تحت شمس الواجهة المتوسطية، يتقاسم مهاجرون افارقة وشباب مغاربة الارصفة، صفوف المخابز، مقاعد سيارات الاجرة، وروتين الحياة اليومية. في طنجة، المدينة ذات الإيقاع السريع والملامح المتعددة، لا يخلو المشهد من مظاهر احتكاك بشري، يتخذ احيانا طابعا اندماجيا سلسا، واحيانا اخرى تظهر عليه علامات نفور غير معلنة. في زقاق شعبي بحي المصلى، تدير نانسي، شابة من كوت ديفوار، صالون تجميل صغيرا يصدح منه صوت موسيقى ناعمة. بين يديها، تجلس زبونة مغربية تطلب تسريحة ضفائر افريقية دقيقة. تقول نانسي بابتسامة واثقة: "اكثر زبوناتي مغربيات. انا هنا منذ ثلاث سنوات، اشعر انني جزء من الحي". ليست نانسي حالة استثنائية. فعلى اطراف حي بنديبان ومسنانة، يعيش مئات المهاجرين الافارقة أزقة شعبية او عمارات حديثة يتقاسمون تفاصيل الحياة مع جيرانهم المغاربة، في مشهد يومي يثبت ان التعايش ممكن بل قائم. "انا اكتري لشخصين من السينغال، والله ما عمرهم تاخروا في الاداء"، تقول نعيمة، مالكة شقة بسيطة، وتضيف: "اللي كيعامل الناس باحترام، كيلقى الاحترام". لكن هذا التمازج لا يخفي مظاهر نفور تظهر في مواقف معينة. في احدى الامسيات، توقف سائق تاكسي صغير لراكب افريقي وسط الطريق. وبينما هم الرجل بالصعود، انفجرت سيدة مغربية كانت تجلس في المقعد الخلفي، ورفضت مشاركته المكان، بل هددت بالنزول. "اقترحت ان اتنازل عن مقعدي الامامي له، فقط لانهاء الموقف… لكنه بدا محرجا، شعر انه غير مرغوب فيه"، يقول الراكب الذي شهد الواقعة. مثل هذه الحوادث، رغم كونها محدودة، تترك أثرا نفسيا لدى المهاجرين الذين يصطدمون احيانا بسلوكيات تمييزية في الفضاء العمومي، خاصة في وسائل النقل والمرافق المشتركة. ويروي بول، مهاجر كاميروني يقيم بطنجة منذ سبع سنوات، انه "في بعض سيارات الاجرة الكبيرة، يرفض الركاب الجلوس بقربي، او يتذمرون من وجودي، وكان لون بشرتي يشكل تهديدا غير معلن". وتجد هذه السلوكيات الفردية صدى لها احيانا في منصات التواصل الاجتماعي، حيث تنشط صفحات رقمية تتبنى خطابا معاديا للمهاجرين، وتروج لفكرة وجود "استيطان زاحف" من قبل مواطني افريقيا جنوب الصحراء. حيث يُعاد فيها نشر صور وتعليقات تميل الى التحريض والتهويل، وتربط بين المهاجرين ومفاهيم مثل التهديد الديموغرافي او الفوضى، ما يكرس تمثلات سلبية يصعب تفكيكها في الوعي الجمعي. ورغم هذه الخطابات، تبقى السلوكيات العنصرية شذوذا داخل مجتمع تجمع فئاته العريضة على احترام الوافدين، خصوصا في الاحياء الشعبية التي تشكل فيها العلاقات اليومية رابطا اقوى من اية احكام مسبقة. وفي احياء مثل الدرادب وبني مكادة، اصبح المهاجرون جزءا من المشهد، يدخلون ويخرجون من دكاكين البقالة، يجلسون في المقاهي، ويدفعون فواتير الماء والكهرباء مثل باقي السكان. يقول عبد السلام، صاحب بقالة صغيرة: "كاينين اللي كيتعاملوا معايا احسن من ولاد البلاد، كيداوا الكريدي وكيخلصو فالموعد، بلا مشاكل". هذا الانخراط اليومي يجد صداه في السياسات العمومية التي تبناها المغرب خلال السنوات الاخيرة، حيث شملت حملات التسوية القانونية عشرات الالاف من المهاجرين، مكنتهم من الحصول على بطاقات الاقامة والاستفادة من التعليم والصحة والعمل، في خطوة اعتبرت نموذجية على صعيد القارة. ولم تقتصر الجهود على الوثائق، بل شملت ايضا برامج ادماج اقتصادي واجتماعي، من بينها دعم مشاريع مدرة للدخل لفائدة مهاجرين، وفتح الباب امامهم للانخراط في انشطة تجارية ومهنية منظمة. وقد ساهمت هذه المبادرات في ابراز تجارب ناجحة، لمهاجرين فتحوا متاجر او محلات، او التحقوا بسوق العمل المهيكل في قطاعات البناء والخدمات والنقل. الصورة اذن ليست سوداء ولا بيضاء. فبين حالات فردية تعكس نفورا لحظيا، وممارسات يومية تؤكد الانسجام، يبقى المهاجرون الافارقة جزءا من الحياة في طنجة، يواجهون تحديات لكنهم يكسبون بالتدريج احترام المساحة التي يشغلونها. وسلوكيات التمييز، رغم وجودها، لا تمثل المزاج العام، بل تبقى شذوذا تصطدم بثقافة مجتمعية ترحب في الغالب، وتقبل بالتنوع، وتمنح الاخر فرصة كي يصير جارا، زبونا، او حتى صديقا. في مدينة تنفتح يوميا على ضيوف من كل الجنسيات، وتراكم طبقات من الهويات، يبدو ان التعايش لا يحتاج سوى لقدر من الاحترام، وبعض الصبر، والكثير من الانسانية.