لا شك أن استراتيجية غابات المغرب التي تم تقديمها أمام أنظار جلالة الملك محمد السادس تشكل محطة فارقة في تدبير الثروة الغابوية ببلادنا، وتترجم الوعي العميق بضرورة اعتماد رؤية استباقية مستدامة تُراعي التحولات المناخية المتسارعة، والإكراهات البيئية المتنامية، والتحديات الاقتصادية والاجتماعية المرتبطة بالتنمية القروية. لقد جاء هذا الورش الملكي الطموح ليضع الغابة في صميم السياسات العمومية، من خلال مقاربة مندمجة تشرك الفاعلين الترابيين والسكان المحليين، وتعزز الحكامة، وتحمي التنوع البيولوجي، وتعيد الاعتبار لمجالات طبيعية عانت طويلاً من التهميش والاستنزاف. وهذا ما يجعل من تنزيل الاستراتيجية ليس مجرد تمرين تقني، بل رهانا تنمويا وبيئيا يستلزم تعبئة شاملة وإرادة جماعية صلبة. ورغم الجهود المبذولة من طرف الوكالة الوطنية للمياه والغابات، والتي أبانت عن دينامية ملموسة تحت إشراف مديرها العام السيد عبد الرحيم الهومي، فإن الطريق لم يكن سالكاً بالكامل. فكما هو الحال في كل المشاريع الكبرى، يواجه التنزيل تحديات موضوعية وأخرى ذاتية، تتعلق بالبنيات التحتية، وتداخل الصلاحيات، ونقص الموارد، وأحياناً بالمقاومات المحلية الناتجة عن غياب الوعي البيئي. غير أن الإنصاف يقتضي الإشادة بما تحقق من منجزات على الأرض، وبالروح المهنية العالية التي أبانت عنها أطر الوكالة مركزياً وجهوياً، ممن اشتغلوا بصمت من أجل إعطاء المضمون الواقعي لهذه الاستراتيجية، وتفعيلها في سياقات جغرافية وبيئية واجتماعية شديدة التعقيد. إن الانتقاد البناء، حين يكون دافعه أخلاقي ومنطلقه وطني، يجب أن يُستوعب كرافعة لتقويم المسار، لا كأداة لتبخيس الجهود. فليس كل من يسلط الضوء على مكامن القصور يُضمر سوء نية، بل على العكس، كثيرون ممن يراقبون من موقع مستقل يسعون إلى تحسين الأداء وتعزيز الثقة في المؤسسات، بعيداً عن حسابات التسييس أو منطق التصفية. وفي المقابل، لا يمكن الصمت عن ما تنشره بعض الصفحات المجهولة أو المنابر الإعلامية التي تتعامل مع ملف الغابات بخفة، وتفتقد الحد الأدنى من المهنية والصدق. فالحق في النقد لا يبرر الترويج للأكاذيب أو استهداف الأشخاص بأسلوب متدنٍ يفتقر لأخلاق المسؤولية الصحفية، ويسيء للحق في المعلومة أكثر مما يخدمه. إن التحدي الحقيقي اليوم، ليس فقط في الاستمرار في تنزيل أهداف الاستراتيجية الغابوية، بل في ترسيخ ثقافة بيئية وطنية، تجعل من المواطن شريكاً لا خصماً، ومن الفاعل المحلي جزءاً من الحل لا من الأزمة. ويكفي أن نُدرك أن الحفاظ على الغابة لم يعد مجرد مسألة داخلية، بل أصبح رهانا دولياً تُقاس به مصداقية الدول في الوفاء بالتزاماتها المناخية. من هنا، فإن السيد عبد الرحيم الهومي، باعتباره مسؤولاً مكلفاً بمهام دقيقة بتكليف ملكي سامٍ، مدعو إلى المضي قدماً بروح الانفتاح والعقلانية، مستحضراً أن استراتيجية "غابات المغرب" ليست غاية في حد ذاتها، بل وسيلة لتحقيق تحول بيئي وتنموي ينسجم مع الرؤية الملكية لمغرب أكثر توازناً، وعدلاً، واستدامة.