انتهى فصل الصيف لتنتهي معه فترة الإقبال التي تجعل مدنا من قبيل المضيق، ومرتيل، وواد لاو وحتى تطوان وجهات مفضلة للآلاف من عشاق البحر والسياحة الصيفية. سياحة موسمية لأن أسابيع الإقبال على هذه المناطق والمدن معدودة على رؤوس الأصابع، وترتبط ارتباطا وثيقا بارتياد البحر والاستمتاع بالشواطئ الممتدة من الفنيدق وحتى بليونش وضواحيها، وصولا إلى الحسيمة، فإن انقضاء الصيف يشكل إيذانا بالركود الذي يضرب جل هذه المناطق التي تكون السياحة الموسمية عاملا في تحريك دواليب الحركة التجارية بها. وفي هذا السياق طالب بعض الفاعلين من المستثمرين في قطاع السياحة وكذا بعض المشتغلين في الخدمات من قبيل المطاعم والمقاهي السلطات المسؤولة ب "العمل على سن سياسة مستدامة في قطاع السياحة، لا تقتصر على فصل الصيف، وإنما تحاول الاشتغال من أجل جعل مناسبات مثل نهاية رأس السنة الميلادية والعطل المدرسية البينية، وكذا الأعياد... مناسبات تستقطب السياح والزوار إلى مدن الشمال". ويرى المطالبون بهذه المبادرة أن "مدن تطوان، مرتيل، المضيقوالفنيدق تتوفر على عدد من المقومات التي قد تجعل منها وجهات استقطاب لسياحة داخلية تشتغل على مدار أشهر السنة، ولا ترتبط فقط بشهري يوليوز وغشت". من أجل ذلك، طالب أحد الفاعلين الجمعويين في تصريح ل "الصباح" السلطات الحكومية ممثلة في وزارة السياحة، بالتنسيق مع المكتب الجهوي للاستثمار، بالدفع بالمشاريع التي من شأنها تعزيز العرض السياحي ودعم بنيات الاستقبال والرفع من أعدادها حتى تستطيع تنويع العرض السياحي الموجه إلى السياح الداخليين". ويرى المتحدث ذاته أن "منطقة الشمال تتوفر على كثير من المميزات، عدا عن الشواطئ الجميلة"، وهي المناطق التي طالب ب "تأهليها ووضع برامج دورية لزيارتها"، مشيرا إلى أن "الوافد على تطوان، مثلا، بإمكانه أن يتخذ منها مستقرا ومقاما له، ومنها يستطيع التوجه وزيارة مدن مثل: وزان، شفشاون وغيرهما". ولكن "يظهر أن ضيق أفق الساهرين على قطاع السياحة بالإقليم، حسب المتحدث نفسه، يجعلهم لا يراهنون على سياحة بالمنطقة خارج فصل الصيف والشواطئ". كساد تجاري قبل سنوات مضت كانت المحطة الطرقية بالفنيدق تعج بالحافلات المنطلقة من هذه المدينة والمتجهة صوب مدن كبرى مختلفة، بعد أن تكون صناديقها قد امتلأت عن آخرها بأنواع مختلفة من البضائع التي يقتنيها زبائن كانوا يخوضون على مدار أيام السنة رحلات صوب المدينة المطلة على المعبر الحدودي "باب سبتة"، لاقتناء سلع يعيدون بيعها في محلات تجارية مهيأة لترويج هذه البضائع دون غيرها، وحتى من لا يتوفر على محل تجاري فقد كان يصرف بضائعه بين الأهل والأصدقاء وحتى الجيران لأنها كانت مصدر دخل للكثيرين.. تبدلت الأحوال وتغيرت بعد أن قررت السلطات المسؤولة وضع حد لتدفق سلع باب سبتة، ولأن عملية التبضع لم تكن ترتبط فقط باقتناء السلع، وإنما كانت كذلك مناسبة تنشط فيها المطاعم والمقاهي، وكذا الفنادق غير المصنفة الموجودة بالفنيدق التي كانت تشكل مأوى لزوار المدينة، لذلك فإن "تجفيف منابع السلع المهربة، لم يصب – فقط – تجارة هذه المواد في مقتل، وإنما عمم العطالة والكساد على كثير من المرافق التي كانت تستفيد من زيارات التسوق بالفنيدق" يقول "عبد الصمد"، باعتباره أحد المتضررين من توقف تجارة سلع الشمال بهذه المدينة. مقاومة العطالة يؤكد "عبد الصمد"، وهو مالك أحد المقاهي القريبة من إحدى القيساريات التي تضم العشرات من الدكاكين المختصة في ما مضى ببيع السلع المتدفقة من سبتة أن "الإجراءات الوقائية للحد من انتشار الوباء التي امتدت على مدى أشهر، إضافة إلى إغلاق المعبر الحدودي وتوقف دخول السلع، جعل تجارته تتراجع بشكل كبير"، مشيرا إلى أن "المداخيل التي كان يدرها المقهى لم تعد كما كانت في السابق، بل إنها صارت بالكاد تغطي المصاريف"، مصرحا أن "مقاومته