ينطق " مغرب تطوان " لدى أنصاره ومحبيه بضم الميم، لتجعله المصادفة اسما على مسمى. فهو فريق ناشز المسار، غريب الأطوار، يعيش باستمرار على أمل، ويحيا بانتظار، ويتخطى الحقب والأعوام، متذكرا أياما غابرة، وباحثا عن أزمنة ضائعة. إنه فريق مظلوم، مثل مدينته العريقة، التي كانت على مر الزمان أهلا للحب، ومنبعا لكل ما هو جميل أبدعه الإنسان، بما وهب من وجدان فاعل، وفكر خلاق. ولذلك أحب تطاون كل من زارها، أو عاش في كنفها، فالتصق بها الغريب لا يبغي فراقا لها، و تماهى بعشقها القريب، فلم يطق بعدا عنها. لقد ظلمت " الحمامة " في مجالات متعددة، وميادين متباينة، وكان الظلم أوضح وأبين في حقول الرياضة بوجه عام، وحقل كرة القدم على وجه الخصوص. وربما يكون من قبيل المحال، الإحاطة بما جرى للفريق المظلوم، عبر أزمنة مضت، لاسيما وأن التاريخ، يحتاج إلى أهل الاختصاص، ويستند على مصادر ووثائق إرادية، وغير إرادية، ضاع الكثير منها بناد، يقال إنه لا يتوفر على أرشيف خاص. وما يمكن الإدلاء به، إنما هو شهادة قد تضاف إليها شهادات أخرى، وتتعلق بالفترة الواقعة بين منتصف الستينات، وبداية السبعينات، من القرن الماضي. وإنها لفترة صالحة لتتخذ علامة على ما عرفه مغرب تطوان، من مد محدود، وجزر واضح. إنها شهادة متواضعة ونسبية، في الآن ذاته، طالما أنها توظف الذاكرة، وتستند إلى الوعي البشري، الذي لا يستطيع على الإطلاق، أن يستحضر الماضي بكل جوانبه، والغابر بمختلف أبعاده، علاوة على كونه وعيا فرديا، لا يرتبط بالأحداث، إلا عبر زاوية من زوايا لا تتناهي، ولا ينظر إلى التاريخ إلا بواسطة الذات، وبعين الحاضر. وأكثر من ذلك، فإنها شهادة متواضعة، لأنها تصدر عن شخص لم يتبوا موقعا يؤهل لمعرفة واسعة بما حدث لفريق كروي، عبر عقود خلت، ولم يكن في يوم من الأيام، فاعلا في حقل الفريق، أو مكونا من مكوناته الرئيسة أو الثانوية. هكذا يمكن أن نقول إن مغرب تطوان، لم يكن منذ بداية النصف الثاني من ستينيات القرن الماضي، سوى ذاك الفريق الواعد بالشيء الكثير، والمر هص بمواجهة التحديات، وتحقيق أمال جمهور واسع عريض، يصح اعتباره النموذج الأمثل، بالنسبة لما ساد على خارطة كرة القدم المغربية. وإذا كنا نسمع بين الحين والآخر، عن فرق كبرى عالمية تنعت بكونها فرق أحلام، بفضل ما أبدعته على أرضية الملاعب، وبسبب ما أنجزته من ألقاب وبطولات، فإنه يحق لنا نسبيا، أن نقول عن مغرب تطوان إنه كان فريق حلم، حتى إن لم يفز بلقب أو بطولة، وذلك إذا عرفنا أنه لم يجد المناخ الملائم، لينجز الملاحم، ويحقق الأحلام، فهو فريق مظلوم، لأنه كان فريق استمتاع وإمتاع، وصاحب فرجة رياضية، وسمر كروي رفيع، مما يجعله مستحقا ما لا أخر، غير ذاك الذي آل إليه. لقد لعب فريق الحلم ضمن أندية القسم الأول خلال موسم 66/65، فامتع في مختلف مبارياته، وإن لم تكن النتائج موازية لذاك السحر المصنوع، بملعب "سانية الرمل "، وحقق نتائج سارة