استأنف نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكية السيد جوشوا هاريس زيارته إلى المنطقة، إذ حل ببلادنا قبل يومين، بعد زيارته القريبة إلى الجزائر وتبليغه رسائل واضحة وشديدة اللهجة وأخرى مبطنة بوعود وضمانات من إدارته لحث نظام العصابة الحاكمة في الجزائر على الانخراط التام والصادق في المسار الأممي الحصري لبحث سبل الحل السياسي والدائم والواقعي للنزاع المفتعل حول الصحراء، والضغط على العصابة للانضباط للأجندة الأممية القاضية بتعاون أطراف النزاع المفتعل مع المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، لاستئناف الموائد المستديرة، وبمشاركة لكل أطراف النزاع بما فيها الطرف الجزائري الراعي الرسمي والمحوري والمسؤول عن خلق واستدامة هذا الصراع الإقليمي. وقد نشرت الخارجية الأمريكية بيانا بشأن هذه الزيارة إلى بلادنا استبق لقاء هاريس بالمسؤولين المغاربة، تجدد فيه التأكيد على الموقف الثابت والواضح للإدارة الأمريكية من نزاع الصحراء، والذي تراه هذه الإدارة صراعا إقليميا يضر بالأمن والاستقرار في المنطقة، ويخلق بؤرة توتر تمس بالمصالح الأمريكية، ومن ثمة فإن التعجيل بحله وإنهائه يقتضي نزول الولاياتالمتحدةالأمريكية بكل ثقلها ونفوذها من أجل دعم الحل السياسي التفاوضي الذي تشرف عليه منظمة الأممالمتحدة، على قاعدة بحث المقترح المغربي للحكم الذاتي للأقاليم الصحراوية المغربية، بوصفه الحل الوحيد الواقعي والعادل والجدي والعملي وذي المصداقية الذي يساير توجهات المجتمع الدولي ويحظى بتأييد ومباركة الدول المؤثرة والوازنة في المعمور. وعلى هذا الخط من وضوح التوجه المستقبلي للإدارة الأمريكية في التعاطي مع ملف نزاع الصحراء، جددت الولاياتالمتحدةالأمريكية عبر بيان خارجيتها في سياق زيارة هاريس للمغرب، تأييدها التام لمقترح الحكم الذاتي ودعمها الكامل للمبعوث الشخصي للأمين العام الأممي السيد ديميستورا لتسهيل مهمته في الإشراف على عمليات المفاوضات المقررة لإنهاء هذا النزاع الإقليمي بتعاون جميع أطرافه، والتقدم خطوات إلى الأمام، بالأخذ بعين الاعتبار تطورات النزاع على الأرض والواقع، وعلى مستوى مقررات وتوصيات المنتظم الأممي الأخيرة. إنه نفس الموقف الذي أعلن عنه الديبلوماسي الأمريكي هاريس في زيارته الأخيرة للجزائر، وفي حواره الذي نشره موقع السفارة الأمريكية في الجزائر، لم يتغير، ويبدو أن الإدارة الأمريكية جادة إلى أقصى حد بهذا التأكيد تلو التأكيد، وبالسرعة والتسريع من تحركاتها، وتكرار عبارات دقيقة وموجهة، ألحت عليها في الزيارتين لبلدي النزاع، ومنها "التوصل دون مزيد تأخير إلى حل سياسي متفاوض بشأنه"، ويبدو أيضا أن ما أكدته العديد من القراءات والتعليقات على هامش زيارة هاريس للجزائر، ويستشف سواء من تصريحاته الأصلية أو حتى المزيفة التي اختلقها ونشرها وزورها على لسانه إعلام العصابة الحاكمة في الجزائر، بشأن وجود ضغوط أمريكية متواترة ومتصاعدة على العصابة للكف عن مناوراتها وتصعيدها للعداء في المنطقة، من أجل التفرغ لبناء مستقبل آخر ممكن ووارد وواعد في علاقات الجوار والاستثمار في السلام والاستقرار، وذلك بإبداء التعاون الضروري والمرونة المطلوبة من أجل الطي النهائي لهذا الملف المحفوف بالتهديدات والمخاطر والتدخلات الخارجية والمنذر بامتدادات إقليمية وجهوية ودولية تستهدف الولاياتالمتحدةالأمريكية نفسها، وتقترب من حدودها البحرية ومياهها الإقليمية. الدليل على وجود هذه الضغوطات بالفعل، هو ظهور مفعولها وأثرها في المشهد السياسي الجزائري، عبر ازدواجية المعايير التي تتعامل بها العصابة في سياستها الخارجية وتدبيرها للملفات، فهي إذ تعلن ظاهرا أنها ليست طرفا في النزاع وأنها تحتكم إلى المنتظم الأممي في ما يقرره بشأن حل ملف الصحراء المحال على أنظاره لتسويته، فإنها بالمقابل تقوم بكل