الخبير في علوم الإعلام نود التطرق معكم خلال هذا الحوار القصير إلى مضمون البرنامج الحكومي وتحديدا ما يهم فيه شق الإعلام والاتصال، فما هي ملاحظاتكم الأولية حول الموضوع؟ شق البرنامج الحكومي المرتبط بالإعلام يبدو لي، من الزاوية النظرية على الأقل، مصاغا بطريقة جيدة، تغطي كل الجوانب المفروض أن تتوفر في كل أداة إعلامية، مكتوبة كانت أم مسموعة أم مرئية، أم ما سواها. ومصاغا بطريقة عملية أيضا لأنه يراهن على ضرورة إعادة النظر في تركيبة وطبيعة النصوص والقوانين المقننة والمنظمة لهذا القطاع: أولا: المفروض في الإعلام أن يكون مرآة لتموجات المجتمع السياسية والاقتصادية والثقافية، ليس فقط من باب إعادة إنتاج ما يوجد بأرض الواقع، بل وأيضا بجهة الإسهام في الرقي بهذا الواقع، توفيرا للخبر والمعلومة، تأطيرا للرأي العام، وكذلك المساهمة في كشف العيوب القائمة والدفع بجهة إصلاحها وتقويمها. هذا هو التصور الذي لطالما دفعت به شخصيا ودفع به آخرون غيري، أن يجد ترجمة سياسية له بالتصريح الحكومي، فهذا أمر مهم للغاية، لا سيما وأن العزيمة في ذلك قائمة وثابتة فيما أتصور، وأنا أعرف كفاءة وزير الاتصال الجديد وقدرته على تصريف ذلك بالصيغة المناسبة. ثانيا: بخصوص إصلاح قطاع الإعلام أو الاتصال، أو ما قدم على أساس أنه إصلاح، لم يكن يتم في الماضي إلا وفق زاوية إدارية وفوقية متعالية من لدن الوزارة، ولا يستشار الفاعلون إلا بعد صياغة المسودات الأولية، في حين أن المطلوب كان يجب أن يكون من خلال إشراكهم في هذه الصياغة بالبداية وإلى حين بلوغ مستوى المسودة النهائية. ولهذا السبب ربما تعثرت معظم المشاريع وبقيت معلقة لأنها لم تكن مجال توافق بين الفاعلين. بالتصريح الحكومي الحالي، يبدو لي أن العزيمة في إشراك الفاعلين سيكون من شأنها تجاوز هذه العثرات، لا سيما فيما يتعلق بقانون الصحافة المتعثر، ثم بقانون النفاذ للمعلومات. هذين قانونين لا يمكن أن يمررا دون عملية التشارك هاته، لأنه بها يمكن إنجاحهما. ماذا عن قراءتك للربط الذي وضعه البرنامج الحكومي للحرية بالمسؤولية في مجال الإعلام وأيضا حول الجانب الذي يهم السمعي البصري؟ بجانب الحرية والمسؤولية، يبدو لي أن الأصل في العملية هو تحديد قواعد اللعبة بين الفاعلين بما يضمن سريانا للخبر انسيابيا ودون معوقات قانونية، ولكن يضمن أيضا حق المجتمع في معلومة دقيقة وموثقة مع احترام حرية التعليق والاجتهاد في القراءة. هذه مسألة أساسية من شأنها، عندما يتم تصريف هذا الشق من التصريح الحكومي، تجاوز المتابعات والتخفيف من الاحتقان الذي يطبع مجال الفعل الإعلامي بكل روافده. أما ما يهم جانب السمعي البصري فيبدوا لي أن التصريح الحكومي يعبر حقا عن عزيمة في الإصلاح, بغرض الرفع من مستوى أداء ما يسمى بالقطب العمومي. بهذه النقطة يبدو لي أن ما بات عليه واقع هذا القطب لا يستوجب الإصلاح. إنه يستوجب عملية جراحية حقيقية للقطع مع الرداءة المتفشية به لأكثر من عقد من الزمن. هذا القطاع بات عصيا على الإصلاح بكل المقاييس, لأن قيمة الرداءة أضحت من بين ظهرانيه, قيمة اعتبارية بالقياس عليها, لا على غيرها من القيم, يتم الإنتاج ويصرف المال العام. أنا شخصيا أنتظر الكثير بهذا الجانب, وأنتظر تحديدا القطيعة لا الإصلاح. تطرق البرنامج أيضا لموضوع الإشهار، والذي أثار وما يزال يثير الكثير من الأسئلة حول احتكاره وعدم انضباط الفاعلين فيه؟ بالنسبة لموضوع الإشهار فهو مشكل لوحده ويحتاج إلى ترسانة قانونية خاصة، إنه يعرف فوضى كبيرة بين المتعهدين ووسائل الإعلام دون رقيب أو حسيب، ناهيك عن اللوحات الإشهارية بشوارع المدن والتي لا تزال لحد الساعة مكمن احتكار. هذا القطاع حيوي للغاية, ويجب إخضاعه للقانون بسرعة. بهذه النقطة أيضا، أراهن على عزيمة الحكومة الحالية في إيجاد المخارج المناسبة للتجاوز على وضعية الريع التي لا تزال قائمة بقطاع الإشهار.