للعطالة هي ما يجعله يتردد في إغلاق أبواب مقهاه على غرار ما أقدم عليه بعض زملائه في هذا القطاع"، وكما عاينت "الصباح" خلال جولة لها بالمدينة، حيث اضطرت الكثير من المحلات التجارية والمقاهي والمطاعم إلى إغلاق أبوابها في انتظار فرج "قد يأتي أو لا يأتي"...!! نشاط ضعيف على مشارف الفنيدق التي طالما شكلت مرتعا خصبا للبضائع المهربة من الثغر المحتل سبتة، وتكدس العشرات من المحلات التجارية بالبضائع المهربة من مستودعات "طاراخال"، بعد أن كانت وجهة مفضلة للراغبين في اقتناء هذه البضائع، من مختلف أنحاء المغرب، والمتمثلة في مواد غذائية وأغطية وثياب وكذلك بعض الأواني... (على مشارف) هذه المدينة التي كانت طيلة عقود مركزا تجاريا ل "سلع سبتة"، وبالضبط على الطريقة المؤدية إلى "بليونش" تم إنشاء منطقة الأنشطة الاقتصادية التي كان الهدف المعلن من تأسيسها هو "خلق البدائل التي تنهي مع عقود التهريب" الذي كان يوصف بأنه "تهريب معيشي" ويقطع مع صور المهانة والاستغلال. فقبل أشهر انطلق العمل بمنطقة الأنشطة الاقتصادية بالفنيدق، وهي المنطقة التي كانت الآمال معقودة عليها لخلق بديل حقيقي يعوض الممارسات التجارية "الحاطة بالكرامة" للعابرين بالبضائع أو "الحمالة". وبعد أن انقضت فترة الاحتفاء بهذه المنطقة عادت "الصباح" إلى هذا الفضاء التجاري، من أجل استجلاء آراء المستفيدين من فضاءاته. ولعل الملاحظة الأساسية التي يقف عندها كل زائر لهذه المنطقة، أنها غير مفتوحة في وجه الجميع، أو بالأحرى أمام "الزبائن العاديين"، ذلك أن الولوج إلى هذه المنطقة مسموح به فقط لعينة من التجار، إذ يبقى حكرا على أصحاب الشركات ممن يتوفرون على "السجل التجاري". لذلك فلا غرابة أن يكون الكساد وقلة الرواج التجاري السمة الغالبة على هذا الفضاء التجاري. وفي هذا السياق صرح أحد التجار المزاولين بهذه المنطقة ل "الصباح" أن "ولوج منطقة الأنشطة الاقتصادية الجديدةبالفنيدق يقتصر على التجار من أصحاب الشركات، الذين يتوفرون على الوثائق التي تثبت امتلاكهم لشركات بوثائق قانونية"، إذ يعتبر "الرسم المهني" وثيقة أساسية لكل راغب في اقتناء البضائع، التي يعرضها المستفيدون من فضاءات هذه المنطقة. ويضيف المتحدث ذاته أنه نظرا "لأن أغلب التجار الذين يمارسون تجارة المواد الغذائية بالتقسيط ممن كانوا يجلبون سلعهم من مستودعات الفنيدق أو محلاتها الكبرى التي تبيع البضائع بالجملة، لم يعد مسموحا لهم بولوج المنطقة الجديدة، لأنهم بالتالي لا يحبذون إنشاء شركات، أو الانخراط في السجل التجاري"، لذلك يظلون "مبعدين عن اقتناء البضائع التي يؤثثون بها محلاتهم من منطقة الأنشطة الاقتصادية بالفنيدق، التي راهن المسؤولون على جعلها "البديل المفترض الذي يقطع مع عمليات تهريب السلع والبضائع عبر باب سبتة". وعن السبب في عدم قيام أغلب أصحاب المحلات التجارية الموجودة بالفنيدق أو خارجها بمدن المضيق، مرتيل وحتى تطوان، بتأسيس شركات لتأطير مهنتهم، أفاد أحد التجار أن "اشتغال تجار يتخصصون في بيع المواد الغذائية في إطار شركات، أو عبر التوفر على السجلات التجارية يزيد من أعبائهم المادية، ويضيف إلى المصاريف التي يتحملونها أخرى إضافية ما يجعلهم لا يقبلون على هذه الخطوة"، مضيفا أن "إنشاء الشركات يتطلب مواكبة محاسبية مكلفة ماديا، وتصاريح سنوية يرى الكثيرون أنهم في غنى عنها". ومن أجل ذلك يؤكد أحد المشتغلين في منطقة الأنشطة الاقتصادية الجديدةبالفنيدق أن "الرواج التجاري المتوخى من هذه المنطقة التجارية يبقى ضعيفا، ويظل الكساد سمة ملازمة لأغلب الفترات التي يقضيها أصحاب محلات المنطقة". ويرى المتحدث ذاته أن "عدم مواكبة التجار وتأطيرهم بتزامن مع إحداث هذه الفضاءات التجارية البديلة، التي كانت الغاية منها التنظيم والتقنين، وحثهم على العمل في نطاق قانوني، قد أفرغ هذه المبادرة من