ما من شأنه عرقلة التوصل إلى هذا الحل، وتعمل على استدامة الصراع والوقوف في الصف الأمامي والقيادي للمعركة الانفصالية، وتبني علاقاتها مع الدول وتقومها في ضوء الموقف من الصحراء، فتقطع العلاقات أو تجمدها، أمام استغراب العالمين، مع هذه الدولة أو تلك فقط لأن مواقفها الديبلوماسية والسيادية تصب في دعم مغربية الصحراء. المفعول السريع لهذه الضغوطات الأمريكية على العصابة خلال الأسبوعين الماضيين، تمثل في طريقة تعاملها مع تصريحات الديبلوماسي الأمريكي هاريس، بالإخفاء والتحريف والتزوير ومحاولة التخفيف من حدة الصراحة التي تكلم بها هذا الديبلوماسي، بانتزاع فقرات دالة من حواره وبيانه، هذا من جهة، ومن جهة أخرى القيام بحركتين متزامنتين وفي اتجاهين مختلفين، الاتجاه الأول توريط ميليشياتها في مزيد من التوغل في الأخطاء، عبر الذهاب رأسا إلى العمليات الإرهابية التي تستهدف الأراضي المغربية والمدنيين، بإلقاء مقذوفات فوق التراب المغربي، يتولى المغرب بتنسيق مع البعثة الأممية التحقيق فيها وبناء خلاصات وصياغة قرارات في ضوئها، وعبر إغراق المخيمات بمجندين أفارقة من مواطني دول جنوب الصحراء ومن المهاجرين السريين بالتحديد، تم استعراض وحداتهم وتداريبهم العسكرية على مهاجمة المدن والمساكن والبيوتات في حفل سمي بحفل التخرج في تيندوف؟؟؟ الحركة الثانية وتتمثل في الاستعداد للهروب من المسؤولية عن النزاع، ومحاولة ابتزاز الإدارة الأمريكية بضمانات ومصالح للقبول بانفراج ممكن في ملف النزاع، ولذلك تم إخراج أحد الأصوات السياسية المقربة من العصابة رغم لعبها دور المعارضة، والمتمثلة في الأمين العام السابق لحزب حركة مجتمع السلم المدعو عبد العزيز مقري، عندما تساءل في مقال أخير كتبه، عن مصلحة الجزائر من نزاع الصحراء، وعن بحث إمكانية التعاون مع الإدارة الأمريكية التي ثبت أنها تصر على دعم مبادرة الحكم الذاتي، وعلى نزولها بكامل نفوذها وتأثيرها في المنطقة للحسم الإيجابي لملف الصحراء لصالح المغرب، ونبه إلى أن كذب الإعلام الجزائري بشأن تصريحات المبعوث الأمريكي هاريس هو كذب مفضوح وحبله قصير، لأن الصرامة والوضوح نفسهما اللذان تحدث بهما هذا المبعوث لا تترك المجال للحديث عن خيارات أخرى لدى الولاياتالمتحدةالأمريكية لحسم نزاع الصحراء غير مقترح الحكم الذاتي، وأنه لا مجال لمعاكسة إرادة الأمريكيين. تفتح مثل هذه الخرجات هوامش أمام العصابة للمناورة أو الالتفاف على الضغط الأمريكي بالسماح بفرجة ممكنة في خطابها العدائي، وبالتخفف من الضغط النفسي الذي أحاطت به صناعتها للوهم الانفصالي الذي أوصلها إلى الباب المسدود وإلى حائط تقف عنده إما للالتقاط الأنفاس إن سمحت لها تطورات الأحداث وتسارعها وكذا التضييق الدولي للخناق عليها، أو للتفكير في صيغة أخرى لتجارتها بالقضية المفتعلة وبمأساة محتجزي تيندوف ومقايضة إنهائها بضمانات استدامة كراسي العصابة ومصالح أزلامها وتجنب مخاطر العقوبات الأمريكية على تعنتها وعدم تعاونها. خلاصة ما في الأمر أن التحركات الأخيرة للعصابة لتوريط مرتزقتها في شر صنيعهم بها، ولمحاولة إبداء نوع من المرونة مع الضغوط الأمريكية، تكشف أن موضوع الصحراء عندها ليس موضوع مبادئ ثابتة، وإنما وسيلة ابتزاز وتجارة ونخاسة وأن تساؤل أحد أزلامها عن مصلحة الجزائر من هذا النزاع وعن ماذا ستجنيه بالانخراط مع أمريكا في دعم الحل السياسي والتجاوب مع النداء الأمريكي، وعن إمكانية الانفتاح على آراء الجزائريين وعلى فرص أخرى للنقاش المجتمعي حول موضوع الصحراء بعيدا عن الضغوط لتكون الحلول إقليمية مغاربية كما أوحي بذلك على لسان السياسي الجزائري، ما هو إلا محاولة لالتماس طوق النجاة في النفق المظلم والمسدود، وتهيئة الأرضية الداخلية لاستقبال قرارات ستكون بمثابة إعلان مبطن ومغلف عن فشل الأطروحة الانفصالية للعصابة إلى غير رجعة.