينددون بالتضييق على الحريات وقمع المعارضين والصحافيين    صور تلسكوب "جيمس ويب" تقدم تفاصيل سديم رأس الحصان    استهداف المنتوج المغربي يدفع مصدرين إلى التهديد بمقاطعة الاتحاد الأوروبي    دراسة علمية: الوجبات المتوازنة تحافظ على الأدمغة البشرية    ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34 ألفا و535 شهيدا منذ بدء الحرب    التنسيق الوطني بقطاع الصحة يشل حركة المستشفيات ويتوعد الحكومة بانزال قوي بالرباط    فرنسا تعزز أمن مباني العبادة المسيحية    العثور على رفاة شخص بين أنقاض سوق المتلاشيات المحترق بإنزكان    عرض فيلم "الصيف الجميل" للمخرجة الإيطالية لورا لوتشيتي بمهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط    فيلم من "عبدول إلى ليلى" للمخرجة ليلى البياتي بمهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط    مدينة طنجة توقد شعلة الاحتفال باليوم العالمي لموسيقى "الجاز"    تكريم الممثل التركي "ميرت أرتميسك" الشهير بكمال بمهرجان سينما المتوسط بتطوان    توقعات طقس اليوم الثلاثاء في المغرب    حمى الضنك بالبرازيل خلال 2024 ..الإصابات تتجاوز 4 ملايين حالة والوفيات تفوق 1900 شخص    المفاوضات بشأن اتفاق الاستعداد للجوائح بمنظمة الصحة العالمية تدخل مرحلتها الأخيرة    هيئة كبار العلماء السعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون تصريح    السعودية: لا يجوز الحج في هذه الحالة.. ويأثم فاعله!    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (8)    الأمثال العامية بتطوان... (584)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مساءٌ مُثْقَلٌ بأغْبرةِ الغُربةِ!
نشر في أون مغاربية يوم 22 - 05 - 2013

بَلغَتْني رِسالَةٌ مِنْ مُنتدى شُعراء بِلا حُدودٍ، مِن الشّاعِرِ العِراقيّ سعيد إبراهيم الجافّ، يقولُ فيها:
كمْ مِنْكِ امْرَأةٌ ، وكَمْ مِنْكِ إلهٌ وَدَمُهُ خُبْزٌ وماءٌ؟ كمْ مِنْكِ سَأسْتطيعُ أنْ أشْكُرَ؟
خسارة.. لأنّني أعمًى، وسوْفَ لن أرى كُلَّ مُحَيَّاكِ.. مَعَ الحُبّ.
وقدْ جاءَتْ هذهِ الرّسالةُ كَرَدٍّ على إحْدى تعقيباتي، في قصيدةٍ لهُ، كُنْتُ قد تَناوَلْتُها في قِراءَةٍ سَريعةٍ منذ عام 2006، وقد فقدتُها عنوةً، ككثيرٍ من القِراءاتِ والموادِّ والقصائدِ الّتي مَحَتْها ذَاكِرَةُ حَاسُوبي الخرِفةِ دونَ رأفةٍ، وقد فرحتُ بالرّسالة أيّما فرح، إذ أعادَتْ لي بعضَ ماضٍ مُحبَّبٍ، كانَ معَ كوكبةٍ رائعةٍ مِنْ شُعَراءَ وأدباءَ، يَتواصَلونَ بالحَرْفِ والصِّدْقِ في رُدودِهِم، على اختلافاتِها وتَنَوُّعاتِها.
كَوْمَةٌ
إبراهيم سعيد الجاف
فثمّةَ مساءٌ يسمع ذبائح مَواسم الحيض
يستنشق زبدَ النشيد غريبًا يسرد
الأمكنة من أوطأ الفراغ، أيّها
الجالسون الضحى والرثاء وكومة من عراء
والمغيب كومة غياب والغياب
كومة حارة وكومة بكاء
كومة نسيتم أن تزرعوا الدم على طلعة التراب من سنين
هو لا يفرد الدم
عن القشة مديح الذبائح
هو لا يفرد الدم
عن موجة كسلى اختنقت على شفة الرثاء
يا كومة من ظلي
دونَ أبجديّاتٍ تحنو ولا تُدركُ الأرض
فآخِرُ الفراغ النّذور تُصلّي مِلْءَ السّلالِمِ
شهوات الآلهة
لا أعرفُ
كيفَ ستَمرحُ أعلى القمحة
وهواؤك وسط الابتهالِ يَسألُ الهبوبَ
يا كسائي اسْتَكِنْ
وأَلْبِسْني الأحْقابَ
فالمساءُ ثقيلٌ حينَ لا يَغسِلُهُ وَطني.