في مقابلات كبرى، مازلنا نتذكر منها، غزو شباك الحربالي ثلاث مرات دون مقابل، وهزم الاتحاد البيضاوي وهو في أوج قوته أيام الزاولي، وقهر الوداد الفائز بطلا للموسم في ملعبه، وأمام محبيه و أنصاره. وفي ذات الوقت لم يحقق الفريق نتائج إيجابية، بملعبه رغم السيطرة على اطوار مباريات، استحق کسب نقاطها بلا ريب، وذلك لأسباب لا يقدرها حق قدرها، سوى لاعبي الكرة وأهلها، وإن بدا واضحا للعامة، أن عوامل كاخطاء التحكيم، وظروف اللاعبين، وضعف التأطير التقني، ساهمت بفعالية في نزول الفريق إلى جحيم القسم الثاني. وقد حاول "فريق الحلم " أن يعود إلى درجة الكبار خلال موسم 66 /67 بعد أن حافظ على عموده الفقري، فتمكن منذ البداية، من تحقيق نتائج إيجابية، ولكنه اصطدم ذات يوم بخطأ تحكيم حكم عليه بالتقهقر، والتراجع وأدى به إلى إجهاض الحلم وانطفاء الأمل. وما تزال أسئلة ذلك اليوم المشهود، والفاصل في سير الفريق بدون إجابة حتى الوقت الحاضر، إذ أوقف الحكم مباراة بدت فيها سيطرة مطلقة للمغرب، عند الدقيقة العشرين، بمبرر قنينة ألقيت على أرضية الملعب، فانهزم الفريق على الورق، وعوقب بعض لاعبيه، ولم يستيقظ من كابوسه إلا بعد أن فاته القطار. وفي موسم 69/68 حاول الفريق مرة أخرى امتطاء قاطرة الصعود، بعد أن استجمع أنفاسه، ورمم صفوفه، وبدأ استعداداته في وقت مبكر، فكانت الانطلاقة الكبرى المعبرة عن عودة قوية لفريق الحلم، وكان الفوز على اليوسفية ب3/6 في ملعبه، ثم على بركان في تطوان ب0/4.وإنه لفريق مدهش يأتي على الأخضر و اليابس، هذا الذي يسجل ستة أهداف خارج ميدانه، وأمام فريق طامح في الصعود ، ثم يسجل أربعة أهداف أخرى بميدانه ،مبرهنا على أنه يمتلك خط هجوم ناري، كفيل بإنجاز المباريات الكبرى، القائدة نحو قسم الكبار. ولكن الحلم أجهض مرة أخرى لعوامل داخلية قيل إنها ترتبط بالتسيير، و الإدارة التقنية. فبعد نتائج سلبية خارج تطوان لم تعالج الأمور بأناة وتشخيص لأبعاد الواقع، وإنما بإلقاء اللوم، كل اللوم على اللاعبين، وكأنهم ليسوا أولئك الذين سجلوا عند بداية الموسم عشرة أهداف في مقابلتين. و بذلك كانوا أكباش فداء، حيث تم الاستنجاد بثلاثة لاعبين، لا يملكون اسما كرويا، ولا تجربة، وإنما هم باحثون عن طريق يقودهم إلى التكوين، قصد البحث عن مكان لهم في وقت لاحق بفرق أخرى. وكانت الكارثة عندما دخلوا دفعة واحدة إلى الملعب في مباراة ضد نهضة القنيطرة، فانهزم الفريق التطواني بثلاثة أهداف نظيفة، لاشك في أنها جعلت المدرب الخميري، يستغرب لما حصل عليه فريقه القنيطري في أمسية من تلك الأمسيات، التي تمتنع عن دخول دائرة النسيان. حقا إنها مباراة واحدة، ولكنها كانت أم المباريات، لأنها أعلنت عن بداية النهاية، لموسم غابت شمسه مبكرة، وأفل نجمه قبل الأوان. لم ييأس فريق الحلم، ولم ينل منه ما عاناه من إحباط، فلعب مرة أخرى من أجل الصعود سوي فريق واحد. و مع ذلك كان صعوده عن جدارة، إذ عاقبت الجامعة الملكية لكرة القدم ناديي خلال موسم69 /70، وتمكن من تحقيق هدفه بعد احتلاله للرتبة الثالثة في قسم، لا يصعد من الرتبتين الأولى والثانية، بعد أن تبين خوضهما في الماء العكر . وربما مثل موسم 71/70 بداية الانطفاء لفريق الحلم، رغم أن نجومه استمرت ساطعة بسماء الكرة التطوانية. فقد عملت إدارة النادي، على جلب عناصر لتعزيز الفريق، وملء الثغرات، قصد التأقلم مع أجواء القسم الأول . ولكنه جلب لم يحالفه التوفيق، إلا في أضيق الحدود، لكونه لم يستند إلى دراسة للحاجات، ولم يتجه للبحث عن النجوم الكبار، لملء الفجوات، وإنما اعتمد في الغالب على لاعبين مبتدئين، أو من أولئك الذين شكلوا فانضا عن متطلبات أنديتهم، فتاه فريق الحلم. ليدخل دوامة بلا توقف، و متاهة بلا منفذ تلك هي حكاية فريق الحلم بإيجاز، وعبر فترة محدودة بين خلالها، أنه فريق حلم بالإمكان، وإن لم يصل إلى أن يكون كذلك، بالفعل مثلما نقول عن بذرة إنها شجرة، بالإمكان قبل أن يتحقق لها: وجود بالفعل صادفت التربة الصالحة، والمناخ الملائم. لقد تضمن الفريق لاعبين فنانين يلعبون الكرة بمهارة ونظافة، وينشدون قصائد الشعر، فتواضعت النتائج في كثير من الأحيان لأن كرة القدم ليست ولن تكون قط مجرد شعر، أو فن رفيع. وقد علمنا التاريخ أن اللعب الجميل، لا يقود بالضرورة إلى النتائج الإيجابية، فقد فاز المنتخب الإيطالي في مونديال 1982 على منتخبي الأرجنتين و البرازيل، وانتصر جانتيلي على مارادونا، بعد إسقاطه 21 مرة، وقهر المدرب بيرزوت فريقا من السحرة، مثل زيكو ، وسقراطس، وفالكاو، وجونيور ، وإلدير وقبل ذلك شاهدنا في مونديال 1978 "القاتل "، كمبس يتوج بطلا للعالم، دافعا رفاق كرويف إلى الحسرة، لأن معزوفتهم الكلاسيكية لم تفدهم في شيء، أمام موسيقى الصخب والضجيج. لقد ملك الفريق فرديات ذات تقنيات عالية، فهذا يراوغ بالخاصرة، وذاك يداعب الكرة بين قدميه، على طريقة بيست (لاعب مانشيستر)، وثالث يغير اتجاه اللعب بذكاء والمعية، ورابع يرسل القذائف إلى ثكنة الخصم، بقوة خارقة، وآخرون ينجزون ما هو مطلوب منهم، في الكر والفر، والتقدم والتراجع، بأجمل أداء، وأفضل وجه. غير أن اللوحو سادتها ظلال كانت وراء إجهاض الحلم، عبر مختلف المباريات. فقد لوحظ، في، كثير من الأحيان ،عدم التوازن بين خطوط الفريق، وأحيانا كان الرسم باديا بثلاثة مدافعين، إذ يتم اللعب في واقع الأمر بمدافع أوسط وحيد، رغم أن الممارسة انتهت إلى النصف الثاني من ستينيات القرن العشرين ، علاوة على أن دور التغطية كاد ينعدم، فإن صعد الظهير الأيسر، وفقد الكرة ، وجد جناح الفريق الخصم، المساحات الفارغة ، وإن وقف مهاجم لذلك الخصم وجها لوجه، أمام قلب الدفاع، عقب هجوم مرتد ، فالطريق فسيح مفروش بالورود. الأستاذ أحمد حجي عنوان الكتاب: المغرب أتلتيك تطوان مسيرة المد والجزر للمؤلف: الأستاذ الطيب البقالي منشورات جمعية تطاون أسمير (بريس تطوان) يتبع...