بونو: "الأسود" متحمسون ل"الكان"    رصيف الصحافة: مباريات كأس إفريقيا تمدد أوقات إغلاق المقاهي والمطاعم    لا ثقة جديدة مع شعار مألوف .. انتهى الكلام    توقعات بأرقام قياسية في "الكان"    المغرب يفعّل لجان اليقظة لمواجهة التقلبات المناخية    تمديد تعليق الدراسة في شفشاون    حادث سير مميت يودي بحياة أربعيني بالمدينة الجديدة ابن بطوطة بطنجة    اجتماع طارئ جديد لعامل الحسيمة بسبب استمرار التقلبات الجوية والسحيمي: «فُرقنا جاهزة ومستعدون للمداومة»    الدوزي ينسحب من أغنية كأس إفريقيا    حجز أزيد من 15 ألف قرص مخدر بفاس    "التجاري وفا بنك" يستحوذ على 45 في المائة من الاكتتابات في "SGTM"    بنك المغرب يبقي على سعر الفائدة الرئيسي دون تغيير في 2,25 في المائة    وزارة التجهيز والماء تعبئ إمكانياتها لإزالة الثلوج وضمان حركة السير بعد اضطرابات جوية    تماثل للشفاء    برقية تهنئة من جلالة الملك إلى ملك مملكة البحرين بمناسبة العيد الوطني لبلاده    هيئات تطالب الحكومة بإعلان مدينة آسفي منطقة منكوبة وتعويض المتضررين وإنصاف الضحايا    بورصة البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الارتفاع    بنكيران: تلقيت تعويضا بقيمة 100 مليون سنتيم بعد إعفائي من تشكيل الحكومة    العواصف تُوقف مجددًا الرحلات البحرية بين طنجة وطريفة    دعوات لإعلان آسفي منطقة منكوبة    بنك المغرب: وقع تسجيل نمو اقتصادي بنسبة 5 في المائة سنة 2025    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال 24 ساعة الماضية    دعوة لمسيرة وطنية في طنجة رفضا للتطبيع بذكراه الخامسة    الحكم على نادي باريس سان جرمان بدفع 61 مليون أورو لفائدة مبابي كمكافآت ورواتب غير مدفوعة    ترامب يطالب BBC ب10 مليارات دولار تعويضاً عن تهمة التشهير    التربية في صلب أولوياتها…الصين ترسم معالم تنشئة أخلاقية جديدة للأطفال    بوساطة مغربية... الأمم المتحدة تعيد إطلاق حوار ليبيا السياسي        بطولة "الفوتسال" تتوقف بالمغرب    ال"كاف" تطلق دليل "كان المغرب 2025"    أبرز أحزاب المعارضة الكولومبية يرشح مؤيدة لترامب لانتخابات 2026 الرئاسية    مسلحون يقتلون 3 أمنيين في إيران    علماء يحذرون من دوامات تحت المحيط تسبب ذوبانا سريعا للجليد بالقطب الجنوبي    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الثلاثاء    "فولكسفاغن" تغلق مصنعا للإنتاج في ألمانيا لأول مرة في تاريخها    حقوقيون يحملون "الاستهتار البشري" مسؤولية أضرار فيضانات الجرف بإقليم الرشيدية    أبرز عشرة أحداث شهدها العالم في العام 2025    تراجع أسعار النفط في ظل توقعات بتسجيل فائض في سنة 2026    أخنوش: إصلاح الصفقات العمومية رافعة لتمكين المقاولات الصغرى والمتوسطة وتعزيز تنافسيتها    إحباط مخطط إرهابي خطير كان يستهدف لوس أنجلوس في ليلة رأس السنة    الإعلام الفرنسي يرشّح المغرب للتتويج بكأس إفريقيا 2025    الرواية المغربية "في متاهات الأستاذ ف.ن." ضمن القائمة الطويلة لجائزة البوكر العربية 2026    فاس تحتظن الدورة ال13 لأيام التواصل السينمائي    دورة ناجحة للجامعة الوطنية للأندية السينمائية بمكناس    مركب نباتي يفتح آفاق علاج "الأكزيما العصبية"    التحكم في السكر يقلل خطر الوفاة القلبية    جدل واسع عقب اختيار محمد رمضان لإحياء حفل افتتاح كأس إفريقيا 2025    عريضة توقيعات تطالب بالإفراج عن الرابور "PAUSE" وتدق ناقوس الخطر حول حرية الإبداع بالمغرب    بنسليمان تحتضن المعرض الجهوي للكتاب من 17 إلى 22 دجنبر احتفاءً بالقراءة في زمن التحول الرقمي    استمرار إغلاق مسجد الحسن الثاني بالجديدة بقرار من المندوبية الإقليمية للشؤون الإسلامية وسط دعوات الساكنة عامل الإقليم للتدخل    سلالة إنفلونزا جديدة تثير القلق عالميا والمغرب يرفع درجة اليقظة    المغرب: خبير صحي يحدّر من موسم قاسٍ للإنفلونزا مع انتشار متحوّر جديد عالمياً    "الأنفلونزا الخارقة".. سلالة جديدة تنتشر بسرعة في المغرب بأعراض أشد وتحذيرات صحية    سوريا الكبرى أم إسرائيل الكبرى؟    الرسالة الملكية توحّد العلماء الأفارقة حول احتفاء تاريخي بميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم    تحديد فترة التسجيل الإلكتروني لموسم حج 1448ه    موسم حج 1448ه.. تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أدب التكدية
نشر في بريس تطوان يوم 03 - 03 - 2017