فكتبتُ آنذاكَ أقولُ: فآخرُ الفراغِ النّذورُ تُصلّي ملءَ السّلالمِ شهواتِ الآلهة
بومضةٍ سريعةٍ تلِجُ هذهِ الصّورةُ إلى ذهن القارئ، وتَسوقُهُ إلى السّومريّةِ والبابليّةِ تحديدًا، مَنبَتِ شاعِرِنا الجافّ، تَتصاعدُ بهِ إلى قمّةِ الفراغِ والهباءِ، إلى مذبحِ الآلهةِ، حيثُ يُقرّبونَ الذّبائحَ، وبلغةٍ تهكّميّةٍ يُعبّرُ عن قصوى السّخرياتِ، إذ إنّ سفكَ الدّماءِ "ماءِ الحياة" وهدْرَها، هي أعظمُ قرابينَ تُقرَّبُ للآلهةِ، ولا زالتْ تُسفَكُ قربانًا للصّراعِ في الحياةِ الدّنيا!
فثمّةَ مساءٌ يَسمعُ ذبائحَ مواسمِ الحيضِ
يستنشقُ زبدَ النّشيدِ غريبًا
يسردُ الأمكنةَ مِن أوطأِ الفراغِ
كلمةُ الفراغ تكرّرَتْ مَرّتيْنِ، للتّأكيدِ المَعنويّ، لِتَعودَ بِنا وبتأكيدٍ صارمٍ إلى زمنِ الأساطيرِ، منذُ بدْءِ أثَرِها على الإنسان، لتَسرُدَ التّاريخَ الفارغَ مِن منطقيّتِهِ بِرُمَّتِهِ.
ذبائح/ الدم/ الحيض/ يستنشقُ/ زبد/ موجة كسلى
مُفرداتٌ تُعيدُنا إلى إطارِ النّظامِ الأسْطوريّ، حيثُ كانتِ الذّبائحُ والقَرابينُ تُقدَّمُ للآلِهةِ، كي تَستمدَّ التّمائمُ والتّعاويذُ منها قوّةً وفاعليّةً، فخوْفُ الإنسانِ مِنَ المَجاعاتِ، وخِشْيتُهُ مِن مَواسِمِ القَحْطِ واليَبابِ، وطَمَعًا في وفْرةِ المَحاصيلِ والغِلالِ، دَفَعتْهُ إلى اللّجوء لتهدئةِ غضبِ آلِهةِ الخصوبةِ والغيْثِ والبَحرِ والنّهر، وتقديمِ الفِديَةِ البَشريّةِ مِنَ الأطفالِ، أو الفتَياتِ الجَميلات، كعربونَ طاعةٍ ووَفاءٍ، إمّا ذبْحًا على المَذابحِ، أو قذفًا بهِمْ في النّارِ المُوقَدَةِ أمامَ تلكَ التّمائمِ، أوْ بِزَفّ العَذراواتِ الجَميلاتِ إلى الآلِهةِ، بتَزاوُجِ إغْراقِهِنَّ في مياهِ البُحيْراتِ والأنهار!
إنّ الدّماءَ بمَثابةِ تَطهيرٍ وتدْنيسٍ في كِلا الآنَيْنِ، وبِصِفةٍ خاصّةٍ دِماءُ مَواسم الحيْض، لكنْ لَها دَلالةً أخْرى، ربَّما أرَادَها الشّاعر أن تكونَ كنايةً عن تَقَزُّزِ روحِهِ مِنْ سُلوكيّاتٍ وعاداتٍ مُورِسَتْ قديمًا!
