لم تعد أمراض القلب حكرا على الفئات المتقدمة في العمر، بل أصبحت تستهدف شريحة واسعة من الشباب في الثلاثينات والأربعينات من حياتهم، في ظاهرة تثير قلق الأطباء والباحثين في مجال الصحة. وبينما كان ينظر سابقا إلى أمراض الشرايين التاجية على أنها مرتبطة بالتقدم في السن، تكشف الإحصاءات والملاحظات السريرية الحديثة عن تحول مقلق يعزوه المختصون إلى أنماط الحياة غير السليمة، من إقبال على الأطعمة السريعة والمشروبات الغازية، إلى الجلوس الطويل أمام الشاشات والتعرض الدائم للتوتر النفسي. في هذا الحوار، تضع الدكتورة لبنى شامي، أخصائية أمراض القلب والشرايين، أمام قراء "رسالة24" أبرز الأسباب الكامنة وراء هذه الظاهرة، وتحذر من المخاطر الصامتة التي تهدد قلب الشباب. اعتدنا أن نربط أمراض القلب والشرايين بالتقدم في السن، لكن الملاحظ اليوم هو بروزها بشكل متزايد لدى الشباب، ما أبرز العوامل المستجدة التي تقفون عليها في عياداتكم خارج الأسباب الكلاسيكية المعروفة؟ في السنوات الأخيرة نلاحظ أن الفئة العمرية المصابة بأمراض القلب أصبحت أصغر، إذ تسجل حالات متزايدة لدى الشباب ما بين 35 و40 سنة. وتتمثل هذه الأمراض أساسا في أمراض الشرايين التاجية التي تعد السبب الأكثر شيوعا للأزمات القلبية المبكرة. ويعود ذلك بالدرجة الأولى إلى العادات الغذائية غير السليمة، حيث يستهلك الشباب كميات كبيرة من السكريات والحلويات والأطعمة السريعة، إضافة إلى قلة ممارسة النشاط البدني وانتشار التدخين بشكل واسع بينهم. هل يمكن القول إن أنماط الحياة الرقمية الحديثة، مثل الجلوس الطويل أمام الشاشات والتعرض الدائم للتوتر، أصبح يشكل عاملا مباشرا في ظهور مؤشرات مبكرة لاعتلال الأوعية الدموية عند الشباب؟ بطبيعة الحال، فالتوتر الرقمي أصبح أحد أشكال الضغط النفسي الحديثة. إذ يقضي الشباب ساعات طويلة أمام الحاسوب سواء للعمل أو للترفيه، وهو ما يجعلهم في وضعية جلوس مستمرة ويقلل من حركتهم اليومية. هذا الخمول إضافة إلى الضغط النفسي الناتج عن كثرة التنبيهات الرقمية ورسائل البريد الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي، يولد توترا دائما ينعكس سلبا على الصحة العامة، بما فيها صحة القلب والأوعية الدموية. كما أن الساعات الطويلة أمام الشاشات غالبا ما تؤدي إلى اضطراب النوم، وهو عامل آخر يزيد من مخاطر الإصابة بأمراض القلب. كثير من الشباب يعتمدون على المكملات الغذائية ومنشطات الطاقة في حياتهم اليومية، إلى أي حد تشكل هذه السلوكات خطرا على صحة القلب والأوعية؟ يجب التمييز بين المكملات التي تستهلك باعتدال وتحت إشراف متخصص، وتلك التي تستعمل بشكل مفرط وعشوائي. فالمشروبات الطاقية على سبيل المثال، تحتوي على نسب عالية من الكافيين، وعند استهلاكها بكميات كبيرة قد تسبب اضطرابا في ضربات القلب وارتفاع ضغط الدم، خاصة إذا تم خلطها بالمشروبات الكحولية. كما أن الإفراط في استهلاك بعض المكملات الغذائية الموجهة للرياضيين، مثل البروتينات بجرعات عالية قد يؤثر سلبا على وظائف الكليتين ويحدث خللا في التوازن الصحي للجسم. إذا اعتبرنا أن جزءا من المسؤولية يقع على البيئة الاجتماعية، فهل ترون أن التلوث الحضري، اضطرابات النوم، أو حتى العزلة الاجتماعية تلعب دورا غير مباشر في زيادة هذه الأمراض لدى الشباب؟ التلوث البيئي، خصوصا في المدن الكبرى، يؤثر بشكل مباشر على الجهاز التنفسي من خلال زيادة معدلات الحساسية والربو نتيجة استنشاق الجزيئات الدقيقة الملوثة ومع مرور الوقت، يمكن أن يترك هذا أثرا غير مباشر على القلب، إذ يؤدي ضعف الجهاز التنفسي والالتهابات المزمنة إلى زيادة الضغط على القلب والأوعية الدموية. كما أن العيش في بيئة ملوثة يرفع من مستويات التوتر والقلق، وهو ما ينعكس بدوره على صحة القلب. في ظل هذا التحول، ما الذي توصين به كأولويات وقائية عاجلة تستهدف الشباب قبل الوصول إلى مرحلة العلاج الدوائي أو التدخل الجراحي؟ النصيحة الأساسية هي الابتعاد تماما عن التدخين بكل أشكاله، بما في ذلك السجائر الإلكترونية، لأنها تلحق أضرارا بالغة بصحة القلب والشرايين. إضافة إلى ذلك، ينبغي تجنب الأطعمة السريعة والمقلية والمشبعة بالدهون والسكريات، والتقليل من استهلاك المشروبات الغازية وفي المقابل، ينصح باعتماد نظام غذائي متوازن، وممارسة الرياضة بانتظام، والحرص على النوم الكافي لتفادي مسببات أمراض القلب في سن مبكرة.