حينما أكد جلالة الملك في خطاب افتتاح الدورة التشريعية البرلمانية الجديدة أمام نواب الأمة بأن ملف النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية قد حسم وطوي، وأعلن بما يشبه زف بشرى سارة إلى شعبه أنه "اليوم ظهر الحق، والحمد لله؛ والحق يعلو ولا يعلى عليه، والقضايا العادلة تنتصر دائما. قال تعالى : "وقل جاء الحق وزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقا". صدق الله العظيم."اعتقد عدد من المتابعين لهذا النزاع أن الأمر مجرد تطمين وقراءة تفاؤلية للمستقبل في إطار الانعطافة التاريخية التي يشهدها ملف النزاع في اتجاه مسار جديد لبحث سبل الحل السياسي النهائي، ترجح فيه كفة الوحدة الترابية للمملكة وسيادتها على كل ما سواها من أطروحات متداولة بشأن حلول أخرى مطروحة أو ممكنة الطرح والاقتراح. غير أن أمر هذا التأكيد الملكي تجاوز هذا التوقع إلى الإقرار بواقع جديد يتحول بشكل سريع في اتجاه واحد ألا وهو الطي النهائي لهذا النزاع المفتعل ونفض المجتمع الدولي يديه منه بعد أن حسم واقع الحال والمآل النزاع لصالح المغرب، من خلال عناصر واضحة للشروع في إغلاق هذا الملف بصفة نهائية، تعود منه الجزائر بصنيعتها البوليزاريو لتتدبر حل ما عقدته بنفسها، ويعود منه المغرب بصحرائه المرفوعة الهامة دوما في وطنها وفي قلب التنمية التي ثبتت أقدامها بربوع الصحراء واستقطبت إليها العالم الذي شد إليها الرحال في سياحات وشراكات وزيارات وقنصليات ومسيرات ومؤتمرات وتظاهرات لا تنقطع قوافلها يوما أو ساعة حتى لكأن أنشط تراب في المنطقة وفي المغرب هو هذا التراب والإقليم الصحراوي. وأهم العناصر الظاهرة المغلقة والطاوية بصفة نهائية لملف النزاع حول الصحراء، مع بقاء المداولات الأممية بشأنه مجرد لمسات أخيرة لإقباره وتفاصيل تقنية لسحبه وركنه في الأرشيف الأممي، ومجرد أنفاس أخيرة ورمق أخير لصناعه قبل أن ينطفئ الأمل في عيونهم وينطوي بعضهم على بعض يتلاومون. العنصر الأول في تأكيد الطي والحسم هو الحسم الداخلي المغربي في النزاع بالتفاف جميع أبناء الوطن بمن فيهم أبناء الصحراء المغربية على الوحدة الترابية للمملكة والتشبث المتين بروابط البيعة الشرعية التاريخية بين سكان الصحراء وملوك المغرب، ثم الربط القوي والنهائي للأقاليم الجنوبية الصحراوية بقاطرة التنمية وبالشبكة الطرقية من شمال المملكة إلى عمقها الإفريقي، فضلا عن تجهيزها بالبنى التحتية الكبرى من مطارات وموانئ مفتوحة على عالم السياحة والأعمال والتجارة التي تجعل مجرد التفكير في وضع آخر ممكن ومستقبلي لهذه الأقاليم خارج الحاضنة الوطنية الآمنة والمطمئنة مجرد وهم وسراب، ونفهم من هنا خطاب الدولة الفرنسية عبر رئيسها سواء في اعترافه لجلالة الملك أو في كلمته أمام البرلمان، بقوله "حاضر ومستقبل الصحراء لا يمكن أن يكون إلا في إطار السيادة المغربية". فهذا إقرار بالواقع الحاسم لهذا الإقليم في اختياره الانتماء للوطن وفي سرعة اندماجه وارتباطه بجذوره المغربية. العنصر الثاني في هذا الحسم والطي النهائي للنزاع هو الحسم الخارجي، فشتان اليوم بين التكالب الدولي في الماضي على المغرب لمساومته في صحرائه وتهديده وابتزازه في أرضه ووحدته الترابية، وبين التهافت الكبير والتداعي على الصحراء المغربية للاستثمار في فرص السلام والاستقرار والأمن والأمان التي توفرها الصحراء المغربية بكل إمكاناتها الطبيعية والمادية واللوجيستيكية والبشرية لاستقطاب الشراكات المربحة. ومن هذا الحسم الخارجي أيضا تصاعد الاعترافات