لكن، لِماذا يَستَحْضِرُها هاهُنا، بكُلِّ تَفاصيلِها المُوجَِعَةِ ثانيةً؟
يسمع/ يستنشق/ يسرد/ يفرد/ تحنو/ تدرك/ تصلي
كلُّها أفعالٌ مُضارِعةٌ، تُشيرُ إلى استمراريّةِ الفِعلِ والطّقوسِ الغابِرةِ، ولكنْ بِصُوَرٍ وأشْكالٍ أخْرى حتّى حاضِرِنا هذا، بِدْءًا مِنِ اقْتِتال هابيلَ وقايينَ أبناءِ آدَمَ، ومُرورًا بحُروبٍ ومَعاركَ ومَذابحَ، أُريقَتْ فيها دِماءُ المَلايينِ مِنْ الضحايا؛ بَني الإنْسان!
يَسْتنشِقُ زبَدَ النّشيدِ غريبًا!
صورةٌ مُرَكّبةٌ، تحْمِلُ ما تحملُ مِنَ اسْتِعاراتٍ ورُموزٍ طائلةٍ، ألَعَلَّهُ يَقصِدُ نشيدَ العِراقِ الوَطَنِيّ؟
موْطني موطني
الجلالُ والجَمالُ والسّناءُ والبَهاءُ في رُباك
والحياةُ والنّجاةُ والهَناءُ والرّجاءُ في هَواك
هل أراك سَالِمًا مُنعَّمًا أو غانِمًا مُكَرَّمًا؟ هل أراكَ في عُلاك؟
لكنّ هذا النّشيدَ أضحى غريبَ المَضمونِ والهيْئةِ عنْ وَجهِ الحقيقةِ المُهَشَّمِ، وباتَتْ غريبةً أنفاسُ مَراياهُ عن رئِتَيْ عذارى روحٍ تُزاوجُ المَوْت.
وكومة من عراء/ كومة/ والمغيب كومة غياب/ والغياب كومة بكاء/ كومة حارة / يا كومة من ظلي/
بلَمْحَةٍ خاطِفةٍ تُعيدُني هذه الكلماتُ إلى سيرةِ سيّدِنا إبراهيم، حينَ شاطَ غضبًا، وتقَدّحَ ذِهْنُهُ شَرَرًا، مُهَدِّدًا عَرْشَ المَلِكِ النمرودِ، مُحَطِّمًا الأوثانَ، ومتَحَدِّيًا، جاعِلًا الفأسَ مُعلَّقًا في رَقَبَةِ كبيرِ الآلهةِ، ذَليلًا، عاجِزًا عن النُّطْقِ والبَوْحِ.
أيُّها
الجالِسونَ الضّحى والرّثاءَ وكوْمةً مِنْ عَراء
والمَغيبُ كوْمةُ غيابٍ، والغِيابُ
كومَةُ حارةٍ وكوْمَةُ بُكاء
كانَ الوَثنيّونَ قدْ جَمَعوا أكوامًا مِنَ الحَطَبِ المَنقوعِ بالقارِ والنّفطِ، ليَثْأروا لِلآلِهةِ المُحَطَّمَةِ، وقَدْ رُمِيَ السّيّدُ إبراهيمُ بالمَنجنيقِ وسطَ اللّهيبِ، فما كانَتْ بأمْرِ سُبحانِهِ، إلّا برَدًا وسَلامًا عَليْهِ، فلَمْ تَمْسُسْهُ بسُوءٍ، إذْ فَقَدَتْ قُدْرَتَها على الإحراقِ!
ألَعَلَّ الشّاعِرَ إبراهيم سعيد الجاف، اتّخَذَ مِنْ سِيرةِ سيّدِنا إبراهيم الخليل، وما عاناهُ من ظلمٍ وإجحافٍ معَ الكُفّارِ، صورةً مُشابِهةً ومختزَلَةً لحياةِ الشّاعِرِ، وما كَابَدَهُ في الأسْرِ والحَرْبِ؟
الضّحى: رمزٌ لشِدَّةِ الحَرِّ وأوْجِ لَهيبِ الحَرْبِ الحارِقِ.
كوْمَةٌ مِنْ عَراء: رمْزٌ لِلضّياعِ والشّتاتِ.
