يعيش كل مربي لحظات من الحيرة والتردد أمام مهمة تأديب الأطفال، فأساليب الماضي مثل الضرب أو الصراخ لم تعد فعالة بل قد تترك آثارا سلبية على الصحة النفسية للأطفال وتشوه توازن شخصياتهم. ومع تطور فهم علم النفس التربوي أصبح واضحا أن التربية الإيجابية والرحيمة هي الطريق الأمثل لتنشئة جيل واثق من نفسه، قادر على اتخاذ القرارات، ويحترم القيم الاجتماعية دون خوف أو قسوة. وفقا للكوتش التربوي صفاء المفريج، ولخبراء مثل الدكتور مصطفى أبو السعد، تقوم عملية التأديب الفعال على ثلاثة أسس رئيسية: التنظيم، القدوة، والبرمجة الإيحائية.
التنظيم والضوابط التنظيم يعني وضع حدود واضحة للأطفال تضمن لهم الإطار المناسب لسلوكهم، خاصة في سنواتهم الأولى، فالطفل يشعر بالأمان والاحترام عندما يعرف ما هو مسموح وما هو ممنوع، وهو أكثر احتراما لتوجيهات والديه عندما تكون هذه التوجيهات محددة ومفهومة. الكوتش صفاء تشير إلى أن التنظيم لا يعني التقييد أو القمع بل يخلق توازنا بين الحرية والالتزام ويساعد الطفل على تنمية الاستقلالية والقدرة على اتخاذ القرارات بمسؤولية الأطفال الذين ينشؤون ضمن حدود واضحة يميلون إلى احترام القواعد والأنظمة ويصبحون أقل عرضة للارتباك أو السلوكيات العدوانية. القدوة والتقليد الطفل بطبيعته يقلد من حوله، فهو كالإسفنج يمتص السلوكيات والمبادئ من والديه والمحيطين به. لذلك، فإن دور الوالدين يتعدى مجرد وضع القواعد، ليصبحوا نموذجا حيا للسلوك الإيجابي، الأب أو الأم القاسي لن ينقل سوى الخوف والاضطهاد بينما الوالد الحنون والمنضبط يكون قدوة حقيقية تعكس القيم التي يرغب في غرسها الكوتش صفاء تنصح بأن يكون الوالدان على وعي دائم بسلوكهم أمام الأطفال، فالطفل يلاحظ حتى أدق التصرفات ويستوعبها من فرحهما إلى غضبهما، ويعيد تقليدها بشكل تلقائي. البرمجة والإيحاء الإيجابي البرمجة والإيحاء هما كل ما ينقل للطفل من مشاعر وسلوكيات بشكل غير مباشر. فالأسر السعيدة تنقل سعادتها والآباء الإيجابيون يرسخون الثقة والطموح في شخصية الطفل. الإيحاء يشمل تشجيع الطفل بالكلمات والعبارات المحفزة، مثل: "أحسنت يا ذكي"، "ما شاء الله على اجتهادك"، أو "أنت متميز في دراستك". كذلك، لغة الجسد مثل الابتسامة الدائمة واللمسة الحانية تعزز الشعور بالطمأنينة والأمان. على العكس، الانتقادات المستمرة أو إطلاق الصفات السلبية على الطفل "مثل "أنت غبي" أو "عنيد"" تغرس داخله شعورا بالنقص وتؤثر سلبا على نموه النفسي والاجتماعي. التربية الإيجابية ليست مجرد أسلوب، بل فلسفة حياة، تعتمد على الحب، الاحترام، والقدوة الحسنة. من خلال التنظيم الواضح تقديم القدوة، واستخدام الإيحاء الإيجابي، يمكن للوالدين تربية أطفال متوازنين نفسيا، قادرين على مواجهة تحديات الحياة بثقة، بعيدا عن أساليب التأديب القديمة التي أثبتت فشلها. التربية الإيجابية تفتح الطريق لإنشاء جيل صحي نفسيا واجتماعيا قادر على بناء علاقات متينة قائمة على الاحترام والمحبة.