بمغربية الصحراء وفتح القنصليات الأجنبية بمدنها العامرة، وإقامة تظاهرات دولية وقارية فيها في الرياضة والثقافة والبيئة والمناخ والديبلوماسية والتجارة والصناعة… حتى باتت الصحراء بالفعل بوابة المغرب والعالم بعضه على بعض، ولم يعد ممكنا في ظل تبادل الزيارات التي تشهدها هذه الأقاليم بين وفود الدول والمنتخبين من ممثلي الساكنة الصحراوية بالمجالس الجماعية وبالساهرين على تدبير الشأن المحلي في هذه الأقاليم. هذا ناهيك عما تمثله توأمة مدن الصحراء العامرة بحواضر ومدن عالمية من مختلف القارات، التي تعد في حد ذاتها حسما دوليا في مصير تراب هذا الإقليم وساكنته النشيطة والوطنية التي تعتز بانتمائها الوطني المغربي وبمستوى الاحترام والتقدير الذي تعبر عنه للمغرب، وفود الدول الزائرة والمستثمرة في أقاليمه الصحراوية الجنوبية. ويعد القنوط واليأس المعبر عنهما في خطاب العصابة الحاكمة في الجزائر ودميتها وصنيعتها الانفصالية، بشأن المصير المأساوي للأطروحة الانفصالية، علامة أخرى على أن حسم النزاع حول الصحراء قد وصل نهايته، وأن ما تبقى للعصابة وأزلامها من هذا الملف هو آخر مناورة يائسة وفاشلة تتمثل في التهديد بالحرب الذي يعني انسداد كل الأبواب أمامها، والإعلان الضمني عن مغادرة الموائد التفاوضية السلمية كآخر فرصة لحفظ كرامتهم ومداواة جرحهم الأبدي بطي متوافق عليه للنزاع، أما والحال رفض طي هذا الملف فإن الواقع ممثلا في الأرض، وفي توجهات المجتمع الدولي، وفي منطق التاريخ ومساره نحو المستقبل، لم ينتظر ولن ينتظر الجاهزية النفسية والفكرية للعصابة وأزلامها للتداول بشأن الحل السياسي، والقطع مع الصيغ القديمة لاستفتاء تقرير المصير، ولمخططات التسوية التي أقبرت كلها. إن إحباط العصابة وأزلامها في بلوغها نهايات ملف النزاع حول الصحراء دون انتزاع فائدة تذكر لصالح أطروحتها الانفصالية، هو الذي يفسر كل التخبطات التي تشهدها علاقاتها الدولية وكل الهجمات العشوائية والمنحرفة التي أطلقتها ضد بلادنا كمحاولة أخيرة ويائسة للانتقام من الحسم المغربي الداخلي والخارجي للنزاع لصالحه، وإلقائه العصابة الجزائرية وأزلامها إلى العالم الآخر، لتحلم بمخطط انفصالي جديد في منطقة أخرى وإقليم آخر، متناسية أن أرض القوة الضاربة تشتعل من تحتها بمطالب انفصالية ستكون أول من يقفز إلى الواجهة عند أي محاولة انتقامية حربية ضد المغرب وضد ترابه الوطني المقدس. وفي سياق هذا الحسم الخارجي لابد أن نشير إلى أن انضمام الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن إلى الاعتراف بالحق المغربي، قد دق إسفينا في آخر أمل أممي للعصابة الجزائرية وذراعها الانفصالية، ووضعها أمام الهيئات الدولية في موقف محرج ومعزول، وسيزداد الأمر إحراجا وعزلة مع تصنيف العصابة في قائمة الإرهاب، ومع قدوم سيد البيت الأبيض الجديد لإكمال تغريدته بتغريدات وزغاريد جديدة تتجه هذه المرة مباشرة إلى رأس الأفعى لقطعها، وإلى ستارة المسرحية الطويلة والمملة بغية إنزالها وإسدالها. الخلاصة أن قواعد اللعبة القديمة في المنطقة قد انتهت، وأن المغرب نجح في التحكم في خيوطها للحسم النهائي في نزاع الصحراء المفتعل، بل وتشبيكها بخيوط أخرى، وأن دخول العصابة الحاكمة في الجزائر، الطرف الأول والأساس في نزاع الصحراء، في نوبة من الصرع والهلوسات والتهديد بالحرب، دليل آخر من الخصم على أن الحسم في نزاع الصحراء قد تم وانتهى أمره، ولم يبق إلا الشغب وزرع الشكوك والفوضى لصرف الأنظار عن الهزائم المدوية لنظام العصابة.