مِنْ خِلالِ مُعجَمِ الشّاعِرِ بمُفرَداتِهِ المُنتقاةِ ورَمْزيّتِها، يَنتهِجُ الشّاعِرُ تدَرُّجًا مُنْسَجِمًا في تصويرِ هَوْلِ الاشتعالِ في الضّياعِ، والغيابِ في أكوامِ الحرائقِ والدّمْعِ والخوْفِ واليأسِ!
نَسيتُمْ أنْ تَزْرَعوا الدَّمَ عَلى طَلْعَةِ التُّرابِ مِن سِنينَ
هُوَ لا يَفْرُدُ الدّمَ
عَنِ القَشّةِ مديحُ الذّبائحِ
هُوَ لا يَفْرِدُ الدّمَ
عن موجةٍ كسلى؛ اخْتَنَقَتْ على شَفةِ الرّثاءِ
يا كوْمَةً مِنْ ظِلّي
دونَ أبجديّاتٍ تَحنو ولا تُدْرُكُ الأرْضَ
معاتبًا ولائمًا يُخاطِبُ الجالِسينَ الضُّحى، فمَديحُ الذّبائحِ أبدًا ليسَ يُباعِدُ، أو يَفْصِلُ بيْنَ الدّمِ والقَشّ، أو بَيْنَ الدّمِ ومَوْجَةٍ كسْلى اختَنَقَتْ على شَفةِ الرّثاءِ، فكَوْمَةٌ مِنْ ظِلِّ الشّاعرِ المُواطِنِ المَسْحوقِ، لا وَزْنَ ولا لوْنَ لها، بل تَخلو تمامًا مِنْ أبْجَديّاتٍ تَحنو، ولا تُدرِكُ الأرْضَ بمَداها، والأرْضُ هِيَ رَمْزٌ لِلحياةِ والاسْتِقرارِ، كما لا تَحْمِلُ إلّا خساراتٍ وفَشَلًا ذريعًا!
لذا؛ ما زالتِ الكوْمةُ على مَرِّ العصورِ والتّاريخِ شُعلةً ناريّةً موقَدةً حربًا، ما داهَمَتْها شيخوخةُ الرّمادِ، وقدْ طُرِدَ إبراهيمُ مِنها مِنْ أرْضِ بابِلَ، ولا زالَ آهِلوها يُطْرَدونَ ويُعانونَ بَطْشَ شُرورِ الوَثنيّينَ!
لا أعْرِفُ
كيفَ ستَمْرَحُ أعْلى القمْحةِ
وهَواؤُك وسطَ الابتهالِ يَسْألُ الهُبوب!
القمحة: رَمزٌ لِلحياةِ والخبزِ والإشْباعِ، رَمْزٌ للخيْرِ والرَّغَدِ والعيْشِ الهانِئِ، وقدْ كانتْ تُقدَّمُ سَنابِلُ القمْحِ على المَذابحِ، كيْ تُبارِكُها الآلِهةُ، وترضى عنهُم، وتَمنَحَهُمُ الخيْرَ، فكيفَ لِلقمْحَةِ هذهِ أنْ ترْمَحَ وتمْرَحَ وتَحيا دوْرتَها، وطواحينُ الهواءِ ساكِنةٌ، تتضرّعُ وتَبتَهِلُ لهُبوبِ الهَواءِ، لِتُحَرِّكَها وتَطْحَنَها؟
الشّاعِرُ بمُؤشِّراتِهِ العديدةِ، يُشَكِّلُ التّاريخَ ببِنائِهِ الجَديدِ، ويَرْسُمُ آفاقًا حافِلةً بدَلالاتٍ حَرَكِيّةٍ، تَسيرُ بوَقْعٍ بَطيءٍ ووامضٍ، حتّى يَصِلَ غايةً، تنتهي بالكثيرِ مِنَ المُعاناةِ والمُكابَدَةِ، وبِنَوْعٍ مِنَ اسْتكانةِ وَطَنٍ يائِسٍ خائِبٍ، مُثْقَلٌ مساؤُهُ بأغْبرةِ الغُربةِ!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.