في موقع يعج بالحركة على مدار الساعة، تتواصل أشغال تأهيل الملعب الكبير لطنجة استعداداً لاستقبال مباريات كأس إفريقيا للأمم 2025، في سباق مع الزمن لتحويل المنشأة الرياضية إلى نقطة جذب قارية بمواصفات عالمية. ويعيش الملعب الذي ظل لسنوات واجهة رياضية بارزة في شمال المملكة، أوراشا استثنائية يتداخل فيها الحديد بالخرسانة، والزمن بالتحديات اللوجستية، في مشهد يترجم الرهان الوطني على جاهزية المنشآت قبل الموعد القاري. وبدأت قصة ملعب طنجة قبل أكثر من عقدين، عندما أُطلقت الأشغال الأولى سنة 2002 ضمن برنامج استراتيجي لبناء ملاعب كبرى في عدد من المدن. لكن تعثرات التمويل آنذاك أخّرت الانطلاقة الفعلية، إلى أن دُشن الملعب في أبريل 2011 بسعة أولية تقارب 45 ألف مقعد. ومنذ ذلك الحين، استضاف الملعب مباريات دولية ومحلية رفيعة، منها كأس السوبر الفرنسي مرتين، ونهائي كأس السوبر الإسباني سنة 2018، فضلا عن احتضانه لمباريات كأس العالم للأندية مطلع 2023. غير أن الطموح الجديد الذي يحمله المغرب، سواء من خلال تنظيم كأس إفريقيا 2025 أو الترشح الثلاثي لمونديال 2030، دفع إلى إعادة النظر في البنية التقنية للملاعب، وفي مقدمتها ملعب طنجة. وهكذا تقرر توسيعه وتغطيته بالكامل، وتحديث مرافقه الداخلية، ورفع سعته نحو 65 ألف مقعد بشكل دائم، مع إمكانية بلوغ 80 ألف في بعض السيناريوهات التنظيمية المؤقتة. أشغال تلامس عنان السماء وفي منتصف ماي الماضي، أنهت الفرق التقنية أولى المراحل المعقدة في المشروع، عبر رفع وتثبيت الحلقة الأولى من السقف المعدني، وهو إنجاز اعتُبر حينها نقطة تحوّل حقيقية في الورش. وتشكل هذه الحلقة، المصنوعة من الفولاذ الثقيل، الأساس الذي تُركّب عليه عشرات العوارض الشعاعية لتغطية كامل المدرجات، وتُنفّذ العملية بوسائل رفع عملاقة وباستعمال تقنيات دقيقة لضمان التوازن الهندسي والصلابة. وخلال الأسابيع الأخيرة، تواصلت عمليات تركيب العناصر العلوية للسقف، فيما تُجرى بالتوازي أعمال التجهيز الداخلي للمرافق، وتثبيت الشاشات العملاقة، وتجديد ممرات الولوج، ونصب مقاعد جديدة تستجيب لمعايير الراحة والسلامة التي تفرضها الفيفا والكاف. مصادر متابعة للأشغال أكدت أن وتيرة الإنجاز "مرتفعة"، رغم بعض الصعوبات المرتبطة بأحوال الطقس وخصوصيات التربة في بعض جوانب المدار الأرضي للملعب. مرحلة السرعة القصوى بدأت ومع بداية يوليوز الجاري دخلت الأشغال إلى مرحلة الحسم، حيث جرى تسريع وتيرة تركيب العوارض، بالتزامن مع تهيئة الأرضية التي ستستقبل العشب الطبيعي الجديد. كما تم الانتهاء من البنية التحتية الخاصة بتصريف المياه، وهي خطوة ضرورية قبل مدّ الطبقات العازلة والأساسات الترابية الخاصة بالمستطيل الأخضر. وفي محيط الملعب، تُهيّأ المسارات الخاصة بالجماهير ووسائل النقل، مع بدء أشغال تكميلية تتعلق بالمرافق الإعلامية وقاعات الصحافة، والفضاءات التجارية والخدماتية التي ستكون جاهزة تدريجياً مع نهاية شهر غشت المقبل. ومن المرتقب أن تنتهي مرحلة السقف في شتنبر 2025، ليتم بعدها اختبار جميع الأنظمة، من الصوت إلى الإنارة، مروراً بأنظمة المراقبة والبث المباشر. ويخضع المشروع لإشراف مباشر من وزارة التجهيز والنقل واللوجستيك والماء، بشراكة مع الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، ومساهمة السلطات المحلية التي تواكب الورش بتنسيق يومي. وفي ظل التقدم المحرز، أصبح ملعب طنجة ضمن قائمة الملاعب المغربية الأكثر جاهزية، إلى جانب مركب محمد السادس، وملعب أكادير، ومركب فاس. وإذا كان الرهان الأول هو احترام موعد "الكان"، فإن التحدي الأبعد يظل مرتبطا بكأس العالم 2030، إذ من المتوقع أن يلعب الملعب دورا محوريا في احتضان مباريات كبرى، وربما أدوار إقصائية، في حال استمر احترام المواعيد وجودة الإنجاز. من ورشة ترابية هادئة سنة 2002 إلى منصة شبه مكتملة تستعد لصخب القارة، يخط ملعب طنجة الكبير مساره بخطى واثقة، ضمن لحظة مغربية استثنائية تجمع بين الطموح الهندسي والرؤية الرياضية بعيدة المدى.