على بُعد كيلومترات من المركز الحضري لمدينة طنجة، وبمحاذاة المجال الساحلي للبحر الأبيض المتوسط، تمتد غابة الرميلات كجزء من الملك الغابوي الذي يضطلع بوظائف بيئية وترويحية بالغة الأهمية. وتمثل الغابة، المصنفة ضمن المجال الغابوي الحضري، إحدى آخر الرئات الطبيعية المتبقية في محيط المدينة، وتُعد متنفساً بيئياً لساكنة طنجة وزوارها، فضلاً عن دورها في الحفاظ على التوازن الإيكولوجي ومكافحة التغيرات المناخية. ورغم هذه المكانة، تعرف الغابة في السنوات الأخيرة ضغطاً متزايداً بفعل عوامل بشرية وحرائق متكررة، ما دفع عدداً من الهيئات المدنية والبيئية إلى دق ناقوس الخطر، وعلى رأسها حركة الشباب الأخضر، التي تُتابع باهتمام بالغ وضعية هذا المجال الطبيعي. ففي شهر غشت من سنة 2023، سجلت المصالح الغابوية حريقاً مهولاً أتى على ما يناهز 40 هكتاراً من الغطاء النباتي داخل منطقة دونابو التابعة للغابة، وهو ما خلّف أضراراً بيئية مهمة، وأثار تخوفات من تداعيات مماثلة في غياب حماية قانونية مفعّلة. وبعد أشهر، وتحديدا في مارس 2024، رصدت الحركة البيئية المذكورة أشغال تسييج داخل نطاق الغابة، وهي أشغال وُصفت ب"غير المشروعة"، نظراً لانتهاء صلاحية الترخيص المرتبط بها. وقد دعت الحركة، في بلاغ رسمي، إلى تدخل فوري من طرف السلطات الترابية والمصالح المعنية، مطالبةً بتوقيف هذه الأشغال وإعمال القوانين الجاري بها العمل في مجال التعمير والمحافظة على المجال الغابوي. كما طالبت ب"تصنيف غابة الرميلات ضمن قائمة المجالات الطبيعية ذات الحماية الخاصة"، وهو مطلب ينسجم مع التوجهات الوطنية الرامية إلى تعزيز المقاربة التشاركية في تدبير الموارد الطبيعية. ويأتي هذا النقاش في سياق تخليد المنتظم الدولي ل اليوم العالمي للغابات، الذي يصادف 21 مارس من كل سنة، ويشكل فرصة لإعادة طرح إشكالية تدبير الغابات في سياق حضري يعرف توسعاً عمرانياً وضغطاً ديمغرافياً متزايداً. وبالنسبة للفاعلين المحليين، فإن الحفاظ على غابة الرميلات لا يقتصر على صيانة الغطاء النباتي فحسب، بل يشكل أيضاً رهانا بيئياً وتنموياً يتطلب انسجاماً في تدخلات الفاعلين العموميين ومواكبة المجتمع المدني. ورغم مبادرة ولاية جهة طنجةتطوانالحسيمة إلى إطلاق برنامج لإعادة تأهيل الغابة وتعزيز تدابير الوقاية من أخطار الحرائق، نبهت حركة الشباب الأخضر إلى محدودية هذه الإجراءات في غياب إطار قانوني واضح يضمن ديمومة حماية المجال، ويمنع كل محاولات استغلال غير مشروع للملك الغابوي. وأكدت على ضرورة إدماج الغابة في السياسات العمومية المتعلقة بالتنمية المستدامة، وتفعيل آليات المراقبة والزجر ضد أي مخالفة تمس هذا الرصيد الطبيعي المشترك. في هذا السياق، تبقى غابة الرميلات شاهداً على مفارقة صارخة: مجال غابوي محوري في التوازن الإيكولوجي للمدينة، يواجه في الآن ذاته تهديدات صامتة تُفرغ وظيفته البيئية والترويحية من مضمونها. وفي اليوم العالمي للغابات، تُطرح من جديد أسئلة مُلحّة حول فعالية المنظومة الحالية لحماية الغابات الحضرية، وحول مدى التزام مختلف المتدخلين بحماية هذا الإرث الطبيعي من كل أشكال التراجع والتدهور.