من المفارقات المحزنة في حياتي أننا وصلنا حدا من التخلف، بتنا فيه نهتم بالنصوص تبعا لقائلها وليس تبعا لمحتواها. فظهر بين أظهرنا شباب تائه مُفتتَن، يقدس النصوص الفلسفية لديكارت وكانط وافلاطون وغيرهم من فلاسفة الغرب؛ فقط لأنهم من أمة تمكنت فيما بعد من صناعة الطائرات واكتشاف المجرات. وفي نفس الوقت يعترُّون ويستخفِّون بكلام علماء الإسلام كابن تيمية وابن القيم والغزالي؛ فقط لأن أمتهم خرج منها مؤخرا من يذبح ويقتل تعسفاً وعن جهالة؛ فحمَّلوا الأولين جريرة الآخِرِين، وخلطوا بين تألق علماء عظمهم الله في كتابه، وأجلهم في محرابه، ولا زالت تنهل الأمة من غيض فيضهم، وتستنير من قبس ضوئهم، وبين أشخاص طواهم الماضي وأكل عليهم وشرب. لم يدرِ أولئك أنه في الوقت الذي جلس فيه مالك يجمع الأحاديث في (الموطأ ) وأبو حنيفة يخطُّ كتاب (الفقه الأكبر)، و(الشافعي) وهو يخط كتاب الرسالة، والنووي وهو يدون رياض الصالحين، وابن القيم وهو يشرح بفتاويه، كان الرازي أيضا يخط كتابه في الطب ليغدو الكتاب الوحيد الذي يدرس في الكليات الطبية بفرنسا بعد ذلك، وكان في نفس الوقت ابن حيان يجري تجاربه الكيميائية، وابن النفيس يحاول متابعة الدورة الدموية، وغيرهم من علماء الدنيا الذين أسقطهم أو تعامى عنهم هؤلاء. وهذا بالطبع خواء فكري، وفراغ وتيه حضاري، يفتقد لأدنى درجات الأصالة، وأبسط ملامح الانتماء، تلك الحثالة ممن لا أظن أنها تحيط علما بفقه الطهارة، أو حتى آداب الاستنجاء ، وباءً على أمة الإسلام. الباحث : محمد البردعي/ بريس تطوان