يواصل الدكتور عبد الرزاق الوزكيتي رئيس المجلس العلمي المحلي لأسفي، نشر سلسلة مقالات كتبت في ظلال الحجر الصحي لكورونا ، حصريا بجريدة " أسفي اليوم" الورقية والإلكترونية ، ننشرها تباعا إن شاء الله. .............................. سلسة مقالات كتبت في ظلال الحجر الصحي إعداد : الدكتور عبد الرزاق الوزكيتي ( رئيس المجلس العلمي المحلي لآسفي ) من أمراض العصر: معرفة أعراف الناس … مدخل لفهم الدين
نكمل حديثنا السابق عن تحليل أسباب الضعف والتمزق الذي أصاب الأمة ، وبينا من تلك الأسباب الغلو . ونتج عن هذا الغلو سوء فهم أوقع الناس في الخلط بين العادات والعبادات والأعراف ، ولابد من توضيح بعض المسائل تجبنا للوقوع في هذا الخلط بين هذه الأمور الثلاثة . فعادات الناس وأعرافهم تتنوع إلى نوعين : 1 . نوع تركه لهم الشرع ولم يقيدهم فيه بكيفية خاصة وجعل لهم الحرية في أن يختاروا من عادات التعامل ما يكون أرفق بحياتهم ومصالحهم على الوجه الأكمل دون تضييق . 2 . وهناك نوع من العادات ليست للناس فيه الحرية بل عليهم أن يلتزموا فيه ويتقيدوا بقواعد الشرع ( اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم …) ( سورة الأعراف الآية 2 ) متى تكون عادات الناس مقيدة ؟ تكون مقيدة إذا بين الدليل الشرعي حكمها من وجوب أو حرمة أو ندب ، فما حرمه الشرع فلا يجوز للناس فعله ، وما أوجبه لا يجوز للناس تركه حتى لو اعتاد جميع الناس خلاف ذلك وأقرته أعرافهم … فمثلا : تحريم النياحة واختلاء الرجل بالمرأة وكشف العورات وأكل الربا والمساواة في الإرث والشهادة بين الرجل والمرأة وتأخير الصلاة عن وقتها وتشبه الرجال بالنساء واختلاطهم في الحفلات وأماكن اللهو هذه عادات حرمها الشرع فمن فعل شيئا منها كان آثما . ولا يقال إن النياحة أو كشف العورات وخروج النساء عاريات في الشواطئ أو في الحمامات صار عرفا معتادا فهو مباح أو أن اختلاء الخطيب بالمخطوبة أصبح عادة العصر فهو مباح أو تشبه الرجال بالنساء أو بالعكس أو التعامل بالربا أو التعامل بالرشوة التي يسميها الناس ( قهيوة أو تدويرة …) أو تأخير الصلاة عن وقتها في حفلات الناس ، كل تلك الأعراف لا تكتسب مشروعيتها ولو اتفق عليها جميع الناس لأنها مخالفة للشرع . لكن متى تكون العادات مشروعة ؟ تكون مشروعة إذا لم يتعرض لها الشرع بنفي أو إثبات ، وهي ثلاثة أنواع : 1 . عادات متعلقة بهيآت الناس : حلق الرأس للرجل أو عدم حلقه تغطيته أو عدم تغطيته ، ولبس ما تعارف عليه الناس من الثياب الساتر للعورات على أي هيئة كانت ( الجلابة المغربية ، البرقع الأفغاني …) كل بلد له عاداته ويعتبر مشروعا ما دام ثياب الرجال خاليا من التشبه بالنساء أو العكس ، وخاليا من اللباس المميز لغير المسلمين كالشعارات التي ترمز لأديانهم يرسمونها على ثيابهم أو يعلقونها في أعناقهم … ومن هذا النوع عادات الناس في اختيار ما يأكلون من الطيبات ، فقد يكون لهم عرف في أكل طعام معين في يوم معين ( الجمعة كسكس ، العصيدة والرفيسة عند ولادة المرأة ، أكل الحمص أو الفول يوم عاشوراء أو الكديدة ) فلا تكون هذه العادات من البدع كما يزعم البعض فهي من المباح لكن بشرطين : أ : ألا يعتقد أن أكل هذا الطعام أو ذاك وتخصيصه بالولادة أو عاشوراء أو غيرها هو من الدين ، فإن اعتقد ذلك صار بدعة لأنه تشريع لما لم يأذن به الله. ب . ألا يعتقد أن في استعمال هذا الطعام المعين دون غيره دفع ضرر يتعلق بقدر الله ومغيبات الأمور ، كأن يعتقد أنه إذا لم يعمل العصيدة أو الرفيسة أو الكديدة يصيبه كذا وكذا . أو اعتقدت المرأة أنها إذا بدلت ثيابها وهي معتدة أو اغتسلت يوم كذا أو نظرت في المرآة أو لبست ثيابها التي اعتدت فيها فيصيبها كذا ، فمن اعتقد ذلك فقد أسند إلى غير الله ضرا أو نفعا ، وهذا ضلال وفساد في العقيدة . 2 . الأعراف التي تحدد المقصود من معاملات الناس : كمعرفة ما يعد عيبا أو غبنا في السلعة يرد به البيع ، وما يسمى ضررا في المعاشرة الزوجية وما يقدمه الخاطب من الخطبة هل هو هدية أو هو جزء من الصداق . 3 . أعراف تفسر الألفاظ حسب المناطق وأرباب الصنائع والحرف والأسواق : مثل ألفاظ اليمين والطلاق من حلف لا يجلس على بساط أو فراش وجلس على الأرض ، ومن حلف لا يأكل لحما فأكل سمكا ، ومن حلف لا يدخل بيتا فدخل المسجد مع أن المسجد بيت الله لقوله تعالى ( في بيوت أذن الله …) ( سورة النور الآية 36 ) ، وما يقصده من كون لفظ الطلاق واحدة أو أكثر أو طلقة رجعية أو بائنة ، وكذلك العرف فيمن يدفع أجرة الدلال أو السمسار هل البائع أو المشتري وهو مما يلتبس على الناس .