محتواها، وجعل المنطقة خاوية على عروشها" حسب وصف المصدر نفسه. ومن المشاكل التي يتخبط فيها المستفيدون من منطقة الأنشطة الاقتصادية بالفنيدق، "عدم اعتراف إدارة الجمارك بأنها منطقة حرة تحظى بإعفاءات ضريبية". وفي هذا الصدد صرح أحد المزاولين للتجارة بهذا الفضاء الجديد أنه "بخلاف العقود الأولية التي وقعوها قبل الاشتغال في هذه المنطقة، والتي تشير إلى أنها منطقة حرة، يواجهون من قبل إدارة الجمارك بأنها لا تحظى بهذا الامتياز، إذ يجبرون على أداء الضريبة على القيمة المضافة"، وهو ما يجعلهم يصرحون بأن "المسؤولين أخلفوا الوعود التي أطلقوها قبل إعطاء عملية الاشتغال بهذا الفضاء التجاري". ومن أجل استقاء رأي ممثل التجار المستغلين لفضاءات منطقة الأنشطة الاقتصادية، حملنا بعض الأسئلة المتعلقة بالإكراهات والمشاكل التي طبعت سير العمل بها، وتوجهنا بها إلى رئيس جمعية مستثمري منطقة الأنشطة الاقتصادية بالفنيدق الذي اتصلنا به أول مرة هاتفيا، ووعدنا بالإجابة عن جميع التساؤلات، والإدلاء بجميع الإيضاحات، لكن يظهر أنه اختار أن يخلف وعده مع "الصباح" بعد عشرات من الاتصالات دون جواب. هجرة المنعشين لا يختلف اثنان في أن الأزمة الاقتصادية التي تعيشها تطوان ترتبط بثلاثة عوامل، يتمثل أحدها في المجال العقاري، فبعدما وصف ب "الفورة" التي انطلقت منذ تسعينات القرن الماضي وعرفت تشييد عدد من الأحياء والمناطق السكنية، التي أضافت إلى الفسيفساء العمراني بتطوان أنماطا سكنية غير تقليدية، تختلف عن نمط البناء الذي يميز تصاميم المساكن الواقعة بالمدينة العتيقة لتطوان، إلا أن وتيرة النشاط العقاري بتطوان سرعان ما تراجعت خلال السنين الأخيرة. ويعزو عدد من المنعشين انكماش الاستثمار في قطاع العقار إلى عدد من الأسباب، لكن أغلبهم يجمع على أن أول أسباب انكماش حركة الاستثمار في العقار تعود إلى "تراجع الوعاء العقاري المعد للبناء وتشييد التجزئات العقارية أو الإقامات السكنية، خاصة وسط تطوان". وفي تصريح لأحد المنعشين العقاريين ل "الصباح"، أكد أن "أزمة قطاع البناء بتطوان ترتبط أساسا بغياب الوعاء العقاري الصالح للبناء الواقع داخل المدينة، والذي يفترض أنه يستقطب رؤوس أموال المستثمرين ويحظى باهتمام المنعشين، وبالتالي من شأنه كذلك أن يحظى بإقبال الزبائن المفترضين". وأكد المتحدث ذاته أن "نفاد الوعاء العقاري دفع الكثير من المستثمرين للهجرة بحثا عن بقع أرضية وفرص استثمار جديدة، بعيدا عن تطوان"، وأضاف المصدر ذاته أن "الوجهات الجديدة للمستثمرين تمثلت في مدن كبرى تتيح فرصا أكثر من قبيل طنجة والبيضاء"، مشيرا إلى أن "الوعاء العقاري الواقع بضواحي تطوان، أي خارج المناطق التي يقع عليها الإقبال، بات لا يغري المستثمرين من أجل خوض مغامرة الرهان على هذه المناطق من أجل الاستثمار بها، في ظل عدم إقبال الزبائن الباحثين عن سكن متوسط على اقتناء شقق بهذه المناطق". ويرى عدد من المنعشين الذين استقصت "الصباح" آراءهم أن "تراجع الاستثمار في قطاع العقار أدى إلى ضياع فرص شغل كثيرة بتطوان"، ذلك أن "هذا القطاع لطالما استقطب يدا عاملة نشيطة ووفر أشهرا وربما سنوات من فرص العمل للصناع والحرفيين ومقاولات البناء"، وفي ظل انحسار الوعاء العقاري تراجعت فرص العمل، حيث باتت المشاريع العقارية المفتوحة بتطوان معدودة على رؤوس الأصابع، بعد أن "استأثرت طنجة باهتمام المنعشين"، يؤكد المتحدث ذاته. وأضاف بعض المستثمرين إلى عامل تراجع الوعاء العقاري وندرته، "الارتفاع الصاروخي في أسعار بعض البقع الأرضية المهيأة للبناء"، ذلك أن "ثمن المتر المربع الواحد يفوق أحيانا 10 آلاف درهم" وهو ما أصاب القطاع بالكساد في ظل تراجع وتيرة الطلب على اقتناء الشقق السكنية، سواء المصنفة في القطاع المتوسط أو الفاخر، ودفع المستثمرين إلى البحث عن أسواق أخرى خارج تطوان.