انطلقت في محاكم سبتةالمحتلة واحدة من أكثر قضايا غسل الأموال تعقيدًا في تاريخ المدينة، حيث يواجه أفراد شبكة إجرامية اتهامات بتبييض أموال تجارة الكوكايين، وسط تحقيقات كشفت عن امتداد أنشطتهم إلى المغرب ودول أخرى. ووفقًا للمعطيات المتوفرة، فإن القضية تعد من أضخم الملفات القضائية المتعلقة بتمويل المخدرات، بعدما تمكنت وحدة تنسيق العمليات ضد تهريب المخدرات التابعة للحرس المدني الإسباني من تفكيك الشبكة في عملية تنسيق أمني واسعة. وركزت التحقيقات الأولية على تهريب الكوكايين، إلا أن غياب أدلة ملموسة حول شحنات مخدرات دفع السلطات إلى تتبع مسارات الأموال، حيث كشفت التحريات أن المتهمين استخدموا أرباح التجارة غير المشروعة في استثمارات داخل المغرب وخارجه. وأظهرت عمليات التنصت الهاتفي وتقنيات تتبع المواقع الجغرافية وجود تحركات مشبوهة لقوارب يُعتقد أنها كانت تُستخدم لتزويد مهربين آخرين بالوقود والمؤن في مضيق جبل طارق. كما أسفرت التحقيقات عن أدلة موثقة بالفيديو، التُقطت في الميناء الرياضي بسبتة، تُظهر عمليات نقل عبوات يُشتبه في احتوائها على البنزين، ما عزز من فرضية دعم الشبكة لنشاط تهريب المخدرات عبر البحر. وأشارت وثائق المحاكمة إلى أن الشبكة لم تكتف بتهريب الكوكايين، بل عملت على تبييض الأموال عبر مشاريع استثمارية، شملت تمويلات في المغرب. وأثار هذا الامتداد تساؤلات حول مدى فعالية آليات الرقابة المالية في المملكة، لا سيما أن المتهمين لجأوا إلى قنوات مصرفية واستثمارات ظاهرها قانوني، لكنها كانت وسيلة لإدخال الأموال "القذرة" إلى السوق. وخلال الجلسات الأخيرة، استمعت المحكمة إلى شهادات أكثر من 30 عنصرًا من الحرس المدني الإسباني، إضافة إلى خبراء وشهود مرتبطين بالمتهمين. ويواجه 12 متهمًا تهماً رسمية، فيما تم استبعاد متهمة واحدة لأسباب إنسانية، بينما لا يزال شقيقان من أعضاء الشبكة فارّين منذ 2019، أحدهما يعتقد أنه العقل المدبر لعمليات تبييض الأموال.
وتتوقع مصادر قضائية أن يواجه المتهمون الرئيسيون عقوبات قد تتجاوز 10 سنوات سجناً، لكن تعقيد القضية وتشعب خيوطها الدولية قد يؤخر النطق بالحكم إلى أكتوبر المقبل. وتبقى المحاكمة نموذجًا للتحديات التي تواجهها الأجهزة الأمنية في تعقب شبكات الجريمة المنظمة التي تستغل الحدود لتوسيع أنشطتها غير المشروعة.