كانت بغداد في العصر العباسي (جنة الموسر وجحيم المعسر) فلقد تجمعت فيها الكنوز واستفحل الغنى، ولكن توزيع الثراء لم يكن عادلا فاشتد التمايز بين طبقات الشعب وفئاته وكثر التنافس والتدافع. وكانت هناك وسائل كثيرة لامتصاص ثروة الناس من خلال فرض الجبايات المتنوعة. فضرائب على الأسواق وأخرى على الثياب الشتوية وثالثة على بيع الدواب... حتى قال الشاعر:
ويروي ابن الأثير أن شهوة الأمراء وكبار رجال الدولة كانت تبدو جلية في الاستيلاء على مواريث الناس، كذا كان كثير من الحكام يحاولون أن يعتبروا التركة من غير وارث ليستولوا عليها. ولهذا اغتنى الخلفاء والأمراء ورجال الحكم. ويقال أن الرشيد خلف بعد موته أكبر مقدار من المال هو ثمانية وأربعون ألف دينار، وكانت نفقات الخلفاء باهظة. ويروى انه كان في دار الخليفة المقتدر حوالي عام 300ه/912م أحد عشر ألفا من الخدم. وفي رواية انه كان بها سبعة آلاف خادم وسبعمائة حاجب، وقد ذكر الخوارزمي أن المتوكل كان له اثنا عشر ألف سرية، أما المسعودي فيرى أن العدد لم يكن ليتجاوز أربعمائة سرية.

وفي هذا الجو نشأ أدب التكدية.
التكدية كلمة مأخوذة من كدى تكدية أي سأل واستعطى وتكدى تسول وتكلف التكدية، والكادية شدة الدهر، والكدية الاستعطاء وحرفة السائل الملح.

أما التكدية في الأدب فتعرف بأنها: علم يعرف به طريق الاحتيال في جلب المنافع والاستجداء والشحاذة إلى اصطياد المال بمختلف الطرق والوسائل وإلى استعمال الاحتيال والمكر حينا والنفاق في الاستعطاف أحيانا وذلك من خلال الأدب نثره وشعره.

وكان الجاحظ أول من تكلم عن المكدين في كتاب البخلاء فكشف عن أسمائهم وما يمتازون به وطرق احتيالهم ومكرهم.

