الأستاذ أمين سامي – الخبير السوسيو – اقتصادي في التخطيط الاستراتيجي وقيادة التغيير في زمن التحولات العميقة، التي يشهدها الاقتصاد العالمي، يواصل المغرب رسم معالم مستقبل طموح يقوده صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله،تصور ملكي استراتيجي واضح المعالم نحو أفق 2035. ورؤية تتجاوز منطق التدبير التقليدي لتفتح الباب أمام اقتصاد تنافسي، عادل، منفتح على الابتكار، ومندمج قاريا ودوليا. في هذا السياق، فتحت"رسالة الأمة" نافذة نقاش معمق مع الأستاذ أمين سامي، الخبير السوسيو-اقتصادي في التخطيط الاستراتيجي وقيادة التغيير، بهدف تفكيك خيوط الرؤية الملكية الاقتصادية 2035، واستكشاف خبايا الاستراتيجية الوطنية للنمو، واستشراف رهانات المغرب الاقتصادية في أفق العقد المقبل. حوار خاص يسلط الضوء على مكامن القوة، ويضع الأصبع على التحديات البنيوية، ويسائل موقع الشباب والمقاولات والجهوية والاستثمار في معادلة التنمية الجديدة. في هذا الحوار، نقترب أكثر من رؤية 2035 من زاوية تحليلية واستشرافية مع الخبير أمين سامي، في محاولة للإجابة عن أسئلة محورية تهم مستقبل الاقتصاد المغربي، وتكشف عن الفرص الكامنة والإكراهات المحتملة في طريق تحقيق التحول الاقتصادي المنشود. كيف ترسم الرؤية الملكية 2035 ملامح مستقبل الاقتصاد المغربي؟ على مستوى الرؤية الملكية المتبصرة لجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، فهذه الأخيرة ليست مجرد تصور اقتصادي، بل هي مشروع حضاري يعيد تعريف وظيفة الدولة في الاقتصاد، من "الدولة المتدخلة" إلى "الدولة المنسقة والمحفزة". فمن خلال خطاب العرش لسنة 2023 وخطابات المناسبات الوطنية الكبرى، يتضح أن جلالة الملك يقود تحولا بنيويا عميقا في بنية الاقتصاد المغربي، عنوانه: التحول من الاقتصاد الفلاحي إلى اقتصاد الإشارات والإنتاج والتموقع الجيوستراتيجي الفعال. وفيما يخص خطاب 2023، فهو لم يكن مجرد دعوة لتسريع "عرض الهيدروجين"، بل كان إشارة خفية لإعلان مرحلة جديدة تخرج فيها المملكة من منطق "المزايا المقارنة" إلى منطق "المزايا التنافسية الدينامية" التي تصنع بالذكاء والتكنولوجيا والتحكم في سلاسل القيمة العالمية. حيث إن ربط الرؤية بين الاقتصاد والتحولات المناخية (مثل مخطط الماء الجديد) يكشف عن تبني مقاربة جديدة تجمع بين الاستباق البيئي والسيادة الإنتاجية في مختلف المجالات. وبالتالي التحول الهيكلي، من خلال الانتقال من اقتصاد قائم على الزراعة (14 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي) والخدمات التقليدية إلى اقتصاد المعرفة والصناعة التحويلية (مع استهداف زيادة مساهمة الصناعة إلى 28 في المائة بحلول 2030). ما هي أبرز مرتكزات هذه الرؤية فيما يتعلق بالتحول نحو اقتصاد تنافسي وعادل؟ ترتكز الرؤية والحكمة الملكية لجلالة الملك محمد السادس نصره الله، على رباعية مترابطة تتمثل فيما يلي، أولا السيادة الإنتاجية، ثانيا العدالة الترابية، ثالثا الاقتصاد الأخضر، وأخيرا الرقمنة العادلة. وبالتالي هذه المرتكزات تعتبر أدوات استراتيجية لإعادة هيكلة السوق الداخلية وتعزيز تموقع المغرب في الأسواق العالمية. باعتبار أن العدالة الاقتصادية لا تفهم فقط كمبدأ اجتماعي، بل كمحرك للنمو. فاستهداف الجهات الأقل نموا بالاستثمارات ليس فقط إنصافا، بل يعد أيضا استثمارا في الطلب الداخلي واستقرار طويل الأمد، مما يساهم في تحريك الاقتصاد المحلي وتحسين جودة العيش، وكذا المساهمة في جذب الاستثمارات الأجنبية مستقبلا، وتحسين مناخ الأعمال الجهوي. كيف تتعامل الرؤية مع تحدي الفوارق الاجتماعية والمجالية في التنمية الاقتصادية؟ الرؤية الملكية تدفع في اتجاه تحقيق التنمية المتوازنة، من أجل تحقيق العدالة المجالية، فمثلا، برامج تقليص الفوارق المجالية، نلاحظ تخصيص ميزانية مهمة جدا موجهة حوالي 52 مليار درهم (5.2 مليارات دولار) سنوياً لهذا البرنامج، كمبادرة تيسير، وأيضا الربط الترابي، والمؤشر الاجتماعي، بالإضافة إلى صندوق الاستثمار الجهوي فهو ليس فقط آلية تمويل، بل هو إعلان ضمني عن اللامركزية الاستثمارية الترابية، ناهيك عن تجريب نماذج جديدة مثل المناطق الصناعية الذكية يُرسل إشارات نحو "اقتصاد لا مركزي قائم على الخصوصيات الترابية". إلى أي حد تضع الرؤية رهان التصنيع والابتكار التكنولوجي كأولوية؟ بخصوص التصنيع فهو لم يعد مقصودا فقط كرفع لحصة الصناعة من الناتج الداخلي، بل كمعادل استراتيجي للسيادة الاقتصادية. وبالتالي فالتصنيع المرتكز على التكنولوجيا (صناعة السيارات الكهربائية، الطائرات، الأدوية) بات ينظر إليه كجبهة دفاع استراتيجي للمغرب وسيادته في ظل نظام عالمي جديد يعيد رسم خرائطه. ومن هنا يلزمنا إدراك أن الابتكار بات لا يفهم فقط كتكنولوجيا أولوية، بل أصبح يعتبر مقاربة تشاركية بين الجامعة والمقاولة والدولة. وبالتالي فمضاعفة تمويل البحث والتطوير"Research and Development"إلى 2 في المائة من الناتج الداخلي، يدل على أن المغربسينتقل من دور المستهلك للتكنولوجيا إلى منتج للقيمة المعرفية المضافة عاليا. ما دور الرأسمال البشري ضمن التصور الاقتصادي للمرحلة القادمة؟ الرأسمال البشري لم يعد يقاس فقط بمؤشرات التعليم أو نسب الشغل، بل بات يعامل كأصل اقتصادي (Asset)، يدخل في حسابات الجاذبية الاستثمارية. وبالتالي فخطاب الدولة يتجه إلى "إعادة تأهيل الإنسان" ليواكب مرحلة الثورة الصناعية الرابعة. وبالتالي التركيز على تكوين الكفاءات في الطاقات المتجددة والهندسة والبرمجيات ليس عشوائيا، بل مرتبط بتحول هيكلي قادم في طبيعة الاقتصاد العالمي والطلب على المهارات. وعلى هذا الأساس فإن التوجه نحو التربية المالية في المدارس والرقمنة في التعليم، هو تحضير غير مباشر لتوليد جيل من الرواد وليس فقط الباحثين عن شغل. كيف تترجم الحكومة التوجهات الملكية إلى سياسات اقتصادية ملموسة؟ الحكومة تشتغل ك "مُسند تنفيذي" للرؤية الملكية، وتبنى السياسات العمومية حاليا على مبدأ الربط بين المشاريع الكبرى (الهيدروجين، تصنيع الأدوية، الطاقات المتجددة) والإدماج الاجتماعي والجهوي. وأيضا هناك تطور في أدوات الحكومة، من البرامج العمودية إلى أدوات أفقية مثل «الميثاق الجديد للاستثمار»، وبالتالي تتبع التقدم عبر مؤشرات أداء (KPI) ربع سنوية مرتبط بمبدأ الحكامة بالنتائج، وهو تحوّل في عقلية الإدارة الاقتصادية. بصفتكم خبيرا دوليا، كيف يتم تشجيع وتحفيز الاستثمار المحلي والأجنبي في إطار هذه الاستراتيجية؟ الانتقال اليوم أصبح من منطق "جلب الاستثمار" إلى منطق "توجيه الاستثمار نحو الأولويات الوطنية". وعلى هذا الأساس يلزمنا إدراك أن الحكومة لم تعد تكتفي بالاستقبال فقط، بل أصبحت تخطط وتتفاوض وتشارك أحيانا عبر صناديق الدولة السيادية. والصندوق السيادي المغربي، صندوق محمد السادس للاستثمار أصبح أداة سيادية لإعادة توجيه الاستثمار إلى القطاعات الحيوية مثل الأمن الطاقي، الغذائي، والرقمي. ما موقع المقاولات الصغرى والمتوسطة في صلب هذه الاستراتيجية؟ تم الانتقال من خطاب "دعم الPME" (Petites et Moyennes Entreprises) أي المقاولات الصغرة والمتوسط إلى خطاب "دمجها في التصدير وسلاسل القيمة العالمية". وبالتالي المقاولة لم تعد تعتبر مجرد مشغل، بل فاعلاً في الانتقال الصناعي والرقمي. فالمنصات الرقمية مثل "Export PME" أو آليات تمويل مثل "تمويلكم" ليست إجراءات تقنية، بل مقاربة جديدة لإعادة دمج المقاولة في الاقتصاد الرسمي. ما هي رهانات المغرب في أفق 2035 على المستوى الاقتصادي القاري والإقليمي؟ المغرب لا يبحث فقط عن "توسيع السوق"، بل عن "إعادة تشكيل الفضاء الإفريقي اقتصاديا"، في إطار شراكة "رابح – رابح"، عبر البنيات التحتية (ميناء الداخلة، خط الغاز، السكك)، وعبر المبادرات السيادية مثل مبادرة الأطلسي. وبالتالي فالمغرب الآنيعمل على توطين الصناعة الإفريقية في الجنوب المغربي، وهو رهان مبكر على تحول سلاسل التوريد جنوب-جنوب، وتعزيز التكامل الإقليمي بين دول القارة. ما هو الدور المنتظر من الشباب والقطاع الخاص في تحقيق هذه الرؤية الاقتصادية؟ تقوم الرؤية الملكية على إدماج الشباب وتأهليهم للاندماج في سوق الشغل وفي سلاسل القيمة العالمية، وبالتالي التحول الاقتصادي لن يكون ممكنا دون تحول في الثقافة الاقتصادية عند الشباب. لهذا نرى انتقالا من "برامج التشغيل" إلى "برامج الريادة". إضافة على كل هذا فإن إدماج الشباب في الحكامة الجهوية (المجالس، الجهات)، يعتبر مؤشر إيجابي على الرغبة في خلق نخب اقتصادية محلية جديدة. ما موقع المغرب اقتصاديا في الساحتين الإقليمية والقارية والدولية؟ اقتصاد المغرب بات يدرك ليس فقط من حيث حجمه، بل من حيث تموقعه الذكي في نظام عالمي متحول، فالربط الطاقي، والتصنيع الأخضر، والمبادرات الجيو- استراتيجية جعلت منه "مركز ربط" لا مجرد "مستورد أو مصدر". فوصول بورصة الدارالبيضاء إلى رسملة تفوق 1000 مليار درهم، ومؤشر "MASI" فوق 19400 نقطة، ليس مجرد أداء مالي، بل تعبير عن ثقة النظام العالمي في استقرار النموذج المغربي. ولهذا إدماج المغرب في شراكات ثلاثية (أوروبا–المغرب-إفريقيا) يشير إلى دخولنا زمن "الدبلوماسية الاقتصادية الذكية". وبالتالي فالرؤية الملكية المتبصرة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، ليست فقط إستراتيجية وطنية، بل مشروع استراتيجي استشرافي لإعادة تموضع المغرب كدولة قائدة في الجنوب، ورائدة في التصنيع الأخضر، ومُصدِّرة للنموذج الاقتصادي المتوازن.