ويسوغ أدب التكدية النفاق ويدعو له بعد أن أصبح الناس فرقا وطبقات وجماعات كل منهم يسعى وراء منفعته بكل ما أوتي من جهد وما أتيح له من حول وبما ملك من طاقة ومن وسيلة وبعد أن غداهم كل فرد ضمان مصلحته الخاصة وتوفير الربح لنفسه دون تفكير بالآخرين بل في كثير من الأحايين على حساب الآخرين.
انتشر شعر التكدية ونثرها منذ القرن الرابع الهجري. ومن أشهر الشعراء المكدين الأحنف الكعبري وابن الحجاج، أما أشهر الناثرين فهم أولئك الذين أبدعوا أدب المقامات ويمثلهم الهمذاني والحريري.
وقد امتاز أدب التكدية بالطرف والملح ويصف المكدون أنفسهم بقولهم (بالعلم وصلنا وبالملح نلنا). وكان الصاحب بن عباد يهتم بالجوالين المكدين بحكاياتهم ومخاطرهم ولغتهم وكان يعجبه منهم الشاعر أبو دلف الخزرجي الذي كان كثير الملح والطرف أخلق تسعين عاما في الأطراف والاغتراب وركوب الأسفار والصعاب ودوخ البلاد فطاف بالهند والصين واستطاع بملاحظته الدقيقة بالعين والأذن أن يطلع على أحوال البلاد التي طاف فيها وطبقاتها المنحطة التي يجهلها المثقفون في العادة.
وكان للمكدين قصائد مطولة من الشعر الحر الذي خلا من أية صناعة لفظية أو زخرف وابتعد عن العبارات التي يتناقلها الشعراء وتجري مجرى الأمثال. ومن تلك الأشعار قصيدة محمد بن عبد العزيز السوسي أحد شياطين الإنس، فقد قال قصيدة تزيد عن أربعمائة بيت وصف فيها حاله وتنقله في الأديان والمذاهب والصناعات. وهناك قصيدة أبي دلف الطويلة التي يصف فيها أصناف المكدين وألفاظهم الصعلوكية.
وكان الشاعر منهم لا يتورع عن هجاء من مدحه من قبل والاقذاع في هجوه ويظهر ذلك في هذين البيتين اللذين يفخر بهما ابن الحجاج بنفسه.

وكان ابن الحجاج كأكثر الشعراء المكدين مخشى الجانب لرداءة لسانه ولذلك كان مقضي الحاجة مقبول الشفاعة، ولم يزل أمره يتزايد حتى حصل الأموال وصار من أهل الجاه وهو يفخر بهذا السخف الذي أوصله إلى مبتغاه:

وعلى الرغم من سخف كثير من أشعاره فقد كانت تبدو من بين ضباب مجونه واللغة العامية التي يستعملها عن قصد أشعار كأنها الكواكب في الليل فيها اقتدار وعمق مع سلامة الألفاظ وعذوبتها، ولهذا كان الشريف الرضي من أكبر المعجبين به وكان معاصروه يعدونه شاعرا كبيرا.
أما الهمذاني فكان أيضا من كبار أدباء المكدين ومن أنصار المصانعة والمداهنة والنفاق والكذب والتقلب بين المذاهب والاستكانة أحيانا والتعالي المصطنع أحيانا أخرى. ولم يكن يجد ذلك من الرذائل لأنه كان يؤمن بالمبدأ المعروف (الغاية تسوغ الوسيلة) وهو المبدأ الذي طبقه على نفسه ودارت حوله أكثر معاني مقاماته الأدبية.


فبطل مقاماته أبو الفتح الاسكندارني محتال ولكن من النوع اللطيف ويبين ذلك في أبيات جعلها أساس سلوكه واختتم بها إحدى مقاماته:

وتراه يلبس لكل حالة لبوسها ولا يستحي أن يغير مذهبه وهواه بل تراه يفخر بذلك فهو يسأل ذوي اليسار ويصانعهم ويدعي المسكنة أمامهم ويصطنع مذاهبهم ونسمعه يقول في آخر مقامة له:

ويبين الهمذاني السبب الذي ساق هؤلاء الناس إلى الإيمان بالنفاق:

وأما الناس فقد غدوا متغيرين متبدلين منافقين لا يبقون على مبدأ بل يدورون مع الليالي كما تدور.

ولهذا سار أدباء التكدية في طريق النفاق ورفدوا أدبنا العربي بشعر ونثر ضاحك ولكنه ضحك كالبكاء.
ولقد ساد أسلوب النفاق في الأدب بعدهم وصار منهجا يتبعه الكثيرون حتى يومنا الحالي فهل نستطيع صده ورده عن حياتنا أم أنه سيجرفنا فنردد مع الشاعر قوله:

-.-*.-.-*.-.-
والله الموفق
2017-03-03
محمد الشودري
Mohamed CHAUDRI


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.